المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية الماشية في روسيا الفيدرالية
2024-11-06
تربية ماشية اللبن في البلاد الأفريقية
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية مصر العربية
2024-11-06
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06

مقابلة صحفية
30-5-2020
قواعد اختيار وحدة التكوين المتكررة للبوليمر قاعدة (4)
20-10-2017
اسماء وتعريف البطاطا
7-3-2017
شعراء الزهد
4-7-2016
Hemosiderin Pigments-Spleen
1-8-2016
الشكر على البلاء
14-3-2022


مناظرة السيد مصطفى العاملي مع رجل فلسطيني في حكم البكاء وإقامة العزاء على الحسين (عليه السلام)  
  
595   06:49 مساءً   التاريخ: 31-10-2019
المؤلف : الشيخ عبد الله الحسن
الكتاب أو المصدر : مناظرات في العقائد
الجزء والصفحة : ج2 ، 142- 156
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء /

سألني رجل من أهل فلسطين: ما هو الفرق بيننا وبينكم؟

 

قلت: لا أدري، لأني لا أعلم ماذا تعتقدون.

قال: فإننا مسلمون، ونعتقد بدين الإسلام.

قلت: ليس كل من ادعى الإسلام صار مسلما، فإن للمسلم شروط وقوانين لا بد له من الالتزام بها، ونحن يا هذا نعتقد أن الدين عند الله الإسلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، ونصلي الخمس، ونصوم شهر رمضان ونؤدي الزكاة ونحج البيت، ونتوجه نحو قبلة المسلمين، فإذا كنت ملتزما بهذا فأنت مسلم، ولا فرق بيننا وبينكم.

قال: أوه، أتراك تخرجنا عن الإسلام، ألم تعلم أننا نعتقد بكل ما ذكرته؟

قلت: هذا الجواب من نوع سؤالك، وقد كنت معتقدا ذلك بكم، لظني أنكم مسلمون، ولما سألتني ما الفرق بيننا وبينكم حصل عندي الشك في إسلاميتك.

قال: إني مسلم صحيح، وأعتقد بهذا كله، ولكني منذ اختلطت بكم وعاشرتكم وجدت من الشعائر عندكم ما لا يتفق مع العقل والدين.

قلت: قل مسلم، واترك دعوى الصحة جانبا، فليس كل مدع صادقا.

قال: ومن أين لك العلم بأني غير صادق، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله؟ قلت: دعواك الصحة من غير سبق تأكيد عليها آثار الريب والشك في ذلك عندي، ولكن تستطيع إثبات صحة إسلامك بإسدائك النصيحة لأخيك المسلم، فإن نبي الإسلام قال: الدين النصيحة (1).

قال: وما تعني بالنصيحة؟

قلت: إنك تذكر أن لدنيا شعائر لا تتفق مع العقل والدين، وإني أقول كما قال عمر بن الخطاب: رحم الله امرءا هداني إلى عيوبي، فإن رأيت يا هذا، هداك الله، أن تبين لي هذه الشعائر الفاسدة فلعل الله يهديني بك من الضلالة إن كان كما زعمت.

قال: هي قضية العاشوراء، وإقامة عزاء الحسين في كل عام. فاستفزني الضحك من قلة حيائه، وقلت له: صدق الله حيث يقول: { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } [المنافقون: 4] .

الآية، لقد غرني رواؤك، وخدعني شكلك - بادئ الأمر - حتى تكلمت فتغير رأيي فيك.

فقال: وما ذاك؟

قلت: ألم يبلغك ما رواه علماؤكم عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (2)، وقال الله عز وجل لنبيه {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].

فهل مودة القربى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هي السرور بما يحزنه، والفرح بما يسوؤه، وهل محبة الرسول شماتته بما يصيبه، ويحك أما علمت أن الحسين (عليه السلام) هو قرة عين الرسول، وثمرة مهجته كان يركبه ظهره، ويحمله على عنقه ويقبله في نحره ويقول: حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا (3)، وقد وردت الروايات المتكاثرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى عليه، وحدث عن شهادته ولعن قاتله كما ذكر ذلك ابن عساكر (4) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنس وأبي أمامة وأم سلمة وعائشة وزينب بنت جحش وأم الفضل زوجة العباس وسعيد بن جهمان ومحمد بن صالح وابن عباس وابن عمر وكعب الأحبار وغير هؤلاء.

