أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-26
544
التاريخ: 11-3-2020
12471
التاريخ: 23-11-2021
3190
التاريخ: 30-9-2018
2362
|
لقد عرفت الشريعة الإسلامية نظام الإفلاس منذ عهد النبوة، ونظم الفقه الإسلامي أحكامه حتى إننا لا نكاد نجد كتابة فقهية معتبرة لم يفصل أحكامه، وهذا يعني أن نظام الإفلاس مشروع ومعمول به في الفقه الإسلامي والأدلة على مشروعيته متوافرة في السنة الفعلية، والسنة القولية، وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم، والمعقول.
أ. الأدلة من السنة:
١- عن أبي هريرة عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار»(1) .
وجه الاستدلال: إن الرسول قد سأل صحابته عن حقيقة المفلس، فأجابوه: بأن المفلس في عرفهم هذا الذي لا يملك درهما ولا متاعه، وهذا يدل أن الإفلاس كان معروفة لدى الصحابة، وله مفهومه الراسخ عندهم، فالمفلس في عرفهم هو الإنسان الذي لا يملك شيئا، والمفلس في عرف الفقهاء هو الذي أحاط الدين باله وهذا يعني أن ماله أصبح ملكا للدائنين، ولم يعد في حقيقة الأمر مالكة له، بل يمنع من التصرف فيه، والرسول صلى الله عليه واله وسلم لم ينفي هذا المفهوم الذي أشار إليه الصحابة، وإنما وجه انتباههم إلى نوع آخر من الإفلاس، وهو فلس الآخرة (2) ، وهذا الأسلوب قد استعمله الرسول في كثير من الأحاديث، كقوله صلى الله عليه واله وسلم «ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب(3).
وقد ترجم الإمام البخاري لأحد أبواب كتاب الأدب بقوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الكرم قلب المؤمن(4) "، وقد قال: «إنها المفلس الذي يفلس يوم القيامة»(5) . وقد بين الإمام ابن حجر العسقلاني غرض البخاري من هذه الترجمة فقال: «غرض البخاري أن الحصر ليس على ظاهره، وإنما المعنى أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن، ولم يرد أن غيره لا يسمی كرما، كما أن المراد بقوله: إنها المفلس من ذكر، ولم يرد أن من يفلس في الدنيا لا يسمی مفلسا (6) .
2- عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : أو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره»(7).
وجه الاستدلال: إن هذا الحديث قد بين حكم من أحكام نظام الإفلاس وهو حق صاحب المتاع باسترداد متاعه الموجود عند المفلس، وهناك أحاديث دلت على مشروعية أحكام أخرى من أحكام نظام الإفلاس، فكان مجموع هذه الأحاديث، يدل على مشروعية نظام الإفلاس كاملا.
3- عن عبد الرحمن بن كعب قال: كان معاذ بن جبل شابة سخية، وكان لا يمسك شيئا، فلم يزل يدان حتى غرق ماله كله في الدين، فأتى النبي صلى الله عليه واله وسلم ، فكلمه ليكلم غرماءه، فلو تركوا أحدة لأجل أحد لتركوا معاذا لأجل رسول الله ، فباع رسول الله لهم ماله، حتى قام معاذ بغير شيء(8).
وجه الاستدلال: إن الحديث يدل على أن معاذ بن جبل رضی الله عنه قد وقع في حالة إفلاس فقد نص الحديث على استغراق الدين لماله، وأن الغرماء قد طلبوا الحجر عليه كما ورد في بعض الروايات، وما جاء في هذا الحديث من أن معاذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه، لا يدل على أن معاذة هو الذي طلب الحجر على نفسه بل جاء إلى الرسول ليطلب منهم الرفق به (9)، ثم باع الرسول صلى الله عليه واله وسلم للغرماء مال معاذ، وقسمه بينهم قسمة الغرماء، حتى أصاب كل واحد من الغرماء خمسة أسباع حقه كما تذكر بعض الروايات (10) ، وهذه الأفعال التي فعلها الرسول صلى الله عليه واله وسلم هي معظم إجراءات الإفلاس، فدل فعله صلى الله عليه واله وسلم على جوازه.
- عن أبي سعيد الخدري انه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله : تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك(11) ..
وجه الاستدلال: إن هذا الرجل الذي أصيب في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في ثمار ابتاعها قد وقع في حالة إفلاس، وإن كانت هذه الرواية لم تذكر ذلك وأشارت إليه بعبارة كثر دينه، ولما كان هذا الرجل لا يملك شيئا، فقد حث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المسلمين على التصدق عليه، فلما أصبح له مال قسمه بين الغرماء، وهذا الحديث دل على مجمل أحكام الإفلاس.
5- عن أبي المعتمر عن عمر بن خلدة قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله : من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به (12)
إن هذا الحديث يدل على مشروعية حكم من أحكام الإفلاس، وهو حق صاحب المتاع باسترداد متاعه الموجود عند المفلس بالسنة الواردة عن رسول الله بأنه قضى بذلك، ويفعل الصحابي، وهو أبو هريرة، الذي قضى بين الخصوم الذين اختاروه ليحكم بينهم، فحكم بأن صاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده عند المفلس، ولم ينكر أحد من الصحابة عليه حكمه.
ب. الأدلة من فعل الصحابة :
١- عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني عن أبيه، أن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج، فيشتري الرواحل، فيغلي بها، ثم يسرع السير فيسبق الحاج، فأفلس، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقال: أما بعد، أيها الناس فإن الأسيفع، أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، وإنه قد دان معرضة، فأصبح وقد رين به، فمن كان له عليه دین فليأتنا بالغداة، نقسم ماله بينهم، وإياكم والدين فإن أوله هم، وآخره حرب(13) .
وجه الاستدلال: إن هذا الأثر قد نص صراحة على وقوع أسيفع جهينة في حالة إفلاس، وأن ذلك قد حصل في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب، وأن أمره قد رفع إليه ليحكم بينه وبين الغرماء، فأشهر عمر بن الخطاب إفلاسه، وأراد تحقيق الديون التي عليه فطلب من الدائنين مراجعته ليحقق بها، وبعد ذلك بين أنه سيقسم أمواله بين الغرماء، وهذه هي إجراءات الإفلاس، وقد تمت على ملا من الصحابة فلم ينكر عليه أحد، فدل ذلك على مشروعية هذه الإجراءات.
2- عن سعيد بن المسيب قال: أفلس مولى لأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه واله وسلم ، فاختصم فيه إلى عثمان به ، فقضى عثمان: أن من كان اقتضى من حقه شيئا قبل أن يتبين إفلاسه فهو له، ومن عرف متاعه فهو له(14).
وجه الاستدلال: إن الخليفة عثمان بن عفان انه قد قضى بحق رجل قد أفلس في عهده، وبين حكم استيفاء الحق قبل الإفلاس، وحكم المتاع الموجود عند المفلس إذا عرفه صاحبه، وقد تم القضاء بذلك وهو خليفة، وبمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم، فدل ذلك على مشروعية الأحكام التي أصدرها وهي من أحكام الإفلاس.
ج. الأدلة من المعقول :
أ- إن حفظ المال من الضروريات الخمس، التي جاءت الشريعة الإسلامية للمحافظة عليها(15) ، ونظام الإفلاس إنها شرعت أحكامه للمحافظة على المال.
2- إن نظام الإفلاس يعمل على حماية مصلحة الدائنين والمحافظة على حقوقهم، وهذه المصلحة التي يحققها نظام الإفلاس وإن تعارضت مع مصلحة المدين فهي مقدمة عليه، لأن «المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة»(16) .
3- إن أحكام الإفلاس تمنع المدين من الإضرار بالغرماء أو بعضهم بالتصرف بأمواله، أو إيثار بعض الغرماء على بعض، و«الضرر يدفع بقدر الإمكان»(17) ، واذا كانت أحكام الإفلاس تمنع وقوع الضرر فهي أحكام مشروعة استنادا لهذه القاعدة.
4 - إن جمهور الفقهاء قد أجاز الحجر على السفيه من أجل المحافظة على مصلحته، وهي مصلحة فردية، فإن يجوز الحجر على المفلس لمصلحة الغرماء وهي مصلحة جماعة ينبغي أن يكون من باب أولى.
______________
1- أخرجه مسلم، انظر مسلم: صحیح مسلم بشرح النووي، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحریم الظلم، حديث رقم 2581، 16/ 135. وأخرجه الترمذي. انظر الترمذي: سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي، أبواب صفة يوم القيامة، حديث رقم 2533/86
2- انظر البهوتي، كشاف القناع 3/ 417.
3- أخرجه البخاري، انظر البخاري، صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الآداب، باب الحذر من الغضب، حديث رقم 6114، 148 أخرجه مسلم. انظر مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، حدیث 260۹، 16/162
4- إن هذا الحديث جاء في فتح الباري بالنص التالي: عن ابن هريرة (لا يقل حدكم للعنب: الكرم، إنها الكرم الرجل المسلم» ، انظر العسقلاني، فتح الباري 12/207
5- انظر البخاري، صحيح البخاري بشرح فتح الباري كتاب الأدب، باب إنا الكرم قلب المؤمن 12/206
6- العسقلاني، فتح الباري 12/206
7- أخرجه البخاري. انظر البخاري، صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفلیس، باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به، حديث رقم 2402/343 ، أخرجه مسلم. انظر مسلم بشرح النووي، كتاب المساقاة والمزارعة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه، حديث رقم 155۹، 10/221
8- أخرجه البيهقي، انظر البيهقي، السنن الكبری، كتاب التفليس، باب الحجر على المفلس وبيع ماله في ديونه 6/ 48، أخرجه الحاكم، انظر الحاكم، المستدرك، كتاب معرفة الصحابة 3/ 273، وأخرجه الدارقطني موصولا عن كعب بن مالك مختصراً بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه. انظر الدارقطني، سنن الدارقطني، كتاب الأقضية والأحكام، 4/ 231. وأخرجه عبد الرزاق. انظر عبد الرزاق، المصنف، كتاب البيوع، باب المفلس والمحجور عليه، حديث رقم 177 15، 8/ 268. قال الحاكم عن هذا الحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انظر: الحاكم، المستدرك 3/ 273. قال عبدالحق: المرسل أصح، وقال ابن الطلاع في الأحكام: هو حديث ثابت، انظر: الشوكاني، نيل الأوطار 5/367
9- انظر الشوكاني، نيل الأوطار5/366
10- انظر الصنعاني، سبل السلام 3/ 121.
11- أخرجه مسلم. انظر مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المساقاة والمزارعة، باب وضع الجوائح، حديث رقم 1556،10/ 218 وأخرجه أبو داود. انظر أبو داود، سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب وضع الجائحة، حديث رقم 34۹۹،3/ 274 وأخرجه النسائي. انظر النسائي، سنن النسائي بشرح السيوطي، كتاب البيوع، باب وضع الجوائح 7/265 ، أخرجه ابن ماجة. انظر ابن ماجة، سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب تفليس المعدم والبيع عليه لغرمائه، حديث رقم 2356,4/35
12- أخرجه أبو داود. انظر أبو داود، سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده، حديث رقم 3523، 3/ 285، لم يضعفه أبو داود. أخرجه ابن ماجة، انظر: ابن ماجة، سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب تفليس المعدم والبيع عليه لغرمائه، حديث رقم 2360 ,4/38
13- أخرجه البيهقي. انظر البيهقي، السنن الكبری، كتاب التفليس، باب الحجر على المفلس وبيع ماله في ديونه، 6/49 ، أخرجه مالك. انظر مالك، الموطأ بشرح الزرقاني، كتاب الوصية، باب جامع القضاء وكراهته حدیث 1540 ,4/102
14- أخرجه البيهقي، انظر البيهقي، السنن الكبری، كتاب التفليس، باب المشتري يفلس بالثمن 6/ 47، وقد ذكر الإمام البخاري قول سعيد بن المسيب مختصرة في ترجمته للباب الرابع عشر من كتاب الاستقراض 5/343
15- الشاطبي ، الموافقات 2/ 8
16- انظر الشاطبي، الموافقات 2/266
17- انظر المادة (31) من مجلة الأحكام العدلية .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|