المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الاية (4-8) من سورة الأسراء  
  
49017   06:10 مساءً   التاريخ: 16-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } [الإسراء: 4 - 8]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما تقدم أمره سبحانه لبني إسرائيل عقب ذلك بذكر ما كان منهم وما جرى عليهم فقال { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أخبرناهم وأعلمناهم { في الكتاب } أي: في التوراة { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} أي: حقا لا شك فيه أن خلافكم سيفسدون في البلاد التي تسكنونها كرتين وهي بيت المقدس وأراد بالفساد الظلم وأخذ المال وقتل الأنبياء وسفك الدماء وقيل: كان فسادهم الأول قتل زكريا والثاني قتل يحيى بن زكريا عن ابن عباس وابن مسعود وابن زيد قالوا ثم سلط الله عليهم سابور ذا الأكتاف ملكا من ملوك فارس في قتل زكريا وسلط عليهم في قتل يحيى بخت نصر وهو رجل خرج من بابل.

 وقيل: الفساد الأول قتل شعيا والثاني قتل يحيى وإن زكريا مات حتف أنفه عن محمد بن إسحاق قال: وأتاهم في الأول بخت نصر وفي الثاني ملك من ملوك بابل وقيل كان الأول جالوت فقتله داود (عليه السلام) والثاني بخت نصر عن قتادة وقيل: أنه سبحانه ذكر فسادهم في الأرض ولم يبين ما هو فلا يقطع على شيء مما ذكر عن أبي علي الجبائي { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} أي: ولتستكبرن ولتظلمن الناس ظلما عظيما والعلونظير العتو هنا وهو الجرأة على الله تعالى والتعرض لسخطه { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} معناه: فإذا جاء وقت أولى المرتين اللتين تفسدون فيهما والوعد هنا بمعنى الموعود ووضع المصدر موضع المفعول به أي إذا جاء وقت الموعود لإفسادكم في المرة الأولى { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي: سلطنا عليكم عبادا لنا أولي شوكة وقوة ونجدة وخلينا بينكم وبينهم خاذلين لكم جزاء على كفركم وعتوكم وهو مثل قوله { أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} عن الحسن.

 وقيل معناه أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم وجهادكم لأن ظاهر قوله تعالى { عبادا لنا } وقوله { بعثنا } يقتضي ذلك عن الجبائي وقيل: يجوز أن يكونوا مؤمنين أمرهم الله بجهاد هؤلاء ويجوز أن يكونوا كافرين فتألفهم نبي من الأنبياء لحرب هؤلاء وسلطهم على نظرائهم من الكفار والفساق عن أبي مسلم.

 { فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} أي: فطافوا وسط الديار يترددون وينظرون هل بقي منهم أحد لم يقتلوه عن الزجاج { وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } أي: موعودا كائنا لا خلف فيه { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي: رددنا لكم يا بني إسرائيل الدولة وأظهرناكم عليهم وعاد ملككم على ما كان عليه { وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أي: وأكثرنا لكم أموالكم وأولادكم ورددنا لكم العدة والقوة { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} أي: أكثر عددا وأنصارا من أعدائكم { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ } معناه إن أحسنتم في أقوالكم وأفعالكم فنفع إحسانكم عائد عليكم وثوابه واصل إليكم تنصرون على أعدائكم في الدنيا وتثابون في العقبي.

 { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} معناه: وإن أسأتم فقد أسأتم إلى أنفسكم أيضا لأن مضرة الإساءة عائدة إليها وإنما قال فلها على وجه التقابل لأنه في مقابلة قوله { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} كما يقال أحسن إلى نفسه ليقابل أساء إلى نفسه ولأن معنى قولك أنت منتهى الإساءة وأنت المختص بالإساءة متقارب فلذلك وضع اللام موضع إلى وقيل إن قوله { فلها } بمعنى فعليها كقوله تعالى لهم اللعنة أي: عليهم اللعنة وقيل معناه فلها الجزاء والعقاب وإذا أمكن حمل الكلام على الظاهر فالأولى أن لا يعدل عنه وهذا الخطاب لبني إسرائيل ليكون الكلام جاريا على النسق والنظام.