تدعي الإسلام ومحبة الرسول ولا تواسيه في مصيبته وتشاركه في أحزانه، لا بل أنت تريد مشاركة يزيد وأتباعه باتخاذهم يوم قتل الحسين عيدا، وجعلهم إياه يوم فرح وسرور وتوسعة على العيال، ولكن لا ألومك لأنك لا تعرف القيم ولا تقدر الحقوق.

قال: ومم تأكدت إني لا أعرف القيم ولا أقدر الحقوق؟

قلت: أليس قد جرت العادة بإقامة الذكرى لعظماء الرجال، وذكر مآثرهم، وأحوالهم وذكر سيرهم، لترغيب الشعوب في اقتفاء آثارهم، والسير على طريقهم ليكونوا عظماء مثلهم.

قال: بلى. قلت: فما أنكرت من إقامة ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) في كل عام ليقتدي به الناس في المكارم، ويسلكوا نهجه للإنسانية الحقة والرجولة الصحيحة، فيبذلوا النفس والنفيس في سبيل الحرية، وليتعلموا منه إباء الضيم وعزة النفس حيث الشرف كل الشرف، وحيث الفخار، وحيث العلاء، كما قال - صلوات الله عليه - من جملة كلام له: ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام (5).

وقوله عليه السلام: وإن تكن الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل (6) .

أو ما علمت أن الحسين (عليه السلام) كان يمثل شعور شعب حي مرهق بالظلم، معني بالاستبداد من أمراء فسقة، شأنهم محق الحق بالقوة، وسحق المعنويات بالماديات، عروا من الأخلاق، وخلوا من المعارف، فمرقوا من الدين مروق السهم من الرمية، وراحوا - باسم الدين - يردون الناس عن الدين القهقرى، ولكن رمز الفضيلة، ومثال الحق والإخلاص، سيد أهل الإباء، الإمام أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) نهض نهضته المباركة لينقذ الحق من براثن الباطل يدافع عن عقيدته، عن حجته، عن مبادئه، عن شريعته، عن أمته، عن أولئك المستضعفين.. قدم نفسه قربانا في سبيل الحق، لا يلتمس أجرا ولا يطلب مالا ولا نوالا، ولا جاها ولا بالتماس من صديق، أو مخافة من عدو، بل غيرة على الدين وانتصارا للحق:

قضى ابن علي والحفاظ كلاهما * فلست ترى ما عشت نهضة سيد (7) .

أما علمت أن قتل الحسين (عليه السلام) كان بعثة ثانية للشريعة الغراء، وإشراقا آخر لذلك النور البهي الإلهي، بعد أن مات الشعور الإسلامي السامي من النفوس أو كاد، وغلت الأيدي وكمت الأفواه، ولم يعد أحد يشعر بالمسؤولية عن مظلمة أخيه، ولذلك لكثرة المظالم، وغشم الأمراء، لقد قام في وجه الجور والفجور، وثار على المنكر والبغي، فقاتل وذهب شهيدا، لقد قتل، ولكنه المنصور، فقد خفف الويلات عن المسلمين، وذلك بتخفيف غلواء الحاكمين، وشل حركات المعتدين، حيث أسفر الصبح لذي عينين، وظهر للناس ما اقترفته تلك الطغمة وما اجترحته من آثام، فتنبه الأحرار إلى أن الشرف في التضحية، وفي الموت تكون الحياة، بل الموت أفضل من حياة تنافي الإيمان والكرامة، وتناقض الوجدان والشهامة، وخير للإنسان أن يموت من أن يعيش - كالنعم السائمة - متحجر الفكر لا يدري ما الكرامة.

وإذا لم يكن من الموت بد * فمن العجز أن تعيش جبانا سيما والحسين سبط الرسول الأعظم، والقيم على حكم الكتاب.

ووجد صرح الدين تنهار وأركانه تتداعى، وناداه منادي الواجب - من داخل الضمير - حي على الجهاد، وهيا لقمع الطغيان، فقد بلغ السيل الزبى، وشعر بعظم المسؤولية فنهض منتصرا للفضيلة، ثائرا للكرامة، صادعا بالحق داعيا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، هذا وإن سلاحه الصبر وحسن اليقين ولسان الحال يقول:

إن كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي فيا سيوف خذيني (8) .

قال: إن الأخبار كلها تنص على أن الحسين لم يكن لديه أنصار، وإنه خرج هاربا من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، خوفا من إلزامه بالبيعة ليزيد (9)، مع أنه لو بايع بقي على مكانته وجاهه، وسلم من محنة القتل ومن سبي الحريم، فنهضته إنما كانت عنادا للسلطان (10)، وإلقاء باليد إلى التهلكة، وقد نهى الله عن ذلك، فقال: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .

قلت : لا ألومك على تأويلك الآية بهذا المعنى، حيث علمت مقدرتك الفكرية، وثبت عندي ما أنت فيه من القصور.

قال : وهل لديك معنى للإلقاء في التهلكة غير ما ذكرته.

قلت: نعم، وفيه وجوه، ومنها: إن الحسين (عليه السلام) وهو وارث علم النبي (صلى الله عليه وآله) وسبطه، وإليه معاد الناس في معرفة أحكام الشريعة، وهو المنظور إليه، والمقتدى به في القول والفعل، لو سلم ليزيد ووضع يده في يده - مع اتصاف يزيد برذائل الأخلاق، وتجاهره بالفسق، واستباحة المحرمات، لكان هذا يحط من قدر الحسين العالي، ومكانته السامية، ومقامه الأعلى ومحله الأرقى، وكان لا يذكر إذا ذكر عظماء الرجال؟ وهذا هو بعينه الإلقاء باليد إلى التهلكة، قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء (11) .

ومنها: إن الناس ترضى عن يزيد وعن أعماله، بل إنهم يتخذون عمل يزيد قدوة لهم، فيعم الفساد، وتنطمس رسوم الشريعة المحمدية الغراء، وفي موت الشريعة موت لصاحب الشريعة، وهو جده الرسول، وموت للحسين (عليه السلام) الذي هو الوارث للشريعة والقيم عليها، وهذا هو بعينه الألقاء باليد إلى التهلكة.

ومنها: إن سكوت الحسين (عليه السلام) وعدم غضبه لله موجب إما لغضب الله عليه وإما لحرمانه من الأجر، وهذا هو الإلقاء باليد إلى التهلكة. وقد تعبد الله قوما بهذا الحكم فقال: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54] .

ومنها: أن الحسين (عليه السلام) لم يكن أمينا على نفسه لو بايع، فقد كانت نيتهم إلقاء القبض عليه ثم يقتلونه صبرا، وذكر أصحاب المقاتل أن يزيد أرسل إلى مكة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ليغتالوا الحسين على أية حال كان، ولو في جوف البيت الحرام (12)، وفي مقتل الخوارزمي أن الحسين (عليه السلام) كتب إلى عبد الله بن جعفر الطيار: فوالله يا بن العم، لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتى يقتلوني، ووالله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في يوم السبت (13).

إذن الحسين (عليه السلام) لا يرضى أن يقتل صبرا، قتلة الذل والصغار، وهو بعينه الإلقاء باليد إلى التهلكة، فهو - صلوات الله عليه - يؤثر أن يموت ميتة العز والشرف لا ميتة الذل والصغار، إنه ليرى الموت بين مشتجر العوالي وبوارق الصفاح هو بعينه الحياة، وهو بعينه الخلود، ولقد وصل إلى الهدف ونال ما أمل، انظر إليه بعين صحيحة، وتأمله بقلب واع، ألا ترى - على مر العصور والأجيال - يذكر الحسين (عليه السلام) فتعبق الطيوب والعطور، ويذكر أعداؤه فيفوح الدفر والنتن، وأن الحسين (عليه السلام) لكما قيل فيه:

رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا * من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى * برجل ولا يعطي المقادة عن يد (14) .

ونهضة الحسين (عليه السلام) كشفت ما عليه القوم من سوء النويا للدين ولأهله، فإذا لم يرعوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة بولده، فأحرى بهم أن لا يراعوا له حرمة في نفسه، لو كان موجودا أو بيدهم سلطان.

واعلم أن بقتل الحسين (عليه السلام) تنبه المؤمنون، وثار الحق على الباطل، وأقدم الأحرار على التضحية، فلو لم تكن تضحية الحسين (عليه السلام) هي عين الصواب لم يقتد به عظماء الرجال في ذلك الوقت، أمثال أبناء الزبير والمختار وآل المهلب، وغيرهم ممن آثروا الموت على الحياة، ولم يعطوا الطاعة لقوم لم يجدوهم أكفاء لهم شرفا ومكانة، ولو لم يقتل الحسين (عليه السلام) بقيت الأيدي مكتوفة، والأفواه مكمومة، والمؤمنون يقتلون تحت كل حجر ومدر.

قال: إني أجد في هذه المعاني روحا من الحقيقة، ولكن الذي أنتقد عليه هو ما يحصل في مجالس التعزية من السباب لبعض الصحابة، وما يحصل من الأعمال الشبيهة التي تسئ إلى الأخلاق والمعنويات، كضرب السيوف والسلاسل وإركاب النساء على الجمال مما لا ضرورة إليه.

قلت: قد قلنا سابقا إن الغرض من إقامة العزاء إنما هو تجديد لذكرى هذا الرجل العظيم، وحيث للناس أن يقتدوا به في علو الهمة والشمم والإباء وعزة النفس، والمحافظة على الدين مهما كلف الأمر، ولو أدى إلى إزهاق النفوس والأرواح. وأما سب الصحابة فإن هذا محض افتراء، نعم لا نتحرج أن نقول: اللهم ألعن من ظلم محمدا وآل محمدا، لأن ظالم محمد (صلى الله عليه وآله) يجب لعنه، لأنه رد على الله برده على رسول الله، وظالم آل محمد يجب لعنه، لأنه لم يوف الرسول أجر الرسالة، وهو مودته في قرباه، قال الله عز وجل: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] وظالم آل محمد مؤذ لرسول الله في عترته، وهذا ملعون في كتاب الله، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 57، 58].

فنحن بقولنا: اللهم العن ظالم محمد وآل محمد نلعن من لعنه الله في كتابه، وأنتم كذلك تقولون، واللعنة تعرف أهلها، وقد عاشرتمونا مدة طويلة فهل اطلعت على شيء غير هذا؟ قال: معاذ الله، ولكن يقال إنكم تسبون الصحابة. قلت له: ويحك، لا يطلب أثر بعد عين، نحن غير خائفين منكم لنتقيكم، ولا لكم ذلك السلطان وتلك القوة، وأنت وحدك بين ظهرانينا لك أكثر من خمس وعشرين سنة، أما كان الأجدر في هذه المدة الطويلة أن يغلط واحد منا ولو غلطة واحدة، هذا لو كان الأمر كما تدعيه، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه (15) وهذا أنت تعترف أنه لم يظهر لك من ذلك أي أثر، ومع هذا فقد تركت المشاهدات التي أحسستها ولمستها وتتبعت إشاعات أهل الأراجيف، ومن شأنهم الأرجاف وإلقاء بذور الشقاق، والتفرقة بين المسلمين لقاء دريهمات يتقاضونها من أعداء الدين والإسلام. ولنعم ما قال سيد الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): بين الحق والباطل أربع أصابع، ثم وضع أربع أصابعه بين عينه وأذنه فقال: ما رأيته بعينك فهو الحق، وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا (16).

وأنا أفيدك، أن هذا الذي ادعيت سماة من جملة ذلك الباطل الكثير الذي لا حقيقة له، وبرهانا أنك مع ضعفك وأنت مقيم بين الشيعة وفي محيط شيعي لم يغلط أحد منهم أمامك غلطة واحدة تذكره طيلة خمسة وعشرين عاما.

فقال: صدقت، وإن الذي تذكره لأبين من الشمس وأوضح من النهار.

قلت: وأما أعمال الشبيه، فلأن جل الناس أميون، وليس كلهم يقرأ السيرة، بل ولا كلهم يفهم ما يقوله القارئ، وأعمال الشبيه رواية تمثيلية تمثل الواقعة ليعرفها الجاهل - شاهد عيان - مع المحافظة على النواميس الأخلاقية، فيتحصل لديه، معرفة كرامة هؤلاء ولؤم أولئك.

