المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تفسير الاية (70-72) من سورة الأسراء  
  
4880   06:44 مساءً   التاريخ: 22-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُو فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا } [الإسراء: 70 - 72]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما تقدم قول إبليس هذا الذي كرمت علي ذكر سبحانه بعد ذلك تكرمة لبني آدم بأنواع الإكرام وفنون الأنعام فقال {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} أي: فضلناهم عن ابن عباس وأجريت الصفة على جميعهم من أجل من كان فيهم على هذه الصفة كقوله { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقيل: إنما عمهم بالتكرمة مع أن فيهم الكافر المهان لأن المعنى أكرمناهم بالنعم الدنيوية كالصور الحسنة وتسخير الأشياء لهم وبعث الرسل إليهم وقيل معناه عاملناهم معاملة المكرم على وجه المبالغة في الصفة واختلف فيما كرموا به فقيل بالقوة والعقل والنطق والتمييز عن ابن عباس والضحاك وقيل: إنهم يأكلون باليد وكل دابة تأكل بفمها رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس وقيل: بتعديل القامة وامتدادها عن عطاء وقيل بالأصابع يعملون بها ما يشاءون روي ذلك جابر بن عبد الله وقيل بتسليطهم على غيرهم وتسخير سائر الحيوانات لهم عن ابن جرير وقيل بأن جعل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهم عن محمد بن كعب وقيل بأنهم يعرفون الله ويأتمرون بأمره وقيل: بجميع ذلك وغيره من النعم التي خصوا بها وهو الأوجه.

 { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} في البر على الإبل والخيل والبغال والحمير وفي البحر على السفن { وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي: من الثمار والفواكه والأشياء الطيبة وسائر الملاذ التي خص بها بنوآدم ولم يشركهم شيء من الحيوان فيها { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} استدل بعضهم بهذا على إن الملائكة أفضل من الأنبياء قال لأن قوله { على كثير } يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه وليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق وهذا باطل من وجوه ( أحدها ) إن التفضيل هاهنا لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي عددنا بعضها ( وثانيها ) إن المراد بالكثير الجميع فوضع الكثير موضع الجميع والمعنى إنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير كما يقال بذلت له العريض من جاهي وأبحته المنيع من حريمي ولا يراد بذلك إني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس بعريض وأبحته منيع حريمي ولم أبحه ما ليس منيعا بل المقصود أني بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض وفي القرآن ومحاورات العرب من ذلك ما لا يحصى ولا يخفى ذلك على من عرف كلامهم قال سويد بن أبي كاهل في شعره :

من أناس ليس في أخلاقهم                   عاجل الفحش ولا سوء الجزع

 ولم يرد أن في أخلاقهم فحشا آجلا ولو أراد ذلك لم يكن مادحا لهم ( وثالثها ) أنه إذا سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب وإن لفظة من في قوله { ممن خلقنا } يفيد التبعيض فلا يمتنع أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم لأن الفضل في الملائكة عام لجميعهم أوأكثرهم والفضل في بني آدم يختص بقليل من كثير وعلى هذا فغير منكر أن يكون الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم ومتى قيل إذا كان معنى التكريم والتفضيل واحدا فما معنى التكرار ( فجوابه ) إن قوله { كرمنا } ينبىء عن الأنعام ولا ينبىء عن التفضل فجاء بلفظ التفضيل ليدل عليه وقيل إن التكريم يتناول نعم الدنيا والتفضيل يتناول نعم الآخرة وقيل أن التكريم بالنعم التي يصح بها التكليف والتفضيل بالتكليف الذي عرضهم به للمنازل العالية { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه بنبيهم عن مجاهد وقتادة ويكون المعنى على هذا أن ينادى يوم القيام فيقال هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي محمد فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء فيأخذون كتبهم بأسمائهم ثم يقال هاتوا متبعي الشيطان وهاتوا متبعي رؤساء الضلالة وهذا معنى ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

 وروي أيضا عن علي (عليه السلام) إن الأئمة إمام هدى وإمام ضلالة ورواه الوالبي عنه بأئمتهم في الخير والشر ( وثانيها ) معناه بكتابهم الذي أنزل عليهم من أوامر الله ونواهيه فيقال يا أهل القرآن ويا أهل التوراة عن ابن زيد والضحاك ( وثالثها ) إن معناه بمن كانوا يأتمون به من علمائهم وأئمتهم عن الجبائي وأبي عبيدة ويجمع هذه الأقوال ما رواه الخاص والعام عن الرضا علي بن موسى (عليهماالسلام) بالأسانيد الصحيحة أنه روي عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال فيه يدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال أ لا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة فدعا كل قوم إلى من يتولونه ودعانا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفزعتم إلينا فإلى أين ترون يذهب بكم إلى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثا ( ورابعها ) إن معناه بكتابهم الذي فيه أعمالهم عن ابن عباس في رواية أخرى والحسن وأبي العالية ( وخامسها ) معناه بأمهاتهم عن محمد بن كعب { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} أي: فمن أعطي كتاب عمله الذي فيه طاعاته وثواب أعماله بيمينه { فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ} فرحين مسرورين لا يجنبون عن قراءته لما يرون فيه من الجزاء والثواب { وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} أي: لا ينقصون ثواب أعمالهم مقدار فتيل وهو المفتول الذي في شق النواة عن قتادة وقيل الفتيل في بطن النواة والنقير في ظهرها والقطمير قشر النواة عن الحسن جعل الله إعطاء الكتاب باليمين علامة الرضا والخلاص وإعطاء الكتاب باليسار ومن وراء الظهر علامة السخط والهلاك.

 { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} ذكر في معناه أقوال ( أحدها ) إن هذه إشارة إلى ما تقدم ذكره من النعم ومعناه أن من كان في هذه النعم وعن هذه العبر أعمى فهو عما غيب عنه من أمر الآخرة أعمى عن ابن عباس ( وثانيها ) إن هذه إشارة إلى الدنيا ومعناه: من كان في هذه الدنيا أعمى عن آيات الله ضالا عن الحق ذاهبا عن الدين فهو في الآخرة أشد تحيرا وذهابا عن طريق الجنة أوعن الحجة إذا سئل فإن من ضل عن معرفة الله في الدنيا يكون يوم القيامة منقطع الحجة فالأول اسم والثاني فعل من العمى وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ( وثالثها ) إن معناها من كان في الدنيا أعمى القلب فإنه في الآخرة أعمى العين يحشر كذلك عقوبة له على ضلالته في الدنيا عن أبي مسلم قال وهذا كقوله { ونحشره يوم القيامة أعمى } وتأول قوله سبحانه { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} بأن معناه الأخبار عن قوة المعرفة والجاهل بالله سبحانه يكون عارفا به في الآخرة وتقول العرب فلان بصير بهذا الأمر وإنما أرادوا بذلك العلم والمعرفة لا الإبصار بالعين وعلى هذا فليس يكون قوله { فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى } على سبيل المبالغة والتعجب.

 وإن عطف عليه بقوله { وأضل سبيلا } ويكون التقدير وهو أضل سبيلا قال ويجوز أن يكون أعمى عبارة عما يلحقه من الغم المفرط فإنه إذ لم ير إلا ما يسوء فكأنه أعمى كما يقال فلان سخين العين ( ورابعها ) إن معناه من كان في الدنيا ضالا فهو في الآخرة أضل لأنه لا يقبل توبته عن الحسن واختاره الزجاج على هذا القول وقال تأويله إنه إذا عمي في الدنيا وقد عرفه الله الهدى وجعل له إلى التوبة وصلة فعمي عن رشده ولم يتب فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلا لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية .

_______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص273-276.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

بماذا كرّم اللَّه بني آدم ؟

وقبل أن نجيب عن هذا السؤال نبين معاني ألفاظ الآية :

أ – { ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ } . ان اللَّه سبحانه كرّم ابن آدم بما زوده به من مؤهلات تجعله محترما مكرما . وسنذكر طرفا من هذه المؤهلات بعد تفسير ألفاظ الآية .

ب – { وحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ } . هذا الحمل بعض ما كرم اللَّه به بني آدم ، ومن الواضح أن تيسير المواصلات من دعائم الحياة الانسانية .

