أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
4539
التاريخ: 12-08-2015
1411
التاريخ: 2-03-2015
6985
التاريخ: 3-03-2015
2120
|
يرى بعض الباحثين(1) ان سبب الخلاف انما هو دافع عن اسباب العيش اولا وقبل كل شيء ، ثم العصبية للبلد لا للسياسة)؟
وأيا كانت جذور الخلاف فان الدراسة النحوية واللغوية في البلدين لم تنتهج منهجا واحدا ،ذلك انها ليست بمنأى من منهج الدراسات القائمة آنذاك في كل منهما كالدراسات الفقهية والكلامية.
ان الخلاف بين منهج البصريين والكوفيين، والتأليف في ذلك الخلاف متأثران الى حد بعيد بالخلاف النهجي بين الفقهاء فمنهم من يعتمد العقل وهم اهل الراي ، ومنهم من يعتمد النقل وهم أهل الرواية ، ويقول ابن الانباري في مقدمة كتابه :الإنصاف:(...وبعد فان جماعة من الفقهاء المتأدبين، والأداء المتفقهين.. سألوني إن الخص لهم كتابا لطيفا يشمل على المسائل الخلافية بين نحوي البصرة والكوفة، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وابي حنيفة ، ليكون اول كتاب صنف في علم العربية على هذا الترتيب ، والف على هذا الاسلوب(2). والنص يوضح تأثير النهج النحوي بالمنهج الفقهي.
ونورد هنا ايضا نصا اخر لابن الانباري اورده السيوطي وهذا النص يجلي مدى الاثر الذي تركته المناهج الفلسفية ومصطلحاتها في الدراسة النحوية .(قال ابن الانباري:
اختلفوا في اثبات الحكم في محل النص بما ثبت بالنص ام بالعلة ؟فقال الاكثرون : بالعلة لا بالنص ، لأنه لو كان ثابتا به لابها لأدى الى ابطال الالحاق,
ص39
وسد باب القياس، لان القياس حمل فرع على اصل لعلة جامعة ، فاذا فقدت العلة الجامعة بطل القياس ، وكان الفرع مقتبسا من غير اصل، وذلك محال ، الا ترى انا لو قلنا : ان الرفع والنصب في نحو : ضرب زيد عمرا بالنص لا بالعلة لبطل الالحاق بالفاعل والمفعول ، والقياس عيهما ، وذلك لا يجوز ...).(3)
ونقرأ النص السابق اكثر من مرة فنجد عباراته ومصطلحاته اقرب الى الفلاسفة والمتكلمين منها الى النحويين واللغويين, وهذه سمة مميزة للمنهج البصري.
ولقد تطرق الاستاذ احمد امين الى الفرق بين المنهجين فقال : (وربما كان اهم الفروق الاساسية بين المدرستين ان مدرسة البصرة رات ان اهم غرض وضع قواعد عامة للغة في الرفع والنصب والجر والجزم ونحوها ، تلتزمها، وتريد ان تسير عليها في دقة وحزم ، واذا كانت اللغات دائما لا تلتزم القواعد العامة دائما، بل فيها مسائل ، لايمكن ان تجري على القاعدة وخصوصا اللغة العربية التي هي لغات قبائل متعددة تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا .. اراد البصريون تمشيا مع غرضهم ان يهدروا الشواذ ، فاذا ثبتت صحتها قالوا: انها تحفظ ولا يقاس عليها بل يجرؤوا على اكثر من ذلك فخطؤوا بعض العرب في اقوالهم اذا لم تجر على القواعد...
واذا رأوا لغتين ، لغة تسير معه لا تسير عليه فضلوا التي تسير عليه وضعفوا من قيمة غيرها ).(4)
ان البصريين يريدون ان يصوغوا للنحو واللغة قواعد ثابتة محكمة معتمدين على النصوص الكثيرة الشائعة ، واذا ما ورد شيء خارج على تلك الكثيرة عدوه شاذا لا يقاس عليه ، وانهم في سبيل ذلك خطؤوا قسما من العرب لان بعض اقوالهم لا ينبطق على القواعد العامة التي صاغوها.
أما الكوفيون فكانوا أكثرا تسامحا واقل تشددا : (رأوا إن يحتموا كل ما جاء عن
ص40
العرب ، ويجيزوا للناس إن يستعملوا ، استعمالهم ولو كان الاستعمال لا ينبطق على القواعد العامة بل يجعلون هذا الشذوذ أساسا لوضع قاعدة عامة)(5).
يقول السيوطي في الترجيح بين المذهبين:
(اتفقوا على أن البصريين اصح قياسا لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع ولا يقيسون على الشاذ ، والكوفيون أوسع رواية...)(6)
وينقل عن الأندلسي قوله : (الكوفيون لو سمعوا بيتا واحد فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبنوا عليه بخلاف البصريين(7) وهذا ما سنجده عند الفراء الكوفي في تجويزه أوجها من القراءات الشاذة محتجا بشواهد غير موثقة عن بعض العرب ، وقد ورد الزجاج تلك القراءات وطعن على الفراء.(8)
ومما يميز منهج البصريين أنهم اعتمدوا في مروياتهم على فصحاء العرب المشهود بسلامة اللغة لبعدهم عن الأعاجم ، وإنهم لا يحتجون بشعر او نثر لا يعر قائله، قال السيوطي :
(لا يجوز الاحتجاج بشعر أو نثر لا يعرف قائله، صرح بذلك ابن الانباري في الإنصاف ، وكان علة ذلك خوف أن يكون مولدا أو من لا يوثق بفصاحته ، ومن هذا يعلم يحتاج إلى معرفة أسماء شعراء العرب وطبقاتهم ، قال ابن النحاس في التعليقة: أجاز الكوفيين إظهار (إن)بعد (كي) واستشهدوا بقول الشاعر :
أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا بيداء بلقع
ص41
قال : والجواب إن هذا البيت غير معروف قائله ،ولو عرف لجاز ان يكون من ضرورة الشعرة.
وقال أيضا: ذهب الكوفيين إلى جواز دخول اللام في خبر (لكن)واحتجوا بقول الشاعر:(...ولكنني من حبها لعميد)والجواب إن هذا البيت لا يعرف قائله، ولا أوله،
ص42
ولم يذكر منه إلا هذا ولم ينشده احد ممن وثق في اللغة، ولا عزى إلى مشهور بالضبط والإتقان وفي ذلك ما فيه).(9) فمنهج البصريين يقوم على الاحتجاج بالشواهد المعروفة القائل المروية عن أئمة مشهورين بالضبط والإتقان.
والكوفيون : ( كانوا في طباعهم ادني إلى الطاعة والاستسلام ، فهم يعتمدون على الشعر المصنوع ، والمنسوب لغير قائله دون أن يهتموا بالتمحيص ويكتفون بالشاهد الواحد فيبنون عليه حكمهم ويستنبطون القاعدة....)(10).
وما قدمنا من فروق بين المنهجين يمكن تلخيصه بالنقاط الآتية:
1ـ إن منهج متأثر إلى حد كبير بمنهج الفلاسفة والمتكلمين، فهم يعالجون اللغة بأسلوب منطقي ويحاولون إخضاعها للعقل, إما الكوفيون فمنهجهم متأثر بمنهج القراء والمحدثين الذين يكون جل اعتمادهم على النقل.
2ـ إن منهج البصريين يقوم على ضبط اللغة وتقعيدها ووضع نظام دقيق لها ، ولذا صاغوا قواعدهم العامة على الأكثر، وما لم ينطبق عليه تلك القواعد عده قليلا او شاذا, أما الكوفيون فكانوا تسامحا واقل تشددا في وضع القواعد ،فهم ان سمعوا بيتا واحد فيه مخالفة للأصول جعلوه أصلا وقاسوا عليه.
3ـ البصريون متشددون في سماعهم نقادون لمن يأخذون عنهم من العرب يتحرون الافصح الأجود ولهذا حكموا على بعض العرب بالخطأ. أما الكوفيون فلم يخطئوا العرب في كلامهم ورأوا أن يحترموا كل ما جاء عنهم.
ص42
4ـ البصريون يحققون الشواهد ويترددون كثيرا في قبول الشواهد غير المعروفة القائل.
أما الكوفيون فيقبلون الشواهد الغفل.
5ـ منهج البصريين موغل في التقدير والتفلسف والتأويلات البعيدة .
أما منهج الكوفيين فاقل غورا من تقديرات أولئك وتأويلاتهم.
ص43
_______________________________
(1) هو الاستاذ سعيد الأفغاني في أصول النحو208.
(2) الإنصاف في مسائل الخلاف: مقدمة المؤلف3.
(3) الاقتراح 51.
(4) ضحى الإسلام 2 /294ـ 295.
(5) المصدر نفسه 2 /795.
(6) الاقتراح84.
(7) المصدر السابق
(8) سيأتي في مبحث (الفراء)من النحويين الكوفيين.
(9) الاقتراح 27.
(10) مدرسة البصرة النحوية 152.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|