أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-6-2019
6016
التاريخ: 11-6-2019
4599
التاريخ: 26-7-2019
22330
التاريخ: 29-7-2019
3180
|
قال تعالى : {ولَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) وأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأَرْضِ ومَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ودَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ وما كانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف : 134 - 137] .
قال تعالى : {ولَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وكانُوا عَنْها غافِلِينَ} [الأعراف : 134 - 136] .
قال : {ولما وقع عليهم الرجز} أي : العذاب ، عن الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وهو ما نزل بهم من الطوفان وغيره .
وقيل : هو الطاعون ، أصابهم فمات من القبط سبعون ألف انسان ، وهو العذاب السادس ، عن سعيد بن جبير ، ومثله ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه أصابهم ثلج أحمر ، ولم يروه قبل ذلك ، فماتوا فيه ، وجزعوا ، وأصابهم ما لم يعهدوه قبله {قالوا} يعني فرعون وقومه {يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} أي : بما تقدم إليك أن تدعوه به ، فإنه يجيبك كما أجابك في آياتك . وقيل : بما عهد عندك أنا لو آمنا لرفع عنا العذاب . وقيل : بما عهد عندك من النبوة ، عن أبي مسلم . فعلى هذا يكون الباء باء القسم ، والمعنى : بحق ما آتاك الله من النبوة ، لما دعوت الله ليكشف هذا عنا {لئن كشفت عنا الرجز} أي : العذاب {لنؤمنن لك} أي : نصدقك في أنك نبي أرسلك الله {ولنرسلن معك بني إسرائيل} أي : نطلقهم من الاستخدام ، وتكليف الأعمال الشاقة {فلما كشفنا عنهم الرجز} أي : رفعنا عنهم العذاب {إلى أجل هم بالغوه} يعني : الأجل الذي عرفهم الله فيه ، وقيل : هو الأجل المقدر ، عن الحسن .
{إذا هم ينكثون} أي : ينقضون العهد {فانتقمنا منهم} أي : فجزيناهم على سوء صنيعتهم بالعذاب . ثم فسر ذلك العذاب فقال {فأغرقناهم في اليم} أي : البحر {بأنهم كذبوا بآياتنا} أي : فعلنا ذلك بهم جزاء بتكذيبهم آياتنا ، وحججنا ، وبراهيننا الدالة على صدق موسى ، وصحة نبوته ، وجحودهم لها .
{وكانوا عنها غافلين} معناه أنه أنزل عليهم العذاب ، وكانوا غافلين عن نزول ذلك بهم . وقيل : معناه إنا عاقبناهم بتكذيبهم وتعرضهم لأسباب الغفلة ، وعملهم عمل الغافل عنها ، فيكون وعيدا لهم على الإعراض عن الآيات .
- {وأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأَرْضِ ومَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ودَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ وما كانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف : 1346 - 137] .
ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال : {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون} يعني بني إسرائيل ، فإن القبط كانوا يستضعفونهم ، فأورثهم الله بأن مكنهم ، وحكم لهم بالتصرف ، وأباح لهم ذلك بعد إهلاك فرعون وقومه القبط ، فكأنهم ورثوا منهم {مشارق الأرض ومغاربها} التي كانوا فيها يعني جنات الأرض الشرق والغرب منها ، يريد به ملك فرعون من أدناه إلى أقصاه . وقيل : هي أرض الشام ومصر ، عن الحسن ، وقيل : هي أرض الشام وشرقها وغربها ، عن قتادة .
وقيل : هي أرض مصر ، عن الجبائي . قال الزجاج : كان من بني إسرائيل داود وسليمان ملكوا الأرض .
{التي باركنا فيها} باخراج الزروع والثمار ، وسائر صنوف النبات والأشجار ، إلى غير ذلك من العيون والأنهار ، وضروب المنافع (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} معناه صح كلام ربك بإنجاز الوعد بإهلاك عدوهم ، واستخلافهم في الأرض ، وإنما كان الإنجاز تماما للكلام بتمام النعمة به . وقيل : إن الكلمة الحسنى قوله سبحانه {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} إلى قوله {يحذرون} .
وقال الحسن : وإن كانت كلمات الله سبحانه كلها حسنة ، لأنها وعد بما يحبون . وقال الحسن : أراد وعد الله لهم بالجنة . {بما صبروا} على أذى فرعون وقومه ، وتكليفهم إياهم ما لا يطيقونه من الاستعباد ، والأعمال الشاقة (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ، أي : أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية والقصور ، والديار ، {وما كانوا يعرشون} من الأشجار ، والأعناب ، والثمار ، وقيل : يعرشون يسقفون من القصور والبيوت ، عن ابن عباس .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 343-345 .
ذكر سبحانه في الآية السابقة انه ابتلى آل فرعون بخمسة أنواع من العذاب ، وكانوا كلما نزل بهم نوع منه يتوسلون بموسى في الكشف عنهم لكرامته عند اللَّه ، ويقطعون العهود على أنفسهم انه إذا فعل استجابوا لدعوة الحق ، وكان سبحانه يكشف العذاب عنهم إلى أجل معلوم ليمهد لهم سبيل التوبة ، ويقيم عليهم الحجة ، ولكنهم كانوا ينكثون العهد ولا يفون بما يقولون ، فينزل اللَّه العذاب الثاني ، فيعودون إلى التضرع والتوسل ، ويعود سبحانه إلى الكشف عنهم ، وهكذا إلى العذاب الخامس ، أو التجربة الخامسة ، ولا شيء بعدها إلا الأخذ الحاسم ، فانتقم اللَّه منهم ، وألقاهم في أعماق البحر .
وبعد أمد طويل من إغراق فرعون ، ووفاة موسى وهارون خرج من بني إسرائيل داود وسليمان ( عليه السلام ) ، وأوجدا دولة لها حدودها شرقا وغربا . . ولكن سرعان ما ذهبت ، وحكم رقاب الإسرائيليين بختنصر ، ثم الفرس ، ثم خلفاء الإسكندر ، ثم الرومان .
_______________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 387 .
قوله تعالى : {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الأعراف : 134] إلى آخر الآية .
الرجز هو العذاب ويعني به العذاب الذي كانت تشتمل عليه كل واحدة من الآيات المفصلات فإنها آيات عذاب ونكال وقوله : {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الأعراف : 134] على ما يؤيده المقام أي بما التزم عندك أن لا يرد دعاءك فيما تسأله ، واللام عندئذ للقسم ، والمعنى ادع لنا ربك بالعهد الذي له عندك .
وقوله : {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف : 134] هو ما عاهدوا به موسى لكشف الرجز عنهم .
قوله تعالى : {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الأعراف : 135] النكث نقض العهد ، وقوله : {هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} متعلق بقوله : ﴿كَشَفْنَا﴾ وهو يدل على أنه كان يضم إلى معاهدة أجل مضروب كأن يقول موسى (عليه السلام) إن الله سيرفع العذاب عنكم بشرط أن تؤمنوا وترسلوا معي بني إسرائيل إلى أجل كذا ، أو يقول آل فرعون ما يشابه هذا المعنى فلما كشف العذاب عنهم وحل الأجل المضروب نكثوا ونقضوا عهدهم الذي عاهدوا الله وعاهدوا موسى عليه .
والباقي ظاهر .
قوله تعالى : {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [الأعراف : 136] اليم البحر ، والباقي ظاهر .
قوله تعالى : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف : 137] إلى آخر الآية .
الظاهر أن المراد بالأرض أرض الشام وفلسطين ويؤيده أو يدل عليه قوله بعد : {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف : 137] فإن الله سبحانه لم يذكر بالبركة غير الأرض المقدسة التي هي نواحي فلسطين إلا ما وصف به الكعبة المباركة ، والمعنى : أورثنا بني إسرائيل وهم المستضعفون الأرض المقدسة بمشارقها ومغاربها ، وإنما ذكرهم بوصفهم فقال : القوم الذين كانوا يستضعفون ليدل على عجيب صنعه تعالى في رفع الوضيع ، وتقوية المستضعف ، وتمليكه من الأرض ما لا يقدر على مثله عادة إلا كل قوي ذو أعضاد وأنصار .
وقوله : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} [الأعراف : 137] الآية يريد به ما قضاه في حقهم أنه سيورثهم الأرض ويهلك عدوهم ، وإليه إشارة موسى (عليه السلام) في قوله لهم وهو يسليهم ويؤكد رجاءهم : {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف : 129] ويشير سبحانه إليه في قوله : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص : 5] ، وتمام الكلمة خروجها من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعلية ، وعلل ذلك بصبرهم .
