السيرافي
المؤلف:
د. محمد المختار ولد أباه
المصدر:
تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة:
ص173- 175
29-03-2015
3117
لقد كان أبو سعيد السيرافي يمثل عصر البيان و التحصيل الذي بلغت فيه المعارف و الدراسات النحوية أوجها، و قيل الحديث عن دوره المتميز في هذه المرحلة التاريخية، نذكر أن من بين أقرانه عالما و أديبا شيعيا من بني أمية، من حفدة مروان بن محمد آخر ملوك
ص173
الأمويين، و هو أبو الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني المشهور. و من غرائب الأصفهاني أنه خاطب السيرافي بقوله:
لست صدرا و لا درست على ص در و لا علمك البكيّ بكاف
لعن اللّه كل شعر و نحو و عروض يأتيك من سيراف(1)
هذا و من المستبعد أن نأخذ هذا القول مأخذ الجد، و إنما هو باب التنكيت و المساجلة بين المعاصرين. لأن أبا سعيد كان حقا صدرا في علوم عصره و درس على صدور العلماء في عهده. فيقول عنه تلميذه أبو حيان التوحيدي: إنه أجمع لشمل العلم و أنظم لمذاهب العرب، و أدخل في كل باب و أخرج عن كل طريق و ألزم للجادة الوسطى في الدين و الخلق، و أروى للحديث و أقضى في الأحكام و أفقه في الفتوى و أحضر بركة على المختلفين-يعني طلبة العلم- و أظهر أثرا في المقتبسة(2).
فقد كان أبو سعيد فقيها متماكنا مارس القضاء نحوا من خمسين سنة، و لغويا بارعا متبحرا في القراءات و الغريب و النحو و العروض و تاريخ العلماء كما كان على اطلاع بعلوم المنطق و الهندسة و الحساب و الهيئة.
لقد تلقى أبو سعيد علومه من رؤساء كل فن في عصره، أخذ القراءات عن شيخ القراء ابن مجاهد، و اللغة عن إمامها محمد بن دريد صاحب الجمهرة.
و لازم أئمة النحو أمثال ابن السراج و مبرمان(3) و أبى محمد بن عمر الصيمري المتكلم و كان يقدمه و يفضله على جميع أصحابه.
و تتلمذ له نبهاء برعوا في ميادينهم مثل إسماعيل بن حماد الجوهري مؤلف الصحاح، و ابن النديم صاحب الفهرست، و الكاتب المشهور أبي حيان التوحيدي. و اشتهرت مصنفاته في النحو و اتسعت شهرته العلمية في حياته حتى صار مرجعا ترد عليه مئات
ص174
المسائل من عدة أقطار، في علوم الحديث و الأحكام و الأصول و الشعر و اللغة و اشتهرت براعته في مناظراته التي قال عنه ابن العميد في إحداها:
القائل القول الرفيع الذييمرع منه البلد الماحل
و اشتهر انتصاره الباهر على متى بن يونس في مناظرتهما المشهورة حول النحو و المنطق (4).
و قد خطا النحو خطوات جديدة قام بها أبو سعيد السيرافي تمثلت أولا في شرحه الفريد لكتاب سيبويه، و ثانيا في تنظير العلاقات بين النحو بالمنطق، و ثالثا في ربط الصلات بين مناهج النحويين و الفقهاء.
ص175
_____________________
(1) معجم الأدباء: 877.
(2) معجم الأدباء: 888.
(3) مبرمان: (ت 345 ه) و هو محمد بن علي بن إسماعيل العسكري. أخذ عن المبرد و بعده عن الزجاج، و عنه الفارسي و السيرافي، و كان ضنينا بالتدريس، و لا يقرئ كتاب سيبويه إلا بمائة دينار، و قد احتال عليه أبو هاشم الجبائي، فأعطاه وعاء مملوءا من الحجارة، و كان يرمي بالسخف و سقوط المروءة، و قد هجاه بعضهم بقوله:
صداع من كلامك يعترينا و ما فيه لمستمع بيان
مكابرة و مخرقة و بهت لقد أبرمتنا يا مبرمان
و له شرح على الكتاب لم يكمله، و شرح شواهده، و شرح كتاب الأخفش و النحو المجموع على العلل (بغية 1/ 176) . مبرما معجم الأدباء: 876، إنباه الرواة: 1 / 348-349.
(4) معجم الأدباء: 894- 910.
الاكثر قراءة في أهم نحاة المدرسة البغدادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة