المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Gauss-Seidel Method
1-12-2021
Conjunctive Normal Form
22-1-2022
تزاوج هاليدات الألكيل مع المركبات العضوية المعدنية
27-11-2016
ملوك الاسرة السادسة الملك (بيبي الأول).
2023-07-04
A provocative supernova remnant: Sgr A East
26-1-2017
مصير الدعوى بعد نقض الحكم المطعون فيه
26-6-2016


العامل والمعمولات عند الفراء  
  
5254   03:54 مساءاً   التاريخ: 2-03-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : المدارس النحوية
الجزء والصفحة : ص205- 214
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة الكوفية / جهود علماء المدرسة الكوفية / الفراء وكتاب (معاني القرآن) /

أخذ الفراء يردد النظر في العوامل والمعمولات التي فرضها البصريون على النحو وقواعده، وتحول ذلك عنده إلى ما يشبه سباقا بينه وبينهم، وأحيانا يلتقي بهم وبخاصة بالأخفش على نحو ما مر بنا في ترجمته، وأحيانا يفترق، ويهمنا أن نقف عند مواضع افتراقه؛ لأنها هي التي تفرق النحو الكوفي، كما تصوره، من النحو البصري.

ونقف أولا عند العوامل، ومر بنا أنه كان يرى ما رآه الأخفش من أن العامل في رفع المضارع هو تجرده من العوامل، أو كما قال: هو تجرده من الناصب والجازم. وكان البصريون يذهبون إلى أن العامل في المفعول به هو الفعل السابق له أو ما يشبهه من مصدر واسم فاعل، وكان الكسائي يذهب إلى أن العامل فيه هو خروجه عن وصف الفعل. وذهب الفراء إلى أن العامل فيه هو الفعل والفاعل معا، وبذلك عدَّد العامل فيه(1) ، كما عدَّده في مثل: "قام وقعد محمد" إذ جعل لفظة محمد في مثل هذا التعبير فاعلا للفعلين معا، على نحو ما أسلفنا في غير هذا الموضع. وعدده أيضا في مثل: "يا تيمَ تيمَ عدي" إذ جعل كلمتي "تيم" مضافتين معا إلى عدي. وقد يكون هذا الرأي أوجه من رأي سيبويه, إذ ذهب إلى أن "تيم" الأولى هي المضافة إلى عدي والثانية مقحمة بين المضاف والمضاف إليه، والأصل "يا تيم عدي تيمه", فحُذف الضمير من تيم الثانية وأقحمت. وذهب المبرد إلى أن "تيم" الثانية مضافة إلى عدي مقدرة، أي: إنها

ص205

على نية الإضافة إلى مقدر مثل المضاف إليه(2).

وكان يذهب إلى أن "كان" يليها فاعل مرفوع وحال منصوب، وقد يسمي اسمها شبه فاعل وخبرها شبه حال، وقد يقول: إن الخبر نُصب بخلوه من العامل(3). وذهب إلى أن حاشا الاستثنائية في مثل: "جاء القوم حاشا زيدٍ" فعل لا فاعل له، وزيد مجرورة بلام مقدرة، والأصل "حاشا لزيد" وحذفت اللام لكثرة الاستعمال، وكان سيبويه يذهب إلى أنها دائما حرف جر. وجمع المبرد بين الرأيين، فقال: إنها تكون حرف جر كما ذهب سيبويه، وقد تكون فعلا ينصب ما بعده بدليل تصرفه إذ يقال: حاش وأحاشي(4) وكان البصريون وأستاذه الكسائي يذهبون إلى أن نعم وبئس فعلان ماضيان لا يتصرفان، وخالفهما ذاهبا إلى أنهما اسمان مبتدآن لعدم تصرفهما ولدخول حرف الجر عليهما في بعض كلام العرب وأشعارهم, كقول أعرابي بُشِّر بمولودة: "والله ما هي بنعم المولودة"(5). وذهب الكسائي مع البصريين إلى أن صيغة التعجب في مثل: "ما أكرم محمدا" فعل ماضٍ، وذهب الفراء إلى أنها اسم مبني خبر لما الاستفهامية، فما ليست تعجبية بمعنى شيء وإنما هي استفهامية، واحتج لاسمية صيغة التعجب بأنه قد يدخلها التصغير في مثل قول الشاعر:

يا ما أميلح غزلانا شدن لنا

والتصغير إنما يدخل في الأسماء لا في الأفعال(6).

وذهب -كما مر بنا في غير هذا الموضع- إلى أن لولا في مثل: "لولا السفر لزرتك" هي التي تعمل الرفع في كلمة السفر أو بعبارة أخرى: في تاليها، فكلمة السفر مرفوعة بها، وكان الكسائي يذهب إلى أن المرفوع بعدها فاعل لفعل مقدر، وذهب سيبويه إلى أنه مبتدأ محذوف الخبر(7). وكان يذهب إلى أن

ص206

"حتى" تنصب المضارع بنفسها لا بأن مضمرة وجوبا كما ذهب البصريون(8). وذهب إلى أن "ليت" كما ترفع الخبر قد تنصبه مع نصب الاسم كقول بعض الشعراء:

يا ليت أيام الصبا رواجعا

وزعم أن ليت حينئذ تجري مجرى "أتمنى", وأول ذلك الجمهور على أن الخبر محذوف و"رواجعا" حال، وأوله الكسائي على حذف كان مقدرة قبل الخبر, أي: "يا ليت أيام الصبا كانت رواجع" (9).

وكان يذهب إلى أن "ما لك، وما بالك، وما شأنك" تنصب الاسم الذي يليها معرفة ونكرة, كما تنصب كان وأظن لأنها نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامات، فتقول: "ما لك الناظرَ في أمرنا" و"ما لك ناظرا في أمرنا"، وكذلك أختاها. وبذلك وجّه الإعراب في قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} , وقوله: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} وكأنه جعل كل هذه الحروف أفعالا ناقصة، بل لقد صرح بذلك في تضاعيف كلامه (10)

وإذا تركنا العوامل إلى المعمولات لقيتنا له آراء كثيرة وخاصة حين يعمد إلى التقدير والتخريج، من ذلك أنه كان يذهب مذهب الأخفش في أن المرفوع بعد إذا وإن الشرطية في مثل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، و {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} , و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} مبتدأ وليس فاعلا لفعل محذوف كما ذهب إلى ذلك سيبويه وجمهور البصريين(11). وكان يجعل الاسم المنصوب في باب الاشتغال في مثل: "محمدا لقيته" منصوبا بالهاء التي عادت عليه من الفعل، بينما ذهب الكسائي إلى أن الضمير ملغى، وذهب البصريون إلى أن "محمدا" في المثال مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور(12). وذكرنا أنه كان يذهب في مثل: قام وقعد محمد, إلى أن محمدا فاعل للفعلين جميعا، بينما كان يذهب الكسائي إلى أن الفعل الأول فاعله محذوف ولا فاعل له، وذهب البصريون إلى أن محمدا

ص207

فاعل للفعل الثاني، أما الفعل الأول ففاعله مضمر مستتر فيه(13). ومر بنا في ترجمة الفراء أنه كان يذهب إلى أن المنادى مبني على الضم، فليس محله النصب كما ذهب إلى ذلك سيبويه وجمهور البصريين، وليس مرفوعا معربا كما ذهب إلى ذلك أستاذه الكسائي(14). ومر بنا أيضا أنه خالفه في أنه لا يصح العطف على اسم إن بالرفع إلا إذا كان اسمها غير واضح الإعراب كأن يكون مبنيا على نحو ما في الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ويوضح ذلك قائلا، رادا على أستاذه: "عطف {وَالصَّابِئُونَ} على {الَّذِينَ} ، و{الَّذِينَ} حرف على جهة واحدة في رفعه وخفضه "أي: إنه مبني لا يتغير آخره" فلما كان إعرابه واحدا وكان نصب إنّ نصبا ضعيفا، وضعفه أنه يقع على الاسم ولا يقع على خبره؛ "لأن الخبر عنده مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول إن، وهو المبتدأ الذي أصبح اسمها" جاز رفع الصابئين، ولا أستحب أن أقول: إن عبد الله وزيدٌ قائمان لتبين الإعراب في عبد الله، وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إن، وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب

وليس هذا بحجة للكسائي في إجازته: إن عمرا وزيد قائمان؛ لأن قيارا قد عُطف على اسم مكني عنه "يريد الضمير" والمكني لا إعراب له, فسهل ذلك كما سهل في {الَّذِينَ} إذ عطفت عليه {وَالصَّابِئُونَ} ... وأنشدني بعضهم:

وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما حَيِينا في شقاق

وقال الآخر:

يا ليتني وأنت يا لميس ... ببلد ليس به أنيس(15)

وكان يخالف أستاذه أيضا في إعراب الضمير المتصل بأسماء الأفعال في مثل "مكانك" بمعنى قف, و"عندك ولديك ودونك" بمعنى خذ, و"وراءك"

ص208

بمعنى تأخر, و"أمامك" بمعنى تقدم, و"عليك" بمعنى الزم, فقد كان الكسائي يذهب إلى أنه مفعول به ومحله النصب، وذهب جمهور البصريين إلى أنه مجرور بالإضافة، بينما ذهب الفراء إلى أنه مرفوع على الفاعلية؛ لأنه قد يليها منصوب مثل: "عليك زيدا"(16). ومر بنا أنه كان يوافق أستاذه في أن الأسماء الخمسة تعرب من مكانين، فإذا قلت: "هذا أبوك" كانت علامة الرفع في كلمة "أبوك" الواو والضمة التي قبلها, وإذا قلت: "رأيت أباك" كانت علامة النصب الألف والفتحة التي قبلها، وإذا قلت: مررت بأبيك, كانت علامة الجر الياء والكسرة التي قبلها(17). وذهب سيبويه والبصريون إلى أن تمييز "كم" الخبرية مجرور دائما وإن جاء منصوبا شذوذا، وتمييز "كم" الاستفهامية منصوب دائما إلا إذا جُرت مثل: "بكم درهم اشتريت هذا الكتاب؟ "، وذهب الفراء إلى أنه يجوز في تمييزها جميعا النصب والجر بمن مضمرة(18) وقد علق على كم التكثيرية في الآية الكريمة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} ملاحظا أن ما يليها قد يأتي مجرورا ومنصوبا ومرفوعا, يقول: "من ذلك قول العرب: كم رجلٍ كريم قد رأيت! وكم جيشا جرارا قد هزمت! وأنشدوا قول الشاعر:

كم عمةً لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت عليَّ عشاري(19)

رفعا ونصبا وخفضا، فمن نصب قال: كان أصل كم الاستفهام وما بعدها من النكرة مفسر "مميز" كتفسير العدد، فتركناها في الخبر على جهتها وما كانت عليه في الاستفهام, فنصبنا ما بعد كم من النكرات كما تقول: عندي كذا وكذا درهما. ومن خفض قال: طالت صحبة مِن للنكرة في كم، فلما حذفناها أعملنا إرادتها فخفضنا، كما قالت العرب: إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ عافاك الله، فخفض، يريد: بخير، وأما من رفع فأعمل الفعل الآخر ونوى تقديم الفعل, كأنه قال: كم قد أتاني رجل كريم" (20).

ص209

وكأنه كان يجوِّز الرفع مع كم التكثيرية على هذا الوجه الذي خرج به الرفع في البيت. ويبدو أنه لم يكن يأخذ بفكرة التقدير في الجار والمجرور والظرف حين يقعان خبرا أو نائب فاعل أو صفة أو حالا، فقد كان البصريون يقدرون أنهما متعلقان بمحذوف تقديره: استقر أو مستقر، أما هو فقد مر بنا أنه كان يعرب الظرف حين يقع مبتدأ في مثل: "محمد عندك" خبرا منصوبا بالخلاف, وطبيعي أن يمد ذلك في مواضعه الأخرى. أما الجار والمجرور فكان يجعل الجار هو الخبر في مثل: الكتاب لك كما كان يجعله في محل نصب في مثل: مر زيد بعمرو، ومن هنا جعله نائب الفاعل مع الفعل اللازم حين يُبنَى للمجهول مثل: "مُر بعمرو"(21). ولعله من أجل ذلك كان يسميه الصفة على نحو ما مر بنا آنفا. وبذلك نفهم إعرابه مثل: "كل رجل وصنعته" فقد كان سيبويه والبصريون يقدرون الخبر محذوفا تقديره: مقترنان، وكان يذهب إلى أن الخبر لم يحذف، وإنما أغنت عنه الواو فكأنها هي الخبر، وبذلك تكون هي الرافعة للمبتدأ، إذ هو وخبره يترافعان, أو بعبارة أخرى: كلاهما يرفع صاحبه، يقول تعليقا على قول بعض الشعراء:

هلا التقدمُ والقلوبُ صِحاحُ

بم رُفع التقدم "أي: المبتدأ"؟ قلت: بمعنى الواو في قوله: "والقلوب صحاح"، كأنه قال: "العظة القلوب فارغة" و"الرطب والحر شديد"(22) ومعنى ذلك كله أن الحروف عنده كانت تعرب إعراب الأسماء حين تطلبها العوامل. وكان يذهب إلى أن الفاء العاطفة لا تفيد الترتيب أحيانا كقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا}(23) وفي الوقت نفسه ذهب إلى أن الواو العاطفة قد تفيد الترتيب(24) مما جعل ابن هشام يعمم عنده قائلا: "وقال الفراء: إن الفاء لا تفيد الترتيب مطلقا، وهذا مع قوله: إن الواو تفيد الترتيب غريب"(25). وكان سيبويه والبصريون يرون أن "أو" لا تأتي للإضراب بمعنى بل إلا إذا تقدمها نفي أو نهي، وذهب الفراء إلى أنها تأتي للإضراب مطلقا دون شرط, محتجا بقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}،

ص210

 ويقول بعض الشعراء:

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح (26)

وذهب جمهور البصريين إلى أن الذي تكون دائما اسما موصولا، بينما ذهب الفراء مع يونس إلى أنها قد تكون موصولا حرفيا أو حرفا موصولا، يريد أنها تكون مصدرية مثل ما المصدرية، يقول تعليقا على الآية الكريمة: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} : "إن شئت جعلت الذي على معنى "ما" تريد: "تماما على ما أحسن موسى", فيكون المعنى: تماما على إحسانه", وتلا ذلك بتوجيه أنه يجوز أن تكون اسما موصولا سواء قرئت "أحسن" بالنصب على أنها فعل والعائد محذوف، أو فرئت بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: "الذي هو أحسن" (27). وكان البصريون يذهبون إلى أن لو تكون شرطية دائما، وقدروا في مثل قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أن جوابها محذوف يدل عليه ما قبلها، والتقدير: يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك, وهو تكلف واضح في التقدير. وذهب الفراء إلى أنها تأتي شرطية، وقد تأتي حرفا مصدريا، مثل أن المصدرية تماما، فتؤول مع ما بعدها بمصدر يعرب حسب العوامل، ويقع ذلك غالبا بعد وَدّ ويَودّ مثل "يود لو رآك" أي: يود رؤيتك، وقد تأتي بدونهما كقول الأعشى:

وربما فات قوما جُنّ أمرهم ... من التأني وكان الحزم لو عجلوا (28)

وكان سيبويه يذهب إلى أن العامل في كلمة اليوم من مثل: "أما اليوم, فإني ذاهب" هو أما؛ لما فيها من معنى الفعل، وذهب الفراء إلى أن العامل خبر إن (29). وكان البصريون يعربون "غير" في الاستثناء إعراب ما بعد إلا، وذهب الفراء إلى أنها مبنية في الاستثناء لقيامها مقام إلا (30).

