خطبة للإمام علي عليه السلام حول توحيد الله وصفاته وتجمع من أصول العلوم ما لا تجمعه خطبة اخرى |
5304
08:19 صباحاً
التاريخ: 8-5-2020
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2018
707
التاريخ: 1-07-2015
1052
التاريخ: 23-10-2014
2800
التاريخ: 29-3-2018
876
|
احتجاجه عليه السلام فيما يتعلق بتوحيد الله وتنزيهه عما لا يليق به من صفات المصنوعين من الجبر والتشبيه والرؤية والمجيئ والذهاب والتغيير والزوال والانتقال من حال إلى حال في أثناء خطبه ومجاري كلامه ومخاطباته ومحاوراته.
وقال عليه السلام في خطبة أخرى: (1).
لا يشمل بحد، ولا يحسب بعد، وإنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلات إلى نظائرها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة، بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون (2) لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود إليه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذا لتفاوتت ذلته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذا وجد له إمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان، وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه، (3) وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره، (4) الذي لا يحول، ولا يزول، ولا يجوز عليه الأفول، (5) لم يلد فيكون مولودا، ولم يولد فيصير محدودا (6) جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله الأوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الأيدي فتمسه، ولا يتغير بحال، ولا يتبدل بالأحوال، ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشئ من الأجزاء، ولا الجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، ولا أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله، (7) ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، ويقول - لما أراد كونه -: " كن فيكون " لا بصوت يقرع، ولا نداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا، (8) ولا يقال له: " كان بعد أن لم يكن " فتجري عليه صفات المحدثات، ولا يكون بينه وبينها فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدع والبديع خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والاعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، والباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شئ منها بجلالته وعزته، لا يعجزه شئ منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه، خضعت الأشياء له، وظلت مستكينة لعظمته لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره، فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه ولا نظير له فيساويه، هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، وكيف! ولو اجتمع جميع حيوانها: من طيرها، وبهائمها، وما كان من مراحها، وسائمها، وأصناف أشباحها، وأجناسها، ومتلبدة أممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها، وأنه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه، كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، لا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شئ إلا الواحد القهار، الذي إليه مصير جميع الأمور، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فنائها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقائها، لم يتكاده صنع شئ منها إذا صنعه، ولم يؤده منها خلق ما براه وخلقه، ولم يكونها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضد مساور ولا للإزدياد بها في ملكه ولا لمكاثرة شريك في شركته، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه من تصريفها وتدبيرها، ولا لراحة واصلة إليه، ولا لثقل شئ منها عليه، لا يمله طول بقائها فيدعوه إلى نزعة إفنائها، لكنه سبحانه دبرها بلطفه، وأمسكها بأمره، وأتقنها بقدرته، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا استعانة بشئ منها عليها، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استيناس، ولا من حال جهل وعمى إلى حال علم والتماس، ولا من فقر ولا حاجة إلى غنى وكثرة، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة.
____________
(1) تجد هذه الخطبة الجليلة - التي هي حقا من معجزات أمير المؤمنين " عليه السلام " ولو لم تكن له معجزة سواها لكفى، كما لو لم يكن لرسول الله " صلى الله عليه واله " معجزة سوا أمير المؤمنين " عليه السلام " لكفى - في ج 2 ص 142 من نهج البلاغة قال السيد الرضي " قدس سره " " وتجمع هذه الخطبة من أصول العلوم ما لا تجمعه خطبة " وأولها كما هي مثبتة في النهج:
ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول فاعل لا باضطراب آلة، مقدور لا بجول فكرة، غني لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها مفرق بين متدانياتها، لا يشمل بحد.. الخ.
(2) " لا يشمل بحد " من الحدود المنطقية، المركبة من الجنس والفصل، وذاته خالية من التركيب أو من الحدود والأبعاد الهندسية التي هي من لوازم الأجسام.
وذاته تعالى ليست بجسم.
" ولا يحسب بعد " لعدم المماثل له وواجب الوجود لا يتعدد كما هو ثابت في محله كما أن صفاته عين ذاته غير زائدة عليها فلا تدخل تحت العدد، ولا بداية لوجوده حتى يقال: كان منذ كذا وكذا " وإنما تحد الأدوات أنفسها " لتركبها من جنس وفصل، ولكونها من الأجسام فتشملها الحدود والأبعاد الهندسية.
" وتشير الآلات إلى نظائرها " فتدخل تحت العدد وقد " منعتها - إطلاق لفظة:
منذ عليها - القدمة " في قولنا وجدت هذه الآلات والأدوات منذ كذا، ومتى كان للشئ ابتداء فهو غير قديم.
" وحمتها - إطلاق لفظه قد عليها - الأزلية " في قولنا قد وجدت هذه الآلات والأدوات منذ كذا لأن قد تفيد تقريب الزمان الماضي من الحال، ومتى تعين زمن وجود الشئ انتفت أزليته.
(وجنبتها - إطلاق كلمة: لولا عليها - التكملة) في قولنا: ما أحسن هذه الآلات والأدوات لولا أن فيها كذا لدلالتها على امتناع كمال الشئ لوجود نقص فيه.
ويمكن أن يكون المعنى: أن قدمه وأزليته وكماله منعت من إطلاق لفظة: (منذ وقد، ولولا) على ذاته المقدسة، لدلالتها على الحدوث والابتداء والنقص.
(بها) بتلك الآلات والأدوات ببديع صنعها، بإتقانها، بحكمة تدبيرها (تجلى صانعها للعقول) التي هي طبعا بعض تلك الآلات لدلالة الأثر على المؤثر (وامتنع) بدليل تجرده وتنزهه عن المادة والجسمية واللون والجهة التي هي من لوازم المرئيات (عن نظر العيون).
(3) الحركة سواء كانت بمعناها الفلسفي الذي هو: (الخروج من القوة إلى الفعل) أو بمعناها الفيزيائي الذي هو: (الانتقال من مكان إلى آخر) فهي تتقوم بالتدرج والانتقال من حال إلى حال ومن مكان إلى آخر وتخلع صورة وتلبس أخرى وتصل إلى جزء وتنفصل عن سابقه وهكذا، ويقابلها السكون الذي هو: (التوقف والخمود فيما يقبل الحركة) والحركة والسكون كلاهما من الحوادث المستندة في وجودها إلى علة، وحيث ثبت أن لا موجد إلا الله ولا خالق سواه فيكون هو الذي خلقهما وأجراهما على نفسه، وأحدثهما في ذاته، ولاستحالة أن يكون مخلوقه جزء ذاته، نفى أمير المؤمنين عليه السلام ذلك في صورة استفهام إنكاري في قوله، (وكيف يجري عليه ما هو أجراه؟؟
ويعود إليه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه؟!) ثم إنه عليه السلام شرع في إقامة الأدلة على استحالة هذه النسبة فقال:
1 - (إذا لتفاوتت ذاته) أي: تغيرت، لأنها تكون متحركة تارة وساكنة أخرى فالحركة والسكون من الحوادث المتغيرة، فيكون محلا للحوادث، وذلك من لوازم الإمكان، فيكون واجب الوجود ممكن الوجود، وهو مستحيل.
2 - (ولتجزأ كنهه) لأن الحركة والسكون من لوازم الأجسام والأجسام مركبة فيلزم حقيقته التركيب وهو باطل.
3 - (ولامتنع من الأزل معناه) لأن الحركة والسكون من لوازم الأجسام الحادثة والحادث لا يكون أزليا.
4 - (ولكان له وراء إذ وجد له إمام) إذ لو جرت عليه الحركة لكان له إمام يتحرك نحوه وحينئذ يلزم أن يكون له وراء لأنهما أمران إضافيان لا ينفك أحدهما عن الآخر وحينئذ يكون له وجهان وكل ذي وجهين منقسم وكل منقسم ممكن.
5 - (ولالتمس النمام إذ لزمه النقصان) إذ هو في حركته يتوجه نحو غاية إما لجلب نفع أو لدفع ضرر، وذلك كمال مطلوب له لنقصان لازم لذاته وذلك يستلزم الإمكان فهو باطل.
وإذا لقامت آية المصنوع فيه وثبت إمكانه وحدوثه وتحول دليلا يستدل بوجوده على خالقه.
(4) أي خرج بسلطان امتناعه التجردي، وعدم شموله بحد، ودخوله تحت العدد وامتناعه عن نظر العيون، وعدم جريان الحركة والسكون عليه خرج بهذا السلطان من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره من الممكنات.
(5) لا يحول: لا يتغير. والأفول: الغيبة.
(6) الولادة تحصل بانفصال شئ عن آخر من جنسه ونوعه، فالوالد والولد يشتركان في النوع والصنف والعوارض، ولا يكون هذا الانفصال والتجزي إلا بواسطة المادة القابلة للتجزأة، وإذا كان كذلك فهو متولد من مادة وصورة. ويحتمل أن يكون المراد بالمولود المخلوق، فيكون المعنى لم يلد فيثبت كونه جسما مخلوقا. وعلى كلا التقديرين سواء كان مولودا من مادة وصورة، أو كان جسما مخلوقا، فإنه يكون محدودا بالحدود المنطقية، والأبعاد الهندسية.
(7) لا تناله الأوهام فنقدره بمقدار وكم، وشكل وكيف، والفطنة سرعة للفهم ولا تتوهمه الفطن فتصوره بصور خيالية أو عقلية، ولا تدركه الحواس بنحو المباشرة ولا تلمسه وتحسه الأيدي بنحو المماسة، ولا يتغير أبدا، ولا يوصف بالغيرية والأبعاض فصفاته لا يغاير بعضها بعضا، وليس هو بذي مكان يحويه، فيرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه، كما أنه غير محمول على شئ، فيميله إلى جانب، أو يعدله على ظهر من غير ميل .
(8) يحفظ عباده ويحرسهم، ولا يتحرز ولا يخاف ويبغض ويغضب ولا يستلزم بغضه وغضبه مشقة وانزعاجا، كما هو الحال بالنسبة لنا مما يستلزمانه فينا من فوران دم القلب واضطرابه، يقول - لما أراد كونه - كن فيكون وليس المراد بالقول هو التكلم الحقيقي حتى يكون له صوت يقرع الآذان فيسمع وإنما كلامه سبحانه هو نفس فعله، وخلقه للأشياء وتصويرها ينشؤه ويمثله لجبرئيل في اللوح وليس هو بقديم ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|