المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



حرب الناكثون  
  
1667   01:17 صباحاً   التاريخ: 20-9-2018
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الامام الحسين ببن على (ع)
الجزء والصفحة : ج2، ص 24- 51
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الخلفاء الاربعة / علي ابن ابي طالب (عليه السلام) / الامام علي (عليه السلام) /

الناكثون :

وهم الذين نكثوا بيعتهم، وخاسوا ما عاهدوا عليه الله في التضحية والطاعة للامام، فانسابوا في ميادين الباطل وساحات الضلال، وتمرسوا في الاثم، وقد أجمع فقهاء المسلمين على تأثيمهم إذ لم يكن لهم أي مبرر في الخروج على السلطة الشرعية التي تبنت المصالح العامة، وأخذت على عاتقها أن تسير بين المسلمين بالحق المحض والعدل الخالص وتقضي على جميع أسباب التخلف في البلاد.

اما اعلام الناكثين فهم طلحة والزبير، والسيدة عائشة بنت ابي بكر، ومروان بن الحكم، وسائر بني امية، وغيرهم من الذين ضاقوا ذرعا من عدل الامام، ومساواته.

دوافع التمرد :

والشيء المحقق انه لم تكن للناكثين أية اهداف اجتماعية، وانما دفعتهم مصالحهم الخاصة لنكث بيعة الامام، فطلحة والزبير قد خفا إليه بعد ان تقلد الخلافة يطلبان منحهما ولاية البصرة والكوفة، فلما خبا املهما اظهرا السخط، وخفا الى مكة لأعلان الثورة عليه، وتمزيق شمل المسلمين وقد أدلى الزبير بتصريح أعرب فيه عن أهدافه، فقد أقبل إليه وإلى طلحة رجل فقال لهما :

" إن لكما صحبة وفضلا فاخبراني عن مسيركما وقتالكما أشئ أمركما به رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

وسكت طلحة، وأما الزبير فقال :

" حدثنا أن ها هنا بيضاء وصفراء - يعني دراهم ودنانير – فجئنا لناخذ منها.."(1) من أجل الظفر بالمنافع المادية أعلن الشيخان تمردها على حكومة الامام .

وأما السيدة عائشة فانها كانت تروم ارجاع الخلافة الى اسرتها، فهي أول من قدح زناد الثورة على عثمان، وأخذت تلهب المشاعر والعواطف ضده وكانت تقول :

" اقتلوا نعثلا فقد كفر " وقد جهدت على ترشيح طلحة للخلافة وكانت تشيد به في كل مناسبة إلا أنها أخيرا استجابت لعواطفها الخاصة المترعة بالود والحنان لابن أختها عبد الله بن الزبير فرشحته لأمارة الصلاة وقدمته على طلحة.

وأما بنو أمية فقد طلبوا من الامام ان يضع عنهم ما أصابوا من المال في أيام عثمان، فرفض الامام أن يضع عنهم ما اختلفوه من أموال الامة فاظهروا له العداء، وعملوا على اثارة الفتنة والخلاف.

وعلى أي حال فانه لم تكن للناكثين نزعة اصلاحية أو دعوة إلى الحق وإنما كانت بواعثهم الانانية والاطماع، والاحقاد على الامام الذي هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه .

خديعة معاوية للزبير :

وأيقن معاوية بأهداف الزبير وطلحة، فقام بدوره في خديعتهما واغرائهما ليتخذهما سلما يعبر عليهما لتحقيق أهدافها وماربه، فقد كتب الى الزبير رسالة جاء فيها:

" لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك، أما بعد :

فاني قد بايعت لك أهل الشام فاجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فانه لا شئ بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فاظهروا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما الله وخذل مناوئكما...".

ولما وصلت هذه الرسالة إلى الزبير لم يملك اهابه من الفرح والسرور وخف الى طلحة فاخبره بذلك فلم يشكا في صدق نيته واخلاصه لهما، وتحفزا إلى اعلان الثورة على الامام، واتخذا دم عثمان شعارا لهما (2).

مؤتمر مكة :

وخف المتآمرون الى مكة فاتخذوها وكرا لدسائسهم التخريبية الهادفة لتقويض حكم الامام وقد وجدوا في هذا البلد الحرام تجاوبا فكريا مع الكثيرين من أبناء القبائل القرشية التي كانت تكن في أعماق نفسها الكراهية والحقد على الامام لانه قد وتر الكثيرين منهم في سبيل الاسلام.

وعلى أي حال فقد تداول زعماء الفتنة الاراء في الشعار الذي يتبنونه والبلد الني يغزونها، وسائر الشؤون الاخرى التي تضمن لثورتهم النجاح.

قرارات المؤتمر :

واتخذ أعضاء المؤتمر بالاجماع القرارات التالية، وهي:

1- أن يكون شعار المعركة دم عثمان، والمطالبة بثاره لانه قتل مظلوما، واستباح الثوار دمه بعد توبته بغير حق، لقد رفعوا قميص عثمان شعارا لهم فكان شعارا للتمرد وشعارا للرأسمالية القرشية التي طغت في البلاد.

2- تحميل الامام علي (عليه السلام) المسؤولية في اراقة دم عثمان لانه آوى قتلته، ولم يقتص منهم.

3- الزحف الى البصرة واحتلالها، واتخاذها المركز الرئيسي للثورة لان لهم بها حزبا وأنصارا، وقد أعرضوا عن الزحف الى يثرب لان فيهما الخليفة الشرعي، وهو يتمتع بالقوى العسكرية التي لا قابلية لهم عليها، كما أعرضوا عن التزوج الى الشام لان الامويين لم يستجيبوا لهم، لانها كانت تحت قبضتهم، فخافوا عليها من التصدع الاحتلال.

