x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

علوم اللغة العربية : المدارس النحوية : المدرسة البغدادية : أهم نحاة المدرسة البغدادية :

أبو علي الفارسي

المؤلف:  د. محمد المختار ولد أباه

المصدر:  تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب

الجزء والصفحة:  ص185- 192

29-03-2015

6859

ملامح شخصيته

لقد كان الحسن بن أحمد بن عبد الغفار المعروف بأبي علي الفارسي من أولئك الأعلام الذين ابتدعوا رهبانية العلم، شأنه في ذلك شأن يونس الضبي من قبله. لقد قضى الفارسي أكثر من نصف قرن في البحث و التدريس و التأليف، لم يشغله عن ذلك تدبير مال، أو مشاغل عيال، لقد كان إماما في اللغة و النحو و القراءات، أخذ عن شيخ القراء أبي بكر بن مجاهد، و درس على الزجاج و سمع من ابن السراج كتاب الأصول، و شرح جمله، و اتصل بأبي بكر بن دريد و كتب عنه مصنفه في الاشتقاق. كما كان على صلة علمية وثيقة بعلماء عصره، أمثال أبي سعيد السيرافي و ابن الخياط(1)، و ابن خالويه(2) و الرماني بيد أن صلته معهم لم تكن صلة مودة و تعاون ذلك أن اعتزازه بعلمه، و مكانته عند السلاطين و الوجهاء جعلته ينظر إلى زملائه بنوع من الاستعلاء، نسبه المؤرخون إلى عوامل الحسد و الغيرة، و الحرص على الاحتفاظ بالصدارة و التفوق.

ص185

فقد رأينا قوله حينما وقف على مسائل الزجاجي «لو سمع الزجاجي كلامنا في النحو لاستحيا أن يتكلم فيه«  و كان يسمى السيرافي بابن بهزاد و هو ليس من أحب الأسماء إليه، و قال إنه معلم الصبيان، و إن ابن الخياط لقاء له، لأنه لم يسمع من المبرد و إنما أدرك ثعلبا و قد أضرّ به الصمم فلم يقرأ عليه و أن ابن خالويه قليل التحفظ(3)، و حتى عن الرماني الذي كان أقربهم إليه، قال فيه: «إذا كان النحو ما عند الرماني، فليس عندنا منه شيء، و إذا كان ما عندنا فليس عند الرماني منه شيء»، و ادعى أن الرماني قرأ عليه كتب ابن السراج في حياته(4).

و قد ناقش الدكتور مازن المبارك هذا القول الذي رواه ياقوت الحموي في كتابه عن الرماني(5). أما العلاقة بينه و بين ابن خالويه، فقد كان يطبعها العداء السافر بسبب رده عليه في مسائل الإغفال التي اعترض فيها الفارسي على الزجاج، ثم كتب الفارسي نقض الهاذور في الرد على ابن خالويه. أما تلامذته، فلقد طغت شهرة واحد على جميع الآخرين، ألا و هو أبو الفتح عثمان بن جني، الذي لازمه نحوا من أربعين سنة، و استمد منه أكثر معارفه النحوية و استرشد بتنبيهاته اللغوية، ففي كتاباته في الخصائص، كان كثيرا ما يتحدث عن ملاحظات نبهه إليها و غوامض أثارها له.

و غالبا ما يشير إلى ذلك، ففي كتاب الخصائص يصرح بأنه قد نبهه على نكت من (السلب)(6) و المشابهة بين معاني الإعراب و معاني الشعر(7)، و كان يشيد باهتمامه بالاشتقاق الأكبر(8) و إضافة الاسم إلى المسمى، و المسمى إلى الاسم (9)، و في كل رواياته يتحدث عنه بصفته الشيخ المربي، و المرشد.

و لقد ترك أبو علي أكثر من عشرين كتابا تناولت القراءات، و اللغة و النحو و الصرف، أكثرها على شكل مسائل يضيف عنوانها إلى البلد الذي ألفت فيه مثل المسائل الشيرازية و العسكرية (نسبة إلى معسكر مكرم) و الكرمانية و الحلبية، و له كتاب العوامل المائة.