وقوله : {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} [الأعراف : 137] الآية .
أي أهلكنا ما كانوا يصنعونه وما كانوا يسقفونه من القصور والأبنية وما كانوا يعرشونه من الكرم وغيره .
___________________________
1 . تفسير الميزان ، ج8 ، ص 233-234 .
قال تعالى : {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ} [الأعراف : 134-136] .
نقض العهد المتكرر :
في هذه الآيات نلاحظ رد فعل الفرعونيين في مقابل النوائب والبلايا المنبّهة الإلهيّة ، ويستفاد من مجموعها أنّهم عند ما كانوا يقعون في مخالب البلاء ينتبهون من غفوتهم بصورة مؤقتة شأنهم شأن جميع العصاة ، وكانوا يبحثون عن حيلة للتخلص منها ، ويطلبون من موسى عليه السلام أن يدعو لهم ، ويسأل الله في خلاصهم ، ولكن بمجرّد أن يزول عنهم طوفان البلاء وتهدأ أمواج الحوادث ، ينسون كل شيء ويعودون إلى سيرتهم الأولى.
وفي الآية الأولى نقرأ : {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ}.
إنّهم عند نزول البلاء يلجأون إلى موسى ويطلبون منه أن يدعو لرفع العذاب عنهم ، وأن يفي الله بما وعده له من استجابة دعائه : {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ}.
ثمّ يقولون : إذا دعوت فرفع عنّا البلاء فإنّنا نحلف لك بأن نؤمن بك ، ونرفع طوق العبودية عن بني إسرائيل : {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ}.
ولفظة «الرجز» استعملت في معاني كثيرة : البلايا الصعبة ، الطاعون ، الوثن والوثنية ، وسوسة الشيطان ، والثلج أو البرد الصلب .
ولكن جميع ذلك مصاديق مختلفة لمفهوم يشكّل الجذر الأصلي لتلك المعاني ، لأن أصل هذه اللفظة كما قال «الراغب» في «المفردات» هو الاضطراب .
وحسب ما قال «الطبرسي» في «مجمع البيان» مفهومه الأصلي هو الانحراف عن الحق .
وعلى هذا الأساس إطلاق لفظ «الرجز» على العقوبة والبلاء ، لأنّها تصيب الإنسان لانحرافه عن الحق ، وارتكاب الذنب ، وكذا يكون الرجز نوعا من الانحراف عن الحق ، والاضطراب في العقيدة ، ولهذا أيضا يطلق العرب هذا اللفظ على داء يصيب الإبل ، ويسبب اضطراب أرجلها حتى أنّها تلجأ للمشي بخطوات قصيرة ، أو تمشي تارة وتتوقف تارة أخرى ، فيقال لهذا الداء «الرجز» على وزن «المرض».
والسبب في إطلاق الرجز على الأشعار الحربيّة ، لأنّها ذات مقاطع قصيرة ومتقاربة .
وعلى كل حال ، فإنّ المقصود من «الرجز» في الآيات الحاضرة هو العقوبات المنبهة الخمسة التي أشير إليها في الآيات السابقة ، وإن احتمل بعض المفسّرين أن يكون إشارة إلى البلايا الأخرى التي أنزلها الله عليهم ولم يرد ذكرها في الآيات السابقة ، ومنها الطاعون أو الثلج والبرد القاتل ، الذي وردت الإشارة إليها في التوراة .
هذا ، وقد وقع كلام بين المفسّرين في المراد من عبارة {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} وأنّه ما هو المقصود من ذلك العهد الإلهي الذي أعطاه سبحانه لموسى ؟
إنّ ما هو الأقرب إلى النظر هو أن المقصود من ذلك الوعد الإلهي هو أن يستجيب دعاءه إذا دعاه ، ولكن يحتمل أيضا أن يكون المقصود هو عهد «النبوة» وتكون «الباء» باء القسم ، يعني نقسم عليك بحق مقام نبوتك إلّا ما دعوت الله ليرفع عنّا هذا البلاء.
وفي الآية اللاحقة يشير إلى نقضهم للعهد ويقول : {فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} (2) .
