أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-6-2019
3278
التاريخ: 6-5-2019
30041
التاريخ: 27-6-2019
6066
التاريخ: 29-7-2019
2814
|
قال تعالى : {ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ ولكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وهُمْ نائِمُونَ (97) أَوأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) أَولَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ونَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأعراف : 96-100] .
قال تعالى : {ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ ولكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وهُمْ نائِمُونَ (97) أَوأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} [الأعراف : 96-99] .
ثم بين سبحانه أن كل من أهلكه من الأمم المتقدم ذكرهم ، إنما أتوا في ذلك من قبل نفوسهم ، فقال {ولو أن أهل القرى} التي أهلكناها بسبب جحودهم وعنادهم ، {آمنوا} . وصدقوا رسلنا {واتقوا} الشرك والمعاصي {لفتحنا عليهم بركات} أي : خيرات نامية {من السماء} بإنزال المطر (و) من {الأرض} باخراج النبات والثمار ، كما وعد نوح بذلك أمته فقال : {يرسل السماء عليكم مدرارا} الآيات . وقيل : بركات السماء : إجابة الدعاء ، وبركات الأرض ، تيسير الحوائج {ولكن كذبوا} الرسل {فأخذناهم بما كانوا يكسبون} من المعاصي والمخالفة ، وتكذيب الرسل ، فحبسنا السماء عنهم ، وأخذناهم بالضيق عقوبة لهم على فعلهم .
{أفأمن أهل القرى} المكذبون لك يا محمد {أن يأتيهم بأسنا} أي : عذابنا {بياتا} : ليلا . {وهم نائمون} في فرشهم ومنازلهم ، كما أتى المكذبين قبلهم .
{أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى} أي : عذابنا نهارا عند ارتفاع الشمس {وهم يلعبون} أي : وهم في غير ما ينفعهم ، أو يعود عليهم بنفع ، فإن من اشتغل بدنياه ، وأعرض عن آخرته ، فهو كاللاعب . والمعنى بأهل القرى كل أهل قرية يقيم على معاصي الله في كل وقت وزمان ، وإن نزلت بسبب أهل القرى الظالم أهلها ، المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما خص سبحانه هذين الوقتين ، لأنه أراد أنه لا يجوز لهم أن يأمنوا ليلا ، ونهارا ، عن الحسن {أفأمنوا مكر الله} أي : أفبعد هذا كله ، أمنوا عذاب الله أن يأتيهم من حيث لا يشعرون ، عن الجبائي ، قال : دخلت الفاء للتعقيب ، وسمي العذاب مكرا ، لنزوله بهم من حيث لا يعلمون ، كما أن المكر ينزل بالممكور به من جهة الماكر ، من حيث لا يعلمه . وقيل : إن مكر الله :
استدراجه إياهم بالصحة ، والسلامة ، وطول العمر ، وتظاهر النعمة .
{فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} يسأل عن هذا فيقال : إن الأنبياء والمعصومين أمنوا مكر الله ، وليسوا بخاسرين؟ وجوابه من وجوه أحدها : إن معناه لا يأمن مكر الله من المذنبين إلا القوم الخاسرون ، بدلالة قوله سبحانه : {ان المتقين في مقام أمين} وثانيها : إن معناه لا يأمن عذاب الله للعصاة إلا الخاسرون ، والمعصومون لا يأمنون عذاب الله للعصاة ، ولهذا سلموا من مواقعة الذنوب .
وثالثها : لا يأمن عقاب الله جهلا بحكمته ، إلا الخاسرون . ومعنى الآية الإبانة عما يجب أن يكون عليه المكلف من الخوف ، لعقاب الله تعالى ، ليسارع إلى طاعته ، واجتناب معاصيه ، ولا يستشعر الأمن من ذلك ، فيكون قد خسر في دنياه وآخرته ، بالتهالك في القبائح .
± {أَولَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ونَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأعراف : 100] .