تجهيز الجيش بالاموال المنهوبة :

وجهز يعلي بن امية جيش عائشة بالاموال التي نهبها من بيت المال حينما كان واليا على اليمن أيام عثمان، ويقول المؤرخون إنه أمد الجيش بستمائة بعير، وبستمائة ألف درهم (3) وأمدهم عبد الله بن عامر والي عثمان على البصرة بمال كثير(4) كان قد اختلسه من بيت المال، ولم يتحرج أعضاء القيادة العسكرية العامة في جيش عائشة من هذه الاموال المحرمة .

الخطاب السياسي لعائشة :

وخطبت عائشة في مكة خطابا سياسيا حملت فيه المسؤولية في اراقة دم عثمان على الغوغاء فهم الذين سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام، وقد قتلوا عثمان بعد ما اقلع عن ذنوبه وأخلص في توبته، ولا حجة لهم فيها اقترفوه من سفك دمه (5)، وقد كان خطابها فيما يقول المحققون حافلا بالمغالطات السياسية، فان الغوغاء لم يسفكوا دمه، وإنما سفك دمه الذين رفعوا علم الثورة عليه، وفي طليعتهم كبار الصحابة كعمار بن ياسر وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وطلحة والزبير، وكانت هي بالذات من أشد الناقمين عليه فقد اشتدت في معارضته، وأفتت في قتله وكفره فقالت :

" اقتلوا نعثلا فقد كفر " فاي علاقة للغوغاء باراقة دمه ؟

وأما توبته فان عثمان أعلن غير مرة عن تراجعه عن أحداثه إلا أن بني أمية كانوا يزجونه في مخططاتهم السياسية فيعود الى سياسية الاولى، ولم يقلع عنها حتى قتل .

وعلى أي حال فقد كان خطابها أول بادرة لاعلان العصيان المسلح على حكومة الامام وكان الاولى بعائشة بحسب مكانتها الاجتماعية أن تدعو إلى وحدة الصف وجمع كلمة المسلمين، وان تقوم بالدعم الكامل لحكومة الامام التي تمثل أهداف النبي (صلى الله عليه وآله) وما تصبوا إليه الامة من العزة والكرامة .

عائشة مع أم سلمة :

ومن الغريب حقا أن تخف عائشة إلى أم سلمة تطلب منها القيام بمناجزة الامام مع علمها بما تكنه من الولاء والتقدير له الامر الذي دل على عدم خبرتها بالاتجاهات الفكرية لضراتها من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ولما قابلتها خاطبتها بناعم القول قائلة :

" يا بنت أبي امية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله يقسم من بيتك، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك.." ورمقتها أم سملة بطرفها، وقالت لها بريبة :

" لامر ما قلت هذه المقالة ؟

" فاجابتها عائشة مخادعة :

" ان القوم استتبابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في الشهر الحرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة، ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الامر على أيدينا.

" وأسدت لها أم سلمة النصيحة وذكرتها بموافقها مع عثمان ونقمتها عليه وحذرتها من الخروج على ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلة :

" يا بنت أبي بكر بدم عثمان تطلبين ؟ ! !

والله لقد كنت من أشد الناس عليه، وما كنت تسميه الا نعثلا، فمالك ودم عثمان ؟

وعثمان رجل من بني عبد مناف وأنت امراة من بني تيم بن مرة، ويحك يا عائشة!! أعلى علي وابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخرجين وقد بايعه المهاجرون والانصار ؟..."

وجعلت أم سلمة تذكر عائشة فضائل علي ومأثره وقرب منزلته من رسول الله وكان عبد الله بن الزبير يسمع حديثها فغاظه ذلك، وخلاف أن تصرف عائشة عن عزمها فصاح بها :

" يا بنت أبي أمية، إننا قد عرفنا عداوتك لال الزبير ".

فنهرته أم سلمة وصاحت به :

" والله لتوردنها ثم لا تصدنها أنت ولا أبوك ! ! أتطمع أن يرضى المهاجرون والانصار بابيك الزبير وصاحبه طلحة، وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة " .

فقال لها ابن الزبير :

ما سمعنا هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعة قط " .

فقالت أم سلمة :

" إن لم تكن أنت سمعته فقد سمعته خالتك عائشة، وها هي فاسالها قد سمعته (صلى الله عليه وآله) يقول :

" علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي من عصاه فقد عصاني " أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟..".

 فلم يسع عائشة الانكار وراحت تقول :

" اللهم نعم..".

ومضت أم سلمة في نصيحتها لعائشة قائلة :

" اتق الله يا عائشة في نفسك، واحذر ما حذرك الله ورسوله، ولا تكون صاحبة كلاب الحواب، ولا يغرنك الزبير وطلحة فانهما لا يغنيان عنك من الله شيئا..." (6) .

ولم تع عائشة نصيحة أم سلمة، واستجابت لعواطفها، وأصرت على مناجزة الامام .

وكتبت أم سلمة بجميع الاحداث التي جرت في مكة الى الامام (عليه السلام) واحاطته علما باعضاء الفتنة (7) .

الزحف الى البصرة :

وتحركت كتائب عائشة صوب البصرة، ودق طبل الحرب، ونادى المتمردون بالجهاد، وقد تهافت ذوو الاطماع والحاقدون على الامام الى الالتحاق بجيش عائشة، قد رفعوا أصواتهم بالطلب بدم عثمان الذي سفكه طلحة والزبير وعائشة، واتجهت تلك الجيوش لتشق كلمة المسلمين، وتغرق البلاد بالثكل والحزن والحداد .

عسكر :

وسار موكب عائشة في البيداء يجد السير، فصادفهم العرني صاحب عسكر فعرض له راكب فقال له:

- يا صاحب الجمل أتبيع جملك ؟ .

- نعم .

- بكم .

بالف درهم .

- ويحك ! !..أمجنون أنت جمل يباع بالف درهم ؟

 - نعم جملي هذا.

