منهج الدراسات اللغوية:
تعدد الأنظمة في اللغة الواحدة:
إننا نسمي كل مجموعة من الكلمات، أيا كان عددها ما دامت تقع بين سكتتين، وتستغرق مرة واحدة من مرات التنفس "مجموعة كلامية"، سواء كانت جملة مفيدة، أو جزءًا من جملة أو كانت كلمة واحدة، والمجموعة الكلامية نسق من من الأصوات أو سلسلة منها، وهي بهذا مادة للوصف من الناحية الأًصواتية، وتتم دراستها من الناحية الأصواتية عن طريق وصف مخارج أصواتها، وطرق النطق بها وصفاتها، فيقال مثلا: إن الصوت الفلاني من أصوات هذه الكلمة، يخرج من المخرج الفلاني، وهو شديد أو رخو أو مركب، أو متوسط وهو مهموس أو مجهور، مطبق أو مغور أو محلق، ويتم ذلك الوصف بعد ملاحظة، وتجارب سنتكلم عنها في مكان آخر من هذا الكتاب، فإذا تناولنا العلاقة بين أصوات هذه المجموعة الكلامية، بأن قلنا: إن هذا الصوت واحد من المجموعة الأصواتية، التي نسميها "حرف كذا"، وإن موقعه قبل الصوت الفلاني الملاصق له، قد حتم أن يبدو هو في شكله الحاضر، وإن الحرف الذي هو أحد أصواته، يبدو بصورة أخرى في الواقع الأخرى، كالنون مثلا تكون مفردة في شكل معين، فإذا تلاها قاف تغير صوتها، وكذلك إذا تلتها جيم أو شين، أو صاد أو ذال أو ظاء، وهلم جرا، أقول: إذا تناولنا هذا كنا ندرس التشكيل الصوتي، لا الأصوات، وكذلك إذا درسنا مواقع النبر في الكلام، ونظام المقاطع فيه وطرق تنغيمه، وسلوك الأصوات في المفاصل بين الكلمات، وفي نهاية المجموعة الكلامية أو بدايتها، كما هو الحال في همزة الوصل وفي الوقف، كل أولئك دراسة للتشكيل الصوتي لا للأصوات، ولعل الفرق بين الناحيتين واضح، فالأصوات حركات عضوية، نشأت عنها قيم صوتية في نشاط حركي ذو نتيجة سمعية، يدرس كلاهما من الناحية الطبيعية؛ وأما العلاقات، فهي ليست حركات طبيعية، ولا تشريحية خاصة بوظائف الأعضاء، ولكنها ارتباطات من نوع معين بين الأصوات المتخارجة في الورود في الموقع الواحد، إذا كانت من
ص57
حرف واحد وغير المتخارجة، إذا كانت من حرفين أو حروف مختلفة، هذه الارتباطات أفكار مدركة لا أشياء ملموسة، ووسائل للتناول الدراسي للغة لا أجزاء من سلسلة الأصوات في المجموعة الكلامية.
ويمكن دراسة المادة اللغوية لا من هاتين الناحيتين فحسب، بل من نواح أخرى متعددة عن طريق مجموعة من الطرق المتساندة، والتكنيكات المترابطة، والأنظمة اللغوية كالنظام الأصواتي، والتشكيلي والصرفي والنحوي وهلم جرا، تخترع ولا تكتشف، والواقع أن الخليل وسيبويه لم يكتشفا النحو العربي، وإنما اخترعاه اخترعاه، ويريد بعض المحدثين، وقد لمس نواحي النقص في هذا الاختراع أن يحسن النظام المخترع، حتى يكون أداة أقدر على تفهيم النصوص العربية، وكل باحث في اللغة، يجب أن يكون قادرا على استعمال مقدرته الاختراعية، فكما اخترع النحاة جهاز النحو العربي، اخترع القراء الجهاز الأصواتي، الصالح لتقرير حقائق القراءات، واخترع الصرفيون الصيغ الصرفية المتنوعة من فاعل، ومنفعل ومستفعل، واخترع كل أولئك الأصول الثلاثة للكلمة، وجعلوها مادتها التي يدل عليها بها، وكل ذلك مجال مفتوح للبحث، والتنقيب يتطلب الوعي الدراسي الصحيح، ولم يقفل فيه باب الاجتهاد.
فاللغة إذا متعددة الأنظمة، فلها نظامها الأصواتي الموزع توزيعا لا يتعارض فيه صوت مع صوت، ولها نظامها التشكيلي، الذي لا يتعارض فيه موقع مع موقع.
ولها نظامها الصرفي الذي لا تتعارض فيه صيغة مع صيغة، ولها نظامها النحوي الذي لا يتعارض فيه باب مع باب، ولها بعد ذلك نظام للمقاطع، ونظام للنبر ونظام للتنغيم فهي "منظمة من النظم" على حد تعبير بعضهم، ويؤدي كل نظام منها، وظيفته بالتعاون مع النظم الأخرى.
وهمنا بعد ذلك أن نتكلم عن المناهج التي تقوم عليها دراسة هذه النظم، وتشرح بقدر الإمكان طريقة التناول في كل فرع من فروع الدراسات اللغوية.
ص58
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|