ثم أنكر سبحانه عليهم تركهم الاعتبار بمن تقدمهم من الأمم ، فقال {أو لم يهد} : وهو استفهام يراد به التقرير ، أي : أو لم يبين الله ، وبالنون أو لم نبين ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي . وقيل : معناه أو لم يهد ما تلونا من أنباء القرى . وقيل : تقديره أو لم يهد لهم مشيئتنا ، لأن قوله : {أن لو نشاء أصبناهم} في موضع رفع بأنه فاعل يهدي {للذين يرثون الأرض من بعد أهلها} معناه : الذين خلفوا في الأرض من بعد أهلها الذين أهلكهم الله بتكذيبهم للرسل {أن لو نشاء أصبناها بذنوبهم} يعني : أو لم نبين أنا لو شئنا أهلكناهم بعقاب ذنوبهم ، كما أهلكنا الأمم الماضية قبلهم {ونطبع على قلوبهم} قد ذكرنا معنى الطبع والختم في أوائل سورة البقرة {فهم لا يسمعون} الوعظ ، ولا يقبلونه .
_______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 314-316 .
{ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ} .
أظهر بركات السماء المطر ، وأظهر بركات الأرض النبات والمواشي والمعادن بشتى أنواعها .
وقد بينا عند تفسير الآية 100 من سورة المائدة ، فقرة هل الرزق صدفة أو قدر : ان مجرد الإيمان باللَّه لا ينبت قمحا ، وبينا أيضا في تفسير الآية 66 من سورة المائدة ، فقرة الرزق وفساد الأوضاع : ان المراد بالإيمان الموجب للرزق هو الإيمان باللَّه مع العمل بجميع أحكام اللَّه ومبادئه ، وإقامة العدل في كل شيء ، وانه متى عمّ العدل وساد صلحت الأوضاع ، وذهب البؤس والشقاء .
{ولكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} . أي لم يعملوا بأحكام اللَّه ، بل سعوا في الأرض فسادا بالظلم والجور ، والسلب والنهب ، وتكديس الثروات على حساب الضعفاء والبؤساء ، وقد أخذهم اللَّه بالهلاك والعذاب ، لأنهم كفروا واستأثروا .
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وهُمْ نائِمُونَ} ؟ . هذا تخويف وإنذار منه تعالى للمتمردين والمستأثرين أن يفاجئهم اللَّه بعذابه ، وهم في غفلة من غفلاتهم ، كما فعل بمن كان قبلهم . . وهل يملك الإنسان أن يدفع عنه قضاء اللَّه في صحوه وحذره ؟ فكيف يملكه ، وهو أشبه بالموتى ؟ .
{أَوأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وهُمْ يَلْعَبُونَ} ؟ ويلعبون هنا كناية عن ذهولهم عن المفاجئات والمخبآت ، وعن محاسبتهم لأنفسهم .
وتسأل : لا فرق أبدا بين يقظة الإنسان وغفلته أمام بأس اللَّه ، فما هو القصد من ذكر النوم واللعب ؟ .
الجواب : ان يتنبه الإنسان إلى جهات الضعف فيه لعله يتذكر أو يخشى .
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} . المراد بمكر اللَّه هنا العذاب الذي يأتيهم بغتة دون سابق إنذار ، وسبق الكلام عن مكر اللَّه تعالى في تفسير الآية 54 من آل عمران ج 2 ص 68 وانه سبحانه يصف نفسه بالماكر لأنه يبطل مكر الماكرين ، وبالشاكر لأنه يثيب الشاكرين ، وبالتواب لأنه يقبل من التائبين . . أما انهم الخاسرون فلأنهم أوقعوا أنفسهم في الخسران بسبب عنادهم واستهتارهم .
{أَولَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} .
أي ان هؤلاء المشركين الذين ورثوا الأرض ممن أهلكناهم بذنوبهم ، وقد كانوا أشد منهم قوة - ان هؤلاء المشركين ألم يتبين لهم ان شأننا فيهم تماما كشأننا فيمن كان قبلهم لو نشاء أصابهم عذابنا كما أصاب غيرهم من قبل ؟ . . فان سنة اللَّه واحدة في جميع خلقه . . والغرض من هذه المبالغة في النصيحة والتحذير أن يراقب الإنسان نفسه ، ولا يذهل عنها ، وان يتعظ بغيره ، ولا يغتر بالمظاهر الجوفاء . . ولكن : {وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس - 101] .
{ونَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} . تقدم الكلام عنه في الآية 7 من سورة البقرة ج 1 ص 53 .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 367-368 .
قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} [الأعراف : 96] إلى آخر الآية .
البركات أنواع الخير الكثير ربما يبتلى الإنسان بفقده كالأمن والرخاء والصحة والمال والأولاد وغير ذلك .
وقوله : {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف : 96] فيه استعارة بالكناية فقد شبهت البركات بمجاري تجري منها عليهم كل ما يتنعمون به من نعم الله لكنها سدت دونهم فلا يجري عليهم منها شيء لكنهم لو آمنوا واتقوا لفتحها الله سبحانه فجرى عليهم منها بركات السماء من الأمطار والثلوج والحر والبرد وغير ذلك كل في موقعه وبالمقدار النافع منه ، وبركات الأرض من النبات والفواكه والأمن وغيرها ففي الكلام استعارة المجاري لبركات ثم ذكر بعض لوازمه وآثاره وهو الفتح للمستعار له .
وفي قوله : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف : 96] الآية دلالة على أن افتتاح أبواب البركات مسبب لإيمان أهل القرى جميعا وتقواهم أي إن ذلك من آثار إيمان النوع الإنساني وتقواه لا إيمان البعض وتقواه فإن إيمان البعض وتقواه لا ينفك عن كفر البعض الآخر وفسقه ، ومع ذلك لا يرتفع سبب الفساد وهو ظاهر .
وفي قوله : {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف : 96] دلالة على أن الأخذ بعنوان المجازاة وقد تقدم في البيان المذكور آنفا ما يتبين به كيفية ذلك ، وأنه في الحقيقة أعمال الإنسان ترد إليه .
قوله تعالى : {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف : 97] البيات والتبييت قصد العدو ليلا ، وهو من المكر لأن الليل سكن يسكن فيه الإنسان ويميل بالطبع إلى أن يستريح وينقطع عن غيره بالنوم والسكون .
وقد فرع مضمون الآية على ما قبله أي إذا كان هذا حال أهل القرى أنهم يغترون بما تحت حسهم عما وراءه فيفجئون ويأخذهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون فهل أمنوا أن يأتيهم عذاب الله ليلا وهم في حال النوم ، وقد عمتهم الغفلة؟ .
قوله تعالى : {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف : 98] الضحى صدر النهار حين تنبسط الشمس ، والمراد باللعب الأعمال التي يشتغلون بها لرفع حوائج الحياة الدنيا والتمتع من مزايا الشهوات ، وهي إذا لم تكن في سبيل السعادة الحقيقية ، وطلب الحق كانت لعبا ، فقوله : ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ كناية عن العمل للدنيا وربما قيل : إنه استعارة أي يشتغلون بما لا نفع فيه كأنهم يلعبون ، وليس ببعيد أن يكون قوله في الآية السابقة ﴿وهم نائمون﴾ كناية عن الغفلة .
ومعنى الآية ظاهر .
قوله تعالى : {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99] مكر به مكرا أي مسه بالضرر أو بما ينتهي إلى الضرر وهو لا يشعر وهو إنما يصح منه تعالى إذا كان على نحو المجازاة كأن يأتي الإنسان بالمعصية فيؤاخذه الله بالعذاب من حيث لا يشعر أو يفعل به ما يسوقه إلى العذاب وهو لا يشعر ، وأما المكر الابتدائي من غير تحقق معصية سابقة فمما يمتنع عليه تعالى وقد مرت الإشارة إليه كرارا .
وما ألطف قوله تعالى : {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} و ﴿أمن أهل القرى﴾ ثم قوله {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف : 99] ، والثالث - وهو الذي في هذه الآية - جمع وتلخيص للإنكارين السابقين في الآيتين ، وقد أظهر في الآيتين جميعا من غير أن يقول في الثانية : أ وأمنوا إلخ ليعود الضمير في الآية الثالثة إلى من في الآيتين جميعا كأنه أخذ أهل القرى وهم نائمون غير أهل القرى وهم يلعبون .
وقوله : {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99] ذلك لأنه تعالى بين في الآيتين الأوليين أن الأمن من مكر الله نفسه مكر إلهي يتعقبه العذاب الإلهي فالآمنون من مكر الله خاسرون لأنهم ممكور بهم بهذا الأمن بعينه .
قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا} [الأعراف : 100] إلى آخر الآية .
الظاهر أن فاعل قوله : ﴿يهد﴾ ضمير راجع إلى ما أجمله من قصص أهل القرى ، وقوله ﴿للذين يرثون﴾ مفعوله عدي إليه باللام لتضمينه معنى التبيين ، والمعنى : أولم يبين ما تلوناه من قصص أهل القرى للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هاديا لهم ، وقوله : {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} [الأعراف : 100] الآية مفعول ﴿يهد﴾ والمراد بالذين يرثون الأرض من بعد أهلها الأخلاف الذين ورثوا الأرض من أسلافهم .
ومحصل المعنى : أولم يتبين أخلاف هؤلاء الذين ذكرنا أنا آخذناهم بمعاصيهم بعد ما امتحناهم ثم طبعنا على قلوبهم فلم يستطيعوا أن يسمعوا مواعظ أنبيائهم إنا لو نشاء لأصبناهم بذنوبهم من غير أن يمنعنا منهم مانع أو يتقوا بأسنا بشيء .
وربما قيل : إن قوله : ﴿يهد﴾ منزل منزلة اللازم والمعنى : أولم يفعل بهم الهداية أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ، ونظيره قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [السجدة : 26] . وأما قوله : {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } [الأعراف : 100] فمعطوف على قوله ﴿أصبناهم﴾ لأن الماضي هاهنا في معنى المستقبل ، والمعنى أولم يهد لهم أولو نشاء نطبع إلخ ، وقيل جملة معترضة تذييلية ، وفي الآية وجوه وأقوال أخر خالية عن الجدوى .
____________________________
1 . تفسير الميزان ، ج8 ، ص 205- 207 .
التّقدم والعمران في ظل الإيمان والتقوى :
في الآيات الماضية وقع البحث فيما جرى لأقوام مثل قوم هود وصالح وشعيب ونوح ولوط على نحو الإجمال ، وإن كانت تلك الآيات كافية لبيان النتائج المشحونة بالعبر في هذه القصص ، ولكن الآيات الحاضرة تبيّن النتائج بصورة أكثر وضوحا فتقول : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} ، أي لو أنّهم سلكوا سبيل الإيمان والتقوى ، بدل الطغيان والتمرد وتكذيب آيات الله والظلم والفساد ، لم يتخلصوا من غضب الله وعقوبته فسحب ، بل لفتحت عليهم أبواب السماء والأرض.
ولكن للأسف ـ تركوا الصراط المستقيم الذي هو طريق السعادة والرفاه والأمن ، وكذبوا الأنبياء ، وتجاهلوا برامجهم الإصلاحية ، فعاقبناهم بسبب أعمالهم {وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}.
* * *
بحوث
وهنا مواضيع ينبغي الوقوف عندها :
1 ـ بركات الأرض والسماء
لقد وقع حديث بين المفسّرين في ما هو المراد من «بركات» الأرض والسماء ؟ فقال البعض : إنّها المطر ، والنباتات التي تنبت من الأرض.
وفسّرها البعض بإجابة الدعاء ، وحل مشاكل الحياة.
ولكن هناك احتمال آخر ـ أيضا ـ هو أنّ المراد من البركات السماوية هي البركات المعنوية ، والمراد من البركات الأرضية هي البركات المادية.
ولكن مع ملاحظة الآيات السابقة يكون التّفسير الأوّل أنسب من الجميع ، لأنّه في الآيات السابقة التي شرحت
العقوبات الشديدة التي حلّت بالمجرمين والطغاة ، فأشارت تارة إلى نزول السيول من السماء وطغيان الينابيع والعيون من الأرض (مثل طوفان نوح) وأخرى إلى الصواعق والصيحات السماوية ، وثالثة إلى الزلازل الأرضية الرهيبة .
وفي الآية المطروحة هنا طرحت هذه الحقيقة على بسط البحث ، وهي : أنّ العقوبات ما هي إلّا لأفعالهم هم ، وإلّا فلو كان الإنسان طاهرا مؤمنا ، فإنّه بدل أن يحل العذاب السماوي أو الأرضي بساحته ، تتواتر عليه البركات الإلهية من السماء والأرض ... أجل ، إنّ الإنسان هو الذي يبدل البركات بالبلايا .
2 ـ معنى «البركات»
«البركات» جمع «بركة» وهذه الكلمة ـ كما أسلفنا ـ تعني في الأصل «الثبات» والاستقرار ، ويطلق على كل نعمة وموهبة تبقى ولا تزول ، في مقابل الموجودات العارية عن البركة ، والسريعة الفناء والزوال ، والخالية عن الأثر.
والملفت للنظر أنّ فائدة التقوى والإيمان لا تقتصر على نزول البركات الإلهية ، بل هما سبب في أن يصرف الإنسان ما لديه في المصارف اللازمة الصحيحة.
ففي المثل نلاحظ اليوم أنّ قسما كبيرا من الطاقات الإنسانية ، والمصادر الاقتصادية تصرف في سبيل سباق التسلح وصنع الأسلحة المدمّرة. وبذلك تنعدم البركة فيها ، ولا تثمر سوى الدمار والخراب ، ولكن المجتمعات البشرية إذا تحلّت بالتقوى والإيمان ، فإنّ هذه المواهب الإلهية سيكون لها وضع آخر ، ومن الطبيعي أن تبقى آثارها وتخلد ، وتكون مصداقا لكلمة البركات.
3 ـ ماذا يعني «الأخذ»؟
في الآية أعلاه استعملت كلمة «أخذ» في مفهوم المجازاة والعقوبة ، وهذا في الحقيقة لأجل أنّ الشخص الذي يراد عقوبته يؤخذ أوّلا في العادة ، ثمّ يوثق بوسائل خاصّة حتى لا تبقى له قدرة على الفرار ، ثمّ يعاقب .
4 ـ المفهوم الواسع للآية
إنّ الآية الحاضرة وإن كانت ناظرة إلى وضع الأقوام الغابرة ، ولكنّه من المسلّم أن مفهومها مفهوم واسع وعام ودائم ، ولا تنحصر في شعب معين أو قوم خاص ، فإنّها سنة إلهية أن يبتلى غير المؤمنين ، والمتورطين في المعاصي والذنوب بأنواع مختلفة ومتنوعة من البلايا في هذه الدنيا ، فربّما ينزل عليهم البلاء السماوي والأرضي ، وربّما تشتعل نيران الحروب العالمية أو المحلية فتبتلغ أموالهم وتبيدها وربّما يفارقهم الأمن والاستقرار ، فتسحق المخاوف والهواجس بأظلافها أبدانهم ونفوسهم ، وحسب تعبير القرآن يكون كل ذلك بما كسبت أيديهم ورد فعل لأعمالهم.
إن فيض الله ليس محدودا ولا ممنوعا ، كما أنّ عقوباته لا تختص بقوم أو شعب.
لماذا تعيش الأمم الكافرة في الرخاء ؟
من كل ما قلناه يتّضح الجواب على سؤال يدور كثيرا بين جماعة من الناس ، وهو : إذا كان الإيمان والتقوى يبعثان على نزول أنواع البركات الإلهية ، ويكون العكس موجبا لسلب البركات ، فلما ذا نشاهد الشعوب غير المؤمنة ترفل في الرخاء والرفاه ، في حين يعيش جماعة من أهل الإيمان بعسر ومشقّة ؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال تتّضح بملاحظة نقطتين :
1ـ إنّ تصوّر أنّ الشعوب غير المؤمنة الفاقدة للتقوى ترفل في النعمة والرخاء وتغرق في السعادة هو تصور خاطئ ينبع من اشتباه أكبر ، وهو اعتبار الثروة دليلا على السعادة .
إنّ الناس يتصورون ـ عادة ـ أنّ كل شعب امتلك صناعة أكثر تقدما ، وثروة أكبر ، كان أسعد من غيره ، في حين لو تسنى لنا أن ننفذ إلى أعماق هذه المجتمعات ونلاحظ الآلام الممضة التي تحطم روح هذه الشعوب وجسمها عن كثب ، فسوف نسلّم أن أكثر تلك الشعوب هي من أشقى سكان الأرض.
هذا بغض النظر عن أنّ هذا التقدم النسبيّ إنّما هو نتيجة استخدامهم لأصول ومبادئ مثل السعي والاجتهاد ، والنظم والشعور بالمسؤولية التي هي جزء من تعاليم الأنبياء ، ومن صلب توجيهاتهم .
في هذه الأيّام ـ التي نكتب فيها هذا القسم من التّفسير ـ نشرت الجرائد والصحف أنّه حدث في نيويورك ـ التي هي واحدة من أكبر نقاط العالم المادي ثروة وأكثرها تقدما ـ حادث جدّ عجيب على أثر انقطاع فجائي للتيار الكهربائي ، وذلك الحادث هو أنّ كثيرا من الناس هاجموا المحلات والمخازن وسرقوا كل ما فيها بحيث أن ثلاثة آلاف من المغيرين على المحلات اعتقلوا بواسطة البوليس .
إنّ من المسلّم أن عدد المغيرين ـ في الواقع ـ أكثر بأضعاف من هذا العدد ، وهذا العدد هم الذين لم يمكنهم الفرار والهرب والنجاة من قبضة البوليس ، كما أنّه من المسلّم أن المغيرين لم يكونوا سراقا محترفين هيّئوا أنفسهم من قبل لمثل هذه الإغارة العمومية ، لأنّ الحادثة المذكورة كانت حادثة فجائية .
من هذا نستنتج أنّه مع حالة انقطاع عابر للتيار الكهربائي يتحول عشرات الآلاف من سكان مدينة ثرية ومتقدمة ـ كما يشاءون تسميتها ـ إلى لصوص وسراق ، إن هذا لا يدل على الانحطاط الخلقي لدى شعب من الشعوب فحسب ، بل يدل على فقدان الأمن الاجتماعي الشديد أيضا .
والخبر الآخر الذي نقلته الصحف ، ويكمل ـ في الحقيقة ـ هذا الخبر ، وهو أن أحد الشخصيات المعروفة كان يقيم في تلك الأيّام في نيويورك ، في أحد الفنادق الشهيرة ذات العشرات من الطوابق ، قال : إنّ انقطاع التيار الكهربائي تسبب في أن يمسي التجول في معابر وصالات ذلك الفندق عملا بالغ الخطورة ، بحيث أنّ مسئولي الفندق ما كانوا يسمحون لأحد بأن يغادر مكانه إلى غرفته منعا من أن يتعرض للمغيرين داخل صالات الفندق ، ولهذا نظموا المسافرين والنزلاء في جماعات مكونة من عشرة أو أكثر ، وتولى موظفون مسلحون إيصالهم إلى غرفهم تحت حراسة مشددة .
ثمّ يضيف ذلك الشخص المذكور : أنّه ما لم يعان من الجوع الشديد لم يجرأ على الخروج من غرفته .
ولكن انقطاع التيار الكهربائي هذا يقع في البلاد المتأخرة الشرقية كثيرا ، ولكن لا تحدث مثل هذه المشاكل ، وهذا يفيد أن سكان البلدان المتقدمة رغم كونهم يمتلكون ثروة عظيمة ، وصنائع عظيمة ، لا يملكون أدنى قدر من الأمن في بيئتهم.
هذا مضافا إلى أنّ شهود عيان يقولون : إنّ القتل والاغتيال في تلك البيئات كشرب الماء من حيث السهولة واليسر .
ونحن نعلم أنّنا أعطينا الدنيا كلها لأحد وكان يعيش في مثل هذه الظروف ، كان من أشقى أهل الأرض ... على أنّ مشكلة الأمن هي واحدة من مشكلاتهم ، وإلّا فهناك مفاسد اجتماعية أخرى كل واحد منها بدوره حالة مؤلمة جدا ... ومع الالتفات إلى هذه الحقائق فلا معنى لتوهّم أنّ الثروة سعادة.