..... واعلم أن أعظم المصائب هي مصيبة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهي التي يجب أن تقدم على كل مصيبة، وأن المسلم ليجدر به أن يحزن لحزن الرسول (صلى الله عليه وآله) ويفرح لفرحه، ومن لا يحزن لحزن الرسول (صلى الله عليه وآله) ويفرح لفرحه فليس بمسلم.

قال: هذا صحيح، ولكن هذه المصيبة مر عليها أربعة عشر قرنا، ومن العوائد أن مدة بقاء الحزن لغاية أربعين يوما، ولو تعاظم الأمر فإلى الحول، فما معنى هذا التجديد دائما، وقد مر عليها عشرات المئات من الأعوام.

فقلت له: لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادي أنا أتكلم، وأنت لا تفهم، أما علمت أن مصيبة كل بقدره، وإذا كان محمد (صلى الله عليه وآله)، هو سيد الكائنات فلا جرم أن مصيبته أعظم من جميع الكائنات، أوما علمت أن محمدا (صلى الله عليه وآله) له الفضل كل الفضل على جميع المسلمين، من أول بعثته إلى يوم القيامة، فيجب على كل مسلم أن يشاطر الرسول همومه، ويؤدي له الحق من الحزن لحزنه وإقامة المآتم لولده.

بربك خبرني لو أن الحسين (عليه السلام) قتل في حياة جده هل كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يحزن لقتله أم يفرح؟

قال: بل كان يحزن، بالطبع.

قلت له: الآن ثبت عندي أنك غير مسلم. قال: ولماذا وصمتني بهذه الوصمة، أما هو حرام عليك؟ قلت: لي الحق في ذلك، لأنك تعتقد أن الرسول (صلى الله عليه وآله) يحزن لقتله فيما لو كان حيا، ويقعد لإقامة العزاء، ثم إنكم تجعلون يوم قتله عيدا، وتتباركون به، وتستعملون الزينة فيه والدهن والكحل والتوسعة على العيال، وتستحبون صومه، لأنه يوم بركة كما تزعمون عنادا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وشماتة به.

هذا مع اعترافكم - كما في صحيح البخاري (17) - أن اليهود كانت تجعله عيدا، وأن اليهود والعرب في الجاهلية كانوا يصومونه، فأراكم في هذا قد قلدتم اليهود وأعراب الجاهلية، ورغبتم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتركتم سنته وقد قال: من رغب عن سنتي فليس مني (18)، اعترفتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فرض عليه صيام شهر رمضان ترك صوم يوم عاشوراء (19)، وأنتم تصومونه خلافا عليه، كأنكم أعلم من الرسول (صلى الله عليه وآله) بموارد الطاعات، أو أنكم أحرص على مرضاة الله منه.

قال: إني لا أعترف بهذا أبدا.

قلت: هذا صحيح البخاري موجود، وقمت لآتيه به، فقال: لا حاجة بنا إليه، ولست أكذبك فيما تقول إنه موجود فيه.

قلت له: وصح أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما رجع من غزوة أحد وسمع نساء المهاجرين والأنصار ينحن على قتلاهن دمعت عيناه وقال: ولكن حمزة لا بواكي له (20)، فذهب جابر بن عبد الله وجماعة من الأنصار وأمر والنساء أن لا تنوح على قتلاها حتى ينحن على حمزة (عليه السلام)، وجئن إلى دار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن على حمزة (عليه السلام) وندبنه حتى طاب قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينكر ذلك. والولد - بلا شك - أعز من العم، فإذا لم يطب قلب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أقيم العزاء على عمه حمزة (عليه السلام)، وسماه سيد الشهداء، فبالأحرى أن يكون ذلك منه لولده الحسين (عليه السلام) وارث علمه وحكمته، وخليفة الله في الأرض من بعد جده وأبيه وأخيه (عليهم السلام). وأما إركاب النساء على الجمال: فهذا ما لا نقره ولا نرضى به، نعم إذا كن غير مكشوفات ولا يعرفن فلا بأس بذلك، لأن ذلك - كما قدمنا - تمثيل للواقعة أمام الجاهل، فما أنكرت علينا إلا حبنا لأهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) ومولاتنا حفظا لمودة الرسول في قرباه، وإحياءنا ذكرهم، وأخذنا بهديهم، ونحن لا يضرنا إنكار المنكر إذا كان عملنا يرضي الله ورسوله.

