أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2019
26244
التاريخ: 1-5-2017
8032
التاريخ: 31-12-2021
2468
التاريخ: 31-8-2020
1410
|
إن السبب -بشكل عام- هو الغرض المباشر الذي يدفع بالمتعاقد إلى إبرام العقد، ويسمى في بعض النظريات "السبب القصدي" ويكون السبب هو الباعث على التعاقد، ويختلف من عقد لآخر باختلاف الدوافع النفسية لدى المتعاقدين(1). وعملا بالقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، يجب أن يكون لكل التزام سبب ينشئه وهو الدافع والباعث إلى التعاقد والذي قضت بشأنه المادة 98 من القانون المدني الجزائري بنصها: "يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك". وفي سياق مواز نصت المادة 621 من القانون المدني على أنه: "تكون محلا للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين". ورغم أن صياغة المادة وقراءتها الأولى توحي بأن المصلحة هي محل عقد التأمين، إلا أن قصد المشرع لم يتجه إلى ذلك لأن المحل في عقد التأمين هو الخطر كما سبقت دراسته بعناصره المكونة له، بل المقصود أن المصلحة هي السبب الدافع إلى التعاقد، وهذا ما ذهب إليه معظم الفقهاء المهتمين بهذا الموضوع، وهذا ما يؤكده نص المادة 29 من الأمر المتعلق بالتأمينات بقولها: "يمكن لكل شخص له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في حفظ مال أو في عدم وقوع خطر أن يؤمنه". وبما أن التأمين يمتد إلى مجالات عديدة ومختلفة، فإن هذه المصلحة -ككل سبب في العقد- تخضع إلى شرط المشروعية، أي يجب ألا تكون مخالفة للنظام العام والآداب العامة وإلا كان العقد باطلا(*)، لذلك سنتعرض أولا لطبيعة المصلحة ثم لمشروعيتها.
أولا: طبيعة المصلحة في عقد التأمين
تختلف المصلحة في عقد التأمين على الأضرار عنها في التأمين على الأشخاص:
1- المصلحة في التأمين على الأضرار:
استخلص الفقهاء من نص المادة 621 من القانون المدني السالفة الذكر أن المصلحة المشار إليها في هذا النص تخص التأمين على الأضرار دون سواه، لأن المصلحة الاقتصادية هي المصلحة ذات القيمة المالية أي أنها تقدر بمال، لذلك فهي لا تخص التأمين على الأشخاص لأنها لا تقدر فيه بمال(2). وأهمية هذه القيمة تظهر في أنه يتحدد على أساسها مقدار الضرر الذي يصيب المؤمن له، والتالي يحسب التعويض الواجب دفعه له في حالة تحقق الخطر، واقتصار التعويض على تغطية هذه القيمة بمنع المؤمن له من تعمد إيقاع الخطر لأنه ليس له أية مصلحة مادام لن يتحصل إلا على تعويض يعادل قيمة الشيء المؤمن عليه(3)، وتتخذ المصلحة الاقتصادية في التأمين على الأضرار عدة أشكال: فمصلحة مالك الشيء تتجسد في العلاقة المالية التي تربط الشخص بملكه، والقيمة المالية لهذا الشيء هي المعرضة للخطر فيؤمن عليه من الحريق أو من السرقة أو من الهلاك بسبب الكوارث أو غيرها من الأخطار التي إذا تحققت تلحق خسارة مالية بمالك الشيء. ويمكن أن تتعلق عدة مصالح ببقاء القيمة المالية لشيء واحد، فتكون هذه المصالح محلا لعدة عقود تأمين على هذا الشيء نفسه، وهذا جائز بشرط أن تكون هذه المصالح مختلفة ومتميزة، ومثال ذلك مصلحة مالك المنزل، فهو أول من له مصلحة في عدم هلاكه فيؤمن عليه من الحريق مثلا، ولمستأجر هذا المنزل أيضا مصلحة في عدم هلاكه لأنه مسؤول عن الحريق الذي يتسبب فيه فيؤمن على مسؤوليته من هذا الحريق، والدائن المرتهن لهذا المنزل له أيضا مصلحة في عدم هلاكه حتى ينفذ عليه في حالة عدم استيفائه الدين من مدينه -وهو المالك الراهن- فيؤمن عليه من الهلاك، بحيث إذا هلك حل مبلغ التأمين محل الشيء المؤمن عليه. والتعويض الذي يلتزم به المؤمن لا يدفعه إلا عند تحقق الخطر المؤمن عليه، فإذا احترق المنزل في المثال السابق يعوض المالك عن احتراقه لأن القيمة المالية للشيء ضاعت وهو مالكه، ويعوض المستأجر إذا ثبتت مسؤوليته عن حدوث حريق، ويعوض الدائن المرتهن إذا لم يتقاضى حقه من المدين الراهن(4). والأصل أن التعويض عن الضرر يشمل التعويض عن إلحاق الخسارة والتعويض عن فوات الكسب(5)، ويعني حرمان المؤمن له من فرصة ربح منتظر، كفوات الربح لمزارع أمن مزروعاته من الأخطار الزراعية وتحققت هذه الأخطار. ورغم ذلك ثار خلاف فقهي حول جواز التأمين على الربح المنتظر(*)، إلى أن حسمه المشرع الجزائري بنص المادة 29 من الأمر المتعلق بالتأمينات. ولكن لا يعتبر عنصرا في التعويض بقوة القانون بل يجب أن ينص عليه صراحة في العقد، كما يجب أن يكون ربحا مؤكدا فلا تأمين على الربح الاحتمالي(6). كما ثار خلاف آخر حول تأمين القرض أو الائتمان(**) وهو تأمين يضمن القروض التجارية دون الاستهلاكية ويقوم أساسا على خطر ضياع الدين بسبب إعسار المدين، وهو نظام يمكن الدائن العادي من ضمان الوفاء بالديون من طرف مدينه، لأنه لا يملك حقوقا عينية تبعية كالدائن الممتاز، فهو لا يؤمن على مال معين ولا يحل محل المالك في تقاضي مبلغ التأمين في حالة عدم استيفاء حقه، لكنه يستطيع أن يؤمن على إعسار المدين. ولا يشترط لاستفادته من التعويض أن يصدر ضد المدين حكم بالإعسار -أو الإفلاس إن كان تاجرا- بل يكفي ألا يوفي بالدين مدة معينة من وقت استحقاقه. ولم يخص المشرع الجزائري هذا النوع من التأمين بنص خاص(***) مما يستنبط أنه اعتبره مثل أي تأمين آخر يخضع للأمر المتعلق بالتأمينات، والحكم العام الوارد في المادة 621 من القانون المدني لأن الدائن له مصلحة في أن لا يعسر مدينه فيؤمن على هذا الإعسار. وإذا كان الغالب أن تكون المصلحة ذات قيمة مالية تتمثل في قيمة الشيء أو الحق أو الدين، إلا أنه من الممكن أن تكون المصلحة الأدبية محلا للتأمين إذا كانت محددة تحديدا دقيقا يمنع من تحول التأمين إلى مقامرة أو رهان(7)، لكن الصعوبة تكمن في كيفية إثبات هذه المصلحة، فمن الصعب تصور أن يكون للشخص مصلحة غير مالية في التأمين ضد الخطر الذي يهدد الشيء أو الحق، لكن يمكن أن يمثل الشيء قيمة أدبية للشخص كأن يعبر بالنسبة له عن ذكرى غالية مثلا. وإن ما يقال في هذا الصدد عن كون التأمين على الالتزام الطبيعي يعتبر تطبيقا للمصلحة الأدبية لا يدل بالضرورة على غياب المصلحة المالية في هذا التأمين، فقد تصور بعض الفقهاء أن الـمصلحة الأدبية تتحقق في حالة التأمين التبرعي من حوادث السيارات التي يدفع المؤمن بمقتضاه مبلغ التأمين للمضرور رغم عدم توافر شروط مسؤولية المؤمن له عما أصابه من ضرر، لكن ما يؤخذ على هذا الرأي هو أن المصلحة المالية غير خافية في هذا المثال وتتمثل في عدم خسارة المبلغ الذي عزم على دفعه للمضرور رغم عدم توافر مسؤوليته، ولعل هذه الصعوبة في إثبات المصلحة الأدبية هي التي حدت بمعظم التشريعات إلى اشتراط كون المصلحة في التأمين مالية(8).
2- المصلحة في التأمين على الأشخاص:
عرضنا أنه لا ينعقد عقد التأمين إلا إذا كانت للمؤمن له مصلحة في عدم وقوع الخطر المؤمن عليه في التأمين على الأضرار وفي التأمين على الأشخاص على حد سواء، فإذا كانت المادة 621 من القانون المدني التي تشير إلى المصلحة الاقتصادية تخص بصياغتها التأمين على الأضرار، فإن المادة 29 من الأمر المتعلق بالتأمينات قد صيغت صياغة شاملة، ومع ذلك فإنها لا تخص سوى التأمين على الأضرار، لأنها وردت في الفصل الثاني من الباب الأول الخاص بتأمين الأضرار، ولذلك لا يمكن أن يمتد تطبيقها إلى التأمين على الأشخاص. ولكن رغم عدم وجود نص خاص بالمصلحة في التأمين على الأشخاص فإنه لا يمكن القول أن قصد المشرع اتجه إلى عدم اشتراطها لكونها تمثل ركن السبب في عقد التأمين ويترتب عن عدم وجودها بطلان العقد(9)، إلا أنه توجد آراء فقهية مخالفة، وهم الذين يعتبرون المصلحة بصفة عامة عنصرا في عقد التأمين وهي محله وليست سببه، بل وتعد محله في التأمين على الأضرار فقط ولا يرون أنها ضرورية في التأمين على الأشخاص خاصة في نوع التأمين على حياة الغير(10)، أين اشترط المشرع على مكتتب التأمين الحصول على موافقة مكتوبة من طرف الشخص المؤمن على حياته(11) دون أن يشترط أن تكون للمكتتب مصلحة في هذا التأمين، لذا يرون أن المصلحة في التأمين خاصة بالتأمين على الأضرار(12). لكن مكتتب التأمين لا يمكنه التأمين على حياته أو حياة غيره إن لم تكن له مصلحة في هذا التأمين، ليبقى الباعث والدافع إلى هذا التعاقد هو المصلحة(13)، وطبيعة المصلحة في التأمين على الأشخاص لا تختلف اختلافا كبيرا عنها في التأمين على الأضرار(14)، فيمكن أن تكون اقتصادية أو معنوية أو هما معا. فيمكن أن تكون مصلحة اقتصادية أو مادية، ومثالها أن تؤمن زوجة على حياة زوجها فإنها تضمن بذلك استيفاء مبلغ التأمين، أو أن يؤمن الدائن على حياة مدينه فهو بذلك يضمن أن يستوفي حقه من مبالغ التأمين إذا توفي المدين قبل أن يستوفي حقه منه ولم تكن تركته كافية للوفاء بالدين، أو أن يؤمن شخص على حياته لحالة البقاء، فهو يضمن بذلك الحصول على مبلغ التأمين لضمان المعيشة إذا بقي حيا بعد زمن معين، وإذا أمن على نفسه من المرض أو الإصابات الجسمية فهو يضمن بذلك الحصول على مبلغ التأمين الذي يغطي نفقات العلاج(15). كما يمكن أن تكون مصلحة أدبية أو معنوية، وتقوم على روابط عائلية وعاطفية وحب النفس، فمن يؤمن على حياته لحالة الوفاة يُكوِِّن رأسمال قبل موته لضمان العيش لأولاده أو أي مستفيد آخر معين في العقد، ومصلحته في ذلك أدبية أساسها علاقة القرابة أو علاقة عاطفية أخرى تربطه بالمستفيد. ومكتتب التأمين الذي يؤمن على حياة الغير يمكن أن تكون له مصلحة أدبية، فلو أمن الابن على حياة أبيه لمصلحة إخوانه القصر فهو يضمن بذلك الحصول على مبلغ التأمين يضمن به لهم مورد عيش بعد وفاة الوالد، ومصلحته في ذلك معنوية. وفي التأمين لمصلحة شخص آخر غير المؤمن له، فإن شرط المصلحة لا يكفي لدى المؤمن له فقط بل يجب أن يتوافر كذلك لدى المستفيد، ومصلحته في هذه الحالة مادية محضة، ولا يمكن تصور كونها أدبية وتتمثل في استفادته من مبلغ التأمين، وهذا يستخلص من الوسائل القانونية التي وضعها المشرع ليكفل بها عدم إقدام المستفيد على تعجيل وفاة المؤمن له بفعله العمدي للحصول على مبلغ التأمين(16).