ص186

و لعل من أهم كتبه كتاب الحجة في علل القراءات السبع، إذ في هذا الكتاب تتجلى سعة معرفته، و قوة شخصيته، و دقة تحليله. و يلاحظ محققو كتاب الحجة أن الأفكار فيه تتزاحم و تتدافع في خطاره، فيفسح لها المجال، و يرخي لها العنان في نوع من التداعي الذي يتدفق دون تنظيم، فتتوالى الاستطرادات، و تتشعب الفروع، حتى صعب على غير المختصين. و هذا ما عبر عنه ابن جني يقول: «لقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة فأغمضه و أطاله حتى منع كثيرا ممن يدعي العربية فضلا عن القراءة منه، و أجفاهم عنه» (10).

و من أشهر كتبه، الإيضاح، الذي يعتبر ثاني كتاب مدرسي بعد جمل الزجاجي. و قد نال هذا المصنف شهرة كبيرة، و اعتمده الأساتذة و الدارسون و أشادوا به نظما و نثرا. و شرحه النحويون، و من أشهر شراحه عبد القاهر الجرجاني (11)، الذي خصص له ثلاثة شروح منها المقتصد. و يحكي أنه لما قدمه إلى عضد الدولة، قال له: «ما زدت على ما كنا نعرف» فألف له كتاب التكملة، فقال لما رآه (غضب الشيخ و أتى بما لا نفهم نحن و لا هو)(12).

و يقول علي بن أحمد بن خلف النحوي الأندلسي المعروف بابن الباذش في الإيضاح:

أضع الكرى لتحفظ الإيضاح          وصل الغدو لفهمه برواح 
هو بغية المتعلمين و من بغي         حمل الكتاب يلجه بالمفتاح 
لأبي علي في الكتاب إمامة                    شهد الرواة لها بفوز قداح 
يفضي إلى أسراره بنوافذ                     من علمه بهرت قوى الأمداح 
فيخاطب المتعلمين بلفظه                      و يحل مشكله بومضة واح 
مضت العصور فكل نحو ظلمة               و أتى فكان النحو ضوء صباح 
أوصي ذوي الإعراب أن يتذاكروا            بحروفه في الصحف و الألواح 
فإذا هم سمعوا النصيحة أنجحوا               إن النصيحة غبها لنجاح (13)
ص187

مذهبه العام

يعتقد أكثر المؤرخين أن أبا علي كان معتزليا شيعيا، مستدلين على ذلك بجو العصر الذي عاش فيه، و الاتجاه الثقافي و السياسي السائد في الحواضر التي مارس فيها نشاطه العلمي، كما يستشفون تمذهبه هذا من بعض العبارات و الآراء التي تعارف عليها المعتزلة، فكان يعبر عن اللّه بالقديم، و يكرر كلة العدل، و يؤول الآيات القائلة بأن اللّه تعالى طبع على قلوب العباد، أو ختم عليها، و منها أيضا أراؤه في الشفاعة.

و من أدلة تشيعه الاعتناء الخاص الذي أولاه له الطبرسي في كتاب مجمع البيان، و العلاقة الودية التي كانت تجمعه بالشريف الرضي الذي يقول فيه:

أبو علي للألد إن سطا                         و للخصوم إن أطالوا اللغطا 
قرم تهد الأرض إن تخمطا                    تطرفوا الفج الذي توسطا 
لا جذعا أودى و لا معتبطا                    كانوا العقابيل و كنت الفرطا 
عند السراع يعرف القوم البطا                أرضى زمان بك ثم أسخطا 
سأطلب الأيام منك شططا (14)
و يجوز أن يكون أبو علي، ذا ميول شيعيّة أو ذا نزعة اعتزالية لكنه مع ذلك لم يكن مكافحا في صفوف أولئك أو هؤلاء، لأن حرصه على الصدارة في مسائل اللغة و النحو استأثر بمجهوده الفكري، و لم يترك المجال ليكون في مقدمة رجال الشيعة و المعتزلة، و هو يريد دائما أن يكون في الطليعة، غير أن هذا الاتهام و هذه الأدلة كل هذا قد يعني أن أبا علي لم يكن نحويا من طراز عادي، بل كان مفكرا مجتهدا في مذهبه البصري.