إنّ جملة {إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ} إشارة إلى أنّ موسى حدّد لهم وقتا وعيّن أمدا ، فكان يقول لهم : في الوقت الفلاني سيرفع هذا البلاء عنكم ، حتى يتّضح لهم أنّ ارتفاع ذلك البلاء عنهم ليس أمرا اتفاقيا وصدقة ، بل هو بفضل دعائه وطلبه من الله تعالى .
إنّ جملة {إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} وبالنظر إلى أن «ينكثون» فعل مضارع يدلّ على الاستمرارية يفيد أنّه قد تكرر تعهدّهم لموسى عليه السلام ثمّ نقضهم للعهد ، حتى أصبح نقض العهد جزءا من برنامجهم وسلوكهم الدائم .
وآخر هذه الآيات تبيّن ـ من خلال جملتين قصيرتين ـ عاقبة كلّ هذا التعنت ، ونقض العهد ، فتقول بصورة مجملة {فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ}.
ثمّ تشرح هذا الانتقام وتذكر تفصيله {فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ} (3) .
إنّهم لم يكونوا غافلين واقعا ، لأنّ موسى عليه السلام ذكّرهم مرارا وبالوسائل المختلفة المتعددة ونبههم ، بل أنّهم تصرّفوا عمليا كما يفعل الغافلون ، فلم يعتنوا بآيات الله أبدا .
ولا شك أن المقصود من الانتقام الإلهي ليس هو أنّ الله كان يقوم بردّ الفعل في مقابل أعمالهم ، كما يفعل الأشخاص الحاقدون الذين ينطلقون في ردود أفعالهم من مواقع الحقد والانتقام ، بل المقصود من الانتقام الإلهي هو أن الجماعة الفاسدة وغير القابلة للإصلاح لا يحق لها الحياة في نظام الخلق ، ولا بدّ أن تمحى من صفحة الوجود .
والانتقام في اللغة العربية ـ كما أسلفنا ـ يعني العقوبة والمجازاة ، لا ما هو شائع في عرف الناس اليوم .
- {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف : 137] .
قوم فرعون والمصير المؤلم :
بعد هلاك قوم فرعون ، وتحطّم قدرتهم ، وزوال شوكتهم ، ورث بنو إسرائيل الذين طال رزوحهم في أغلال الأسر والعبودية أراضي الفراعنة الشاسعة والآية الحاضرة تشير إلى هذا الأمر {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها} .
و «الإرث» كما أسلفنا يعني في اللغة المال الذي ينتقل من شخص إلى آخر من دون تجارة ومعاملة ، سواء كان المنتقل منه حيا أو ميّتا .
و «يستضعفون» مشتقّة من مادة «الاستضعاف» وتطابق كلمة «الاستعمار» التي تستعمل اليوم في عصرنا الحاضر ، ومفهومها هو أن يقوم جماعة بإضعاف جماعة أخرى حتى يمكن للجماعة الأولى أن تستغل الجماعة الضعيفة في سبيل مآربها ومصالحها ، غاية ما هنالك أن هناك تفاوتا بين هذه اللفظة ولفظة الاستعمار ، وهو : أن الاستعمار ظاهره تعمير الأرض ، وباطنه الإبادة والتدمير ، ولكن الاستضعاف ظاهره وباطنه واحد.
والتعبير ب {كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} إشارة إلى الفرعونيين كانوا يستبقون بني إسرائيل في حالة ضعف دائمية : ضعف فكري ، وضعف أخلاقي ، وضعف اقتصادي ، ومن جميع الجهات وفي جميع النواحي .
والتعبير ب {مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا} إشارة إلى الأراضي الواسعة العريضة التي كانت تحت تصرّف الفرعونيين ، لأنّ الأراضي الصغيرة ليس لها مشارق ومغارب مختلفة ، وبعبارة أخرى «ليس لها آفاق متعددة» ولكن الأراضي الواسعة جدا من الطبيعي أن يكون مشارق ومغارب بسبب كروية الأرض فيكون التعبير بمشارق الأرض ومغاربها كناية عن أراضي الفرعونيين الواسعة العريضة جدّا .