علي نحت القوافي من معادنها * وما علي إذا لم تفهم البقر (21) .

_____________________

(1) راجع: مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 297، صحيح البخاري: ج 1 ص 22، تاريخ بغداد: ج 14 ص 207، مجمع الزوائد: ج 1 ص 87.

(2) راجع: صحيح البخاري: ج 8 ص 17، إتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 9 ص 547.

(3) راجع: مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 172، سنن ابن ماجة: ج 1 ص 51 ح 144، سنن الترمذي: ج 5 ص 617 ح 3775، المستدرك للحاكم: ج 3 ص 177، فرائد السمطين: ج 2 ص 129 ح 428 وص 131 ح 429.

(4) راجع: تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام)) ص 172 - 185 ح 220 - 335، المستدرك للحاكم: ج 3 ص 176 - 179، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ج 1 ص 158، الخصائص الكبرى للسيوطي: ج 2 ص 125 (ب إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بقتل الحسين (عليه السلام)).

(5) راجع: مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ج 2 ص 7، اللهوف ص 42، مقتل الحسين للمقرم: ص 234.

(6) مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ج 2 ص 33، اللهوف لابن طاووس: ص 32، مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرم: ص 180.

(7) ديوان السيد حيدر الحلي (رحمه الله): ج 1 ص 72.

(8) للشيخ محسن أبو الحب.

(9) روى المؤرخون أن أبا هرة الأزدي - وهو من الكوفة - قد التقى بالحسين (عليه السلام) وهو في مسيره إلى كربلاء فسأله قائلا: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فقال له الحسين (عليه السلام): يا أبا هرة إن بني أمية قد أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسهم الله تعالى ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ، إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم. راجع: مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 226، مقتل الحسين للمقرم: ص 170.

(10) أقول: يا لها من جرءة على بن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة، وهل يحتمل مسلم منصف أن ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله) خرج عنادا للسلطة، وهل القاتل والصادق في قوله (عليه السلام): وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين... الخ. راجع: مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: ج 1 ص 188 - 189، بحار الأنوار: ج 44 ص 329.

(11) هذا البيت لعدي بن الرعلاء الغساني، راجع: شرح أبيات مغني اللبيب: ج 3 ص 197.

(12) بحار الأنوار: ج 45 ص 99، المنتخب للطريحي: ص 435، لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين: ص 69، الخصائص الحسينية للتستري: 399، مثير الأحزان للجواهري: ص 30 - 31، أسرار الشهادة للدربندي: ج 1 ص 55.

(13) مقتل الحسين للخوارزمي: ص 217 - 218، تاريخ الطبري: ج 5 ص 385، الكامل لابن الأثير: ج 4 ص 38، مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرم: ص 166.

(14) ديوان السيد حيدر الحلي (رحمه الله): ج 1 ص 71 - 72.

(15) راجع: نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح: ص 472، قصار الحكم رقم: 26، بحار الأنوار للمجلسي: ج 72 ص 204 ح 11.

(16) بحار الأنوار للمجلسي: ج 75 ص 197 ح 16، وجاء في نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام) ص 198، من كلام له في النهي عن سماع الغيبة رقم: 141، قوله (عليه السلام): أما إنه ليس بين الحق والباطل إلا أربع أصابع. فسئل، (عليه السلام)، عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه ثم قال: الباطل أن تقول سمعت، والحق أن تقول رأيت! .

(17) صحيح البخاري: ج 3 ص 57.

(18) راجع: مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 158 وج 3 ص 241، صحيح البخاري: ج 7 ص 2، حلية الأولياء: ج 3 ص 228، تاريخ بغداد للخطيب: ج 3 ص 330، السنن الكبرى للبيهقي: ج 7 ص 77، وسائل الشيعة: ج 14 ص 9 (ب 2 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 9).

(19) كما ورد النهي أيضا عن صيامه راجع: صحيح البخاري: ج 3 ص 57.

(20) تقدمت تخريجاته.

(21) الحقيبة مناظرات ومحاورات للسيد مصطفى مرتضى ص 81 - 92.

 

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.