ثانيا: مشروعية المصلحة في عقد التأمين
أيا كان نوع المصلحة سواء في التأمين على الأشخاص أو على الأضرار، وسواء كانت مادية أو أدبية فإنه من الواجب أن تكون جدية(*) ومشروعة(17). ولكي تكون المصلحة في التأمين مشروعة يجب ألا تكون مخالفة للنظام العام والآداب العامة(**)، بمعنى أنه لا يجوز التأمين على الأخطار التي تترتب على أعمال غير مشروعة، كالتأمين على محل يستعمل لإخفاء المسروقات أو إيواء المجرمين. وتخلف شرط مشروعية المصلحة يؤدي إلى بطلان عقد التأمين بطلانا مطلقا، ونفس الجزاء يترتب إذا لم توجد المصلحة أصلا، أو إذا وجدت وقت إبرام العقد ثم زالت بعده، أين ينقضي التأمين بقوة القانون، ومثال ذلك أن يؤمن المستأجر من مسؤوليته عن الحريق الذي يشب في العين المؤجرة ثم يفسخ عقد الإيجار لعدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته مثلا وينفسخ تبعا لذلك عقد التأمين لزوال المصلحة(18)، كما أن وجود المصلحة هو الذي يكفل التمييز بين التأمين وبين المقامرة والرهان.
_____________________
(1): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، د م ج ، ص 51 وما يليها، ص 53 وص63 على التوالي؛
(*): عملا بالأحكام العامة الواردة في المادة 97 من القانون المدني والأحكام الخاصة الواردة في الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2) عبد الرزاق بن خروف، التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري، الجزء الأول: التأمينات البرية، طبعة 2002ص 110؛
(3): أحمد شرف الدين، أحكام عقد التأمين، توزيع دار الكتاب الحديث، الطبعة الثالثة، 1991، ص 171.
(4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 110؛
(5): المادة 182 من القانون المدني؛
(*): يمكن أن يغطي التأمين على الربح المنتظر عدة ميادين مثل فقد أجرة الكراء بعد احتراق العقار المؤجر وهو ربح مؤكد، والتأمين على الأخطار الزراعية والأرباح التجارية والصناعية بعد سرقة البضائع أو احتراق المتجر؛
(6): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 186؛
(**): وبخاصة في فرنسا، فقانون 13 جويلية 1930 المنظم للتأمينات البرية استثنى جميع عمليات التأمين على القرض أو الائتمان لأن خصائصه تبعده عن مجال التأمينات، وقد لقي استثناءه من التأمينات انتقادا كبيرا من قبل الفقهاء الفرنسيين الذين اعتبروه تأمينا حقيقيا تام الأركان واعتبروا تركه لحرية التعاقد يؤدي إلى التعسف؛
(***): لكنه نظم بنص خاص نوعا خاصا من التأمين على القروض والائتمان وهو التأمين على القرض عند التصدير بمقتضى الأمر رقم 96-06 المؤرخ في 10 جانفي 1996 الجريدة الرسمية لسنة 96 عدد 03، باستثناء صادرات المحروقات، ويضمن تغطية الحقوق المرتبطة بعمليات التصدير من الأخطار التجارية والسياسية وأخطار عدم التحويل وأخطار الكوارث؛
(7): حجازي عبد الحي، التأمين، القاهرة، 1908. ص 187.
(8) و: أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 174 و189 على التوالي؛
(9)، (10)،: د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 116-117؛
(11): المادة 89 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(12) : د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 116-117؛
(13): إبراهيم أبو النجا، التأمين في القانون الجزائري (الأحكام العامة)، د.م.ج، الجزائر، طبعة 1993،ص 192/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 193.
(14): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 174 و189 على التوالي
(15) : د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 116-117؛
(16): د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 118-119؛
(*): وإلا انقلب العقد إلى مضاربة غير مشروعة؛
(17): المادة 621 من القانون المدني.
(18) : د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 118-119؛
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|