أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
2760
التاريخ: 30-9-2020
4712
التاريخ: 14-4-2020
1233
التاريخ: 21-1-2020
2588
|
« حرب صفين »
الملل والنحل : والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين ، ومخالفة الخوارج وحمله على التحكيم ومغادرة عمرو بن العاص ابا موسى الأشعري (1) .
تاريخ الطبري : فدخل عمرو على معاوية فقال : والله لعجب لك أني اُرفدك بما أرفدك وأنت مُعرض عني ، أما والله ان قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة ان في النفس من ذلك ما فيها ، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية وعطف عليه (2) .
ويروى : عن جندب الأزدي ان عليا كان يأمرنا في كل موطن لقينا فيه معه عدوا فيقول : لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فانتم بحمد الله عزوجل على حجة وترككم اياهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى لكم ، فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جرح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل ، فاذا وصلتم الى رجال القوم فلا تهتكوا سرا ولا تدخلوا دارا إلا باذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وان شتمن اعراضكم وسببن امراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف القوى والأنفس (3) .
أقول : المتحصل من هذا الكلام أن اللازم في هذه الفتنة هو الدفاع والصد عن قتالهم واشاعة أمرهم وحكمهم وتوسعة حكومتهم ونفوذ قدرتهم المادية الدنيوية .
ويروى أيضا : عن زيد بن وهب الجهني : أن عمار بن ياسر رحمه الله قال ويمئذ : أين من يبتغي رضوان الله عليه ولا يؤوب الى مال ولا ولد فأتته عصابة من الناس فقال : أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ويزعمون أنه قتل مظلوما ، والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها ، وعلموا أن الحق اذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من دنياهم ، ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم ، فخدعوا اتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولولا هي ما تبعهم من الناس رجان ، اللهم ان تنصرنا فطالما نصرت ، ولا تجعل لهم الأمر فاّدخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم (4) .
ويروى أيضا : ان عليا مر على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه فخبّر بذلك ، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال : انهدوا اليهم عليكم السكينة والوقار وقار الاسلام وسيما الصالحين ، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وابو الأعور السلمي وابن ابي معيط شارب الخمير المجلود حدا في الاسلام !! وهم اولى من يقومون فينقصونني ويجذبونني وقبل اليوم قاتلوني ، وأنا اذ ذاك أدعوهم الى الاسلام وهم يدعونني الى عبادة الاصنام ، الحمد لله ، قديما عاداني الفاسقون فعبدهم الله ، الم يفتحوا ان هذا لهو خدعوا شطر هذه الأمة ، واشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا اهواءهم بالافات والبهتان ، قد نصبوا لنا الحرب في اطفاء نور الله عزوجل ، اللهم فافضض خدمتهم وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم (5) .
أقول: ابو الأعور هو عمرو بن سفيان السلمي ، عليه مدار حروب معاوية في صفين أدرك الجاهلية وليست له صحبة . ومن العجب ما يروى مرسلا عن النبي « صلى الله عليه وآله » كما في الاستيعاب : انما أخاف على امتي شحا مطاعا وهوى متبعا اماما ضالا . وهذا الحديث حجة تامة عليه ، وقد ختم الله على قلبه وعلى بصره وغشاوة (6) .
عقد الفريد : اجتمعت قريش ( الشام والحجاز ) عند معاوية وفيهم عبدالله بن عباس وكان جريئا على معاوية حقارا له ، فبلغه عنه بعض ما غمّه ، فقال معاوية ... وذنوبكم الينا أكثر من ذنوبنا اليكم خذلتم عثمان بالمدينة وقتلتم أنصاره يوم الجمل وحاربتموني بصفين ، ولعمري لبنو تيم وعديّ اعظم ذنوبا منا اليكم ، اذ صرفوا عنكم هذا الأمر وسنّوا فيكم هذه السنة ... فتكلّم ابن عباس ... وأما استعمال عليّ ايانا فلنفسه دون هواه ، وقد استعملت أنت رجالا لهواك لا لنفسك ، منهم ابن الحضرمي على البصرة فقتل ، وابن بشر أرطاة على اليمن فخان ، وحبيب بن مُرة على الحجز فرُدّ ، والضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحُصب ، ولو طلبت ما عندنا وقينا أعراضنا . وليس الذي يبلغك عنا بأعظم من الذي يبلغنا عنك ، ولو وضع أصغر ذنوبكم الينا على مائة حسنة لمحقها ، ولو وضع ادنى عذرنا اليكم على مائة سيئة لحسنها ، واما خذلنا عثمان : فلو لزمنا نصره لنصرناه ، وأما قتلنا انصراه يوم الجمل : فعلى خروجهم مما دخلوا فيه ، واما حربنا اياك بصفين : فعلى تركك الحق وادعائك الباطل ، واما اغراؤك ايانا بتيم وعديّ : فلو أدرناها ما غلبونا عليها (7) .