ج – { ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ } . وكل ما يجلب للإنسان نفعا بجهة من الجهات ، أويدفع عنه ضرا كذلك فهو طيب وخير وحسن ، ماديا كان أومعنويا .

د – { وفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً } . قال كثير من المفسرين :

ان المراد بكثير في الآية الجميع ، ورتبوا على ذلك تفضيل الإنسان على الملائكة ، واستغرقت هذه المسألة الصفحات الطوال من التفاسير ، مع العلم بأنه لا أثر عملي من إثارتها وتحقيقها إلا تكثير الكلام .

والصحيح أن الآية بعيدة كل البعد عن التفضيل بين الملائكة والإنسان ، وان المراد بكلمة ( كثير ) المعنى الظاهر منها ، إذ لا موجب لتأويلها والتصرف بدلالتها . بل العلم يحتم بقاءها على ظاهرها لأن الكشوف العلمية قد أبطلت النظرية القائلة : ان الأرض هي مركز الكون ، والإنسان هو سيد الكون بكامله ، وأكدت هذه الكشوف ضآلة الإنسان بالنسبة إلى الكون من حيث الضخامة وكثير غيرها من الصفات ، وهذه الكشوف يقرها ويعترف بها القرآن ، فلقد جاء في الآية 57 من غافر قوله تعالى : { لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } بأن هذا الكوكب الأرضي الذي يعيشون عليه إن هو إلا واحد من ملايين ملايين الكواكب التي لا يعرف العلم الحديث عددها على الرغم من أنه اكتشف ابعادا لا نهاية لها . . هذا ، إلى أن كثيرا من العلماء يقولون : ان هناك كواكب تسكنها كائنات عاقلة ربما أعقل وأرقى من الإنسان . .

وبالتالي فان الإنسان سيد كريم ، ما في ذلك ريب ، ولكنه ليس سيد المخلوقات كلها ، بل واحدا من السادات . . ولا شيء أدل على ذلك من جهل الإنسان بأكثر الكائنات علاوة عن ضعفه وعجزه عن التصرف فيها ، بل هو جاهل بأكثر الكائنات الأرضية زيادة على جهله بالكائنات العلوية التي تتكون من ملايين المجرات . . وبديهة أن أول شرط للسيد قدرته على التصرف في المسود . .

وبعد أن شرحنا ألفاظ الآية الكريمة نشير فيما يلي إلى طرف من الخصائص التي كرّم اللَّه بها بني آدم :

1 - خلق اللَّه سبحانه الإنسان ، فأحسن خلقه وصورته ، قال تعالى :

{ وصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } - 64 غافر . وقال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } - 4 التين .

2 - العقل ، ولولاه لم يكن الإنسان شيئا مذكورا ، بل لولا العقل ما عرف الخالق . . فبه نعرف عظمة اللَّه ، وعظمة الكون ، وعظمة العقل أيضا . .

قال أحد العقلاء : « إذا كان في الكون نجوم تلمع فان في العقل نجوما تلمع وتبهر ، وإذا كانت الأكوان المحيطة بنا أجساما مشتعلة مترابطة بقوانين دقيقة فان العقل أعظم وأروع ، وإذا كان علماء الفلك يرون في دقة الكون وعظمته دليلا على عظمة الخالق فان تكوين الإنسان أكبر دليل على عظمة اللَّه ، وإذا كان النظر إلى السماء يجعل الإنسان يشعر بضالته فان تأمل الإنسان في نفسه يجعله يشعر بعبقريته ، وبعظمة الذي خلقه ، وخلق الأكوان كلها » .

فالكون عظيم ، والعقل عظيم . . والكل لا شيء أمام عظمة الحقيقة الكبرى . .

والطريق الوحيد لمعرفة هذه العظمة ، عظمة اللَّه والكون والإنسان هو العقل . .

{ ولا تنس أن العقل ليس وقفا على الإنسان وحده } .

3 - الإنسان مستودع حافل بالغرائز والاسرار : علم وجهل . دين وكفر .

حب وبغض . حلم وغضب . خوف وجرأة . بخل وكرم . تواضع وعظمة .

أمانة وخيانة . ثبات وتقلب . . إلى ما لا نهاية . . ولست أدري هل بالغ من قال : « ليس الإنسان كائنا واحدا ، وانما هوملايين الكائنات العاقلة والمجنونة ، والمتحضرة والمتوحشة » .