2ـ أمّا ما يقال عن سبب تخلّف المجتمعات المتحلية بالإيمان والتقوى ، فإذا كان المقصود من الإيمان والتقوى هو مجرّد ادعاء الإسلام وادعاء أتباع مبادئ الأنبياء وتعاليمهم ، فالاعتراض وجيه. ولكننا لا نعتبر حقيقة الإيمان والتقوى إلّا نفوذهما في جميع أعمال الإنسان ، وجميع شؤون الحياة ، وهذا أمر لا يتحقق بمجرّد الادعاء والزعم .
إنّ من المؤسف جدّا أن نجد التعاليم الإسلامية ومبادئ الأنبياء متروكة أو شبه متروكة في كثير من المجتمعات الإسلامية ، فملامح هذه المجتمعات ليست ملامح مجتمعات المسلمين الصادقين الحقيقيين .
لقد دعا الإسلام إلى الطهارة والاستقامة والأمانة والاجتهاد والجد ، فأين تلك الأمانة والاجتهاد ؟
إنّ الإسلام يدعو إلى العلم والمعرفة واليقظة والوعي ، فأين ذلك العلم والوعي واليقظة ؟! وإن الإسلام يدعو إلى الاتحاد والتضامن ووحدة الصفوف والتفاني ، فهل سادت هذه الأصول والمبادئ في المجتمعات الإسلامية الحاضرة بصورة كاملة ، ومع ذلك بقيت متخلّفة ؟!
لهذا يجب أن نعترف بأنّ الإسلام شيء ، والمسلمون اليوم شيء آخر .
في الآيات اللاحقة والمزيد من التأكيد على عمومية هذا الحكم ، وأن القانون أعلاه ليس خاصا بالأقوام الغابرة بل يشمل الحاضر والمستقبل أيضا ـ يقول : هل أنّ المجرمين الذين يعيشون في نقاط مختلفة من الأرض يرون أنفسهم في أمن من أن تحل بهم العقوبات الإلهية ، فتنزل بهم صاعقة أو يصبهم زلزال في الليل وهم نائمون {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ} .
وهل هم في أمان من ذلك العذاب في النهار وهم غارقون في أنواع اللهو واللعب {أوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} .
يعني أنّهم في قبضة القدرة الإلهية في جميع الأحوال والأوقات ، ليلا ونهارا ، في اليقظة والنوم ، في ساعات الفرح والترح ، وبإشارة واحدة وأمر واحد يقضى عليهم جميعا ، ويطوي صفحة حياتهم نهائيا ، دون الحاجة الى مقدمات وأسباب قبلية ، أو لمرور الزمان لهذا العمل .
أجل في لحظة واحدة ، ومن دون أية مقدمات يمكن أن تحل أنواع المصائب والنوائب بهذا الإنسان الغافل .
والعجيب أنّ البشرية الحاضرة ، رغم كل ما أحرزته من تقدم ورقي في الصنائع وفي التكنولوجيا ، ومع أنّها سخرت طاقات الكون والطبيعة المختلفة لخدمة نفسها ، فإنّها ضعيفة وعاجزة تجاه هذه الحوادث ، بنفس المقدار من العجز والضعف الذي كان عليه إنسان العصور السابقة. يعني أن الإنسان لم يتغير حاله تجاه الزلازل والصواعق وما شابهها ، حتى بالنسبة إلى إنسان ما قبل التاريخ .
وهذه علامة قوية على نهاية عجز الإنسان وشدة ضعفه رغم قدرته وقوته ... وهذه حقيقة يجب أن يجعلها الإنسان نصب عينيه دائما وأبدا .
وفي الآية اللاحقة يعود القرآن الكريم إلى ذكر وتأكيد هذه الحقيقة بشكل آخر فيقول : أفأمن المجرمون من المكر الإلهي ، في حين لا يأمن مكره إلّا الخاسرون {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} .
و «المكر» ـ كما قلنا في ذيل الآية 94 من سورة آل عمران ـ يعني في اللغة العربية كل حيلة ووسيلة لصرف الشخص عن الهدف الذي يمضي إليه ، سواء كان حقا أو باطلا ، وقد أخذ في مفهوم هذه اللغة نوع من التدرج والنفوذ التدريجي.
وعلى هذا فالمراد من المكر الإلهي ، هو أنّ الله تعالى يصرفهم بخططه القوية التي لا تقهر عن حياة الرفاه واللذة دون اختيارهم ويقطعها عليهم. وهذه إشارة إلى العقوبات الإلهية الفجائية والمهلكة.
جواب على سؤال :
إنّ الجملة التي وردت في ختام الآية الحاضرة تقول : لا يأمن أحد ـ إلّا الخاسرون ـ من المكر الإلهي والعقوبة الإلهية ، وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل تشمل هذه العبارة الأنبياء والأئمّة العظام والصالحين ؟
لقد تصوّر البعض أنّهم خارجون من هذا الحكم ، وأنّ الآية تختص بالمجرمين. ولكن الظاهر أن هذا الحكم عام يشمل الجميع ، لأنّه حتى الأنبياء والأئمّة كانوا مراقبين لأعمالهم دائما كي لا تصدر منهم أدنى زلة أو عثرة ، لأنّنا نعلم أن مقام العصمة ليس مفهومه أن المعصية مستحيلة عليهم ، بل يعني أنّهم مصونون عن الإثمّ والمعصية بفعل إرادتهم وإيمانهم وحسن اختيارهم ، إلى جانب العنايات الربانية.
إنّهم كانوا يخافون من ترك الأولى ويتجنبونه ، ويخشون أن لا يتمكنوا من القيام بمسؤولياتهم الثقيلة. ولهذا نقرأ في الآية (15) من سورة الأنعام حول الرّسول الأعظم {قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ولقد رويت في تفسير الآية الحاضرة ـ أيضا ـ أحاديث تؤيد ما قلناه : «صليت خلف أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام ، فسمعته يقول : «اللهم لا تؤمني مكرك. ثمّ جهر فقال : {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ}.
ونقرأ في نهج البلاغة أيضا : «لا تأمنن على خير هذه الأمّة عذاب الله ، لقول الله سبحانه : {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} (2).
إنّ عدم الأمن من المكر الإلهي ـ في الحقيقة ـ يعني الخوف من المسؤوليات والخوف من التقصير فيها ، ومن المعلوم أن الخوف يجب أن يكون في قلوب المؤمنين دائما إلى جانب الأمل بالرحمة الإلهية بشكل متساو ، وأن التوازن بين هذين هو منشأ كلّ حركة ونشاط ، وهو الذي يعبّر عنه في الرّوايات بالخوف والرجاء.
وقد جاء التصريح في هذه الرّوايات بوجوب أن يكون المؤمنون دائما بين الخوف والرجاء ، ولكن المجرمين الخاسرين نسوا العقوبات الإلهية بحيث صاروا يرون أنفسهم في منتهى الأمن المكر الإلهي .
وفي الآية اللاحقة يقول القرآن الكريم ـ بهدف إيقاظ عقول الشعوب الغافية وإلفات نظرهم إلى العبر التي كانت في حياة الماضيين : ألا يتنبه الذين ورثوا السيادة على الأرض ـ من الأقوام الماضية ـ إلى ما في حياة الماضيين وقصصهم من عبر ، فلو أنّنا أردنا أن نهلكهم بذنوبهم لفعلنا {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} .
ويمكننا أيضا أن نتركهم أحياء ونسلب منهم الشعور وحس التشخيص والتمييز بالمرّة بسبب توغّلهم في الذنوب ، بحيث لا يسمعون معها حقيقة ، ولا يقبلون نصيحة ، ويعيشون بقية حياتهم حيرى {وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} .
أمّا كيف يسلب الله تعالى من هذا الفريق من المجرمين حس التمييز والتشخيص ، فيمكنك الوقوف على مزيد التوضيح في هذا المجال في تفسير الآية (7) من سورة البقرة .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 436-443 .
2. نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الجملة 377 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|