الامامة والسياسة : لما انتهى كتاب عمرو الى ابن عباس ، أتى به الى عليّ فأقرأه اياه ، فقال عليّ : قاتل الله ابن العاص أجبه ! فكتب اليه : أما بعد ، فإنني لا أعلم رجلا أقل حياءا منك في العرب ، انك مال بك الهوى الى معاوية ، وبعته دينك بالثمن الأوكس ، ثم خطبت الناس في عشواء طمعا في هذا الملك ، فلما تراميناه اعظمت الحرب والرماء إعظام اهل الدين ، واظهرت فيها كراهية أهل الورع ، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب وكسر أهل الدين ، فإن كنت تريد الله فدع مصر وارجع الى بيتك ، فإن هذه حرب ليس فيها معاوية كعلي ، بدأها عليّ بالحق وانتهى فيما بالعذر ، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيما لى السرف ، وليس اهل الشام فيها كأهل العراق ، بايع اهل العراق عليا وهو خير منهم ، وبايع اهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها سواء ، أردتُ الله واردتَ مصر (8) .
مستدرك الحاكم : عن الحكم قال : شهد مع علي صفين ثمانون بدريا وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة (9) .
الاستيعاب : قال عبدالرحمن بن ابزى : شهدنا مع عليّ رضي الله عنه صفين في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منهم ثلاثة وستون ، منهم عمار بن ياسر (10) .
ويروى أيضا عن ابي عبد الحمن السلمي قال : شهدنا مع علي عليه السلام صفين ، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد « صلى الله عليه وآله » يتبعونه ، كأنه علم لهم ، وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عقبة : تقدم ! الجنة تحت الأبارقة ، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحبه ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل .
أقول : في مقدمة الاستيعاب يروى : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار : الذين بايعوا بيعة الرضوان ، قال الله تعالى ـ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة ـ والشجرة في الحديبية ، وعدّتهم اربع عشرة مائة ، وكان عدة اهل بدر ثلاثمائة وثلاث عثرة . ويروى عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » : لن يلج النار أحد شهد بدرا أو الحديبية .
الامامة والسياسة : ان عبدالله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال : يا امير المؤمنين اني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب ! فقال معاوية : لله أنت ! تدري ما قلت ، أما قولك الغبيّ : فوالله لو أن ألسنُ الناس جُمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان عليّ ، وأما قولك أنه جبان : فثكلتك أمك هل رأيت أحدا بارزة إلا قتله ، وأما قولك أنه بخيل : فوالله لو كان بيتان أحدهما من تبر والآخرة من تبن لأنفد تبره قبل تنبه . فقال الثقفي : فعلى مَ تُقاتله اذا ؟! ثم لحق بعليّ (11) .
تاريخ الطبري : فأرسل عليّ الى الأشتر فقال : يا مالك ... فاذا قدمت عليهم فأنت عليهم ، واياك ان تبدأ القوم بقتال إلا ان يَبدؤوك حتى تلقاهم فتدعوهم وتُسمع ، ولا يجرمنّك شنانهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار اليهم مرة بعد مرة ، واجعل على ميمنتك زيادا (12) .
ويروى : فدعا عليّ صعصعة بن صوحان فقال له : ائت معاوية وقل له انا سرنا مسيرنا هذا اليكم ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار اليكم ، وانك قدّمت الينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل ان نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك ، وهذه اخرى قد فعلتموها قد حُلتم بين الناس ومبين الماء ، والناس غير منتهين أو يشربوا ، فابعث الى اصحابك فليُخلوا بين الناس وبين الماء ، ويكفّوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا وقدمتم له (13) .
ويروى : ثم ان عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي ، فقال : ائتوا هذا الرجل فادعوه الى الله والى الطاعة والجماعة ... فحمد الله ، وأثنى عليه ابو عمرة بشير بن عمرو وقال : يا معاوية ان الدنيا عنك زائلة وانك راجع الى الآخرة ، وان الله عزوجل مُحاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك ، وأني أنشدك الله عزوجل ان تُفرق جماعة هذه الأمة وان تسفك دماءهم بينها ! فقطع عليه الكلام وقال : هلا أوصيت بذلك صاحبك ؟ فقال ابو عمرة : ان صاحبي ليس مثلك ، ان صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الاسلام والقرابة من الرسول « صلى الله عليه وآله » ، قال : فيقول ماذا ؟ قال : يأمرك بتقوى الله عزوجل واجابة ابن عمك الى ما يدعوك اليه من الحق ، فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك ، قال معاوية : ونطّل دم عثمان لا والله لا أفعل ذلك ابدا. فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث ابن ربعي فتكلم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا معاوية اني قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، أنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، أنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قُتل امامكم مظلوما ، فنحن نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصرة وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب (14) .
ويروى : فبعث عليّ عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن حفصة الى معاوية ، فلما دخلوا حمد الله عديّ بن حاتم ثم قال : أما بعد ، فإنا أتيناك ندعوك الى أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وامتنا ويحقن به الدماء ويأمن به السبل ويصلح به ذات البين ، ان ابن عمك سيد المسلمين افضلها سابقة واحسنها في الاسلام اثرا وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عزوجل بالذي رأوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية لا يصيبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل ! فقال معاوية: كأنك إنما جئت متهددا لم تأت مصلحا، هيهات يا عديّ، كلا والله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان، أما والله أنك لمن المجلبين على ابن عفان وأنك لمن قتلته، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عزوجل به (15).
أقول : يظهر من هذه الخطابات والكلمات امور :
1 ـ أن امير المؤمنين عليا يدعو الى الحق ولا يقصد إلا اجراء الحق والعمل بالكتاب والسنة والاصلاح بين المسلمين وجمع كلمتهم ، وأما معاوية فهو لا يريد إلا الرئاسة والحكومة والدنيا ، وليس الى طلبها سبيل إلا الحرب ، وليس للحرب مستمسك إلا طلب الدم . وما أحسن ما قال شبث بن ربعي : والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، أنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به اهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل امامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه .
2 ـ ان امير المؤمنين عليا هو أول من أسلم ، وهو أحب الناس الى الله عزوجل والى رسوله ، وهو أعلم الأمة واتقاهم وأحسنهم جهادا وأثرا في سبيل الله ، ومن قال له رسول الله « صلى الله عليه وآله » : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله . وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة . وغير ذلك . وأما معاوية فهو ليس من المهاجرين والأنصار . وليست له سابقة فضل ومعرفة وجهاد في سبيل الله . وكان من المخالفين وفي صفوف الأعداء ومن رؤساء المشركين الى أن فُتحت مكة ، فدخل هو وابوه في الاسلام فيمن دخل ، فهو في زمان رسول الله « صلى الله عليه وآله » كان مخالفا للاسلام وللمسلمين ، ثم أسلم ووافق ظواهر الاسلام واستقرّ تحت لوائه ولم يدخل نور حقيقة الايمان وحقايق الاسلام في قلبه ، ولم يخرج حبّ الدنيا والرئاسة من باطنه ، فهو الآن في رأس صفوف المنافقين الذين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، ويحاربون المسلمين على حقائق الاسلام ! فانظر الى كلام امير المؤمنين « عليه السلام » في حقه يرويه الطبري وتدبر فيه حتى يظهر لك حقيقة حاله وحقيقة المقام :
يروى : ان معاوية بعث الى علي ، حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس ، فدخلوا عليه وأنا عنده ، فحمد الله حبيب وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله عزوجل وينيب الى امر الله تعالى ، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه ، فادفع الينا قتلة عثمان ان زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به ، ثم اعتزل امر الناس فيكون امرهم شورى بينهم يُولى الناس أمّرهم من أجمع عليهم رأيهم . فقال له علي بن أبي طالب : وما أنت ؛ لا أم لك والعزل وهذا الأمر ، اسكت ، فانك لست هناك ولا بأهل له . فقام وقال : له والله لترينّي بحيث تكره ! فقال عليّ : وما أنت ؛ لا أم لك والعزل وهذا الأمر ، اسكت ، فإنك لست هناك ولا بأهل له . فقام وقال له : والله لترينّي بحيث تكره ! فقال عليّ : وما أنت ؛ ولو أجلبت بخيلك ورجلك ، لا أبقى الله عليك أن ابقيت عليّ ، أحُقرة وسوءا ، اذهب فصوّب وصعّد ما بدالك ! وقال شرحبيل بن السمط : ان كلمّتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل ، فهل عندك جواب غير الذي أجبته به ؟ فقال عليّ : نعم لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الله جل ثناؤه بعث محمدا « صلى الله عليه وآله » بالحق فأنقذ به من الضلالة وانتاش به من الهلكة ، وجمع به من الفرقة ، ثم قبضه الله إليه وقد أدّى ما عليه صلى الله عليه وسلم ، ثم استخلف الناس ابا بكر ، واستخلف ابوبكر عمر ، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة ، وقد وجدنا عليهما أن تولّيا علينا ونحن آل رسول الله « صلى الله عليه وآله » فغفرنا ذلك لهما ، ووُلّي عثمان فعمل أشياء عابها الناس عليه فساروا اليه فقتلوه ، ثم أتاني الناس وأنا معتزل امورهم فقالوا لي : بايع فأبيت عليهم ، فقالا لي : بايع فإن الامة لا ترضى إلا بك وإنا نخاف ان لم نفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرُعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني ، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عزوجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزوجل ولرسوله « صلى الله عليه وآله » وللمسلمين عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الاسلام كارهين ، فلا غرو إلا خلافكم معه وانقيادكم له ، وتدعون آل نبيكم « صلى الله عليه وآله » الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا ، ألا أني أدعوكم الى كتاب الله عزوجل وسنة نبيه « ص » واماتة الباطل واحياء معالم الدين ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة . فقال : أشهد ان عثمان قتل مظلوما . فقال لهما : لا أقول أنه قتل مظلوما ولا أنه قتل ظالما . فمن لم يزعم ان عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء . ثم قاما فانصرفا . فقال لعيّ : أنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصُم الدُعاء اذا ولّوا مُدبرين ، وما أنت بهاد العُمي عن ضلالتهم أن تُسمع إلا من يُؤمن بآياتنا فهم مسلمون (16) .
