مناظرة الشيخ المفيد مع بعضهم في حديث لو اجتمع للإمام (عليه السلام) عدة أهل بدر |
635
09:49 صباحاً
التاريخ: 12-11-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2019
749
التاريخ: 4-11-2019
769
التاريخ: 7-11-2019
708
التاريخ: 11-11-2019
581
|
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ المفيد رضي الله عنه: حضرت مجلس رئيس من الرؤساء، فجرى كلام في الإمامة، فانتهى إلى القول في الغيبة.
فقال صاحب المجلس: أليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد (عليه السلام): أنه لو اجتمع للإمام عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا لوجب عليه الخروج بالسيف (1)؟
فقلت: قد روي هذا الحديث. قال: أولسنا نعلم يقينا أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف عدة أهل بدر، فكيف يجوز للإمام الغيبة مع الرواية التي ذكرناها؟
فقلت له: إن الشيعة وإن كانت في وقتنا كثيرا عددها، حتى تزيد على عدة أهل بدر أضعافا مضاعفة، فإن الجماعة التي عدتهم عدة أهل بدر إذا اجتمعت، فلم يسع الإمام التقية ووجب عليه الظهور، لم تجتمع في هذا الوقت، ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها، وذلك إنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة، والصبر على اللقاء، والإخلاص في الجهاد، إيثار الآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب، وصحة العقول، وإنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء، ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف، وليس كل الشيعة بهذه الصفة، ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الإمام (عليه السلام) لا محالة، ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين، لكن المعلوم خلاف ما وصفناه، فلذلك ساغ للإمام الغيبة على ما ذكرناه.
قال: ومن أين لنا أن شروط القوم على ما ذكرت، وإن كانت شروطهم هذه، فمن أين لنا أن الأمر كما وصفت؟ فقلت: إذا ثبت وجوب الإمامة وصحت الغيبة لم يكن لنا طريق إلى تصحيح الخبر إلا بما شرحناه، فمن حيث قامت دلائل الإمامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما ذكرناه.
ثم قلت: ونظير هذا الأمر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي (صلى الله عليه وآله) أهل بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه، وأكثرهم أعزل راجل، ثم قعد عليه وآله السلام في عام الحديبية ومعه من أصحابه أضعاف أهل بدر في العدد، وقد علمنا أنه (صلى الله عليه وآله) مصيبا في الأمرين جميعا، وأنه لو كان المعلوم من أصحابه في عام الحديبية ما كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة، ولوجب عليه الجهاد كما وجب عليه قبل ذلك، ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما بيناه.
فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يوحى إليه فيعلم بالوحي العواقب، ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطأه بمعرفة ما يكون، فمن قال في علم الإمام بما ذكرت؟ وما طريق معرفته بذلك؟ فقلت له: الإمام عندنا معهود إليه، موقف على ما يأتي وما يذكر، منصوب له أمارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال ، وإنما حصل له العهد بذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء، ولو لم نذكر هذا الباب واقتصرنا على أنه متعبد في ذلك بغلبة الظن وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى ، وقام مقام الإظهار على التحقيق كائنا ما كان بلا ارتياب، لا سيما على مذهب المخالفين في الاجتهاد. وقولهم في رأي النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان المذهب ما قدمناه.
فقال: لم لا يظهر الإمام وإن أدى ظهوره إلى قتله فيكون البرهان له والحجة في إمامته أوضح، ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب؟
فقلت: إنه لا يجب ذلك عليه (عليه السلام)، كما لا يجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات، وإن كنا نعلم أنه لو عاجل العصاة لكان البرهان على قدرته أوضح، والأمر في نهيه أوكد، والحجة في قبح خلافه أبين، ولكان بذلك الخلق عن معاصيه أزجر، وإن لم يجب ذلك عليه ولا في حكمته وتدبيره لعلمه بالمصلحة فيه على التفضيل، فالقول في الباب الأول مثله على أنه لا معنى لظهور الإمام في وقت يحيط العلم فيه بأن ظهوره منه فساد، وإنه لا يؤول إلى إصلاح، وإنما يكون ذلك حكمة وصوابا إذا كانت عاقبته الصلاح، ولو علم (عليه السلام) إن في ظهوره صلاحا في الدين مع مقامه في العالم أو هلاكه وهلاك جميع شيعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين، ولا فتر عن المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه، لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته لرد هذه الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد إليه، ونصب الدلائل والحد والرسم المذكورين له في الأفعال.