حول انتمائه للبصريين

لقد اعتاد الدكتور شوقي ضيف أن يجعل الفارسي في عداد المدرسة البغدادية، مثل ما فعل في شأن الزجاجي، و ابن جني، مرتكزا على اطلاعهم على آراء الكوفيين، و على اجتهاداتهم في اختيار ما يرونه صوابا من أقوال النحويين، لكن نزعتهم البصرية في رأينا أقوى من أن تكون مجرد ميول، فقد كانوا يصرحون بانتمائهم لأئمة المدرسة و يعيرون عنهم بأصحابنا، فيقول ابن جني أنه قد وقع حريق في مدينة السّلام و أصاب مؤلفات الفارسي فذهب جميع علم البصريين (15). و يقول الفارسي في إضافة الضمير إلى الكاف، شوذا مثل قول:

فلا ترى بعلا و لا حلائلا                     كها و لا كهن إلا حاظلا 

ص188

حتى أن الجارة عند أصحابنا تجري هذا المجرى (16)، و في قوله «أرأيتك زيدا ما فعل» قال أصحابنا لا محل لها في الإعراب(17)، و في قوله في وصف الفعل: و من أصحابنا من يقول إنه ما دل على حدث، و زمان و قد قيل لمن وصف الفعل بهذا الوصف فقيل لهم أ رأيتم قولكم خلق اللّه الزمان، هل يدل هذا على زمان؟ فإن قلتم «لا» بطل الوصف و إن قلتم يدل أثبتم زمانا قبل هذا و هذا ممتنع. و من الأجوبة عن هذا مثل قوله تعالى:  (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ) (الدخان- الآية 49) (18)، و زيادة على هذا النوع من التصريح، فإن الفارسي يذكر البغداديين مع لفظ المغايرة فيقول شاهدا على شذوذ اسم الفاعل من «دع» . و أنشد بعض البغداديين:
فأيهما ما اتبعن فإنني                  حزين على ترك الذي أنا وادع (19)
و في موضوع آخر يذكر: و أما ما يقول بعض البغداديين من الألف في داوية بدل من الواو في دوية فقد يمكن أن يكون الأمر على خلاف ما ذهب إليه، و ذلك أنه يجوز أن يكون بني من الدو فاعلا كالكاهل و الغارب ثم أضاف إليه على من قال حاني، و يقوي ذلك على أبا زيد أنشد:
و الخيل قد تجشم أربابها              الشق و قد تعتسف الداويه (20)
و من مظاهر بصريته تشدده في لغة السماع حتى قال بشذوذ بعض القراءات السبعية المروية عن حمزة و ابن عامر، و قوله إن لغة أهل الوبر أصح من لغة أهل المدر، و هو تلميح واضح لتوهين مواقف الكوفيين، كما أنه اجتهد في وضع ضوابط القياس الذي يعتبره من أساس صنعته، لأنه كان يقول قد أخطئ في خمسين مسألة من اللغة و لا أخطئ في واحدة من القياس (21). و يقول تلميذه ابن جني (ما كان أقوى قياسه و أشد بهذا العلم اللطيف، أنه فكأنه إنما كان مخلوقا له) (22).

هذا و مع العناية الخاصة التي يعطيها للقياس، بحيث أنه يتابع غالبا أبا عثمان في تصوره للقياس و من المعروف أن المازني يقول إن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب (23). فإنه لا يتصوره إلا على سماع صحيح و مطرد.

ص189

و من الضوابط التي أوضحها في العلاقة بين السماع و القياس، قوله إنه يوجد في كلام العرب، ما هو مطرد في الاستعمال، شاذ في القياس، كما يوجد العكس. و منه ما حذف منه في الضرورة ما لا يستحسن حذفه في حالة السعة فمن القسم الأول قولهم (عسى الغوير أبؤسا) (24) فالقياس يقتضي أن يخبر عن عسى بالمضارع، و يقولون «استحوذ» و القياس أن يقولوا (استحاذ) (25) و لكن العدول عن السماع خطأ فاحش. أم المطرد في القياس الشاذ في الاستعمال فقد مثل له بترك استعمال الماضي من «يدع» و (يذر) (26) و مما استعمل في الضرورة قول الشاعر:

و قبيل من لكيز شاهد                 رهط مرجوم و رهط ابن المعل (27)
و قد ذكر من هذا النوع حذف الياءات في قوله تعالى:  (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَسْر ((الفجر-الآية 4) و لم يك الفارسي موفقا في هذا التمثيل لأن القرآن لا ضرورة فيه، و قراءاته الصحيحة هي المعيار لصحة اللغة العربية، ثم تطرق الفارسي إلى ما هو شاذ في القياس و الاستعمال، مثل تشديد الزاي في نزال (28)، أو وصل المضارع بأل الموصولية كقول الشاعر:
يقول الخنا و أبغض العجم ناطقا            إلى ربنا صوت الحمار اليجدع (29)
و مع انتمائه لمذهب إمام النجاة فإن له اختيارات خاصة منها متابعته للمبرد و ابن السراج في أن «إذما» اسم بينما يقول سيبويه بحرفيتها (30)، و منها ترجيحه لبعض أقوال الكوفيين في إعمال الأول من عاملي التنازع مستشهدا بقول امرئ القيس:
       و لو أن ما أسعى لأدنى معيشة       كفاني و لم أطلب قليل من المال(31)
كما لا يرى مانعا في إعمال «إن» النافية في مثل قولهم (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) (32) و لا يمانع في إيراد تنكير عطف البيان مستدلا(33) بقوله تعالى: (أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ) ( المائدة-الآية 95) ، و يقول إن «لو» تأتي مصدرية في مثل قوله