فما طلبت عليه أحدا قط إلا أدركته، ولا طلبني وأنا عليه أحد قط الا فته...

" لو تعلم لمن نريده لاحسنت بيعتنا " " لمن تريده ؟ "

 " لأمك " .

" لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا " .

" إنما أريده لام المؤمنين عائشة " .

" هو لك خذه بغير ثمن " .

" ارجع معنا لك الرحل فلنعطك ناقة مهرية، ونزيدك دراهم " .

فقفل معهم فاعطوه الناقة واربعمائة درهم أو ستمائة درهم، وقدم عسكر إلى عائشة فاعتلت عليه (8)، وقد أصبح كعجل بني اسرائيل فقطعت الايدي، وأزهقت الانفس واريقت الدماء من حوله .

الحوأب :

وسارت قافلة عائشة فاجتازت على مكان يقال له (الحواب) فتلقت الركب كلاب الحي بهرير وعواء فذعرت عائشة، فالتفت إلى محمد بن طلحة فقالت له :

- أي ماء هذا يا محمد؟

- ماء الحوأب يا أم المؤمنين .

فهتفت وهي تلهث :

- ما أراني إلا راجعة .

- لم يا أم المؤمنين ؟

 - سمعت رسول الله يقول لنسائه :

كاني باحداكن قد نبحتها كلاب الحوأب وإياك أن تكوني أنت يا حميراء (9).

- تقدمي رحمك الله ودع هذا القول .

فلم تبرح من مكانها، وطاقت بها الهموم والالام، وأيقنت بضلالة قصدها، وذعرت القيادة العسكرية من توقف عائشة التي اتخذوها قبلة لهم يغرون بها السذج والبسطاء فخفوا اليها في دهشة قائلين:

" يا أمه " .

فقطعت عليهم الكلاب وراحت تقول بنبرات ملؤها الاسى والحزن .

" أنا والله صاحبة كلاب الحواب..ردوني، ردوني " .

وأسرع إليها ابن اختها عبد الله بن الزبير كانه ذئب فانهارت امامه ، واستجابت لعواطفها، ولولاه لارتدت على عقبيها الى مكة فجاء لها بشهود اشترى ضمائرهم فشهدوا عندها أنه ليس بماء الحواب وهي أول شهادة زور تقام في الإسلام (10) فاقلعت عن فكرتها واخذت تقود الجيوش لحرب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه .

في ربوع البصرة :

ودهمت جيوش عائشة اهل البصرة فملئت قلوبهم ذعرا وفزعا ، وخوفا، فقد احاطت ببلدهم القوات العسكرية التي تنذر باحتلال بلدهم وجعلها منطقة حرب، وعصيان على الخليفة الشرعي، وانبرى حاكم البصرة عثمان بن حنيف وهو من ذوي الادارة والحزم والحريجة في الدين، فبعث أبا الاسود الدؤلي الى عائشة يسالها عن سبب قدومها الى مصرهم، ولما مثل عندها قال لها .

- ما أقدمك يا أم المؤمنين ؟

- اطلب بدم عثمان .

- ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد .

- صدقت، ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله، انغضب لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم .

ورد عليها أبو الاسود قائلا :

" ما أنت من السوط والسيف، انما أنت حبيسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء، وان عليا لاولى منك، وأمس رحما، فانهما ابنا عبد مناف ".

ولم تذعن لقوله، وراحت مصرة على رايها قائلة :

" لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفنظن أبا الاسود أن أحدا يقدم على قتالي ؟ !! ".

وحسبت أنها تتمتع بحصانة لعلاقتها الزوجية من النبي (صلى الله عليه وآله)فلا يقدم أحد على قتالها، ولم تعلم أنها أهدرت هذه الحرمة ولم ترع لها جانبا فاجابها أبو الاسود بالواقع قائلا :

" أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد " .

ثم انعطف أبو الاسود صوب الزبير فذكره بماضي ولائه للامام وقربه منه قائلا .

" يا أبا عبد الله عهد الناس بك، وأنت يوم بويع أبو بكر آخذا بقائم سيفك تقول :

لا أحد أولى بهذا الامر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك ؟

 " فاجابه الزبير بما لم يؤمن به قائلا :

" نطلب بدم عثمان " .

" أنت وصاحبك وليتماه فيما بعد " .

ولان الزبير واستحباب لنصيحة أبي الاسود الا انه طلب منه مواجهة طلحة وعرض الامر عليه، فاسرع أبو الاسود تجاه طلحة وعرض عليه النصيحة فابى من الاستجابة وأصر على الغي والعدوان (11) ورجع أبو الاسود من وفادته التي اخفق فيها فاحاط ابن حنيف علما بالامر فجمع أصحابه وخطب فيهم وقال :

" أيها الناس، انما بايعتم الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فانهما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما والله لو علم علي أحدا أحق بهذا الامر منه ما قبله، ولو بايع الناس غيره لبايع، وأطاع وما به الى أحد من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاجة وما باحد عنه غنى، ولقد شاركهم في محاسنهم، وما شاركوه في محاسنه، ولقد بايع هذان الرجلان، وما يريدان الله، فاستحلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة، والولادة قبل الحمل، وطلبا ثواب الله من العباد ، وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين، فان كانا استكرها قبل بيعتهما وكانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يامرا، إلا وان الهدى ما كانت عليه العامة، والعامة على بيعة علي فما ترون أيها الناس ؟ " .

فقام اليه الفذ النبيل حكيم بن جبلة فخاطبه بمنطق الايمان والحق والاصرار على الحرب (12).

وجرت مناظرات بين الفريقين إلا انها لم تنته الى خير، وخطب طلحة والزبير، وكان خطابهما الطلب بدم عثمان، فرد عليهما أهل البصرة ممن كانت تاتيهم رسل طلحة بالتحريض على قتل عثمان وحملوه المسوؤلية في اراقة دمه وخطبت عائشة خطابها الذي كانت تكرره في كل وقت وهو التحريض على المطالبة بدم عثمان لانه قد خلص من ذنوبه، واعلن توبته ولكنها لم تنه خطابها حتى ارتفعت الاصوات فقوم يصدقونها وقوم يكذبونها وتسابوا فيما بينهم وتضاربوا بالنعال، واقتتل الفريقان أشد القتال وأعنفه وأسفرت الحرب عن عقد هدنة بينهما حتى يقدم الامام علي، وكتبوا بينهم كتابا وقعه عثمان بن حنيف، وطلحة والزبير وقد جاء فيه باقرار عثمان ابن حنيف على الامرة، وترك المسلحة وبيت المال له، وان يباح للزبير وطلحة وعائشة ومن أنضم اليهم أن ينزلوا حيث شاءوا من البصرة .

ومضى ابن حنيف يقيم بالناس الصلاة، ويقسم المال بينهم، ويعمل على نشر الامن واعادة الاستقرار في المصر، إلا أن القوم قد خاسوا بعهدهم ومواثيقهم، فاجمعوا على الفتك بابن حنيف، ويقول المؤرخون :

ان حزب عائشة انتهزوا ليلة مظلمة شديدة الريح فعدوا على ابن حنيف وهو يصلي بالناس صلاة العشاء فاخذوه ثم عدوا الى بيت المال فقتلوا من حرسه أربعين رجلا، واستولوا عليه، وزجوا بابن حنيف في السجن وأسرفوا في تعذيبه بعد أن نتفوا لحيته وشاربيه (13).

وغضب قوم من اهل البصرة، ولقموا على ما اقترفه القوم من نقض الهدنة، والنكاية بحاكمهم، واحتلال بيت المال فخرجوا يريدون الحرب، وكانت هذه الفئة من ربيعة يراسها البطل العظيم حكيم بن جبلة فقد خرج في ثلثمائة رجل من بني عبد القيس (14) وخرج اصحاب عائشة ، وحملوها معهم على جمل، وسمي ذلك اليوم الجمل الاصغر (15) والتحم الفريقان في معركة رهيبة، وقد ابلى ابن جبلة بلاءا حسنا، ويقول المؤرخون ان رجلا من اصحاب طلحة ضربه ضربة قطعت رجله، فجثا حكيم واخذ رجله المقطوعة فضرب بها الذي قطعها فقتله، ولم يزل يقاتل حتى قتل (16) لقد اضاف القوم الى نقض بيعتهم للامام نكثهم للهدنة التي وقعوا عليها مع ابن حنيف، واراقتهم للدماء بغير حق ونهبهم ما في بيت المال وتنكيلهم بابن حنيف ويقول المؤرخون انهم قد هموا بقتله لولا انه هددهم باخيه سهل بن حنيف الذي يحكم المدينة من قبل علي وانه سيضع السيف في بني ابيهم إن اصابوه بمكروه، فخافوا من ذلك، واطلقوا سراحه فانطلق حتى التحق بالامام في بعض طريقه الى البصرة فلما دخل عليه قال للامام مداعبا :

" ارسلتني الى البصرة شيخا فجئتك امرد " .

واوغرت هذه الاحادث الصدور، وزادت الفرقة بين اهل البصرة فقد انقسموا على انفسهم فطائفة منهم تسللوا حتى التحقوا بالامام، وقوم انضموا الى جيش عائشة، وطائفة ثالثة اعتزلت الفتنة، ولم يطب لها الانضمام الى احد الفريقين .

النزاع على الصلاة:

وليس من الغريب في شئ أن يتنازع كل من طلحة والزبير على امامة الصلاة فانهما انما نكثا بيعة الامام (عليه السلام) طمعا بالحكم وسعيا وراء المصالح المادية، ويقول المؤرخون إن كل واحد منهما كان يروم التقدم على صاحبه لامامة الناس، والاخر يمنعه حتى فات وقت الصلاة، فخافت عائشة من تطور الاحداث فامرت ان يصلي بالناس يوما محمد بن طلحة، ويوما عبد الله ابن زبير (17) فذهب ابن الزبير ليصلي فجذبه محمد، وتقدم للصلاة فمنعه عبد الله، وراى الناس أن خير وسيلة لقطع حبل النزاع القرعة فاقنرعا فخرج محمد بن طلحة، فتقدم وصلى بالناس وقرا في صلاته " سال سائل بعذاب واقع " وأثارت هذه الصور الهزيلة السخرية عليهم بين الناس ، واندفعوا الى نقدهم، وفي ذلك يقول الشاعر :

تبــارى الغلامـــان إذ صليا *** وشح على الملك شيخاهما

ومالي وطلحة وابن الزبير *** وهـذا بذي الجذع مولاهما

فامهـــما اليـــوم غـرتهمــا *** ويعلــي بن منيــــة ولاهما (18)

ان هذه البادرة تصور مدى تهالك القوم على الامرة والسلطان، وهم بعد في بداية الطريق فلو كتب لهم النجاح في القضاء على حكم الامام لفتح بعضهم على بعض باب الحرب للاستيلاء على زمام الحكم.