فقال: لعمري، إن هذه الأجوبة على الأصول المقررة لأهل الإمامة مستمرة، والمنازع فيها - بعد تسليم الأصول - لا ينال شيئا ولا يظفر بطائل.
فقلت: من العجب إنا والمعتزلة نوجب الإمامة، ونحكم بالحاجة إليها في كل زمان، ونقطع بخطأ من أوجب الاستغناء عنها في حال بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم دائما يشنعون علينا بالقول في الغيبة، ومرور الزمان بغير ظهور إمام، وهم أنفسهم يعترفون بأنهم لا إمام لهم بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذا الزمان، ولا يرجون إقامة إمام في قرب هذا من الأوان، فعلى كل حال نحن أعذر في القول بالغيبة، وأولى بالصواب عند الموازنة للأصل الثابت من وجوب الإمام، ولدفع الحاجة إليها في كل أوان.
فقال: هؤلاء القوم وإن قالوا بالحاجة إلى الإمام فعذرهم واضح في بطلان الأحكام لعدم غيبة الإمام الذي يقوم بالأحكام، وأنتم تقولون أن أئمتكم (عليهم السلام) قد كانوا ظاهرين إلى وقت زمان الغيبة عندكم، فما عذركم في ترك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام. فقلت له: إن هؤلاء القوم وإن اعتصموا في تضييع الحدود والأحكام بعد الأئمة الذين يقومون بها في الزمان، فإنهم يعترفون بأن في كل زمان طائفة منهم من أهل الحل والعقد قد جعل إليهم إقامة الإمام الذي يقوم بالحدود وتنفيذ الأحكام، فما عذرهم عن كفهم عن إقامة الإمام وهم موجودون معروفو الأعيان، فإن وجب عليهم لوجودهم ظاهرين في كل زمان إقامة الإمام المنفذ للأحكام، وعانوا ترك ذلك في طول هذه المدة عاصين ضالين عن طريق الرشاد كان لنا بذلك عليهم ولن يقولوا بهذا أبدا، وإن كان لهم عذر في ترك إقامة الإمام، وإن كانوا في كل وقت موجودين، فذلك العذر لأئمتنا (عليهم السلام) في ترك إقامة الحدود وإن كانوا موجودين في كل زمان، على أن عذر أئمتنا (عليهم السلام) في ترك إقامة الأحكام أوضح وأظهر من عذر المعتزلة في ترك نصب الإمام، لأنا نعلم يقينا بلا ارتياب أن كثيرا من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد شردوا عن أوطانهم، وسفكت دماؤهم، والزم الباقون منهم الخوف على التوهم عليهم أنهم يرون الخروج بالسيف، وأنهم ممن (ترجع) إليهم الأحكام، ولم ير أحد من المعتزلة ولا الحشوية سفك دمه، ولا شرد عن وطنه، ولا خيف على التوهم عليه، والتحقيق منه أنه يرى في قعود الأئمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هؤلاء القوم يصرحون في المجالس بأنهم أصحاب الاختيار، وإن إليهم الحل والعقد والإنكار على الطاعة، وإن من مذهبهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا لازما على اعتقادهم، وهم مع ذلك آمنون من السلطان، غير خائفين من نكيره عليهم من هذا المقال.
فبان بذلك أنه لا عذر لهم في ترك إقامة الإمام، وإن العذر الواضح الذي لا شبهة فيه، حاصل لأئمتنا (عليهم السلام) من ترك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، لما بيناه من حالهم ووصفناه، وهذا واضح، فلم يأت بشيء، ولله الحمد ولرسوله وآله الصلاة والسلام والله الموفق للصواب. (2)
________________
(1) فقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه قال: إذا اجتمع للإمام عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر وجب عليه القيام والتغيير (بحار الأنوار: ج 100 ص 49 ح 18) وبمضمون هذا الحديث بتفاوت، راجع: عيون أخبار الرضا للصدوق: ج 2 ص 64 - 65 ح 29، كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ج 2 ص 654 ح 20 و21 ب 57 وص 672 ح 25 ب 58، تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 323، كتاب الغيبة للنعماني: ص 315 ح 9.
(2) مصنفات الشيخ المفيد رحمه الله المجلد السابع (ص 11 - 12) (الرسالة الثالثة).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|