ومن يرجع إلى توجيهه للإعراب في الآيات القرآنية, يرى نفسه أمام ذهن

ص211

سيال بالخواطر التي تَفِد عليه من كل صوب، من ذلك توجيهه لإعراب "أي" في قراءة من رفعها في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} ومعروف أن قراءتها بالنصب واضحة، إذ تكون مفعولا للفعل ننزعن، أما بالرفع فذهب الخليل إلى أنها استفهامية ومفعول الفعل محذوف، والتقدير: لننزعن الفريق الذين يقال فيهم: أيهم أشد. وقال يونس: بل المفعول جملة {أَيُّهُمْ} والفعل معلق عنها كما يعلق في باب ظن حين تدخل هي وأخواتها على جملة استفهامية، وذهب سيبويه إلى أنها أي الموصولة مبنية على الضم وحذف صدر صلتها، والتقدير: لننزعن الذي هو أشد. وقال الكسائي والأخفش: {مِنْ} في الآية زائدة, و {كُلِّ شِيعَةٍ} هي المفعول به، وجملة أي مستأنفة. ثم جاء الفراء فعرض فيها ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن يكون الفعل واقعا على موضع {مِنْ} تمشيا مع رأيه في أن الحروف تعرب حسب العوامل التي تطلبها، وكأن {مِنْ} هي مفعول ننزع، ويمثل لذلك بقولهم: "قد قتلنا من كل قوم" و"أصبنا من كل طعام"، ثم تستأنف بعد ذلك جملة: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} بتقدير فعل محذوف عامل فيها هو ننظر أي: ننظر أيهم أشد على الرحمن عتيا. والوجه الثاني: أن يكون تقدير الآية: ثم لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشد على الرحمن عتيا، فتكون أي في صلة التشايع. والوجه الثالث: أن يكون التقدير: ثم لننزعن من كل شيعة بالنداء، أي: لننادين أيهم أشد على الرحمن عتيا(31).

ومن ذلك تعليقه على الآية الكريمة: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فقد وقف بإزاء {أَنْ} في قوله تعالى: {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ} , ملاحظا أنها تفيد الجزاء مثل إن، ومن هنا كانا يتعاوران الموضع الواحد في الكلام، ويفرق بينهما في الاستعمال على هذا النحو: "إذا كان الجزاء لم يقع عليه شيء قبله, وكان ينوى بأن الاستقبال كسرتَها وجزمت بها فقلت: أكرمك إنْ تأتني، فإن كانت ماضية قلت: أكرمك

ص212

أنْ تأتيني، وأبين من ذلك أن تقول: أكرك أنْ أتيتني، كذلك قول الشاعر:

أتجزع أن بان الخليط المودع ... وحبل الصفا من عزة المتقطع

يريد: أتجزع بأن أو لأن كان ذلك، ولو أراد الاستقبال ومحض الجزاء لكسر إن وجزم بها كقول الله جل ثناؤه: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا}(32).

ومن ذلك الآية الكريمة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} فقد قال: إنه يصح دخول أن في قوله تعالى: {لا تَعْبُدُونَ} , ولكنها لما حُذفت رُفع الفعل، ثم وقف بإزاء قراءة: "لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ", وقال: إنها مجزومة بالنهي وليست جوابا لأخذ الميثاق الذي يدل على الاستحلاف كأنها جواب ليمين كما ذهب إلى ذلك بعض النحاة؛ لأن الأمر لا يكون جوابا لليمين. وجوز في القراءة الأولى أن يكون الأصل النهي وأخرج الفعل {لا تَعْبُدُونَ} مخرج الخبر، ويؤيده أن بعده {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . وكان الكسائي يذهب في قراءة: "لا تَعْبُدُوا" إلى أن أصلها: بأن لا تعبدوا، فحذف الجار وأن، وهو تقدير بعيد، ونسب ابن هشام ذلك أيضا إلى الفراء، ولم يذكره في تعليقه على الآية (33).

ومن ذلك مخالفته أستاذه في إعراب {خَيْرًا} من قوله تعالى: {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ} , فقد كان الكسائي يذهب إلى أن {خَيْرًا} منصوبة على إضمار يكن، وذهب الفراء إلى أنها مفعول مطلق، إذ التقدير: آمنوا إيمانا خيرا لكم, فهي صفة للمصدر المحذوف، ورد على الكسائي بأن كلامه يبطله القياس لأنك تقول: اتق الله تكن محسنا، ولا يجوز أن تقول: اتق الله محسنا وأنت تضمر تكن، ولا يصلح أن تقول: انصرنا أخانا وأنت تريد: تكن أخانا (34)

ومعروف أن {أَرَأَيْتَكُمْ} في مثل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} بمعنى أخبروني، وكان سيبويه يعرب التاء فيها فاعلا والكاف حرف خطاب. وقال الكسائي: بل الكاف مفعول به. وقال الفراء: إن العرب تطابق في هذا التعبير

ص213

بين الكاف والمخاطب، فتقول للواحد: أرأيتكَ بفتح الكاف, وللواحدة: أرأيتكِ, وتقول للرجال: أرأيتكم, وللنسوة: أرأيتكن. ومن هنا ذهب إلى أن التاء حرف خطاب، والكاف هي الفاعل لأنها تطابق المسند إليه. ويضعف رأيه أنه قد يستغنى عنها في التعبير, فيقال: أرأيت وأن الكاف لم تقع قط في موضع رفع (35).

