أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-02-2015
25539
التاريخ: 24-02-2015
33531
التاريخ: 24-02-2015
8524
التاريخ: 24-02-2015
25932
|
حلف سبحانه بالعصر مرّة واحدة دون أن يقرنه بمقسم به آخر ، وقال {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2].
العصر يطلق ويراد منه تارة الدهر ، وجمعه عصور.
وأُخرى العشيّ مقابل الغداة ، يقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران الليل والنهار ، كالقمرين للشمس والقمر.
وثالثة بمعنى الضغط فيكون مصدر عصرت. والمعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصر ، قال سبحانه : {أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف : 36] ، وقال : {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف: 49] ، وقال { وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ : 14] أي السُّحُب التي تعتصر بالمطر.
ورابعة بمعنى ما يثير الغبار ، قال سبحانه : {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ } [البقرة : 266]. (1) والمراد من الآية أحد المعنيين الأوّليين.
الأوّل : الدهر والزمان.
الثاني : العصر مقابل الغداة.
ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع كما هو واضح.
وإليك بيان المعنيين الأوّلين.
1. العصر : الدهر ، وإنّما حلف به لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار ، وقد نسب ذلك القول إلى ابن عباس والكلبي والجبائي.
قال الزمخشري : وأقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب (2).
ولعلّ المراد من الدهر والزمان اللّذين يفسرون بهما العصر هو تاريخ البشرية ، وذلك لأنّه سبحانه جعل المقسم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان انّه هو من تصرم عمره ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلىٰ رأس مال وقع في يده ، وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة نأتي بنصها :
قال : وعن بعض السلف ، تعلمت معنى السورة من بائع الثلج كان يصيح ، ويقول : ارحموا من يذوب رأس ماله ، ارحموا من يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خسر يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب فإذا هو خاسر (3).
2. العصر : أحد طرفي النهار ، وأقسم بالعصر كما أقسم بالضحىٰ ، وقال : {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى : 1، 2] كما أقسم بالصبح ، وقال : {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر : 34] ، وإنّما أقسم بالعصر لأهميته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليومية تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة.
وهناك قولان آخران :
أ : المراد عصر الرسول ، ذلك لما تضمنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمن اتبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكد على أن يكون المراد من العصر عصر النبي (صلى الله عليه واله) ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري وظهور الحقّ على الباطل.
ب : المراد به وقت العصر ، وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسم بها ، لفضلها بدليل ، قوله : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة : 238] كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى : {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة : 106] هو صلاة العصر.
أضف إلى ذلك انّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبة يختم بها الأعمال.
ولا يخفى انّ القول الأخير في غاية الضعف ، إذ لا صلة بين القسم بصلاة العصر والمقسم عليه ، أعني { الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } علىٰ أنّه لو كان المقسم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه ، وحذف المضاف مع عدم توفر قرينة عليه ، ومنه يظهر حال الوجه المتقدّم عليه.
والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوىٰ ، حيث إنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه.
وأمّا المقسم عليه ، فهو قوله سبحانه : { إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } والمراد من الخسران هو مضي أثمن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسان في كلّ لحظة يفقد رأس ماله بنحو لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سنة الحياة الدنيوية حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأي خسران أعظم من ذلك.
وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه فأوضح من أن يخفى ، لأنّ حقيقة الزمان حقيقة متصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج.
ثمّ إنّه سبحانه استثنى من الخسران من آمن وعمل صالحاً وتواصىٰ بالحق وتواصىٰ بالصبر.
ووجه الاستثناء واضح. لأنّه بدّل رأس ماله بشيء أغلىٰ وأثمن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المنقضي فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترىٰ حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ، ونعمه المادية والمعنوية.
يقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 111].
__________________
(1) مفردات القرآن ، مادة عصر ومجمع البيان : 5 / 535.
(2) الكشاف : 3 / 357.
(3) تفسير الفخر الرازي : 32 / 85.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|