ص190

تعالى:  (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (34) (القلم- الآية 9) ، و أن «أو» تأتي للإضراب في مثل قول جرير:

ماذا ترى في عيال قد برمت بهم             لو لا رجاؤك قد قتلت أولادي(35)
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية                   لم أحص عدتهم إلا بعداد 

و كان يجيز في الشعر ترك صرف ما لا ينصرف (36).

و إننا نعتقد أن هذه الاختيارات تدل على «اجتهاد في المذهب» كما يقول الفقهاء، لا على خروج عن الجادة البصرية التي صرح بالانتماء إليها و دافع عن آرائها الأصولية فتراه يقول: «الدليل على أن الفعل مأخوذ من المصدر أن هذه المصادر تقع دالة على جميع ما تحتها، و لا تخص شيئا منه دون شيء، ألا ترى أن الضرب يشمل جميع هذا الحدث، و لا يخص ماضيا منه من حاضر و لا حاضرا من آت و أن هذه الأمثلة تدل على أحداث مخصوصة، و حكم الخاص أن يكون من العام و يستحيل كون العام من الخاص «فهو يدافع على أصل من أصول المذهب البصري بحجج منطق البصريين، و تتلمذ على شيوخها المتأخرين، و عبر عن تفوق الأقدمين بقوله: «نحن بالإضافة إلى من كان قبلنا كبقل في أصول رقل» (و الرقل يعني به النخل) .

بعض الاعتراضات عليه

و بالرغم مما يمتاز به هذا العالم من ارتفاع الصيت، و علو المكانة، في عصره، فإنه كان عرضة لبعض الانتقادات منها ما جرى بينه و بين ابن خالويه في مسائل الإغفال، و منها اتهامه بتحريف بعض الشواهد مثل ما ذكره عنه ابن هشام نقلا عن الأسود الغندجاني، و ذلك في قول الشاعر:

و طرفك إما جئتنا فاحبسنه                   كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر 
و أن أصل البيت: لكي يحسبوا (37).

و إن من أطرف الاعتراضات على أبي علي الفارسي ما ساقه المعري في أسلوبه الساخر ضمن رسالة الغفران، إذ قال: «و كنت رأيت في المحشر شيخا لنا كان يدرس النحو في الدار العاجلة يعرف بأبي علي الفارسي و قد امترس به قوم يطالبونه و يقولون تأولت

ص191

علينا و ظلمتنا، فلما رآني أشار إلي بيده فإذا عنده طبقة منهم يزيد بن الحكم الكلابي و هو يقول: ويحك أنشدت عني هذا البيت برفع «الماء» ، و هو يعني:

فليت كفافا كان شرك كلهو خيرك عني ما ارتوى الماء مرتوي 
و لم أقل إلا الماء (بالنصب) و كذلك زعمت أني فتحت الميم في قولي:
تبدل خليلا بي كشكلك شكله                   فإن خليلا صالحا بك مقتوي 
و أنا قلت مقتوى بضم الميم.

و إذا رجل آخر يقول ادعيت على أن الهاء راجعة إلى الدرس في قولي:

هذا سراقة للقرآن يدرسه                      و المرء عند الرشا إن يلقها ذيب 
فقال:
أفمجنون أنا حتى أعتقد ذلك (38)
غير أن ما ذكره المعري هنا عن الفارسي يختلف عما روي عنه في البصريات لأن الأصل عنده أن لا يقع الفعل على الظاهر و ضميره، أما عود الضمير على المصدر المفهوم من الفعل فكثير و منه:
إذا دعي السفيه جرى عليهو خالف و السفيه إلى خلاف (39) 
و لقد أسهم الفارسي في تأصيل فكر عصره، فسعة ثقافته النحوية، و دراسته الفقهية، أهلته لتعميق التنظير اللغوي، و التقريب بين مناهج النحاة و فقهاء المتكلمين. فكان من الذين أحكموا الصلات بين الخطاب اللغوي و مقتضيات الأحكام. من أمثلة ذلك قوله فيما عزاه لأبي يوسف: إن المعاهد لا يقتل بالكافر. و استدل بما روي في الحديث الشريف و هو لا يقتل مسلم بكافر حربي و لا ذو عهد في عهده، فأولها أنه لا يقتل ذو عهد بكافر. و يقول أبو يوسف: أنه لو كان لا يقتل مومن بالمعاهد، لكانت الرواية، و لا ذي عهد في عهده.

و إذا أنهينا الكلام في هذا الفصل عن هذا النحوي الكبير فإننا سنعود إلى آرائه و أفكاره النحوية عند تلميذه العبقري أبي عثمان بن جني.

ص192

____________________

(1) ابن الخياط: محمد بن أحمد بن منصور أبو بكر ابن الخياط النحوي ممن أتقن المذهبين النحويين البصري و الكوفي، أصله من سمرقند و مات ببغداد سنة 320ه‍، و كان من نظراء الزجاج و مناظريه. أخذ عنه الزجاجي و الفارسي، و له معاني القرآن و النحو الكبير، و هو من مؤسسي المدرسة البغدادية. راجع: معجم الأدباء:2309، ترجمة الألباء:185.

(2) ابن خالويه هو الحسين بن أحمد بن خالويه، أصله من همدان، وفد إلى بغداد سنة 314 ه‍، و أخذ القراءات عن ابن مجاهد، و اللغة و الأدب عن ابن دريد و أبي بكر الأنباري، و النحو عن نفطويه، و صحب سيف الدولة الحمداني و أدب أبناءه، و له من المتنبي مناظرات معروفة و من أشهر ما كتب: ما ليس من كلام العرب في اللغة، و الجمل في النحو، و البديع في القراءات و إعراب ثلاثين سورة.

(3) معجم الأدباء:820.

(4) معجم الأدباء:813.

(5) الرماني النحوي:73-85.

(6) الخصائص:3 /75.

(7) الخصائص:2 /168.

(8) الخصائص:2 /133.

(9) الخصائص:3 /24.

(10) الحجة في علل القراءات السبع (مقدمة التحقيق) ص 31 عازيا للمحتسب 1 /288.

(11) الجرجاني: إنه أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت 471 ه‍) ، المشهور أساسا بكتابته في إعجاز القرآن في شرحه لكتاب محمد بن زيد الواسطي، و عرفت نظرياته في النظم البلاغي، من خلال كتابي أسرار البلاغة و دلائل الإعجاز. و هو أيضا من أئمة النحويين، فقد أخذ عن محمد بن الحسين بن عبد الوارث، ابن أخت الفارسي، و كان معجبا بكتب أبي علي الفارسي، و شرح الإيضاح ثلاثة شروح، منها المغنى، و هو في ثلاثين مجلدا، و الإيجاز، و المقتصد، و قد نشر هذا الأخير بتحقيق الدكتور كاظم بحر المرجان في بغداد (دار الرشيد 1982) .

(12) معجم الأدباء:813.

(13) معجم الأدباء:816-817.

(14) ديوان الرضى:1 /445 (نقلا عن مقدمة كتاب الحجة) .

(15) معجم الأدباء:819.

(16) المسائل العسكرية للفارسي:137.

(17) المصدر نفسه:92-93.

(18) المصدر نفسه:136.

(19) المصدر نفسه:136.

(20) الحجة:62.

(21) الخصائص:2 /88.

(22) المصدر نفسه:1 /277.

(23) المصدر نفسه:1 /357.

(24) المسائل العسكرية:146.

(25) المصدر نفسه:144.

(26)) المصدر نفسه:136.

(27) المصدر نفسه:203.

(28) المصدر نفسه:204.

(29) المصدر نفسه:226.

(30) المصدر نفسه:154.

(31) المغني:120.

(32) المصدر نفسه:661-661.

(33) المدارس النحوية (عازيا للهمع) ، ص 259.

(34) المدارس النحوية (عازيا للهمع) ص 260.

(35) المغني، ص 350.

(36) المصدر نفسه، ص91.

(37) المسائل العسكرية:95.

(38) المعري، رسالة الغفران.

(39) الحجة (المقدمة عازية إلى رسالة الغفران) :20-21.