 ويجوز أن يكون خطابا لأمة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيكون اعتراضا بين القصة كما يفعل الخطيب والواعظ يحكي شيئا ثم يعظ ثم يعود إلى الحكاية فكأنه لما بين أن بني إسرائيل لما علوا وبغوا في الأرض سلط عليهم قوما ثم لما تابوا قبل توبتهم وأظفرهم على عدوهم خاطب أمتنا بأن من أحسن عاد نفع إحسانه إليه ومن أساء عاد ضرره إليه ترغيبا وترهيبا { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} أي: وعد المرة الأخرى من قوله { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} والمراد به جاء وعد الجزاء على الفساد في الأرض في المرة الأخيرة أوجاء وعد فسادكم في الأرض في المرة الأخيرة أي الوقت الذي يكون فيه ما أخبر الله عنكم من الفساد والعدوان على العباد { لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} أي: غزاكم أعداؤكم وغلبوكم ودخلوا دياركم ليسؤكم بالقتل والأسر يقال سئته أسوءة مساءة ومسائية وسوائية إذا أحزنته وقيل معناه ليسؤا كبراءكم ورؤساءكم وفي مساءة الأكابر وإهانتهم مساءة الأصاغر.

 { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} أي: بيت المقدس ونواحيه فكني بالمسجد وهو المسجد الأقصى عن البلد كما كنى بالمسجد الحرام عن الحرم ومعناه وليستولوا على البلد لأنه لا يمكنهم دخول المسجد إلا بعد الاستيلاء { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} دل بهذا على أن في المرة الأولى قد دخلوا المسجد أيضا وإن لم يذكر ذلك ومعناه وليدخل هؤلاء المسجد كما دخله أولئك أول مرة { وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} أي: وليدمروا ويهلكوا ما غلبوا عليه من بلادكم تدميرا ويجوز أن يكون ما مع الفعل بتأويل المصدر والمضاف محذوف أي: ليتبروا مدة علوهم { عَسَى رَبُّكُمْ} يا بني إسرائيل.

 { أن يرحمكم } بعد انتقامه منكم إن تبتم ورجعتم إلى طاعته { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} معناه وإن عدتم إلى الفساد عدنا بكم إلى العقاب لكم والتسليط عليكم كما فعلناه فيما مضى عن ابن عباس قال إنهم عادوا بعد الأولى والثانية فسلط الله عليهم المؤمنين يقتلونهم ويأخذون منهم الجزية إلى يوم القيامة { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أي: سجنا ومحبسا عن ابن عباس .

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص221-223.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

المعنى الجملي لهذه الآيات ان اللَّه أخبر بني إسرائيل انهم يفسدون في الأرض أولا ، فيسلط عليهم من يذلهم بالقتل والأسر والسلب والنهب ، ثم يستردون قوتهم ، ولكن يعودون إلى الإفساد ثانية ، فيسلط عليهم أيضا من يضربهم الضربة الثانية ، وفيما يلي التفصيل :

1 - { وقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ } . المراد بالقضاء هنا الاعلام والإيحاء ، لا القضاء بمعنى الحكم والأمر لأن اللَّه لا يقضي بالفساد : « قُلْ إِنَّ اللَّهً لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ » - 28 الأعراف ، والمراد بالكتاب التوراة التي أنزلت على موسى بدليل قوله تعالى : { وآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ } . والمعنى ان اللَّه سبحانه أخبر بني إسرائيل ان خلفهم سيفسدون في الأرض مرتين .

2 - { لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } . وليس المقصود بإفسادهم هنا الإفساد بمعناه العام الذي يشمل الكفر والكذب وأكل الربا ، وتدبير المؤامرات ونحوها . .

فان هذا هو دينهم ودينهم في كل عصر وجيل ، وكل طور من أطوار حياتهم ، فلقد قال تعالى فيما قال عنهم : « وقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ولُعِنُوا بِما قالُوا - إلى قوله - كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً واللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ » - 64 المائدة . ليس المقصود الإفساد العام ، وانما المقصود الإفساد الخاص ، وهو الحكم والسيطرة ، وان حكمهم هو الإفساد بالذات بدليل قوله تعالى مخاطبا بني إسرائيل :

3 - { ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً } . والقرآن الكريم يستعمل العلو في الطغيان والإفساد قال تعالى : « إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ » - 4 القصص . وقال : « تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَساداً والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » - 83 القصص . والمعنى انكم يا بني إسرائيل ستحكمون مرتين ، وتتخذون الحكم وسيلة للفساد الكبير الخطير الذي لا يقاس به أي فساد . . فتستبيحون المقدسات ، وتنتهكون الحرمات ، وتستهينون بالقيم والأخلاق ، وبكل حق للَّه وللإنسان .

ولم ينص القرآن الكريم على مكان وزمان افسادهم الكبير بسبب الحكم مرتين ، ولكن المؤرخين وجماعة من المفسرين قالوا : ان بني إسرائيل أغاروا على فلسطين بعد التيه بقيادة يوشع بن نون خليفة موسى بن عمران ، واحتلوها واستولوا على جميع ما فيها من خيرات وثروات بعد أن أبادوا معظم أهلها الكنعانيين ، واستعبدوا من بقي منهم ، وكانت سيرتهم مع يوشع تماما كسيرتهم مع موسى : العصيان والعناد . . وهذه هي المرة الأولى ، أما المرة الثانية فمن قائل : انها لم تقع بعد ، وانها ستقع في المستقبل على أيدي العرب والمسلمين في فلسطين ، ويأتي البيان ، ومن قائل : انها وقعت ومضى أمدها . وهذا القول هو الأرجح .

وفي كافة الأحوال فان القرآن الكريم ينص صراحة على أن بني إسرائيل إذا حكموا وسيطروا طغوا وبغوا وأفسدوا في الأرض وعلوا علوا كبيرا . . إذن ، فلا بدع أن تبقر الدولة الصهيونية الاستعمارية بطون الحبالى في فلسطين ، وتدفن الشباب أحياء ، وتطلق النار على المساجين ، وتلقي قنابل النابالم على الآمنين ، وتهدم البيوت على أهلها ، وتكم الأفواه بالأموال والضغط العنيف . . ثم تتباكى وتتظلم من الاعتداء عليها . . نقول هذا مع العلم بأن القرآن لا يشير إطلاقا إلى هذه العصابة المرتزقة التي باعت نفسها لكل من قاد ويقود قوى الشر والاستعمار . . ولكن جاءت الإشارة إليها لأن هذه العصابة تحمل اسم إسرائيل ، وتدعي الانتماء إلى بنيه مسخة القرود والخنازير .

{ فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما } . ضمير أولاهما يعود إلى المرتين من افساد بني إسرائيل ، والوعد هنا بمعنى الموعود أي إذا جاء الوقت الموعود لإفساد بني إسرائيل في المرة الأولى { بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } . الخطاب في عليكم لبني إسرائيل ، وبعثنا سلطنا ، ولا يشرط في العباد أن يكونوا مؤمنين - كما زعم البعض - بل قد يكونون كافرين بدليل قوله تعالى : « يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ » - 30 يس ، وأولي بأس شديد أصحاب شوكة وقوة ، وهم البابليون بقيادة بختنصر أوأبيه سنحاريب ، الذين قتلوا اليهود ، وأحرقوا التوراة ، وسبوا منهم عددا كبيرا رجالا ونساء وأطفالا ، وكان ذلك سنة 586 قبل الميلاد ، وقيل : 596 { فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ } لم يأت في القرآن لفظ جاسوا إلا في هذه الآية ، والجوس طلب الشيء بالاستقصاء والتردد أي ان أولي البأس كانوا يترددون وسط ديار اليهود ذهابا وإيابا يبحثون عن اليهود ليقتلوهم { وكانَ وَعْداً مَفْعُولاً } نافدا لا خلف فيه ، ولا مرد له .

وخلاصة المعنى من مجموع هذه الآية ان بني إسرائيل حين أفسدوا في المرة الأولى بعث اللَّه عليهم قوما أقوياء أشداء قتلوا وأسروا وشردوا رجالهم ، وسبوا نساءهم ، ونهبوا أموالهم ، وخربوا ديارهم . . ونخلص من هذا ان الافسادة الأولى وضربتها من اللَّه على يد قوم أشداء قد مرت قبل الإسلام .

{ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } .

الخطاب لبني إسرائيل ، والضمير في عليهم للبابليين ، والمعنى ان بني إسرائيل يكرّون ويتحررون من أسر البابليين وإذلالهم . . والمعروف ان بني إسرائيل لم يحاربوا البابليين في ديارهم ، ولم ينتصروا عليهم ، ولكن في سنة 538 قبل الميلاد فتح ملك الفرس بلاد بابل ، وحرر من فيها من الأسرى الإسرائيليين ، وعليه تكون الكرة من بني إسرائيل على البابليين بواسطة ملك الفرس ، قال أبوحيان الأندلسي في تفسيره « المحيط » : « إن ملكا غزا أهل بابل ، وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا ، وأبقى منهم بقية عنده ببابل في الذل ، فلما غزاهم ذلك الملك ، وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل ، فطلبت منه أن يرد قومها إلى بيت المقدس ، ففعل ( 2 ) .

ولما عاد بنوإسرائيل إلى فلسطين أمدهم اللَّه بالمال والبنين ، وجعلهم أكثر عددا مما كانوا ، ولكن ما ان استردوا قوتهم حتى عادوا إلى أسوأ مما كانوا عليه من الإفساد والانحراف عن الدين ، وقتلوا زكريا ويحيى ، وهمّوا بقتل السيد المسيح ( عليه السلام ) .

{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها } . وفي هذا المعنى قوله تعالى :

« مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ » - 46 فصلت .

وقوله : « لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ » - 286 البقرة .

{ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ } . بعد أن مضى الإفساد الأول من بني إسرائيل ، ومضت محنتهم الأولى جاء الإفساد الثاني ، وحل محله وقت المحنة الثانية ، فبعث اللَّه على بني إسرائيل قوما { لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ } الخطاب لبني إسرائيل ، وضمير يسوؤا راجع إلى المبعوثين لكي ينزلوا المحنة بالإسرائيليين . . ومساءة الوجوه كناية عن محنتهم وإذلالهم ، لأن الأعراض النفسية يظهر أثرها في الوجه فرحا كانت أوحزنا ، ومثله قوله تعالى : « سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا » - 27 الملك .

{ ولِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً } . المراد بالمسجد هنا مدينة القدس ، لأن فيها هيكل سليمان ، وسمي مسجدا لأنه محل للسجود ، والمراد بالتتبير الإهلاك ، وما علوا أي ما أخذه الفاتحون وتغلبوا عليه ، والمعنى ان بني إسرائيل حين أفسدوا في المرة الثانية سلط اللَّه عليهم من يسومهم سوء العذاب ، ويجعل مصيرهم في هذه المرة تماما كمصيرهم في المرة الأولى من القتل والأسر والتشريد والتخريب والتدمير . . ونخلص من هذا ان الإفسادتين والمحنتين قد مضتا جميعا قبل الإسلام .

وفي مجمع البيان ان الذي أغار على بني إسرائيل أولا ، وخرب بيت المقدس هو بختنصر ، والذي أغار عليهم ثانية هو ملك الروم ، فخرب بيت المقدس وسبى أهله ، ويتفق هذا مع ما نقله المراغي عن تواريخ اليهود ، وقال : كان بين الاغارتين نحو من خمسمائة سنة .

{ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } على شريطة أن تتوبوا وترحموا ، لأن من لا يرحم لا يرحم ، كما جاء في الحديث الشريف { وان عدتم } إلى الإفساد والتعالي والاستكبار على أمر اللَّه { عدنا } إلى عقابكم وإذلالكم ، وقد عادوا وأفسدوا ، فكذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وهموا بقتله ، كما هموا بقتل المسيح ( عليه السلام ) من قبل ، فسلط اللَّه عليهم المسلمين ، فقتلوا بني قريظة ، وأجلوا بني النضير ، واستولوا على خيبر ، وطردوا اليهود من الجزيرة العربية .

{ وجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً } . قيل : الحصير هنا بمعنى البساط ، وقيل :

بمعنى الحصر والحبس ، ومهما يكن فإن المراد ان جهنم محيطة بهم ، ولا رجاء لهم بالخلاص منها ، تماما كقوله تعالى : « أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ولا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً » - 121 النساء .

____________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص15-19.

2-  ويشهد هذا الزواج على اليهود بأنهم منذ القديم يتوصلون إلى غاياتهم عن طريق الرقيق الأبيض .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} قال الراغب في المفردات،: القضاء فصل الأمر قولا كان ذلك أوفعلا، وكل واحد منهما على وجهين: إلهي وبشري فمن القول الإلهي قوله:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أي أمر بذلك، وقال:{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما وعلى هذا{ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ}.

ومن الفعل الإلهي قوله:{ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} وقوله:{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} إشارة إلى إيجاده الإبداعي والفراغ منه نحو:{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }.

قال: ومن القول البشري نحوقضى الحاكم بكذا فإن حكم الحاكم يكون بالقول، ومن الفعل البشري{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} انتهى موضع الحاجة.

والعلو هو الارتفاع وهو في الآية كناية عن الطغيان بالظلم والتعدي ويشهد بذلك عطفه على الإفساد عطف التفسير، وفي هذا المعنى قوله:{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}.

ومعنى الآية وأخبرنا وأعلمنا بني إسرائيل إخبارا قاطعا في الكتاب وهو التوراة: أقسم وأحق هذا القول أنكم شعب إسرائيل ستفسدون في الأرض وهي أرض فلسطين وما يتبعها مرتين مرة بعد مرة وتعلون علوا كبيرا وتطغون طغيانا عظيما.

قوله تعالى:{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا } إلخ، قال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية نحووالله أشد بأسا وأشد تنكيلا. انتهى موضع الحاجة.

وفي المجمع: الجوس التخلل في الديار يقال: تركت فلان يجوس بني فلان ويجوسهم ويدوسهم أي يطؤهم، قال أبوعبيد: كل موضع خالطته ووطأته فقد حسته وجسته قال: وقيل: الجوس طلب الشيء باستقصاء. انتهى.

وقوله:{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} تفريع على قوله:{لتفسدن} إلخ، وضمير التثنية راجع إلى المرتين وهما الإفسادتان فالمراد بها الإفسادة الأولى، والمراد بوعد أولاهما ما وعدهم الله من النكال والنقمة على إفسادهم فالوعد بمعنى الموعود، ومجيء الوعد كناية عن وقت إنجازه، ويدل ذلك على أنه وعدهم على إفسادهم مرتين وعدين ولم يذكرا إنجازا فكأنه قيل: لتفسدن في الأرض مرتين ونحن نعدكم الانتقام على كل منهما فإذا جاء وعد المرة الأولى{إلخ} كل ذلك معونة السياق.

وقوله:{بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد} أي أنهضناهم وأرسلناهم إليكم ليذلوكم وينتقموا منكم، والدليل على كون البعث للانتقام والإذلال قوله:{أولي بأس شديد} إلخ.

ولا ضير في عد مجيئهم إلى بني إسرائيل مع ما كان فيه من القتل الذريع والأسر والسبي والنهب والتخريب بعثا إلهيا لأنه كان على سبيل المجازاة على إفسادهم في الأرض وعلوهم وبغيهم بغير الحق، فما ظلمهم الله ببعث أعدائهم وتأييدهم عليهم ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم.

وبذلك يظهر أن لا دليل من الكلام يدل على قول من قال: إن المراد بقوله:{بعثنا عليكم{إلخ} أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم وجهادكم لاقتضاء ظاهر قوله:{بعثنا} وقوله{عبادا} ذلك وذلك لما عرفت أن عد ذلك بعثا إلهيا لا مانع فيه بعد ما كان على سبيل المجازاة، وكذا لا مانع من عد الكفار عبادا لله مع ما تعقبه من قوله:{أولي بأس شديد}.

ونظيره قول من قال: يجوز أن يكون هؤلاء المبعوثون مؤمنين أمرهم الله بجهاد هؤلاء، ويجوز أن يكونوا كفارا فتألفهم نبي من الأنبياء لحرب هؤلاء، وسلطهم على أمثالهم من الكفار والفساق، ويرد عليه نظير ما يرد على سابقه.

وقوله:{ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } تأكيد لكون القضاء حتما لازما والمعنى فإذا جاء وقت الوعد الذي وعدناه على المرة الأولى من إفسادكم مرتين بعثنا وانهضنا عليكم من الناس عبادا لنا أولي بأس وشدة شديدة فدخلوا بالقهر والغلبة أرضكم وتوسطوا في دياركم فأذلوكم وأذهبوا استقلالكم وعلوكم وسؤددكم وكان وعدا مفعولا لا محيص عنه.

قوله تعالى:{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} قال في المجمع،: الكرة معناه الرجعة والدولة، والنفير العدد من الرجال قال الزجاج: ويجوز أن يكون جمع نفر كما قيل: العبيد والضئين والمعيز والكليب، ونفر الإنسان ونفره ونفيره ونافرته رهطه الذين ينصرونه وينفرون معه انتهى.

ومعنى الآية ظاهر، وظاهرها أن بني إسرائيل ستعود الدولة لهم على أعدائهم بعد وعد المرة الأولى فيغلبونهم ويقهرونهم ويتخلصون من استعبادهم واسترقاقهم وأن هذه الدولة سترجع إليهم تدريجا في برهة معتد بها من الزمان كما هولازم إمدادهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرا.

وفي قوله في الآية التالية:{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } إشعار بل دلالة بمعونة السياق أن هذه الواقعة وهي رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم إنما كانت لرجوعهم إلى الإحسان بعد ما ذاقوا وبال إساءتهم قبل ذلك كما أن إنجاز وعد الآخرة إنما كان لرجوعهم ثانيا إلى الإساءة بعد رجوعهم هذا إلى الإحسان.

قوله تعالى:{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} اللام في{لأنفسكم} و{فلها} للاختصاص أي إن كلا من إحسانكم وإساءتكم يختص بأنفسكم دون أن يلحق غيركم، وهي سنة الله الجارية أن العمل يعود أثره وتبعته إلى صاحبه إن خيرا وإن شرا فهوكقوله:{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ }: البقرة - 141.

فالمقام مقام بيان أن أثر العمل لصاحبه خيرا كان أوشرا، وليس مقام بيان أن الإحسان ينفع صاحبه والإساءة تضره حتى يقال: وإن أسأتم فعليها كما قيل:{ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}: البقرة: 286.

فلا حاجة إلى ما تكلفه بعضهم أن اللام في قوله:{وإن أسأتم فلها} بمعنى على، وقول آخرين: إنها بمعنى إلى لأن الإساءة تتعدى بها يقال: أساء إلى فلان ويسيء إليه إساءة، وقول آخرين: إنها للاستحقاق كقوله:{ولهم عذاب أليم}.

وربما أورد على كون اللام للاختصاص بأن الواقع على خلافه فكثيرا ما يتعدى أثر الإحسان إلى غير محسنه وأثر الإساءة إلى غير فاعلها وهو ظاهر.

والجواب عنه أن فيه غفلة عما يراه القرآن الكريم في آثار الأعمال أما آثار الأعمال الأخروية فإنها لا تتعدى صاحبها البتة قال تعالى:{ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}: الروم: 44، وأما الآثار الدنيوية فإن الأعمال لا تؤثر أثرا في غير فاعلها إلا أن يشاء الله من ذلك شيئا على سبيل النعمة على الغير أوالنقمة أوالابتلاء والامتحان فليس في مقدرة الفاعل أن يوصل أثر فعله إلى الغير دائما إلا أحيانا يريده الله لكن الفاعل يلحقه أثر فعله الحسن أوالسيىء دائما من غير تخلف.

فللمحسن نصيب من إحسانه وللمسيء نصيب من إساءته، قال تعالى:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }: الزلزلة: 8 فأثر الفعل لا يفارق فاعله إلى غيره، وهذا معنى ما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: ما أحسنتم إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الآية.

قوله تعالى:{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} التتبير الإهلاك من التبار بمعنى الهلاك والدمار.

وقوله:{ليسوؤا وجوهكم} من المساءة يقال: ساء زيد فلانا إذا أحزنه وهوعلى ما قيل متعلق بفعل مقدر محذوف للإيجاز، واللام للغاية والتقدير بعثناهم ليسوئوا وجوهكم بظهور الحزن والكآبة فيها وبدوآثار الذلة والمسكنة وصغار الاستعباد عليها بما يرتكبونه فيكم من القتل الذريع والسبي والنهب.

وقوله:{ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } المراد بالمسجد هو المسجد الأقصى - بيت المقدس - ولا يعبأ بما ذكره بعضهم أن المراد به جميع الأرض المقدسة مجازا، وفي الكلام دلالة أولا أنهم في وعد المرة الأولى أيضا دخلوا المسجد عنوة وإنما لم يذكر قبلا للإيجاز، وثانيا أن دخولهم المسجد إنما كان للهتك والتخريب، وثالثا يشعر الكلام بأن هؤلاء المهاجمين المبعوثين لمجازاة بني إسرائيل والانتقام منهم هم الذين بعثوا عليهم أولا.

وقوله:{ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} أي ليهلكوا الذي غلبوا عليه إهلاكا فيقتلوا النفوس ويحرقوا الأموال ويهدموا الأبنية ويخربوا البلاد، واحتمل أن يكون ما مصدرية بحذف مضاف وتقدير الكلام: وليتبروا مدة علوهم تتبيرا، والمعنى الأول أقرب إلى الفهم وأوفق بالسياق.

والمقايسة بين الوعدين أعني قوله:{ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} إلخ وقوله:{ليسوؤا وجوهكم} إلخ يعطي أن الثاني كان أشد على بني إسرائيل وأمر وقد كادوا أن يفنوا ويبيدوا فيه عن آخرهم وكفى في ذلك قوله تعالى:{ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}.

والمعنى فإذا جاء وعد المرة الآخرة وهي الثانية من الإفسادتين بعثناهم ليسوئوا وجوهكم بظهور الحزن والكآبة وبدوالذلة والمسكنة وليدخلوا المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة وليهلكوا الذي غلبوا عليه ويفنوا الذي مروا عليه إهلاكا وإفناء.

قوله تعالى:{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} الحصير من الحصر وهو- على ما ذكروه - التضييق والحبس قال تعالى:{واحصروهم}: التوبة: 5 أي ضيقوا عليهم.

وقوله:{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } أي بعد البعث الثاني على ما يفيده السياق وهو ترج للرحمة على تقدير أن يتوبوا ويرجعوا إلى الطاعة والإحسان بدليل قوله:{وإن عدتم عدنا} أي وإن تعودوا إلى الإفساد والعلو، بعد ما رجعتم عنه ورحمكم ربكم نعد إلى العقوبة والنكال، وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ومكانا حابسا لا يستطيعون منه خروجا.

وفي قوله:{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وكأن الوجه فيه الإشارة إلى أن الأصل الذي يقتضيه ربوبيته تعالى أن يرحم عباده إن جروا على ما يقتضيه خلقتهم ويرشد إليه فطرتهم إلا أن ينحرفوا عن خط الخلقة ويخرجوا عن صراط الفطرة، والإيماء إلى هذه النكتة يوجب ذكر وصف الرب فاحتاج السياق أن يتغير عن التكلم مع الغير إلى الغيبة ثم لما استوفيت النكتة بقوله:{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } عاد الكلام إلى ما كان عليه.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص31-35.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بعد هذه الإِشارة تدخل الآيات إِلى تاريخ بني إِسرائيل المليء بالأحداث، فتقول: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}.

كلمة «قضاء» لها عدّة معان، إِلاّ أنّها استخدمت هنا بمعنى «إِعلام» أمّا المقصود مِن «الأرض» في الآية ـ بقرينة الآيات الأُخرى هي ارض فلسطين المقدسة التي يقع المسجد الأقصى المبارك في ربوعها.

الآية التي تليها تفصل ما أجملته مِن إِشارة إِلى الإِفسادين الكبيرين لبني إِسرائيل والحوادث التي تلي ذلك على أنّها عقوبة الهية فتقول: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} وارتكبتم ألوان الفساد والظلم والعدوان { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}.

وهؤلاء القوم المحاربون الشجعان يدخلون دياركم للبحث عنكم: { فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ}.

وهذا الأمر لا مناصَّ منه: { وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا}.

ثمّ تشير بعد ذلك الى أنّ الإلطاف الإلهية ستعود لتشملكم، وسوف تعينكم في النصر على أعدائكم، فتقول: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}(2).

وهذه المنّة واللطف الإِلهي بكم على أمل أن تعودوا إِلى أنفسكم وتصلحوا أعمالكم وتتركوا القبائح والذنوب لأنّه: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}.

إِنّ الآية تعبِّر عن سُنَّة ثابتة، إذ أن محصلة ما يعمله الإِنسان مِن سوء أو خير تعود إِليه نفسه، فالإنسان عندما يلحق أذىً أو سوءاً بالآخرين، فهو في الواقع يلحقه بنفسه، وإِذا عمل للآخرين، فإِنّما فعل الخير لنفسه، أمّا بنو إِسرائيل، فهم مع الأسف لم توقظهم العقوبة الأُولى، ولا نبهتهم عودة النعم الإلهية مجدداً، بل تحركوا باتجاه الإِفساد الثّاني في الأرض وسلكوا طريق الظلم والجور والغرور والتكبّر.

تقول الآية في وصف المشهد الثّاني أنّه حين يحين الوعد الالهي سوف تغطيكم جحافل من المحاربين ويحيق بكم البلاء الى درجة أنّ آثار الحزن والغم تظهر على وجوهكم: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}.

بل ويأخذون مِنكم حتى بيت المقدس: { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.

وهم لا يكتفون بذلك، بل سيحتلّون جميع بلادكم ويدمرّونها عن آخرها: { وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} وفي هذه الحالة فإِنّ أبواب التوبة الإِلهية مفتوحة: { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}.

}وإِنّ عدتم عدنا} أي إِن عدتم لنا بالتوبة فسوف نعود عليكم بالرحمة، وإِن عدتم للإِفساد عدنا عليكم بالعقوبة. وإِذا كان هذا جزاؤكم في الدنيا ففي الآخرة مصيركم جهنم: { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}(3).

___________________

1- تفسير الامثل، ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص230-231.

2 ـ «نفير» اسم جمع وهي بمعنى مجموعة من الرجال، وقال بعض: هي من «نفر». وَ«نفر» في الأصل على وزن «عفو» تعني الإِرتحال والإِقبال على شيء. ولذلك يطلق على الجماعة المستعدة للتحرك باتجاه شيء بأنّها في حالة «نفير».

3- «حصير» مُشتقة مِن «حصر» بمعنى الحبس، وكل شيء ليس له منفذ للخروج يطلق عليه اسم «حصير». ويقال للحصير العادية حصيراً لأنَّ خيوطها وموادها نسجت إِلى بعضها البعض.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .