أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-1-2019
917
التاريخ: 26-05-2015
1174
التاريخ: 27-05-2015
1004
التاريخ: 30-12-2018
2189
|
فكرة الحلول والتناسخ تعتمد على مسألة الروح ، ومنها تنبثق الفلسفات القديمة الحاكية عن العقائد المتبناة ودورها في بناء الثقافة الزراداشتية واليهودية والنصرانية كما أن المسلمين اوغلوا في البحث عن الروح منذ القرن الأول الهجري وتنامت هذه المسألة بحثنا وجدلاً في القرن الثاني الهجري.
والإنسان الذي تبرز فيه بعض الغرائز وتتحكم في سيره الفكري والثقافي ، سوف تشغله كثيراً عن أصول المسائل ومهام الأمور ليرتمي في المسائل والذي أغمض عنها الشارع المقدس ـ كالروح ـ وسكت عن أجزائها ، وإنما جعل الروح من أمر الله فحسب.
والإنسان حريص على ما منع ، فيجب أن يخوض غمار كل مجهول ويسلك كل واد قفر ويتجشم الصعاب في بغيته وهذا التطلع هو شيء غريزي ، وتنفلت هذه الغريزة عن حدودها المعقولة إذا صادفت التعنت في طريقها المرسوم ، كالاقتحام في لجج الغوامض والبحث عما لا طائل من ورائه.
فقد تطلع الإنسان منذ أقدم العصور ليعرف روح آدم (عليه السلام) التي انحدر هو منها وكذا روح المسيح عيسى بن مريم التي شابهتها في الإبداع والكينونة.
وقد غفل الإنسان أن هذه وأمثالها من الأمور الغيبية التي استأثرها الله سبحانه بعلمه الذي لم يطلع عليه أحد. ومع ذلك فقد نوه القرآن الكريم إلى معنى الروح ولو إجمالاً فقد تعرض إلى روح آدم وروح عيسى عليهم السلام ...
ففي معرض خلق آدم وسجود الملائكة ـ بإمر من الله تعالى قال عز وجل {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] .
وفي خلق عيسى (عليه السلام) قال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] ، وقوله تعالى : {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] أما بالنسبة إلى خلق الإنسان قال تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 7 - 9].
فما هي الروح...؟ ويسئلونك عن الروح ...
لقد أجاب سبحانه تعالى بجملة واحدة {قُلِ ـ يا محمد (صلى الله عليه واله) ـ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].
إذن الروح ليست قديمة كما يزعم الفلاسفة القدماء والنصارى والمجوس بل هي حادثة مخلوقة ، لكن هل هي كسائر الموارد المخلوقة التي لها وزن وتشغل حيزاً من المكان؟! وهل تتصف بأشياء يدركها الحس الخارجي كاللون والطعم والشكل والأبعاد ... لقد عرف العلم الحديث أكثر من ست وثلاثين نوعاً من أحوال المادة وقد غاب عنه أضعاف ما عرفه ولا زالت البحوث العلمية تكشف مواصفات جديدة أخرى وأحوال لم تكن معروفة من قبل ...
الروح قد تطلق على إحدى المعاني الآتية :
أولا : قد تطلق ويراد بها الحياة والتي هي قوام لكل كائن حي له إحساس وحركة إرادية.
ثانياً : قد تطلق فيراد بها الوحي وقوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] أي القرآن الكريم فسمى الوحي أو القرآن روحاً.
ثالثاً : قد تطلق فيراد بها النفس الناطقة التي هي محل لجميع الكمالات والعلوم ، والمدبرة لشؤون البدن وإصلاحه هذا على حد زعم الحكماء.
رابعاً : قد تطلق فيراد بها جبريل قوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194] الروح قد تكون مع الملائكة قوله تعالى : {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] وقد تكون مع الأنبياء قوله تعالى : {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُو} [النحل: 2] وقد تكون مع المؤمنين قوله تعالى : {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } [المجادلة: 22] وقد تكون مع الإنسان كالنفخ فيه قوله تعالى : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] وقد تكون الروح بمعنى الحياة مع سائر الكائنات الحية.
أما حقيقة الروح فهي بين أهل الكلام والحكماء والمفسرين مختلفة ذات أقوال متعددة ، فمنهم قال أنها جسم هوائي متردد في مخارق البدن.
وقسم ثان قائل بأنها جسم هوائي في هيئة البدن حال فيه إذا ما خرجت منه صدق عليه الموت ، وقسم ثالث قائل بأنها بخار لطيف دخاني.
وقسم رابع قائل بأنها شيء عرض في البدن وإلى غير ذلك الأوقال.
فمهما يكن من اختلاف أو تعدد الأقوال في حقيقة الروح فإن قوله تعالى : {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] جواب لما تقدم من سؤال اليهود للنبي (صلى الله عليه واله) أو سؤال بعض قريش له (صلى الله عليه واله) وهذا الجواب في نفسه خطاب لهم بترك التقصي والإحجام عن التوغل في فهم حقيقة الروح ، لأنها أمر غيبي ومن السر المكنون المخزون عند الله سبحانه ، استأثره بعلمه فلم يطلع على هذا العلم أحد.
بعدما فهمنا موقف القرآن الكريم ، أو قل النظرة الكلية من قبل الشريعة الإسلامية لأمر الروح ، والتي قيدت المسلمين ومنعتهم من الخوض في هذا الموضوع ، وإن تركه أسلم للعاقبة وأشمل للتقوى ، إذن ما بال هؤلاء الذين أوغلوا البحث في متاهات هذه المسألة؟! أوليس ذلك قد يؤدي إلى الوقوع في المحذور؟! وإذا كان الأمر كذلك ، قلنا انصاف المرء لنفسه : تركه ما لا يعينه ..
فلنقف عند هذا الحد في أمر الروح ، حتى نبين وجه الارتباط بينها وبين الحلول والتناسخ الذي قالت به أمم سبقت المسلمين بمئات السنين.
من أوائل الأمم التي قالت بالتناسخ والحلول هي المجوس التي قالت بالتثنية ومحصل قولها : إنها أثبتت مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر ، والنفع والضر ، والإصلاح والفساد.
وهذان الأصلان هما ( يزدان وأهرمن ) وتعني ( النور والظلمة ). وكل شيء عندهم يدور وفق قاعدتين ، الأولى كيفية امتزاج النور بالظلمة هذا هو المبدأ والقاعدة الثانية سبب خلاص النور من الظلمة وهذا هو المعاد.
على أن المجوس فرق متعددة ، فعليه بعضهم زعم أن الأصلين النور والظلمة لم يكونا قديمين منذ الأزال ، بل أحدهما قديم أزلي وهو ( النور ) والأصل الثاني ( الظلمة ) محدثة أي ليست أزلية ، ولهذا اختلفوا في الأصل الثاني ومما تكون؟! لأن النور خير والخير لا يحدث شراً وهو الظلمة ..
وهؤلاء يزعمون أن المبدأ الأول من الأشخاص هو كيومرث والمعنى به آدم (عليه السلام) وبعضهم قال المبدأ الأول هو زوران الكبير ويعد أول معلم لهم ثم النبي زرادشت.
وللكيومرثية مزاعم في خلق الظلمة وسيطرته على النور وهكذا بالنسبة للزورانية والزرادشتية كلها بهذين الأصلين النور والظلمة واختلفوا في الأصلين أنهما قديمان أزليان ، أم أحدهما قديم أزلي والآخر محدث؟ ثم قالوا أن بعض النور انمسخ فصار ظلمة. وأجلى صورة للتناسخ والحلول عند المجوس ظهرت في الزرادشتية ، وهؤلاء يعتقدون أن الله سبحانه خلق في غابر الأزمان وفي ملكوته الأعلى خلقاً روحانياً ولما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور على تركيب صورة إنسان ثم أيده بالملائكة والكواكب والشمس والقمر ، ثم جعل روح زرادشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين وبعدها مزج شبح زرادشت بلبن بقرة فشربه أبو زرادشت والتي صارت منها نطفة زرادشت وبعد أن ولد وبلغ من العمر ثلاثين سنة وبعضهم قال أربعين سنة بعثه الله نبياً ..
فزرادشت لا يحيد عن مقالة الفرق المجوسية إذ يقر النور والظلمة ، ويقول أنهما أصلان متضادان وكذلك يزدان واهرمن وهما مبدأ الموجودات وحصلت التراكيب من امتزاجهما. كما أن الخير والشر والفساد والصلاح والطهارة والخبث وكل شيء يضاده شيء آخر إنما حاصل ذلك كله من امتزاج النور والظلمة.
ومن مقولات الزرادشتية : أن أول ما خلق من الملائكة ( بهمن ) ثم ( ارديبهشت ) ثم ( شهريور ) ثم ( خرداد ) ثم ( مرداد ) وخلق بعضهم من بعض ، كما يؤخذ السراج من السراج من غير أن ينقص من الأول شيء. ومن مقالاتهم أن للعالم قوة إلهية هي المدبرة لجميع ما في العالم المنتهية مبادئها إلى كمالاتها. وهذه القوة تسمى : ( ماسبند ) وهي على لسان الصابئة : ( المدبر الأقرب ) وعلى لسان الفلاسفة ( العقل الفعال ) ومنه الفيض الالهي ، والعناية الربانية ، وعلى لسان المانوية ( الأرواح الطيبة ) وعلى لسان العرب ( الملائكة ) وعلى لسان الشرع والكتاب الإلهي ( الروح ) إذ قال تعالى : {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] (1) .
وممن قال بالحلول والتناسخ الثنوية وهي القائلة بالنور والظلمة إلا أنهما أزليان قديميان وأنهما متساويان في القدم مختلفان في الجوهر والطبع ، وللأبدان والأرواح.
وعلى هذا المبدأ المانوية نسبة إلى الحكيم ماني بن فاتك الذي ظهر في زمن سابور بن اردشير ، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور ، وذلك بعد نبوة عيسى بن مريم (عليه السلام) إذ أن ماني ابتدع ديناً جديداً بين المجوسية والنصرانية ، فهو يقول بنبوة عيسى وينكر نبوة موسى(عليه السلام).
من عقائد ماني : قال أن العالم مصنوع من مركب من أصلين قديمين أحدهما النور والآخر الظلمة وأنهما أزليان لم يزلا إلى الأبد ، وكل شيء إنما صائر من أصل قديم أما النور وأما الظلمة وأما من امتزاجهما سوية.
أما سبب الامتزاج فمختلف عندهم ، فمنهم قال أن النور والظلمة كان امتزاجهما بالخبط والاتفاق لا بالقصد والاختبار ، والبعض الآخر وهم الأكثرية قالوا أن سبب المزاج إنما كان بتشاغل الظلمة عن روحها بعض التشاغل فنظرت الروح فرأت النور فبعث الأبدان على ممازجة النور فأجابتها لإسراعها إلى السر ، فلما رأى ذلك ملك النور بعث ملكاً في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة فاختلطت النورية بالخمسة الظلامية.
وعلى هذا المنوال تلتقي المزدكية مع المانوية في الأصلين وامتزاجهما إلا أن هؤلاء يجعلون الأصول والأركان للخير والشر ثلاثة : الماء والأرض والنار. وتابع المانوية فرقة تسمى بالديصانية وقد أثبتت الأصلين النور الظلمة واختلفت في عملية التمازج بينهما.
وقد تابع المزدكية من المجوس عدة فرق منها الكيونية والصيامية والتناسخية والأخيرة قالت بتناسخ الأرواح في الأجساد والانتقال من شخص إلى شخص ... وهؤلاء يخالفون جميع مذاهب الثنوية إذ يغنون بأيام الخلاص هو رجوع أجزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد ، وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم.
والمجوس قاطبة بكل فرقها ومذاهبها تعظم النار وتعبدها لجلالتها وقدسيتها وهي رمز الخير وآية النور وهي جوهر شريف علوي لا تفعل إلا الخير والصالح لذا لم تحرق إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأن عبادتها تنجيهم من العذاب الأخروي ..
وقد انتشرت المجوسية ـ عبدة النار ـ في الصين والهند والشرق الأقصى كاليابان ومنغوليا وما تاخمهما من البلدان ولا زالت عبادتهم وثنية لا تعدو النار والهياكل والأصنام وقد شاهدت جملة منها في مناطق عديدة من بلاد الهند.
ومن أبرز الطوائف القائلة بالتناسخ في تلك التي تقطن في الهند وتمارس طقوسها العبادية بكامل الحرية حيث مبدأ الدولة هناك الوثنية الصرفة.
من مظاهر الحلول والتناسخ عندهم ، أنهم يعتقدون أن طائراً يظهر في وقت معلوم ، فيقع على شجرة معلومة ، فيبيض ويفرخ ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطائر ، ويسيل منه دهم يجتمع في أصل الشجرة في مغارة ، ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير يطير ويقع على الشجرة وهو أبداً كذلك. قالوا فما مثل الدنيا وأهلها في الأدوار والأكوار إلا كذلك (2).
ومن الذين قالوا بالحلول والتناسخ فرقة من الصابئة يسمون بالحرنانية ، هؤلاء قالوا أن الصانع المعبود واحد وكثير.
أما واحد ، ففي الذات والأول والأصل والأزال. وأما كثير فلأنه يتكثر بالأشخاص في رأي العين.
وصور التناسخ عندهم أن تكرر الأكوار والأدوار إلى ما لا نهاية ويحدث في كل دور ما حدث في الدور الأول وأما الحلول فهو الشخص وربما يكون بحلول ذات الصانع المعبود في المدبرات السبعة والأشخاص الأرضية وإذا حل فيهم مضت على ذلك آلاف من السنين حتى ينتهي هذا الدور ليأتي دور آخر جديد كسابقه يتكون من الإنسان والحيوان والنبات وهكذا الدنيا والحياة أبد الدهر.
كيف ما كان فإن سائر الطوائف القائلة بالحلول والتناسخ ـ مما تقدم ـ تجعل الأرواح الشريرة الفاسدة تحل بعد الموت بأجساد أخرى مثلها شريرة ، أما أن تحل في أبدان الآدميين ، أو أن تحل في أبدان حيوانات مفترسة.
وأما الأرواح الصالح الخيرة الطاهرة والنافعة فهي تحل بعد الموت في أجساد أخرى مثلها.
وقد اختلفوا هل أن الحلول يقع جزئياً فيكون جزء منه في كل أو أن المسخ والحلول يقع كلياً ، لتحل الروح في بدن آخر بعد انتقالها من الجسد الأول كما كانت؟!
هذه مزاعم الوثنية التي سادت معتقداتها أكبر بقاع الأرض ومند آلاف السنين وإلى اليوم ، وقد اتضحت مقولتها في التناسخ والحلول.
وأما النصارى فهم الذين قضوا بتجسيد الكلمة ، اما كيفية هذا التجسيد فهم على مذاهب وفرق ، قالت بعضها أن الكلمة مازجت المسيح ممازجة اللبن والماء والماء واللبن.
وأخرى قالت : اشرق على الجسد إشراق النور على الجسم الرقراق ، وطائفة ثالثة قالت أن تجسيد الكلمة عملية انطباع كالنقش في الشمع ، وطائفة رابعة قالت : تدرع اللاهوت بالناسوت ، وطائفة خامسة ادعت أن التجسيد ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني.
وجميع هذه الفرق والطوائف ادعت أن الخالق جوهر واحد ظاهر بالأقانيم الثلاثة ، أي الصفات المعروفة لديهم : الوجود والحياة والعلم ، واسطلحوا على هذه الأقانيم الثلاثة : بالاب ، والابن ، وروح القدس. وأن العلم هو روح القدس تجسيد في المسيح دون سائر الأقانيم ، فالأب هو الله والابن هو المسيح ن لذا نفوا القتل عن الجزء اللاهوتي وإنما وقع القتل والصلب على الجزء الناسوتي.
وفرق النصارى لا تختلف في أصل هذه الأقانيم الثلاثة ، بل تختلف في كيفية حلولها في المسيح (عليه السلام) فمثلاً الملكانية أثبتت التثليث إذ ( قالت إن الله ثالث ثلاثة ) وأن المسيح ناسوت كلي لا جزئي وهو قديم أزلي ، وقد ولدت مريم إلهاً أزلياً والقرآن قد كذبهم على زعمهم المتقدم فقال تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73].
أما اليعاقبة ، اصحاب يعقوب فهم كالملكانية في تقرير الأقانيم الثلاثة إلا أنهم ادعوا أن الكلمة انقلب إلى اللحم والدم فصار الإله هو المسيح.
والقرآن الكريم يبين لنا كفرهم ، قال تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17].
أما النسطورية اصحاب نسطور الحكيم فقد تابعت مقولة الفرقتين المتقدمتين في الأقانيم واختلفت معهم في كيفية امتزاج الكلمة بالجسد ، وقد أظهر نسطور الحكيم بعض الإصلاحات وتصرف بالأناجيل زمن المأمون وقال اتحدت الكلمة بجسد عيسى على سبيل النقش في الشمع ، وإن الإله هو واحد بالجوهر وبسيط ، وأما الحياة والعلم فهما جوهران وأصلان لمبدأ العالم.
ثم زعمت النسطورية أن الابن متولد من الأب وقد تجسدت الكلمة بجسد المسيح حين ولد ، فالكلمة هو الإله والمسيح هو الإنسان ، وهذان جوهران اتحدا ، فلان يؤثران على قدم القديم ولا على حدوث المحدث.
وخلاصة المذاهب النصرانية أنها تؤمن بالمسيح عيسى أنه ابن الله وهذه النبوة صائرة بالتبني وآخرون قالوا بل أنها صائرة بالولادة ، فهو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي خلق العالم. وأن مريم (عليه السلام) هي وعاء الكلمة وروح القدس فلا يمكن قذفها بل أنها أحصنت فرجها ، فهي طاهرة مطهرة ، كما أنها إنسان جزئي والجزئي لا يلد الكلي ، والمسيح عيسى (عليه السلام) إنما هو كلي أولده الأقنوم القديم. وقد زعم آريوس إن الله تعالى روحاً مخلوقة أكبر من سائر الأرواح ، وأنها واسطة بين الأب والابن تؤدي إليه الوحي.
هذه جملة من عقائد النصارى في حلول الروح من الرب في المسيح بواسطة الأقنوم الثالث وهو العلم والمصطلح عليه بروح القدس.
ولا يخفى أن شبهة الحلول واضحة على أنها اتخذت صوراً مختلفة في تصويرها وحقيقتها.
هذه الفكرة في التناسخ والحلول لما كانت عند الأمم ، وقد اطلع عليها المسلمون من خلال الكتب المترجمة من اليونانية والفارسية والهندية والصينية إلى اللغة العربية. وقد نشطت حركة الترجمة منذ النصف الثاني من القرن الأول للهجرة وقد شجع عليها الحكام كما أولع بها بعضهم كخالد بن يزيد بن معاوية. ولما اطلع المسلمون على تلك المذاهب أخذوا يتدارسونها ويبحثون فيها حتى أوجدوا في الإسلام تلك العقائد الفاسدة والخرافات الواضحة التي يأباها العقل ومن دان تدين التوحيد.
ظهرت فكرة التناسخ والحلول عند المسلمين بعدما تأثروا بالثقافات والأديان السابقة ، وأن المذاهب المشبهة هي التي انتحلتها ، حيث قالت يجوز للباري أن يظهر بصورة شخص ، كما كان جبريل ينزل بصورة أعرابي وقد تمثل لمريم بصورة إنسان سوي وللنبي محمد (صلى الله عليه واله) بصورة دحية الكلبي.
والمشبهة من الفرق الغالية كما أنها تنتسب إلى السلف من أهل السنة والحديث ، وقد بالغت بالصافت المنعوتة للخالق ، وعلى نقيضهم المعتزلة التي نفت الصفات عنه سبحانه لذا يسمون بالمعطلة.
أما الغلاة ممن انتحل التشيع ، فأول فرقها تلك التي ادعت الألوهية للإمام علي (عليه السلام) وكانت على زمانه وقد أحرقهم الإمام أمير المؤمنين في خلافته وقد مر حديثهم فيما تقدم.
ثم تطورت الفكرة بعدما كانت بدائية لتكون عقيدة ولها مريدون ثم تشكلت منهم فرقة تسمى بالكيسانية والتي قالت بإمامة محمد بن الحنفية ومن بعده ابنه علي ، وعلي أوصى إلى ابنه الحسن وهكذا فإن الإمامة لا تخرج عن بني الحنفية ، ومن فرق الكيسانية القائلة بالتناسخ هي الحربية ـ نسبة إلى عبد بن عمرو بن حرب الكندي ـ التي زعمت أن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية قد أوصى إلى عبد الله بن عمرو أن روح أبي هاشم تحولت إليه ، وقد ادعت الحربية أن الأرواح تناسخ من شخص إلى شخص ، وأن الخير والشر كائن في هذه الأشخاص ، أشخاص الآدميين أو أشخاص الحيوانات.
ثم قالوا أن روح الله تناسخت حتى وصلت إلى عبد الله وحلت فيه ، فهو الإله وقد اجتمعت فيه النبوة أيضاً ، وتبعه على هذه السخرية من ضعاف العقول وعبدوه ، لانهم يعتقدون أن التناسخ يكون في الدنيا ، وأن الخير والشر في هذه الأشخاص ، فالثواب والعقوبة لا تعدوهم.
واقتفى أثر هذه الفرقة الضالة بيان بن سمعان التميمي حيث ادعى أن الإمامة صائرة من أبي هاشم إليه وهو القائل بألوهية أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث حلت فيه روح الرب مما ظهرت فيه القوة الملكوتية وأنه قلع باب خيبر بقوة ليست جسدية وإنما بقوة رحمانية ملكوتية مشرقة بنور ربها المضيئة فيه ، وادعى بيان أن الجزء الإلهي الذي كان في أمير المؤمنين قد حل فيه بنوع من التناسخ وهذا الجزء الذي هو فيه عينه في آدم والذي استحق به السجود من قبل الملائكة.
ومن الطريف أنه راسل الإمام جعفر الصادق في زمن والده الإمام محمد الباقر يدعوه إلى نفسه ومما كتب إليه : أسلم تسلم ويرتقي من سلم ، فإنك لا تدري حيث يجعل الله النبوة. فأمر الباقر (عليه السلام) أن يأكل الورقة التي جاء بها فأكلها فمات من وقته ، والفرقة البيانية تنسب إليه ، وقد قتله خالد بن عبد الله القسري.
ومن الفرق الغالبة العباسية وهذه في الأصل كانت تنتمي إلى الرزامية نسبة إلى رزام بن رزم الذي ساق الإمامة من علي إلى ولده محمد بن الحنفية ثم إلى ولده أبي هاشم ثم انتقلت الإمامة بالوصاية إلى علي بن عبد الله بن عباس ثم إلى محمد بن علي ، وهذه أوصى بالإمامة إلى ولده إبراهيم وهو صاحب أبي مسلم الخراساني الذي دعى إلى إمامته وعلى يده انتهى ملك بني أمية لتقوم مكانها دورة بني العباس ، والعباسية ادعت أن الإمامة أيضاً حلت في أبي مسلم لأن روح الإله قد حلت فيه (3).
وراح هذه المذهب في خراسان. ثم انتهى بمقتل أبي مسلم الخراساني على يد أبي جعفر المنصور الدوانيقي بحيلة دبرها له. قالت هذه الطائفة أن الأئمة آلهة وأنهم أنبياء وأنهم رسل وأنهم ملائكة ، وأقروا فكرة التناسخ في الأرواح ، وقد أبطلوا البعث والقيامة والحساب ، وزعموا أن الدنيا هي المبدأ والمعاد لأن الروح تخرج من بدن لتدخل في بدن آخر غيره وهذا هو معنى القيامة فإن كانت خيراً فهي كذلك وإن كانت شراً فهي شر ، وهذه الأبدان هي محل السرور أو الحزن فهي أما منعمة وأما معذبة وتكون جانب إن حلها السرور وتكون النار أن حلها الحزن والعذاب. والأرواح الحسنة تحل في أبدان جميلة أنيسة منعمة والأرواح الشريرة تحل في ارداء الاجسام وأرذلها كالقردة والخنازير والكلاب والعقارب والحيات فهي ـ الأبدان ـ أما منعمة إلى الأبد وأما معذبة إلى الأبد.
ثم قالوا أن النعيم أو العذاب ينصب على الأرواح دون الأبدان ، وتأولوا قوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] إذ قالوا جميع الحيوانات ؛ السباع والطيور والدواب كانت أمماً وقد سبقت فيها كلمة الإنذار والتبليغ والنبوات وقامت عليهم الحجة وما صلح من تلك الأرواح السابقة قد فسدت بذنوبها وعصيانها وكفرت بخالقها فإنها لا محال قد حلت بعد وفاتها في أبشع صورة كريهة ، إذ أن روحه قد سكنت في بدن خبيث ذات صور قبيحة ، وعلى هذا تأولوا قوله تعالى : {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } [الفجر: 15، 16].
ومن الفرق الغالية التي قالت بالتناسخ والحلول ، تلك التي تنتسب إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهي فرقة تنتمي في الاصل إلى المختارية ، ادعت هذه الفرق الإمامة في عبد الله بن معاوية ، وزعمت أنهم يتعارفون في كل بدن يحلون فيه ومنشأ هذا التعارف عندهم منذ تواجدهم في زمن نوح (عليه السلام) عندما كانت أرواحهم في تلك الأبدان التي دخلت السفينة ثم صارت تتقلب من جسد إلى آخر بتوالي الزمان حتى مجيء الرسول محمد (صلى الله عليه واله) فتعارفت أرواحهم من أصحاب النبي وقد تأولوا الحديث الصادر عن الرسول (صلى الله عليه واله) لما قال : ( أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ).
فنحن نتعارف كما قال(عليه السلام). ثم قالوا أن الأرواح المؤمنة تخرج من أبدانها بعد الموت حتى تحل في أبدان الحيوانات الجميلة كالخيل والطيور والحيوانات الأليفة وهذه أيضاً على مراتب حسب أيمانها المتقدم ؛ قد تكون تلك الحيوانات مما يرتع في قصور الخلافاء والملوك فيحسن إليها المأكل ويهتم بتربيتها غاية الاهتمام ، وقد تكون من نصيب عامة المؤمنين من الناس فتحظى باهتمام أقل وهذا كله منوط بدرجة إيمان تلك الأرواح التي خرجت من أبدانها الأولى لتحل في أبدان هذه الحيوانات ، ثم أن هذه الأرواح لا تحل في أبدان هذه الحيوانات إلا لفرض الامتحان والابتلاء ، وهي في هذا المكث تمضي ألف سنة ومن بعد تصير إلى عالم آخر فتحل في الأبدان الأنسية مرة أخرى ، أما الأرواح الكافرة والشريرة والمنافقة ، فهي تحل في الحيوانات الشرسة والذميمة والقبيحة كالخنزير والقرد والفيل والجمل ، وقد تأولوا قوله تعالى : {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وهذه الأرواح تخرج منها بعد ذلك فهي صائرة إلى الأبدان الإنسية ، وقد خرجت من الامتحان مرضية فتحل في الأبدان الأنسية مدة ألف سنة وبعدها كذلك تعود إلى الأجسام الخبيثة الشريرة وهكذا أبد الأبدين بين عذاب طويل ونعيم قصير.
ومن الفرق الأخرى التي قالت بالتناسخ هي الخطابية نسبة إلى محمد ابن مقلاص أبي زينب المشهور بأبي الخطاب ، قال أبو الخطاب بعدما ادعى الألوهية للإمام الصادق فتبرأ منه الإمام (عليه السلام) ولعنه ، قال اللعين إن الله هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها فكان ذلك النور في جعفر الصادق (عليه السلام) ثم انتقل منه ليحل في أبي الخطاب ثم خرجت هذه الروح من أبي الخطاب وحلت في معمر بن الأحمر بياع الطعام ، فمعمر هو الله ، حيث ورث هذه الروح بالتناسخ من واحد إلى آخر حتى وصلت إليه بعدما كانت هذه في بدن عبد المطلب وهي على شكل نور ثم انتقلت بالتناسخ إلى عبد الله ثم إلى محمد ( صلى الله عليه واله ) إلى علي بن أبي طالب وهكذا ...
ولم تقف الخطابية عند ذلك بل روحت فكرة الحلول والتناسخ على يد النساء ومن طريف ما يذكر هنا القصة التي يرويها الشيخ الطوسي ( قدس ) في كتاب الغيبة ، قال : أخبرني الحسين بن إبراهيم عن أحمد بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر المعمري ( رض ) قال : كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام وذاك أن الشيخ أبا القاسم ( رض ) كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ، وبسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه حتى انكشف ذلك لأبي القاسم ( رض ) فأنكره واعظمه ونهى بني بسطام عن كامه وأمرهم بلعنه والبراءة وأقاموا على توليه وذاك أنه كان يقول لهم : أنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته ، فبلغ ذلك أبا القاسم ( رض ) فكتب على بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله ، وأقام على تولية فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاءً عظيماً ، ثم قال : إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو ان اللعنة الإبعاد ، فمعنى قوله لنعه الله أي باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ، ومرغ خديه على التراب وقال : عليك بالكتمان لهذا الأمر.
قالت الكبيرة ( رض ) : وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت على رجلي تقبلهما ، فأنركت ذلك وقلت لها : مهلاً يا ستي فإن هذا أمر عظيم وانكببت على يدها فبكت ثم قالت : كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة.
فقلت لها وكيف ذاك يا ستي؟
فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر بن علي خرج إلينا بالسر.
قالت : فقلت لها وما السر؟
قالت : قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت.
قالت وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ ( رض ) يعني أبا القاسم الحسين بن روح ، قال : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله (صلى الله عليه واله) انتقلت إلى أبيك ، فكيف لا أعظمك يا ستنا؟
فقلت لها : مهلاً لا تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا ، وقالت لي : سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف لأحد فالله الله في لا يحل لي العذاب ، ويا ستي لو أنك حملتينى على كشفه لما لك ولا لأحد غيرك.
قالت الكبيرة أم كلثوم ( رض ) : فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ( رض ) فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي ، فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ولا تقلبي لها رفعة إن كاتبتك ولا رسولاً إن أنفذته إليك ، ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح (عليه السلام) ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله ، قالت : فهجرت بني بسطام وتركت المضى إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضى بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته ، ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه تابعه وشايعه ورضي بقوله ، أقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة (4).
ومن الخطابية نشأت فرق ومذاهب كثيرة ـ كلها غالية تقول بالتناسخ والحلول ، وتأولت الكثير من الآيات والأخبار ـ منها المخمسة والبشيرية والعلبائية والبزيعية والسرية نسبة إلى السري الأقصم ، والمغيرية ، والسلمانية وهي فرقة من الغلاة ، أظهروا دعوة التشيع واستبطنوا المجوسية ، فزعموا أن سلمان هو الرب وأن محمداً (صلى الله عليه واله) داع إليه. وأن سلمان لم يزل يظهر نفسه لأهل كل دين وملة ، وهؤلاء في عقائدهم يقتفون آثار المجوس وتعاليمهم (5).
ومن العباسية التي انتحلت التشيع هي المسلمية ، وقد مر ذكرها ، والروندية نسبة إلى أبي هريرة عبد الله الروندي وقد تسمى بالهريرية.
وطائفة ممن قالت بإمامة أبي هاشم بن محمد بن الجنفية ، فلما مات أبو هاشم قالت بانتقال الوصية إلى ولد العباس بن عبد المطلب إلى أن صارت إلى إبراهيم ، وتسمى هذه الطائفة بالهاشمية.
كل هذه الفرق التي تنتمي إلى الباسية كانت تدعوا في الخلافاء إلى بني العباس إلى أن تم لهم سقوط الدولة الأموية ، آنذاك أعلنوا حقيقة أمرهم وانكشف للناس كذبهم وزورهم والذي خدعوا فيه المسلمين لما كانوا يدعونهم إلى أهل البيت : في العلن. أما في السر فقد دعوا إلى أنفسهم.
جميع الفرق التي تقدمت والتي انتحلت الإسلام استطاعت أن تنفذ إلى المجتمع من خلال تزوير الحقائق والكذب على الرسول والأئمة الأطهار : وتأويل الآيات والأخبار وفق مصالحها ، والتستر بالصلاح والزهد والتقوى ، وبذل المال والهدايا ، وتحليل ما حرم الله سبحانه وإباحة كل شيء لأصحابهم ، والتشكيك في عقائد المؤمنين وكل ما يقف دونهم أو يشهر السلاح بوجههم حتى أن بعض الفرق استعملت الخنق كوسيلة للقضاء على مناوئيم ...
هذه نبذة مختصرة عن الفرق القائلة بالحلول أو التناسخ ، وقد عرفت أن الفرقة الناجية الإمامية الإثنا عشرية تكفر كل الآراء المتقدمة وهي بريئة من مقالات أولئك الأشخاص المنبوذين الذين يدعون الإسلام وينتحلون مذهب التشيع.
قال الصدوق ( رض ) بإسناده عن الحسين بن خالد الصيرفي قال : قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام) من قال بالتناسخ فهو كافر ، ثم قال : لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً ألا كانوا مجوساً ، ألا كانوا نصارى ، ألا كانوا قدرية ، ألا كانوا مرجئة ، ألا كانوا حرورية ، ثم قال (عليه السلام) : لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم ، وأبرؤا منهم ، برئ الله منهم (6).
______________
(1) أنظر الزرادشتية من كتاب الملل والنحل الجزء الأول | 216.
(2) الملل والنحل 2 | 262.
(3) وقد تسمى هذه الطائفة بالخرمدينية وقد تسمى بالمسلمية أصحاب أبي مسلم الخراساني وسبب هذه التسمية أنهم كانوا يقطعون في قربة تسمى خرم أباد من أعمال الري.
(4) كتاب الغيبة ـ للطوسي | 248.
(5) المقالات والفرق | 61.
(6) عيون أخبار الرضا 2 | 202.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|