4 - يتطلع الإنسان باستمرار إلى حياة أفضل ، حتى ولوكان في حياة فاضلة ، وفي الحديث : « لو كان للإنسان جبل من ذهب وجبل من فضة لتمنى لهما ثالثا » . وإذا كان هذا مثلا لطمع الإنسان فإنه يصلح أيضا مثلا لطموحه إلى أعلى .

5 - للإنسان شريعة وقيم ، عليه أن يخضع لها ، ويعمل بها ، وعلى أساسها يسأل ويحاسب ، ويكون شريفا أووضيعا .

6 - يتأثر الإنسان بمن مضى ، ويؤثر فيمن يأتي ، ويتفاعل مع أهل عصره ، يؤثر بهم ، ويتأثرون به . . ومن هنا كان له تاريخ وتراث وآثار ، دون كثير من الكائنات.

7 - للإنسان حياة أخرى هي ساحة الحكم والجزاء على ما قدمه في حياته الأولى . . إلى غير ذلك من النعم التي أشار إليها سبحانه بقوله : « وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها » - 34 إبراهيم .

( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتابَهُمْ ) .

الإمام من يؤتم به ، ويؤتمر بأمره وحيا كان أوانسان أوعقلا أو هوى ، وفي الحديث : « يدعى الناس يوم القيامة بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيّهم » .

والمراد بالكتاب في الآية كتاب الأعمال ، وأصحاب اليمين هم أهل الطاعات والحسنات ، وأصحاب الشمال هم أهل المعاصي والسيئات ، والمعنى أن المنادي ينادي يوم القيامة : أين اتباع الأنبياء والمصلحين ؟ أين العاملون بوحي العقل والدين ؟ . فيأتون ويأخذون كتاب الحسنات وثوابها بأيمانهم فرحين مستبشرين ، ينادي المنادي وأيضا : أين أتباع الظلمة الطغاة وأعوانهم ؟ أين الخائنون والمفسدون ؟ . فيأتون ويأخذون كتاب السيئات وعقابها بشمائلهم أذلاء خاسئين ( ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) . الفتيل تعبير عن الشيء الحقير التافه ، والمعنى أن اللَّه يجزي كلا بعمله ، لا ينقص من ثواب من أحسن ، ولا يزيد في عقاب من أساء .

( ومَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُو فِي الآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلاً ) هذه إشارة إلى الدنيا ، والأعمى فيها عند اللَّه سبحانه هو الذي يتخبط في الجهالة والضلالة ، وأبلغ وصف له ما قاله الإمام علي ( عليه السلام ) : « جائر عن القصد مشغوف بكلام بدعة ، ودعاء ضلالة ، فهوفتنة لمن افتتن به ، وضال عن هدى من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته » . ويتلخص معنى الآية بأن من ساء عمله في هذه الحياة ساء مصيره في الآخرة . وتدل هذه الآية دلالة واضحة على أن كل ثواب أوعقاب في الآخرة يرتبط ارتباطا كليا ووثيقا بالعمل في الحياة الدنيا ، ومن هنا قيل : الدنيا مزرعة الآخرة ، وكفى دليلا على ذلك قول الرسول الأعظم : « يحشر الناس على نياتهم » . انظر تفسير الآية 142 من آل عمران ج 2 ص 165 .

__________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 66-69.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الآية مسوقة للامتنان مشوبا بالعتاب كأنه تعالى لما ذكر وفور نعمه وتواتر فضله ورحمته على الإنسان وحمله في البحر ابتغاء فضله ورزقه، ورفاه حاله في البر ثم نسيانه لربه وإعراضه عن دعائه إذا نجاه وكشف ضره كفرانا مع أنه متقلب دائما بين نعمه التي لا تحصى نبه على جملة تكريمه وتفضيله ليعلم بذلك مزيد عنايته بالإنسان وكفران الإنسان لنعمه على كثرتها وبلوغها.

وبذلك يظهر أن المراد بالآية بيان حال لعامة البشر مع الغض عما يختص بعضهم من الكرامة الخاصة الإلهية والقرب والفضيلة الروحية المحضة فالكلام يعم المشركين والكفار والفساق وإلا لم يتم معنى الامتنان والعتاب.

فقوله:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} المراد بالتكريم تخصيص الشيء بالعناية وتشريفه بما يختص به ولا يوجد في غيره، وبذلك يفترق عن التفضيل فإن التكريم معنى نفسي وهو جعله شريفا ذا كرامة في نفسه، والتفضيل معنى إضافي وهو تخصيصه بزيادة العطاء بالنسبة إلى غيره مع اشتراكهما في أصل العطية، والإنسان يختص من بين الموجودات الكونية بالعقل ويزيد على غيره في جميع الصفات والأحوال التي توجد بينها والأعمال التي يأتي بها.

وينجلي ذلك بقياس ما يتفنن الإنسان به في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه ويأتي به من النظم والتدبير في مجتمعه، ويتوسل إليه من مقاصده باستخدام سائر الموجودات الكونية، وقياس ذلك مما لسائر الحيوان والنبات وغيرهما من ذلك فليس عندها من ذلك إلا وجوه من التصرف ساذجة بسيطة أو قريب من البساطة وهي واقفة في موقفها المحفوظ لها يوم خلقت من غير تغير أو تحول محسوس وقد سار الإنسان في جميع وجوه حياته الكمالية إلى غايات بعيدة ولا يزال يسعى ويرقى.

وبالجملة بنوآدم مكرمون بما خصهم الله به من بين سائر الموجودات الكونية وهو الذي يمتازون به من غيرهم وهو العقل الذي يعرفون به الحق من الباطل والخير من الشر والنافع من الضار.

وأما ما ذكره المفسرون أووردت به الرواية أن الذي كرمهم الله به النطق أوتعديل القامة وامتدادها أوالأصابع يفعلون بها ما يشاءون أوالأكل باليد أو الخط أوحسن الصورة أوالتسلط على سائر الخلق وتسخيرهم له أوأن الله خلق أباهم آدم بيده أوأنه جعل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم أوجميع ذلك وما ذكر منها فإنما ذكر على سبيل التمثيل.

فبعضها مما يتفرع على العقل كالخط والنطق والتسلط على غيره من الخلق وبعضها من مصاديق التفضيل دون التكريم وقد تقدم الفرق بينهما، وبعضها خارج عن مدلول الآية كالتكريم بخلق أبيهم آدم (عليه السلام) بيده وجعل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم فإن ذلك من التكريم الأخروي والتشريف المعنوي الخارج عن مدلول الآية كما تقدم.

وبذلك يظهر ما في قول بعضهم: إن التكريم بجميع ذلك وقد أخطأ صاحب روح المعاني حيث قال بعد ذكر الأقوال.

والكل في الحقيقة على سبيل التمثيل ومن ادعى الحصر في واحد كابن عطية حيث قال: إنما التكريم بالعقل لا غيره فقد ادعى غلطا ورام شططا وخالف صريح العقل وصحيح النقل. انتهى. ووجه خطأه ظاهر مما تقدم.

وقوله:{ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي حملناهم على السفن والدواب وغير ذلك يركبونها إلى مقاصدهم وابتغاء فضل ربهم ورزقه وهذا أحد مظاهر تكريمهم.

وقوله:{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي من الأشياء التي يستطيبونها من أقسام النعم من الفواكه والثمار وسائر ما يتنعمون به ويستلذونه مما يصدق عليه الرزق، وهذا أيضا أحد مظاهر التكريم فمثل الإنسان في هذا التكريم الإلهي مثل من يدعى إلى الضيافة وهي تكريم ثم يرسل إليه مركوب يركبه للحضور لها وهوتكريم ثم يقدم عليه أنواع الأغذية والأطعمة الطيبة اللذيذة وهو تكريم.

وبذلك يظهر أن عطف قوله:{وحملناهم} إلخ وقوله:{ورزقناهم} إلخ على التكريم من قبيل عطف المصاديق المترتبة على العنوان الكلي المنتزع منها.

وقوله:{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} لا يبعد أن يكون المراد بمن خلقناهم أنواع الحيوان ذوات الشعور والجن الذي يثبته القرآن فإن الله سبحانه يعد أنواع الحيوان أمما أرضية كالأمة الإنسانية ويجريها مجرى أولي العقل كما قال:{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.

وهذا هو الأنسب بمعنى الآية وقد عرفت أن الغرض منها بيان ما كرم الله به بني آدم وفضلهم على سائر الموجودات الكونية وهي - فيما نعلم - الحيوان والجن وأما الملائكة فليسوا من الموجودات الكونية الواقعة تحت تأثير النظام المادي الحاكم في عالم المادة.

فالمعنى: وفضلنا بني آدم على كثير مما خلقنا وهم الحيوان والجن وأما غير الكثير وهم الملائكة فهم خارجون عن محل الكلام لأنهم موجودات نورية غير كونية ولا داخلة في مجرى النظام الكوني، والآية إنما تتكلم في الإنسان من جهة أنه أحد الموجودات الكونية وقد أنعم عليه بنعم نفسية وإضافية.

وقد تبين مما تقدم: أولا: أن كلا من التكريم والتفضيل في الآية ناظر إلى نوع من الموهبة الإلهية التي أوتيها الإنسان، أما تكريمه فيما يختص بنوعه من الموهبة لا يتعداه إلى غيره وهو العقل الذي يميز به الخير من الشر والنافع من الضار والحسن من القبيح ويتفرع عليه مواهب أخرى كالتسلط على غيره واستخدامه في سبيل مقاصده والنطق والخط وغيره.

وأما تفضيله فبما يزيد به على غيره في الأمور المشتركة بينه وبين غيره كما أن الحيوان يتغذى بما وجده من لحم أو فاكهة أو حب أوعشب ونحو ذلك على وجه ساذج والإنسان يتغذى بذلك ويزيد عليه بما يبدعه من ألوان الغذاء المطبوخ وغير المطبوخ على أنحاء مختلفة وفنون مبتكرة وطعوم مستطابة لذيذة لا تكاد تحصى ولا تزال تزداد نوعا وصنفا، وقس على ذلك الحال في مشربه وملبسه ومسكنه ونكاحه واجتماعه المنزلي والمدني وغير ذلك.

وقال في مجمع البيان،: ومتى قيل: إذا كان معنى التكريم والتفضيل واحدا فما معنى التكرار؟ فجوابه أن قوله:{كرمنا} ينبىء عن الإنعام ولا ينبىء عن التفضل فجاء بلفظ التفضيل ليدل عليه، وقيل: إن التكريم يتناول نعم الدنيا والتفضيل يتناول نعم الآخرة، وقيل: إن التكريم بالنعم التي يصح بها التكليف، والتفضل بالتكليف الذي عرضهم به للمنازل العالية. انتهى.

أما ما ذكره أن التفضيل يدل على نكتة زائدة على مدلول التكريم وهو كونه تفضلا وإعطاء لا عن استحقاق ففيه أنه ممنوع والتفضيل كما يصح لا عن استحقاق من المفضل كذلك يصح عن استحقاق منه لذلك، وأما ما نقله عن غيره فدعوى من غير دليل.

وقال الرازي في تفسيره، في الفرق بينهما: إن الأقرب في ذلك أن يقال: إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه عز وجل عرضه بواسطة العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل فكأنه قيل: فضلناهم بالتعريض لاكتساب ما فيه النجاة والزلفى بواسطة ما كرمناهم به من مبادىء ذلك فعليهم أن يشكروا ويصرفوا ما خلق لهم لما خلق له فيوحدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئا ويرفضوا ما هم عليه من عبادة غيره انتهى.

ومحصله الفرق بين التكريم والتفضيل بأن الأول إنما هو في الأمور الذاتية أوما يلحق بها من الغريزيات والثاني في الأمور الاكتسابية وأنت خبير بأن الإنسان وإن وجد فيه من المواهب الإلهية والكمالات الوجودية أمور ذاتية وأمور اكتسابية على ما ذكره لكن اختصاص التكريم بالنوع الأول والتفضيل بالنوع الثاني لا يساعد عليه لغة ولا عرف. فالوجه ما قدمناه.

وثانيا: أن الآية ناظرة إلى الكمال الإنساني من حيث وجوده الكوني وتكريمه وتفضيله بالقياس إلى سائر الموجودات الكونية الواقعة تحت النظام الكوني فالملائكة الخارجون عن النظام الكوني خارجون عن محل الكلام والمراد بتفضيل الإنسان على كثير ممن خلق تفضيله على غير الملائكة من الموجودات الكونية، وأما الملائكة فوجودهم غير هذا الوجود فلا تعرض لهم في ذلك بوجه.

وبذلك يظهر فساد ما استدل بعضهم بالآية على كون الملائكة أفضل من الإنسان حتى الأنبياء (عليهم السلام) قال: لأن قوله تعالى:{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا} يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه، وليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق.

وجه الفساد: أن الذي تعرضت له الآية إنما هو التفضيل من حيث الوجود الكوني الدنيوي والملائكة غير موجودين بهذا النحومن الوجود، وإلى هذا يرجع ما أجاب به بعضهم أن التفضيل في الآية لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء، وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي أوتيها في الدنيا.

وأما ما أجابوا عنه بأن المراد بالكثير في الآية الجميع ومن بيانية، والمعنى وفضلناهم على من خلقنا وهم كثير.

ففيه أنه وجه سخيف لا يساعد عليه كلامهم ولا سياق الآية، وما قيل: إنه من قبيل قولهم: بذلت له العريض من جاهي وأبحته المنيع من حريمي ولا يراد به أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس بعريض وأبحته منيع حريمي ولم أبحه ما ليس بمنيع بل المراد بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض وأبحته حريمي الذي هومنيع، يرده أنه إن أريد بما فسر به المثالان أن العناية في الكلام مصروفة إلى أخذ كل الجاه عريضا وكل الحريم منيعا لم ينقسم الجاه والحريم حينئذ إلى عريض وغير عريض ومنيع وغير منيع ولم ينطبق على مورد الآية المدعى أنه أطلق فيها البعض وأريد به الكل، وإن أريد به أن المعنى بذلت له عريض جاهي فكيف بغير العريض وأبحته المنيع من حريمي فكيف بغير المنيع كان شمول حكم البعض للكل بالأولوية ولم يجز في مورد الآية قطعا.

وربما أجيب عن ذلك بأنا إن سلمنا أن المراد بالكثير غير الملائكة ولفظة من للتبعيض فغاية ما في الباب أن تكون الآية ساكتة عن تفضيل بني آدم على الملائكة وهو أعم من تفضيل الملك على الإنسان لجواز التساوي، ولوسلم أنها تدل على التفضيل فغايته أن تدل على تفضيل جنس الملائكة على جنس بني آدم وهذا لا ينافي أن يكون بعض بني آدم أفضل من الملائكة كالأنبياء (عليهم السلام).

والحق كما عرفت أن الآية غير متعرضة للتفضيل من جهة الثواب والفضل الأخروي وبعبارة أخرى هي متعرضة للتفضيل من جهة الوجود الكوني، والمراد بكثير ممن خلقنا غير الملائكة ومن تبعيضية والمراد بمن خلقنا الملائكة وغيرهم من الإنسان والحيوان والجن.

والإنسان مفضل بحسب وجوده الكوني على الحيوان والجن هذا وسيوافيك كلام في معنى تفضيل الإنسان على الملك إن شاء الله.

قوله تعالى:{ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} الفتيل هو المفتول الذي في شق النواة، وقيل: الفتيل هو الذي في بطن النواة والنقير في ظهرها والقطمير شق النواة.

وتفريع التفصيل على دعوتهم بإمامهم دليل على أن ائتمامهم هو الموجب لانقسامهم إلى قسمين وتفرقهم فريقين: من أوتي كتابه بيمينه ومن كان أعمى وأضل سبيلا فالإمام إمامان: إمام هدى وإمام ضلال، وهذا هو الذي قدمناه أن تفريع التفصيل يشهد بكون المراد بالإمام أعم من إمام الهدى.

ويشهد به أيضا تبديل إيتاء الكتاب بالشمال أومن وراء الظهر كما وقع في غير هذا الموضع من قوله:{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} إلخ.

والمعنى - بإعانة من السياق - فيتفرقون حينئذ فريقين فالذين أعطوا صحيفة أعمالهم بأيمانهم فأولئك يقرءون كتابهم فرحين مستبشرين مسرورين بالسعادة ولا يظلمون مقدار فتيل بل يوفون أجورهم تامة كاملة.

قوله تعالى:{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} المقابلة بين قوليه:{في هذه} و{في الآخرة} دليل على أن الإشارة بهذه إلى الدنيا كما أن كون الآية مسوقة لبيان التطابق بين الحياة الدنيا والآخرة دليل على أن المراد بعمى الآخرة عمى البصيرة كما أن المراد بعمى الدنيا ذلك قال تعالى:{إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} ويؤيد ذلك أيضا تعقيب عمى الآخرة بقوله:{وأضل سبيلا}.

والمعنى: ومن كان في هذه الحياة الدنيا لا يعرف الإمام الحق ولا يسلك سبيل الحق فهوفي الحياة الآخرة لا يجد السعادة والفلاح ولا يهتدي إلى المغفرة والرحمة.

وبما تقدم يتبين ما في قول بعضهم: إن الإشارة بقوله:{في هذه} إلى النعم المذكورة والمعنى ومن كان في هذه النعم التي رزقها أعمى لا يعرفها ولا يشكر الله على ما أنعمها فهو في الآخرة أعمى.

وكذا ما ذكره بعضهم أن المراد بعمى الدنيا عمى البصيرة وبعمى الآخرة عمى البصر، وقد تقدم وجه الفساد على أن عمى البصر في الآخرة ربما رجع إلى عمى البصيرة لقوله تعالى:{يوم تبلى السرائر}.

وظاهر بعض المفسرين أن الأعمى الثاني في الآية تفيد معنى التفضيل حيث فسره أنه في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلا والسياق يساعده على ذلك.

_______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص125-137.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الإِنسان سيِّد الموجودات:

إِنَّ واحدة مِن أبرز طرق الهداية والتربية، هي التنويه بشخصية الإِنسان وَمكانته وَمواهبه، لذا فإِنَّ القرآن الكريم وَبعد بحوثه عن المشركين والمنحرفين في الآيات السابقة، يقوم هُنا بتبيان الشخصية الممتازة للإِنسان والمواهب التي منحها إِيّاها ربّ العالمين، لكي لا يلوّث الإِنسان جوهره الثمين، وَلا يبيع نفسهُ بثمن بخس، حيث يقول تعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.

ثمّ تشير الآيات القرآنية إِلى ثلاثة أقسام مِن المواهب الإِلهية التي حباها الله لبني البشر، هَذِهِ المواهب هي أوّلا: { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.

ثمّ قوله تعالى:{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} و مع الالتفات إلى سعة مفهوم (الطيب) الذي يشمل كل موجود طيب وطاهر تتّضح عظمة وشمولية هذه النعمة الإِلهية الكبيرة.

أمّا القسم الثّالث مِن المواهب فينص عليه قوله تعالى: { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.

ثمّ تقسم الآية الناس يوم القيامة إلى قسمين: { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}(2). أمّا القسم الآخر فهو: من كان في الدنيا أعمى القلب: { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى}. وَطبيعي أن يكون هؤلاء العميان القلب أضل من جميع المخلوقات {وأضلّ سبيلا} فهؤلاء لا يوفقون في هَذِهِ الدنيا لسلوك طريق الهداية، وَلا هُم في الآخرة مِن أصحاب الجنّة والسعادة، لأنّهم أغمضوا عيونهم عن جميع الحقائق وَحرّموا أنفسهم مِن رؤية الحق وآيات الله وَكل ما يؤدي إِلى هدايتهم، وَيقود إِلى خلاصهم مِن المواهب العظيمة التي أعطاهم الله إِيّاها، وَلأنّ الآخرة هي صورة مُنعكسة لوجود الإِنسان في هَذه الدنيا، إِذن ليسَ ثمّةَ مِن عجب في أن يُحشر هؤلاء العميان بنفس الصورة في يوم الحشر والقيامة.

______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص347-352.

2- (فتيل) تعني الخيط الرقيق الموجود في شق نوى التمر، وَفي المقابل فإن (نقير) تعني مؤخرة نوى التمر، بينما تعني (قطمير) الطبقة الرقيقة التي تغطي نوى التمر. وكل هذه التعابير كناية عن الشيء الصغير جدّاً والحقير.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .