أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
2953
التاريخ: 4-03-2015
16649
التاريخ: 4-03-2015
2190
التاريخ: 4-03-2015
2251
|
النحو الكوفي
و اكبت العلوم الإسلامية انتشار هذا الدين، و لم يمض وقت طويل بعد فتح الأندلس حتى رأينا أن العلماء بدأوا يجمعون بين العلوم الفقهية، و الدراسات اللغوية لما لها من صلة بالقرآن الكريم، و كان من رواد هذا الاتجاه في الأندلس: أبو موسى الهواري (1)، الذي رحل إلى المشرق و التقى بالإمام مالك و نظرائه، ثم داخل الأعراب في محالّها، و أخذ عن الأصمعي و أبي زيد الأنصاري، و ألف في القراءات. و لما ضاعت كتبه في رحلته، كان يقول «ذهب الخرج، و بقي ما في الدرج، أنا شعبي زماني» و كان أهل قرطبة يقدمونه في الفتوى على عيسى بن دينار الغافقي (ت 212 ه) و على أبي عثمان سعيد بن حسان الصائغ (ت 213 ه) . بيد أن أول من اختص في النحو هو جودي بن عثمان (ت 198 ه) (2)، قيل عنه إنه أول من صنف في النحو في الأندلس، بعد ما تتلمذ للكسائي و الفراء، و هكذا شق النحو الكوفي طريقه إلى الأندلس، و رسخت قدمه على يد مفرج بن مالك النحوي المعروف بالبغل (3) الذي شرح أحد كتب الكسائي، مثل ما فعل بعد ذلك بنحو قرن أحمد بن أبان النحوي (ت 382 ه).
و يرى الأستاذ علال الفاسي أن النحو الكوفي، استمر في المغرب، كما يشهد لذلك اصطلاحات ابن اجروم الصنهاجي، و اختياراته، و يعيد السبب في تأصله إلى تعلق المغاربة بما ترمز له الكوفة من ولاء لعلي بن أبي طالب و للعترة الشريفة (4)، و في أواخر القرن
ص223
الثالث الهجري أدخل محمد بن موسى بن هاشم الأقشتين(5) كتاب سيبويه، و انطلقت حركة قراءته، و توالت عليه التعليقات و الشروح، و ممن اشتهر بدراسته هارون بن موسى القرطبي (ت 401 ه)(6)، الذي شرح عيون الكتاب.
و شهد القرن الرابع الهجري تطورا كبيرا في الدراسات النحوية و اللغوية في الأندلس، امتاز بامتزاج عدة اتجاهات سيكون لها الأثر البالغ في تكوين المدرسة المغربية: منها امتزاج بين آراء الكوفيين و البصريين، و تطوير المذهب البغدادي و تقنينه و تلاق بين المنطق و النحو، و تركيز على التحاليل و التدقيق و الاستنباط.
و كان رائد هذه الحركة محمد بن يحيى المهلبي الرباحي (ت 353 ه) تلميذ أبي جعفر النحاس.
اشتهر الرباحي بحذقه لعلم العربية، و دقة نظره فيها، و لطف مسلكه في معانيها. فكان غاية في الاستنباط، عرف طرق المتكلمين، و ناظر الفقهاء، و شارك أهل الطب و التنجيم.
ها هي كانت خصائصه الفكرية و العلمية، و لقد أتيح له أثناء رحلته إلى المشرق أن يصحب عالمين ساعد كل منهما في مجاله أن ينمي مواهبه حتى بلغ ما يروم. صحب الرباحي أبا جعفر أحمد بن محمد الصفار المشهور بالنحاس.
و غرف من فيض علمه الشيء الكثير. و هو الذي أخذ عنه رواية كتاب سيبويه.
كما صحب أيضا عليا بن الحسن المصري المعروف بعلان(7) (ت 337 ه) و هو ممن قيل عنه إنه من ذوي النظر و الإدقاق في المعاني، و إنه كان قليل الحفظ للأصول، لكنه إذا حفظ أصلا يتكلم عليه بأحسن الكلام، و أتى بأجود التحليل.
و هكذا أخذ الرباحي علم الرواية عن النحاس، و أخذ علم الدراية عن علان، فرسم للأندلسيين منهجا يرمي إلى تدبر أصول هذا العلم و عرض الآراء فيها على محك النقد المتحرر، و الحرص على حسن الاختيار.
ص224
لقد كان الرباحي من ألمع اللغويين في المشرق، و لما دخل الأندلس بث فيها معارفه الواسعة بالأدب و الشعر و اللغة. و لقد وجد الرباحي الدراسة النحوية قاصرة على المؤدبين الذين يقول عنهم الزبيدي: (ليس عندهم كبير علم فكانوا يعانون إقامة الصناعة في تلقين تلاميذهم العوامل و ما شاكلها، و تقريب المعاني لهم في ذلك، إذ لم يأخذوا بأنفسهم بدقائق العربية و غوامضها و الاعتلال لمسائلها)(8).
فكانوا مثلا لا يحسنون النظر في الأبنية و التصريف، و لا يفقهون قواعد الإمالة و الإدغام.
فطلع عليهم الرياحي بمنهج جديد متطور، حيث أنه:
أولا: نقل إليهم كتاب سيبويه، برواية متصلة، ليعتمد أساسا ناسخا لما عرفته الأندلس قبل، من نحو الكوفيين أمثال الكسائي و الفراء، و من الملاحظ أن رواية الرباحي صارت البضاعة التي ردت إلى المشارقة لأنها أشهر الروايات و عليها اعتمد طابعو الكتاب و مصححوه(9).
ثانيا: بيّن لعلماء الأندلس «ما عليه أهل هذا الشأن في الشرق، من استقصاء الفن بوجوهه و استيفاء حدوده» . فأعاد منهاج الدراسات و البحوث حتى شملت جميع أبواب النحو التي كانت شبه مهملة.
ثالثا: «أسس سبيل النظر» كما يقول الزبيدي، أي أنه أوضح قواعد لغة السماع، و مجالات القياس و دقائق التعليل، فكان دأبه الغوص على دقيقة يستخرجها، و لطيفة يثيرها، و قياس يمده، و أصل يفرعه)(10).
فتأكّد تأثيره في تلميذه الزبيدي و من جاء بعده، و تأصل في مدرسته التعمق في البحث عن أوجه الأبنية، و عن أصول القواعد، و نكت التعاليل وجودة القياس.
و كان لرحلة أبي علي القالي المشهورة إلى الأندلس أثرها البالغ في هذا التطور الذي بلغ ذروته في هذا المجال عند ابن سيده صاحب كتاب المخصص اللغوي و المتضمن لأهم البحوث النحوية من لدن سيبويه إلى ابن جني.
ثم تبلورت كل هذه الاتجاهات في صيغة مناهج المدرسة المغربية الأندلسية و من أوائل منظريها الأعلم الشنتمري، الذي جمع بين الدراسات اللغوية، و المسائل النحوية.
ص225
________________________
(1) ترجمته في الزبيدي طبقات النحاة، ص 253.
(2) المصدر نفسه، ص 256.
(3) ترجمته في القفطي انباه الرواة 1/ 65.
(4) علال الفاسي: سيبويه و المدرسة المغربية الأندلسية في النحوية.
(5) ترجمته في طبقات الزبيدي ص 281، و انباه الرواة 3/ 216. و بغية الوعاة 1/ 253، و قد ورد في لقبه خلاف.
(6) ترجمته في انباه الرواة 3/ 362 و بغية الوعاة، 2/ 321.
(7) ترجمته في الزبيدي طبقات النحويين. ص222.
(8) الزبيدي: طبقات النحويين، ص 311.
(9) سيبويه: الكتاب، 1/ 54 و ما بعدها.
(10) طبقات النحاة ص 30.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|