بعث الحضارات الجاهليه من تحت الانقاض

وبعد، فليس السبب فى ذلك كله الصراع بين القديم والجديد، كما يحب دعاه التجديد والتغريب ان يفسروا الامور. وانما السر فى هذه المحاولات والاعمال جميعا حجب هذا الجيل عن الإسلام بالخصوص، وليس عن القديم والماضى بشكل عام. والدليل على ذلك ان دعاه (الحداثه) و(التجديد) هولاء بالذات، يمدون نوعا آخر من الجسور الحضاريه لربط هذا الجيل، عبر الاسلام العظيم، بالجاهليات الاولى، فى مصر، وفى العراق، وفى ايران، وفى تركيا، وفى الشام، وفى سائر اجزاء العالم الاسلامى.

ولقد كان بالامكان ان نفهم ان طبيعه هذا الصراع بين القديم والجديد لولا اننا نلتقى عبر دعاه التجديد والتغريب والحداثه بالحضارات الفرعونيه فى مصر والساسان فى ايران والبابليه في العراق والطورانيه فى تركيا...الخ.

ونرى، بشكل واضح، ان هولاء يسعون سعيا حثيثا لبعث الحضاره الفرعونيه، والهخامنشيه، والساسانيه، والبابليه، والطورانيه فى حياه هذه الامه من جديد، بكل الوسائل الممكنه وفى كل الميادين، فى الادب شعرا ونثرا، وفى النحت والقصه والتمثيل والسينما والصحافه والكتب المدرسيه وفى الأزياء والفن المعمارى وفى تسميه الساحات والميادين والشوارع والمحلات والحدائق. وقد استخدم دعاه الحداثه كل الوسائل الممكنه لبعث هذه الحضارات الجاهليه فى حياه الامه من جديد.

دور الفولكلور فى احياء الحضارات الجاهليه:

 ومن هذه الوسائل (الفلولكلور) وما ادراك ما الفولكلور؟ وما دور الفولكلور فى احياء العلاقات والتقاليد والطقوس والاساطير والخرافات التاريخيه الجاهليه وابرازها؟ وحتى الرقص والغناء والازياء والاهازيج مما كان قائما فى المجتمعات والأمم الجاهليه قبل عشرات القرون، واكل عليها الزمان وشرب، وقد توسع عندنا هذا النمط من الدراسات التاريخيه للفنون والعادات والتقاليد والطقوس الشعبيه (الفولكلور) الى حد الاسفاف والجنون، حتى اصبح اكثر من الهم على القلب.

وولع المسوولون، عندنا، بشكل ملحوظ بابراز الفراعنه والملوك الجاهليين فى المجتمع الاسلامى فى الميادين والساحات والشوارع والمطاعم والكازينوهات ودور السينما وفى محطات الوقود والمعامل، حتى اصبح من الامور المالوفه والعاديه جدا ان تلتقى بشارع (رمسيس)، ومطعم (كوروش)، وسجائر (حمورابى) وامثال ذلك فى حين اختفى من مجتمعاتنا أسماء (ابى ذر) و (سلمان الفارسى) و (صهيب الرومى) و (عمار بن ياسر) و (مصعب بن عمير) وغيرهم.

يقول جب فى كتابه (وجهه الاسلام): (كان من اهم مظاهر فرنجه العالم الاسلامى تنميه الاهتمام ببعث الحضارات القديمه التى ازدهرت فى البلاد المختلفه، التى يشغلها المسلمون الان، فمثل هذا الاهتمام موجود فى تركيا وفى مصر وفى اندونيسيا وفى العراق وفى ايران).

ومن الادوات التى استعملها الغزاه، فى بعث الحضارات الجاهليه من تحت الانقاض، ومن تحت طبقات الارض الى حياه الامه من جديد:

دور (الاثار) فى بعث الحضارات الجاهليه

وقد اهتم دعاه التجديد والتغريب والغزاه بمساله الاثار بشكل ملفت للنظر، وبذلت الدول عندنا بالتعاون مع الهيئات الدوليه واليونسكو مبالغ طائله لاقامه المتاحف، وبعث الاثار القديمه للحياه الجاهليه فى حله قشيبه. وكما ان الاهتمام بالفولكلور واحياء الفنون والعادات الجاهليه لم يكن شيئا طبيعيا في حياتنا، كذلك الاهتمام البالغ بالاثار (بهذه الحاله من المبالغه) وصرف المبالغ الطائله فى تجميع الاثار وعرضها لم يكن شيئا طبيعيا ابدا، وعندما نتابع خيوط هذه الاعمال ننتهى الى جذور صهيونيه صليبيه. يقول محمد الغزال:

(وصحب هذه الدعوه نشاط البعوث الاجنبيه فى التنقيب عن الاثار والدعايه لما يكتشف منها: فملاوا الدنيا كلاما عن قبر (توت عنخ آمون) الذى اكتشفه اللورد (كارنافون) وقتذاك، وعرض الثرى الامريكى (روكفلر) تبرعه بعشره ملايين من الدولارات لانشاء متحف الاثار الفرعونيه، يلحق به معهد لتخريج المتخصصين فى هذا الفن، و(روكفلر) كما هو معروف، يهودى الأصل وهو من الصهيونيين، وسخاوه بهذا المبلغ الضخم يدل على ما فى هذا الاتجاه من مصلحه ظاهره للصهيونيه).

وفى العراق عقدت الدوله موتمر (بابل وآشور) سنه 1991، ودعت لحضوره علماء الاثار من مختلف دول العالم، وقامت بمشروع احياء مدينه (آشور) فى الموصل ومدينه (بابل) في الحله. وقد كلف احياء مدينه (بابل) ميزانيه الدوله 12 مليون دينار، كما غيرت اسماء المدن الى اسماء تعود لحضارات جاهليه بائده كالموصل والحله الى (نينوى) و(بابل).

وفى ايران، توجه الشاه باتجاه قطع علاقه الامه بالاسلام، وربطها بالحاضره المجوسيه الهخامنشيه والساسانيه، ومن الاعمال التى قام بها، بهذا الصدد، الغاء التاريخ الهجرى واستبداله بالتاريخ الشاهنشاهى وحول السنه من 1320 الهجريه الشمسيه، وهى السنه التى تولى فيها الحكم فى ايران، الى سنه 2500 شمسيه شاهنشاهيه، وقد اقر البرلمان ومجلس الاعيان ذلك فى اجتماع مشترك.

واحيا الشاه ذكرى مرور 2500سنه على الحضاره المجوسيه باحتفالات ضخمه فى خرائب (پرسپوليس) (تخت جمشيد) بالقرب من شيراز، ودعا الى هذه الاحتفالات الملوك والروساء، وانفقت الدوله على هذه الاحتفالات 100 مليون دولار في خياطه الازياء القديمه وتصنيع الحلى والشوارب والعربات القديمه. ويكفى ان نقول ان نظام الشاه اعط ى لكاتب سيناريو امريكى 000،000، 100 مئه مليون تومان لاعداد فيلم (كوروش الكبير) لعرضه فى الدول الاوروبيه، والشواهد على اتجاه بعث الحضارات الجاهليه فى العالم الاسلامى، بمختلف الوسائل، كثيره.

وهكذا نرى ان الهدف، من الصراع بين القديم والجديد، ليس الانفتاح على العلم والتصنيع المتطور فى الغرب، فان الدعوه الى الانفتاح على العلم والصناعه تدخل فى صلب التعاليم الاسلاميه، وانما كان الغرض من هذه المحاولات والموامرات جميعا قطع هذا الجيل عن ماضيه وحضارته وجذوره الحضاريه، وتفريغه من محتواه الحضارى والتاريخى وتعويمه.

وقد كانت هذه العمليه تنطوى على خطوتين:

فى الخطوه الاولى توجه الغزاه الى الدعوه الى انسلاخ هذه الامه عن حضارتها وماضيها، وفى الخطوه الثانيه تبنى الغزاه الدعوه الى مسخ هذا الجيل حضاريا بربطه بالحضارات الجاهليه البائده واحياء هذه الحضارات من جديد واخراجها من تحت ركام الانقاض والقرون وبعثها من جديد وربط هذا الجيل بها عبر الاسلام العظيم. وقد كانت الانظمه والحكام ومن يسيرون خلفهم يبذلون الاموال الطائله، ويستخدمون الإمكانات الكبيره، ويقيمون الاحتفالات والموتمرات الكبرى، لتمرير الموامره على هذه الامه وبترها واجتثاثها من حضارتها وتراثها والقيام بعمليه ترقيعيه مخجله فى مد الجسور بين هذا الجيل وحضاره الفراعنه والمجوس والاكاسره والبابليين والاشوريين والطورانيين.

وان الانسان ليعجب وياسف ان تمر مثل هذه الموامره المخجله على هذه الامه فى وضح النهار لمسخ عقليه الامه ونهب تراثها وحضارتها من دون مقاومه تذكر مده طويله من الزمان، حتى شاء اللّه تعالى ايقاظ هذه الامه من رقدتها الطويله وتنبهها الى الاخطار المحدقه بها.