رسل الامام الى الكوفة :

وأوفد الامام رسله الى أهل الكوفة يستنجد بهم، ويدعوهم الى نصرته، والقيام معه لاخماد نار الفتنة التي أشعلها المتمردون، وأقبلت الرسل الى الكوفة فوجدوا عاملها أبا موسى الاشعري يدعو الى الفتنة، ويخذل الناس عن نصرة امامهم وبدعوهم الى التمرد، ويحبب لهم العافية، ولم تكن لابي موسى حجة في ذلك، وانما كان يعبر عن حقده، واضغانه على الامام وكان فيما أجمع عليه المؤرخون عثماني الهوى، وأقبلت رسل الامام على أبي موسى يعنفونه، ويلومونه، الا انه لم يعن بهم، فبعثوا الى الامام رسالة ذكروا فيها تمرده وعدم استجابته لنداء الحق، وأرسل اليه الامام هاشم المرقال وهو من خيرة أصحاب الامام، وزوده برسالة يطلب فيها مجئ أبي موسى اليه، ولما انتهى اليه هاشم وعرض عليه رسالة الامام لم يستجب له وبقي مصمما على عناده وعصيانه، فارسل هاشم الى الامام رسالة يخبره فيها بموقف أبي موسى، وتمرده فبعث الامام ولده الحسن وعمار بن ياسر ومعهما رسالة بعزله، وتعيين قرضة بن كعب الانصاري في مكانه، ولما وصل الامام الحسن الى الكوفة التام الناس حوله زمرا، وهم يظهرون له الطاعة والولاء، واعلن لهم عزل الوالي المتمرد وتعيين قرضة في منصبه الا ان ابا موسى بقي مصمما على غيه يثبط عزائم الناس ويدعوهم الى التخاذل والخروج عن الطاعة ولم يستجب للامام الحسن، وراى الزعيم الكبير مالك الاشتر ان الامر لا يتم إلا باخراج ابي موسى مهان الجانب فجمع نفرا من قومه اولى باس شديد فاغار بهم على قصر الامارة، واخذ الناس ينهبون أمتعته وأمواله، فاضطر الجبان الى الاعتزال عن عمله، ومكث ليلته في الكوفة ثم خرج هاربا حتى أتى مكة فاقام مع المعتزلين .

ودعا الامام الحسن (عليه السلام) الناس الى الخروج لنصرة أبيه، وقد نفر معه آلاف كثيرة فريق منها ركب السفن، وفريق آخر ركب المطي ، وهم مسرورون كاشد ما يكون السرور بنصرتهم للامام .

وطوت الجيوش البيداء تحت قيادة الامام الحسن فانتهوا الى ذي قار حيث كان الامام (عليه السلام) مقيما هناك، وقد سر (عليه السلام) بنجاح ولده وشكر له مساعيه وجهوده، وانضمت جيوش الكوفة الى الجيش الذي كان مع الامام، والبالغ عدده أربعة آلاف، وكان فيهم أربع مائة ممن شهد بيعة الرضوان مع النبي (صلى الله عليه وآله) وقد اسند الامام قيادة ميمنة جيشه الى الحسن، وقيادة ميسرته الى الحسين (عليهما السلام) (19) كما كانت جيوشه مزودة باحسن السلاح ، ويقول المؤرخون ان الحسين كان قد ركب فرس جده (صلى الله عليه وآله) المسمى بالمرتجز (20) .

التقاء الجيشين :

وتحركت قوات الامام من ذي قار، وهي على بينة من أمرها فلم تكن مترددة ولا شاكة في أنها على الهدى والحق، وقد انتهت الى مكان يسمى بالزاوية يقع قريبا من البصرة فاقام فيه الامام، وقد بادر الى الصلاة وبعد ما فرغ منها أخذ يبكي ودموعه تسيل على سحنات وجهه الشريف وهو يتضرع الى الله في أن يحقن دماء المسلمين، ويجنبه ويلات الحرب، ويجمع كلمة المسلمين على الهدى والحق .

رسل السلام :

وأوفد الامام (عليه السلام) رسل السلام للقاء عائشة وهم زيد بن صوحان وعبيد الله بن العباس، ولما مثلا عندها :

ذكراها بما أمرها الله أن تقر في بيتها وان لا تسفك دماء المسلمين وبالغاء في نصيحتها ولو أنها وعت نصيحتهما لعادت على الناس بالخير العميم وجنبتهم كثيرا من المشاكل والفتن إلا انها جعلت كلامهما دبر اذنيها وراحت تقول لهما :

" إني لا أرد على ابن أبي طالب بالكلام لاني لا ابلغه في الحجاح.." (21) .

وبذل الامام قصارى جهوده في الدعوة الى السلم، وعدم اراقة الدماء الا أن هناك بعض العناصر لم ترق لها هذه الدعوى وراحت تسعى لاشعال نار الحرب وتقويض دعائم السلم .

الدعوة الى القران :

ولما باءت بالفشل جميع الجهود التي بذلها الامام من أجل حقن الدماء ندب الامام أصحابه، لرفع كتاب الله العظيم ودعوة القوم الى العمل بما فيه، وأخبرهم أن من يقوم بهذه المهمة فهو مقتول فلم يستجب له أحد سوى فتى نبيل من أهل الكوفة فانبرى الى الامام، وقال :

" أنا له يا أمير المؤمنين " .

فاشاح الامام بوجهه عنه، وطاف في أصحابه ينتدبهم لهذه المهمة فلم يستجب له أحد سوى ذلك الفتى فناوله الامام المصحف، فانطلق الفتى مزهوا لم يختلج في قلبه خوف ولا رعب، وهو يلوح بالكتاب أمام عسكر عائشة، قد رفع صوته بالدعوة الى العمل بما فيه ولكن القوم قد دفعتهم الانانية الى الفتك به فقطعوا يمينه، فاخذ المصحف بيساره، وهو يناديهم بالدعوة الى العمل بما فيه، فاعتدوا عليه وقطعوا يساره، فاخذ المصحف باسنانه وقد نزف دمه، وراح يدعوهم الى السلم وحقن الدماء قائلا :

" الله في دمائنا ودمائكم " .

وانثالوا عليه يرشقونه بنبالهم فوقع على الارض جثة هامدة، فانطلقت إليه أمه تبكيه وترثيه بذوب روحها قائلة :

يــا رب ان مسلما أتاهم *** يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمه لحاهم *** وأمـــه قائمــــة تـــــراهم

وراى الامام بعد هذا الا عذر ان لا وسيلة له سوى الحرب فقال لاصحابه :

" الان حل قتالهم، وطاب لكم الضراب " (22) ودعا الامام حضين ابن المنذر وكان شابا فقال له :

" يا حضين دونك هذه الراية فو الله ما خفقت قط فيما مضى، ولا تخفق فيما بقي راية أهدى منها إلا راية خفقت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)" .

وفي ذلك يقول الشاعر :

لمن راية سوداء يخفق ظلها *** اذا قيــل قدمهـــا حضين تقــدمــــا

يقدمهـــا للموت حتى يزيرها *** حياض المنايا يقطر الموت والدما (24)

الحرب العامة :

ولما استياس الامام من السلم عبا جيشه تعبئة عامة، وكذلك فعل أصحاب عائشة، وقد حملوها على جملها (عسكر) وأدخلت هودجها المصفح بالدروع، والتحم الجيشان التحاما رهيبا، ويقول بعض المؤرخين :

ان الامام الحسين قد تولى قيادة فرقة من فرق الجيش وأنه كان على الميسرة ، وخاض المعركة ببسالة وصمود (25) وكان جمل عائشة فيما يقول بعض من شهد المعركة هو راية أهل البصرة يلوذون به كما يلوذ المقاتلون براياتهم ، وقد حمل الامام عليهم وقد رفع العلم بيسراه، وشهر في يمينه ذا الفقار الذي طالما ذب به عن دين الله وحارب به المشركين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

واقتتل الفريقان كاشد ما يكون القتال ضراوة يريد أصحاب عائشة أن يحرزوا النصر ويحموا أمهم ويريد أصحاب علي أن يحموا امامهم ويموتوا دونه .

مصرع الزبير :

وكان الزبير رقيق القلب شديد الحرص على مكانته من النبي (صلى الله عليه وآله) الا أن حب الملك هو الذي اغراه ودفعه الى الخروج على الامام يضاف الى ذلك ولده عبد الله فهو الذي زج به في هذه المهالك، وباعد ما بينه وبين دينه وقد عرف الامام (عليه السلام) رقة طبع الزبير فخرج الى ميدان القتال ورفع صوته :

- اين الزبير ؟

 فخرج الزبير وهو شاك في سلاحه فلما راه الامام بادر اليه واعتنقه وقال له بناعم القول :

- يا أبا عبد الله ما جاء بك ها هنا ؟ ؟

- جئت أطلب دم عثمان .

فرمقه الامام بطرفه وقال له :

- تطلب دم عثمان، ! ! - نعم .

- قتل الله من قتل عثمان .

وأقبل عليه يحدثه برفق، قائلا :

" أنشدك الله يا زبير، هل تعلم أنك مررت بي وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متكئ على يدك، فسلم علي رسول الله، وضحك إلي، ثم التفت إليك فقال لك :

يا زبير إنك تقاتل عليا وأنت له ظالم.." .

وتذكر الزبير ذلك وقد ذهبت نفسه أسى وحسرات، وندم أشد ما يكون الندم على موقفه هذا والتفت الى الامام وهو يصدق مقالته :

- اللهم نعم .

- فعلام تقاتلني ؟

 - نسيتها والله.

ولو ذكرتها، ما خرجت إليك ولا قاتلتك (25).

- ارجع .

- كيف ارجع، وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل ؟

- ارجع قبل أن تجمع العار والنار .

وألوى عنان فرسه، وقد ملكت الحيرة والقلق أهابه، وراح يقول :

اخترت عــارا على نار مؤججة *** ما إن يقــوم لها خلق من الطين

نـــادى علي بامــر لست أجهله *** عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت حسبك من عذل أبا حسـن *** فبضع هذا الــذي قد قلت يكفيني (26)

وقفل الامام راجعا الى أصحابه فقالوا له : تبرز الى زبير حاسرا ، وهو شاك السلاح، وأنت تعرف شجاعته ! ! فقال (عليه السلام):

" انه ليس بقاتلي، انما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير ماقط (27) حرب ولا معركة رجال، ويل امه أشقى البشر ليود أن أمه هبلت به، أما أنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن..." (28) .

واستجاب الزبير لنداء الامام فاتجه صوب عائشة فقال لها :

" يا أم المؤمنين إني والله ما وقفت موقفا قط الا عرفت اين أضع قدمي فيه الا هذا الموقف ؟ ! !

فاني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟

وعرفت عائشة تغيير فكرته وعزمه على الانسحاب من حومة الحرب فقالت له باستهزاء وسخرية مثيرة عواطفه .

" يا أبا عبد الله خفت سيوف بني عبد المطلب ؟ ! ! " .

وعاثت هذه السخرية في نفسه فالتفت اليه ولده عبد الله فعيره بالجبن قائلا :

" انك خرجت على بصيرة، ولكنك رايت رايات ابن أبي طالب ، وعرفت ان تحتها الموت فجبنت ؟ ! ! " .

انه لم يخرج على بصيرة ولا بينة من أمره، وانما خرج من أجل الملك والسلطان، والتاع الزبير من حديث ولده فقال له :

- ويحك اني قد حلفت له أن لا اقاتله .

- كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس .

فاعتق غلامه وراح يجول في ميدان الحرب ليرى ولده شجاعته ويوضح له أنه انما فر بدينه لا جبنا ولا خورا، ومضى منصرفا على وجهه حتى أتى وادي السباع، وكان الاحنف بن قيس مع قومه مقيمين هناك ، فتبعه ابن جرموز فاجهز عليه وقتله غيلة، وحمل مقتله الى الامام فحزن عليه كاشد ما يكون الحزن، ويقول الرواة :

انه أخذ سيفه وهو يقول :

سيف طالما جلا الكروب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي أي حال لقد كانت النهاية الاخيرة للزبير تدعو الى الاسف والاسى، فقد تمرد على الحق واعلن الحرب على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه .

مصرع طلحة :

وخاض طلحة المعركة، وهو يحرض جيشه على الحرب فيصر به مروان بن الحكم فرماه بسهم طلبا بثار عثمان، فوقع على الارض يتخبط بدمه، وكان مروان يقول لبعض ولد عثمان لقد كفيتك ثار أبيك من طلحة وأمر طلحة مولاه أن ياوي به الى مكان ينزل فيه فاوى به بعد مشقة الى دار خربة من دور البصرة فهلك فيها بعد ساعة .

قيادة عائشة للجيش :

وتولت عائشة قيادة الجيش بعد هلاك الزبير وطلحة، وقد تفانت بنو ضبة والازد، وبنو ناجية في حمايتها، ويقول المؤرخون انهم هاموا بحبها فكانوا ياخذون بعر جملها ويشمونه، ويقولون :

بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك.

وكانوا محدقين به لا يريدون فوزا ولا انتصارا سوى حمايتها وان راجزهم يرتجز :

يــا معشر الازد عليكــم امكم *** فانهـــا صلاتكـــــــم وصومكم

والحرمة العظمى التي تعمكم *** فــــــاحضروها جدكم وحزمكم

لا يغلبن ســم العـــدو سمكــم *** إن العـــدو ان علامكــــم زمكم

وخصكــم بجــــوره وعمكــــم *** لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم (29)

وكانت تحرض على الحرب كل من كان على يمينها ومن كان على شمالها، ومن كان أمامها قائلة : انما يصبر الاحرار، وكان أصحاب الامام يلحون على أصحاب عائشة بالتخلى عنها وراجزهم يرتجز:

يا أمنـــا أعــــق أم نعلم *** والام تغذو ولدها وترحم

أما ترين كم شجاع يكلم *** وتختلي منه يد ومعصم

وكان أصحاب عائشة يردون عليهم ويقولون :

نحن بني ضبـة أصحاب الجمل *** ننازل القــرن اذا القـــرن نزل

والقتل أشهى عندنا من العسل *** نبغي ابن عفان باطراف الاسل

ردوا علينا شيخنا ثم بجل واشتد القتال كاشد وأعنف ما يكون القتال، وكثرت الجرحى وملئت أشلاء القتلى وجه الارض .

عقر الجمل :

وراى الامام ان الحرب لا تنتهي ما دام الجمل موجودا، فصاح (عليه السلام) بأصحابه اعقروا الجمل فان في بقائه فناء العرب، وانعطف عله الحسن فقطع يده اليمنى وشد عليه الحسين فقطع يده اليسرى (30) فهوى الى جنبه وله عجيج منكر لم يسمع مثله، وفر حماة الجمل في البيداء فقد تحطم صنمهم الذي قدموا له هذه القرابين، وأمر الامام بحرقه وتذرية رماده في الهواء لئلا تبقى منه بقية يفتتن بها السذج والبسطاء، وبعد الفراغ من ذلك قال :

" لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني اسرائيل ! ! " .

ومد بصره نحو الرماد الذي تناهبه الهواء فتلا قوله تعالى :

{وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97] وبذلك فقد وضعت الحرب أوزارها، وكتب النصر للامام وأصحابه وباءت القوى الغادرة بالخزي والخسران .

وأوفد الامام للقيا عائشة الحسن والحسين ومحمد بن أبي بكر (31) فانطلقوا اليها فمد محمد يده في هودهجها فجفلت منه، وصاحت به .

- من أنت ؟ - ابغض أهلك اليك .

- ابن الخثعمية ؟ - نعم أخوك البر .

- عقوق - هل اصابك مكروه ؟ - سهم لم يضرني .

فانتزعه منها، وأخذ بحطام هودجها، وأدخلها في الهزيع الاخير من الليل الى دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث فاقامت فيه أياما .

العفو العام :

وسار علي في أهل البصرة سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة - كما قال (عليه السلام) - فامن الاسود والاحمر - على حد تعبير اليعقوبي - (32) ولم ينكل باي أحد من خصومه، وجلس للناس فبايعه الصحيح منهم والجريح ثم عمد الى بيت المال فقسم ما وجد فيه على الناس بالسواء، وسار (عليه السلام) الى عائشة فبلغ دار عبد الله بن خلف الخزاعي الذي أقامت فيه عائشة، فاستقبلته صفية بنت الحارثة شر لقاء فقالت له :

يا علي يا قاتل الاحبة ايتم الله بينك كما أيتمت بني عبد الله، وكان قد قتلوا في المعركة مع عائشة فلم يجبها الامام ومضى حتى دخل على عائشة، فأمرها أن تغادر البصرة وتمضي الى يثرب لتقر في بيتها كما أمرها الله، ولما انصرف اعادت عليه صفية القول الذي استقبلته به فقال لها :

لو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في هذا البيت، وهو يشير الى أبواب الحجرات المقفلة، وكان فيها كثير من الجرحى، وغيرهم من أعضاء المؤامرة، قد آوتهم عائشة، فسكتت صفية، وأراد من كان مع الامام أن يبطشوا بهم فزجرهم زجرا عنيفا ، وبذلك فقد منح العفو لاعدائه وخصومه .

وسرح الامام عائشة تسريحا جميلا، وأرسل معها جماعة من النساء بزي الرجال لتقر في بيتها حسب ما أمرها الله، وقد رحلت عائشة من البصرة وأشاعت في بيوتها الثكل والحزن والحداد، يقول عمير بن الاهلب الضبي وهو من أنصارها :

لقد أورثتنا حومة الموت أمنا *** فلم تنصرف الا ونحن رواء

اطعن*ا بني تميم لشقوة جدنا *** ومـــا تيم الا أعبــد وامـــاء (33)

لقد أوردت أم المؤمنين ابناءها حومة الموت، فقد كان عدد الضحايا من المسلمين فيما يقول بعض المؤرخين عشرة آلاف نصفهم من أصحابها ، والنصف الاخر من اصحاب الامام (34) وكان من اعظم الناس حسرة الاما لعلمه بما تجر هذه الحرب من المصاعب والمشاكل .

متارك الحرب:

واعقبت حرب الجمل افدح الخسائر واعظم الكوارث التي ابتلي بها المسلمون ومن بينها ما يلي.

1 - انها مهدت السبيل لمعاوية لمناجزة الامام، والتصميم على قتاله ، فقد تبنى شعار معركة الجمل وهو المطالبة بدم عثمان ولولا حرب الجمل لما استطاع معاوية أن يعلن العصيان والتمرد على حكم الامام .

2 - انها اشاعت الفرقة والاختلاف بين المسلمين، فقد كانت روح المودة والالفة سائدة فيهم قبل حرب الجمل، وبعدها انتشرت البغضاء بين افراد الاسر العربية فقبائل ربيعة واليمن في البصرة اصبحت تكن اعمق البغض والكراهية لاخوانهم من ربيعة وقبائل اليمن في الكوفة وتطالبها بما اريق من دماء ابنائها بل اصبحت الفرقة ظاهرة شائعة حتى في البيت الواحد فبعض ابنائه كانوا شيعة لعلي والبعض الاخر كانوا شيعة لعائشة، ويقول المؤرخون:

ان البصرة بقيت محتفظة بولائها لعثمان حفنة من السنين، وان الامام الحسين (عليه السلام) انما لم ينزح إليها لما عرفت به من الولاء لعثمان .

3 - انها اسقطت هيبة الحكم، وجرات على الخروج عليه، فقد تشكلت الاحزاب النفعية، التي لاهم لها الا الاستيلاء على السلطة والظفر بخيرات البلاد، حتى كان التطاحن على الحكم من ابرز سمات ذلك العصر .

4 - انها فتحت باب الحرب بين المسلمين، وقبلها كان المسلمون يتحرجون أشد ما يكون التحرج في سفك دماء بعضهم بعضا .

5 - انها عملت على تاخير الاسلام، وشل حركته، وايقاف نموه ، فقد انصرف الامام بعد حرب الجمل الى مقاومة التمرد والعصيان الذي اعلنه معاوية وغيره من الطامعين في الحكم مما ادى الى افدح الخسائر التي مني بها الاسلام، يقول الفيلسوف (ولز) :

ان الاسلام كان ان يفتح العالم اجمع لو بقي سائرا سيرته الاولى، لو لم تنشب في وسطه من اول الامر الحرب الداخلية، فقد كان هم عائشة ان تقهر عليا قبل كل شئ" (35).

6 - واستباحت هذه الحرب حرمة العترة الطاهرة التي قرنها النبي (ص ) بمحكم التنزيل، وجعلها سفن النجاة، وامن العباد، فمنذ ذلك اليوم شهرت السيوف في وجه عترة النبي (صلى الله عليه وآله)واستحل الاوغاد اراقة دمائهم ، وسبي ذراريهم فلم يرع بنو أمية في وقعة كربلا اي حرمة للنبي (صلى الله عليه وآله) في ابنائه، وانتهكوا معهم جميع الحرمات .

هذه بعض متارك حرب الجمل التي جرت للمسلمين افدح الخسائر في جميع فترات التاريخ .

_____________

(1) أنساب الاشراف ج 1 ق 1.

(2) شرح النهج 1 / 231.

(3) و (4) تاريخ ابن الاثير 3 / 106.

(5) نص خطابها في تاريخ الطبري 3 / 468.

(6) الفتوح 2 / 282 - 283.

(7) شرح النهج 2 / 79.

(8) ابن الاثير 3 / 107، تاريخ الطبري 3 / 475، تذكرة الخواص.

(9) روى ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)أنه قال يوما لنسائه وهن جميعا عنده : ايتكن صاحبة الجمل الادب تنبحها كلاب الحواب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار، وتنجو بعدما كادت ، شرح النهج 2 / 297، ابن كثير 6 / 297، ابن كثير 6 / 212، الخصائص للسيوطي 2 / 137 الاستيعاب وجاء فيه : " وهذا الحديث من اعلام نبوته (صلى الله عليه وآله)" .

(10) مروج الذهب 2 / 347، تاريخ اليعقوبي.

(11) شرح النهج 2 / 81.

(12) الامامة والسياسة 1 / 64 .

(13) شرح النهج 2 / 50.

(14) شرح النهج 2 / 50 .

(15) حياة الامام الحسن 1 / 430 .

(16) أسد الغابة 2 / 40.

(17) تاريخ اليعقوبي 2 / 157. (2) الاغاني 11 / 120

(18) جواهر المطالب في مناقب الامام أبي الحسن (ص 43) لشمس الدين أبي البركات من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين .

(19) وقعة الجمل (ص 35) تاليف محمد بن زكريا بن دينار.

(20) الفتوح 2 / 306

(21) مروج الذهب 2 / 246 .

(22) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 180.

(23) سير أعلام النبلاء 3 / 193 .

(24) الامامة والسياسة 1 / 73 .

(25) مروج الذهب 2 / 247.

(26) الماقط : ساحة القتال .

(27) شرح النهج 1 / 135.

(28) تاريخ ابن الاثير 3 / 97.

(29) شرح النهج 2 / 81 .

(30) وقعة الجمل (ص 44) لمحمد بن زكريا.

(31 وقعة الجمل (ص 45).

(32) تاريخ اليعقوبي 2 / 159 .

(33) مروج الذهب 2 / 256.

(34) تاريخ الطبري 5 / 224 وفي رواية ابى العلاء في أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 180 ان عدد الضحايا عشرون الفا.

(35) شيخ المضيرة (ص 173).




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).