وجملة {بارَكْنا فِيها} إشارة إلى الخصب العظيم الذي كانت تتمتع به هذه المنطقة ـ يعني مصر والشام ـ التي كانت تعدّ آنذاك ، وفي هذا الزمان أيضا ، من مناطق العالم الخصبة الكثيرة الخيرات. حتى أن بعض المفسّرين كتب : إن بلاد الفراعنة في ذلك العصر كانت واسعة جدّا بحيث كانت تشمل بلاد الشام أيضا .
وعلى هذا الأساس لم يكن المقصود من العبارة هو الحكومة على كل الكرة الأرضية ، لأنّ هذا يخالف التاريخ حتما. بل المقصود هو حكومة بني إسرائيل على كل أراضي الفراعنة وبلادهم .
ثمّ يقول : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا} أي تحقق الوعد الإلهي لبني إسرائيل بانتصارهم على الفرعونيين ، بسبب صبرهم وثباتهم.
وهذا هو الوعد الذي أشير إليه في الآيات السابقة (الآية 128 و 129 من نفس هذه السورة} .
صحيح أنّ هذه الآية تحدّثت عن بني إسرائيل ونتيجة ثباتهم في وجه الفرعونيين فقط ، إلّا أنّه يستفاد من الآيات القرآنية الأخرى أن هذا الموضوع لا يختص بقوم أو شعب خاص ، بل إن كان شعب مستضعف نهض وحاول تخليص نفسه من مخالب الأسر والاستعمار ، استعان في هذا السبيل بالثبات والاستقامة ، سوف ينتصر آخر المطاف ويحرر الأراضي التي احتلها الظلمة الجائرون .
ثمّ يضيف في آخر الآية : نحن الذين دمرنا قصور فرعون وقومه العظيمة ، وأبنيتهم الجميلة الشامخة ، وكذا بساتينهم ومزارعهم العظيمة {وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ} .
و «صنع» كما يقول «الراغب» في «المفردات» يعني الأعمال الجميلة ، وقد وردت هذه اللفظة في الآية الحاضرة بمعنى الهندسة الجملية الرائعة التي كان يستخدمها الفرعونيين في أبنيتهم .
و «ما يعرشون» في الأصل تعني الأشجار والبساتين التي تنصب بواسطة العروش والسقف ، ولها جمال عظيم وروعة باهرة .
و «دمرنا» من مادة «التدمير» بمعنى الإهلاك والإبادة .
وهنا يطرح السؤال التالي وهو : كيف أبيدت هذه القصور والبساتين ، ولماذا ؟ ونقول في الجواب : لا يبعد أن ذلك حدث بسبب زلازل وطوفانات جديدة وأمّا الضرورة التي قضت بهذا الفعل فهي أن جميع الفرعونيين لم يغرقوا في النيل ، بل غرق فرعون وجماعة من خواصّه وعسكره الذين كانوا يلاحقون موسى عليه السلام ، ومن المسلّم أنّه لو بقيت تلك الثروات العظيمة ، والإمكانيات الاقتصادية الهائلة بيد من بقي من الفراعنة الذين كان عدد نفوسهم في شتى نواحي مصر كثيرا جدا لاستعادوا بها شوكتهم ، ولقدروا على تحطيم بني إسرائيل ، أو الحاق الأذى بهم على الأقل . أمّا الإمكانيات والوسائل فإن من شأنه أن يجردهم من أسباب الطغيان إلى الأبد .
_________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 479-484 .
2. النكث على وزن مكث ، يعني فل الحبل المفتول ، ثمّ أطلق على نقض الميثاق والعهد .
3. يستفاد من مصادر اللغة ، وكتب الأحاديث أن المراد من اليم هو «البحر» ، وهو يطلق على نهر النيل أيضا ، أمّا أن لفظة اليم هل هي عربية أو سريانية أو هيرغلوفية ، فقد وقع في ذلك كلام بين العلماء ، يقول صاحب تفسير المنار وهو أحد علماء مصر المعروفين والذي جمع وجوه اشتراك اللغات الهيروغلوفية والعربية وألف كتاب المعجم الكبير في هذا المجال نقل : أنه وجد بعد التحقيق أن لفظة اليم كانت في اللغة المصرية تعني البحر ، وعلى هذا الأساس حيث أن هذه القصة تتعلق بمصر لهذا استفاد القرآن من لغات المصريين في بيان هذه الحادثة .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|