أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-02-2015
1871
التاريخ: 24-02-2015
7153
التاريخ: 24-02-2015
2398
التاريخ: 24-02-2015
3739
|
لما كانت العلوم في الأمم تظهر فجأة ، بل تأخذ في الظهور رويداً رويداً حتى تستوي على سُوقها ، كان ذلك مدعاة في كثير من الأمر لأن تغمض نشأة بعض العلوم وأن يختلط على الناس واضعوها المبكرون . وهذا نفسه ما حدث فيمن نُسبت إليهم الخطوات الأولى في وضع النحو العربي ، وفي ذلك يقول السيرافي: اختلف الناس في أول من رسم النحو ، فقال قائلون : أبو الأسود الدؤلي(1) ، وقيل : هو نصر(2) بن عاصم ، وقيل : بل هو عبد الرحمن(3) بن هرمز ، وأكثر الناس على أنه أبو الأسود الدؤلي(4) .
وتضطرب الروايات في وضع أبي الأسود للنحو ، فمنها ما يجعل ذلك من عمله وحده ، ومنها ما يصعد به الى علي بن أبي طالب ، إذ يرون عن أبي الأسود نفسه أنه دخل عليه وهو بالعراق فرآه مطرقاً مفكراً ، فسأله فيم يفكر ؟ فقال له : سمعت ببلدكم لحناً ، فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية ، وأتاه بعد أيام فألقى إليه
ص13
صحيفة فيها : " بسم الله الرحمن الرحيم . الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما انبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل " ثم قال له : " اعلم أن الأشياء ثلاثة ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر " . وتمضى هذه الرواية فتذكر أن أبا الأسود جمع لعلي أشياء وعرضها عليه ، كان منها حروف النصب : إن وأن وليت ولعل وكأن ، ولم يذكر أبو الأسود : لكن ، فقال له علي : لم تركتها ؟ فقال : لم أحسبها منها ، فقال: بل هي منها ، فزدها فيها(5) . ولهذه الرواية صور أخرى(6) تلتقي بها . ويقول القفطي المتوفي سنة 646 للهجرة : " رأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الوراقين جزءاً فيه أبواب من النحو يجمعون على أنها مقدمة علي بن أبي طالب الي أخذها عنه أبو الأسود الدؤلي "(7) . فالمسألة لم تقف عند سطور أو بعض أبواب نحوية تذكر مجملة ، بل استعت لتصبح مقدمة أو رسالة صنفها علي بن أبي طالب ، وكأنه لم يكن مشغولاً حين ذهب الى العراق والكوفة بإعداد الجيوش لحرب معاوية ولا كان مشغولاً بحروب الخوارج ، إنما كان مشغولا بالنحو ووضع رسومه وأصوله وفصوله . وطبائع الأشياء تنفي أن يكون قد وضع ذلك ، ونفس الرواية السالفة وما أشبهها من الروايات تحمل في تضاعيفها ما يقطع بانتحالها لما يجري فيها من تعريفات وتقسيمات منطقية لا يُعقل ان تصدر عن علي بن أبي طالب أو عن أحد من معاصريه ، ولعل الشيعة هم الذين نحلوه هذا الوضع القديم للنحو الذي لا يتفق في شيء وأولية هذا العلم ونشأته الأولى .
وقد تقف الروايات في الوضع الأول للنحو عند أبي الأسود ، غير أنها تعود فتضطرب في السبب الذي جعله يرسمه وفي حاكم البصرة موطنه الذي بعثه على هذا الرسم والأبواب الأولى التي رسمها فيه . فمن قائل إنه سمع قارئاً يقرأ الآية الكريمة:
ص14
(أن الله بريء من المشركين ورسولِه) بكسر اللام في رسوله ، فقال : ما ظننت أمر الناس يصل الى هذا واستأذن زياد بن أبيه والي البصرة (45- 53هـ) وقيل بل استأذن ابنه عبيد الله واليها من بعده (55 - 64هـ) في أن يضع للناس رسم العربية . وقيل : بل وفد على زياد ، فقال له : إني أرى العرب قد خالطت الأعاجم وتغيرت ألسنتهم ، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاماً يعرفون ـ أو يقيمون ـ به كلامهم . وقيل : بل إن رجلاً لحن أمام زياد أو أمام ابنه عبيد الله ، فطلب زياد أو ابنه منه أن يرسم للناس العربية . وقيل إنه رسمها حين سمع ابنته تقول : ما أحسن السماء وهي لا تريد الاستفهام وإنما تريد التعجب ، فقال لها قول : بعض أبواب النحو وقال له : أنحُ هذا النحو ، ومن أجل ذلك سُمي العلم باسم النحو . ويقول بعض الرواة إنه وضع أبواب التعجب والفاعل والمفعول به وغير ذلك من الأبواب ، ويقول آخرون إنه وضع أبواب التعجب والاستفهام والعطف والنعت وإن وأخواتها . وقد يكون ذلك من صنع الشيعة ، وكأنهم رأوا أن يضيفوا النحو الى شيعي قديم ، فارتفع به بعضهم الى علي بن ابي طالب ، ووقف به آخرون عند أبي الأسود صاحبه الذي كان يتشيع له ، ويظهر أن نحلهم إياه وضع النحو قديم ، إذ نجد ابن النديم يقول : إنه رأى عند الوراقين أربعة أوراق عن أبي الأسود كتبها يحيى(8) بن يعمر المتوفي سنة 129 للهجرة وفيها كلام في الفاعل والمفعول(9) . وأقدم من ذلك ما جاء عند ابن سلام إذ يقول : " كان أول من أسس العربية وفتح بابها وأنهج سبيلها ووضع قياسها أبو الأسود الدؤلي ، وإنما قال ذلك حين اضطرب لسان العرب وغُلبت السليقة وكان سراة الناس يلحنون ، فوضع باب الفاعل والمفعول والمضاف وحروف الجر والرفع والنصب والجزم (10) . وقد يُشرك بعض الرواة معه في هذا الصنيع تلميذيه نصر بن عاصم
ص15
وابن هرمز ، إذ يقول الزبيدي : " أول من أصلَّ النحو وأعمل فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ، فوضعوا للنحو أبواباً وأصلوا له أصولاً ، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف" (11).
وكل ذلك من عبث الرواة الوضاعين المتزيدين ، وهو عبث جاء من أن أبا الأسود نُسب اليه حقاً أنه وضع العربية ، فظن بعض الرواة أنه وضع النحو ، وهو إنما وضع أول نقط يحرر حركات أواخر الكلمات في القرآن الكريم بأمر من زياد بن أبيه وأبنه عبيد الله . وقد اتخذ لذلك كاتباً فطناً حاذقاً من بني عبد القيس ، وقال له : إذا رأيتني قد فتحت شفتي بالحرف فانقط نقطة على أعلاه ، وإن ضممت شفتي فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت شفتي فاجعل النقطة من تحت الحرف ، فإن أتبعتُ شيئا من ذلك غنة (تنوينا) فاجعل مكان النقطة نقطتين . وابتدأ أبو الأسود المصحف حتى أتى على آخره ، بينما كان الكاتب يضع النقط بصيغ يخالف لونه لون المداد الذي كتبت به الآيات(12) .
وكان هذا الصنيع الخطير الذي سُمي باسم رَسم العربية سبباً في أن يختلط الأمر فيما بعد على الرواة فتظن طائفة منهم أن أبا الأسود رسم النحو وشيئاً من أبوابه ، وهو إنما رسم إعراب القرآن الكريم عن طريق نقط أواخر الكلمات فيه .
وحمل هذا الصنيع عن أبي الأسود تلاميذه من قراء الذكر الحكيم وفي مقدمتهم نصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر وعنبسة(13) الفيل وميمون(14) الأقرن ، فكل هؤلاء " نقطوا المصحف وأخذ عنهم النقط وحفظ وضبط وقيد وعمل به واتبع فيه سنتهم واقتدى فيه بمذاهبهم "(15) وأضافوا الى ذلك عملاً جليلاً هو اتخاذ نقط جديد للحروف المعجمة في المصاحف تمييزاً لها
ص16
من الحروف المهملة ، فقد ذكر الرواة أن الحجاج في ولايته على العراق (74 ـ 95هـ) أمر نصر بن عاصم أو يحيى بن يعمر بإعجام حروف المصحف لتمييز الحروف بعضها من بعض(16) . ويروى أن ابن عاصم كان أول من عشر المصاحف وخمسها، وبعبارة أخرى كان أول من قسم آيات المصحف أقساماً .
وكل من ذكرناهم من تلاميذ أبي الأسود كانوا من قراء الذكر الحكيم ، وكان يؤخذ عنهم النقطان جميعاً نقط الإعراب ونقط الإعجام . وكان ذلك عملا خطيراً حقاً ، فقد أحاطوا لفظ القرآن الكريم بسياج يمنع اللحن فيه ، مما جعل بعض القدماء يظن أنهم وضعوا قواعد الإعراب أو أطرافا منها ، وهم إنما رسموا في دقة نقط الإعراب لا قواعده ، كما رسموا نقط الحروف المعجمة من مثل الباء والتاء والثاء والنون .
ص17
________________
(1) انظر في ترجمة أبي الأسود المتوفى سنة 69 للهجرة الشعر والشعراء لابن قتيبة (طبع دار المعارف) ص 707 ومراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي (طبع مكتبة نهضة مصر) ص 6 وأخبار النحويين البصريين للسيرافي (طبع بيروت) ص 13 وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي (طبعة الحانجي) ص 13 وأسد الغابة 3/69 والإصابة 2/ 232 والأغاني (طبع دار الكتب المصرية) 12/ 297 ونزهة الالباء لابن الأنباري (طبع دار نهضة مصر بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم) ص 6 ومعجم الأدباء (طبعة فريد رفاعي) 12/ 34 وإنباء الرواة للقفطي (طبعة دار الكتب المصرية) 1/ 13 وما به من مراجع .
(2) انظر في ترجمة نصر المتوفي سنة 89 للزبيدي ص 21 والسيرافي ص 20 وابن الأنباري ص 14 وأبا الطيب اللغوي ص 13 ومعجم الأدباء 19/224 والقفطي 3/343 وما به من مراجع .
(3) راجع في ترجمة ابن هرمز المتوفى بالإسكندرية سنة 117 طبقات ابن سعد 5/20 9 والزبيدي ص 15 وإنباء الرواة للقفطي 2/ 172 وما به من مراجع .
(4) السيرافي ص 13 .
(5) القفطي 1/ 4 .
(6) انظر ترجمة أبي الأسود في ابن الأنباري ص 6 وما بعدها ومعجم الأدباء لياقوت 14/ 49 .
وعند ابن الأنباري ان أبا الأسود كان كلما وضع باباً من أبواب النحو عرضه على إمامه علي بن أبي طالب .
(7) القفطي 1/ 5 .
(8) انظر في ترجمة ابن يعمر أبا الطيب اللغوي ص 25 والزبيدي ص 22 وابن الانباري ص 16 والسيرافي ص 22 والبيان والتبيين 1/ 377 ومعجم الادباء 20 /42 وبغية الوعاة للسيوطي (طبع مطبعة السعادة) ص 417 .
(9) الفهرست لابن النديم (النشرة الثانية المكتبة التجارية) ص 66 .
(10) طبقات فحول الشعراء لابن سلام (طبع دار المعارف ) ص 12 .
(11) الزبيدي ص 2 .
(12) راجع كتاب المحكم في نقط المصاحف للداني (طبع دمشق) ص 3 وما بعدها والقفطي 1/ 5 .
(13) انظر في ترجمة عنبسة أبا الطيب اللغوي ص 11 والزبيدي ص 24 والسيرافي ص 23 وابن الأنباري ص 12 ومعجم الأدباء 16/ 133 وإنباه الرواة 2/ 381 وبغية الوعاة ص 368 .
(14) راجع في ترجمة ميمون أبا الطيب اللغوي ص 11 والزبيدي ص 24 والسيرافي ص 22 ومعجم الأدباء 19 /20 9 وإنباء الرواة 3/ 337 وبغية الوعاة ص 401 .
(15) المحكم في نقط المصاحف ص6 .
(16) التصحيف والتحريف لأبي أحمد العسكري ص 10 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|