وعلى هذا النحو كان لا يزال يلح في تحليل صيغ الذكر الحكيم ومواضع كلمه في الإعراب على ذهنه, مستخرجا منه فيضا من الآراء، مخالفا البصريين وسيبويه، وقد يخالف أستاذه، وهو في كل ذلك إنما يريد أن يشكل النحو الكوفي في صيغته النهائية، بحيث تستقر قواعده، ويستقر توجيهه للصيغ العربية، وتستقر مصطلحاته, وتستقر فيه العوامل والمعمولات متخذة كل ما يمكن من أوضاع جديدة.

ص214

__________

(1) الرضي 1/ 18، 116, والهمع 1/ 165.

(2) الهمع 1/ 177.

(3) معاني القرآن 1/ 13، وانظر الرضي 1/ 74، والهمع 1/ 111، 151.

(4) ابن يعيش 2/ 84، والإنصاف: المسألة رقم 37، والهمع 1/ 223.

(5) في معاني القرآن 1/ 268: بئس ونعم دلالة على مدح أو ذم، لم يرد منهما مذهب الفعل مثل: قاما وقعدا، وانظر 2/ 141 حيث ينص على اسميتهما، وابن يعيش 7/ 127، والإنصاف: المسألة رقم 14.

(6) ابن يعيش 7/ 143، والإنصاف: المسألة رقم 15.

(7) معاني القرآن 1/ 404، وابن يعيش 3/ 118، والرضي 1/ 93، 2/ 118، والإنصاف: المسألة رقم 10 .

(8) معاني القرآن 1/ 134 وما بعدها، وانظر الهمع 2/ 8.

(9) ابن يعيش 8/ 84، والرضي 2/ 322، والمغني ص316، والهمع 1134.

(10) معاني القرآن 1/ 281.

(11) الرضي 1/ 162، وانظر ابن يعيش 9/ 10 ، والمغني ص643.

(12) الرضي 1/ 148، والإنصاف المسألة رقم 12، والهمع 2/ 114، وانظر معاني القرآن 2/ 207.

(13) الرضي 1/ 70  وما بعدها، والمغني ص542، والهمع 2/ 109.

(14) الرضي 1/ 129، والإنصاف المسألة رقم 45.

(15) معاني القرآن 1/ 310 , وانظر المغني ص527، والهمع 2/ 144.

(16) الرضي 2/ 65، والهمع 2/ 106، وانظر معاني القرآن 1/ 323 حيث صرح بأنه لا يجوز أن يتقدم منصوبها عليها, فلا يقال: زيدا عليك مخالفا بذلك أستاذه، وقارن بالهمع 2/ 105.

(17) الهمع 1/ 38، وابن يعيش 1/ 52.

(18) المغني ص20 2، والهمع 1/ 254.

(19) فدعاء: معوجة رسغ اليد من كثرة الحلب، والعشار: جمع عشراء وهي الناقة الحامل في شهرها العاشر.

(20) معاني القرآن 1/ 168.

(21) الهمع 1/ 163.

(22) معاني القرآن 1/ 198، وانظر الرضي 1/ 97، والهمع 1/ 105.

(23) معاني القرآن 1/ 372.

(24) المغني ص392، والهمع 2/ 129.

(25) المغني ص173.

(26) معاني القرآن 1/ 72، وانظر 2/ 393.

(27) معاني القرآن 1/ 365، والهمع 1/ 83.

(28) معاني القرآن 1/ 175، والمغني ص293 وما بعدها، والهمع 1/ 81.

(29) المغني ص60 .

(30) الرضي 1/ 226.

(31) معاني القرآن 1/ 47، وانظر مجالس العلماء للزجاجي ص301، والمغني ص81.

(32) معاني القرآن 1/ 58، 178- 181، وانظر الرضي على الكافية 1/ 53.

(33) معاني القرآن 1/ 53، وانظر المغني ص452.

(34) معاني القرآن 1/ 295.

(35) معاني القرآن 1/ 333، وانظر مجالس ثعلب "طبع دار المعارف" ص372، والمغني ص198، والهمع 1/ 77.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.