أقول : في هذه الكلمات موارد للنظر نُشير الى بعضها :
أولا ـ قول حبيب فقلتموه فادفع الينا قتلته : قد مرّ ان امير المؤمنين عليا كان من الناصحين المدافعين الناصرين لعثمان ، وأما معاوية فكان ممن تسامح في نصرته والدفاع عنه واجابة دعوته .
ثانيا ـ بيعة الامام واطاعته واجبة على كل فرد مسلم ، والامام على عقيدتهم من يتعيّن من جانب المهاجرين والأنصار في مدينة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ولا يتوقف هذا على حكم آخر ، بمعنى أن المبايعة واجبة ، وطلب الثأر حكم آخر فرعيّ لابد فيه من المراجعة الى الحاكم والقاضي ، حتى يحكم بعد التحقيق عن القاتل وكيفية القتل والقصد فيه وثبوت الجناية بالطريق الشرعي ، بحكم خاص .
ثالثا ـ ان معاوية فرد من افراد المسلمين ، وليس بولي عثمان ولا بولي المسلمين ، حتى يدّعي أنه يطلب ثأر عثمان أو يطلب قتلة من خليفة المسلمين ، وأعجب منه قوله : واعتزل امر الناس حتى يكون شورى ، فراجع ثم راجع كلام علي « عليه السلام » في جوابه حتى تعلم حقيقة الأمر .
ويروى أيضا : ان عمار بن ياسر خرج الى الناس فقال : اللهم أنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته ، اللهم أنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن اضع ظبّة سيفي في صدري ثم انحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت ، واني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم أن عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته (17) .
اقول : هذا ما يعتقد به عمار بن ياسر وهو من خواصّ اصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وقد قال « صلى الله عليه وآله ص » في حقه : تقتله الفئة الباغية . وقلنا ان معاوية قد حارب المسلمين في زمن رسول الله « صلى الله عليه وآله » خلافا لله ولرسوله وللإسلام ، وفي هذا اليوم يُحارب المسلمين ايضا طلبا للرئاسة والدنيا وخلافا لحقائق الاسلام . ونعم ما قال عمار بن ياسر وهو يقول لعمرو بن العاص بصفين : لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثة مع رسول الله « ص » وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى (18) .
وليس ببعيد أن نقول : ان خلاف معاوية اليوم أشد ضررا للاسلام وللمسلمين وأكثر تأثيرا في قلوب المؤمنين من محاربته رسول الله « صلى الله عليه وآله » زمان كفره . ومن هنا ترى عليا « عليه السلام » اذا صلى الغداة يقنت ويقول : اللهم العن معاوية وعمروا وابا لأعور السلمي وحبيبا وعبدالرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد . كما في الطبري (19) فراجعه .
وقال عبدالله بن عمر وصحّ عنه من وجوه الاستيعاب : ما آسى على شيء كما آسى اني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي « عليه السلام » (20) .
ويروى روايات باسناده قريبة منها (21) .
ويروى : ان عبدالله بن عمرو بن العاص كان يقول : ما لي ولقتال المسلمين ولصفين لوددت أني متّ قبله بعشر سنين ، أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ، ولوددتُ أني لم أحضر شيئا منها ، واستغفر الله من ذلك وأتوب اليه (22) .
أقول : يستفاد من روايات هذا الفصل امور :
1 ـ قول عمرو : حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا انما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية .
2 ـ قول عليّ « عليه السلام » فأنتم على حجة وتركُكم إياهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى لكم ... فلا تقتلوا مدبرا ... ولا تأخذوا شيئا من اموالهم .
3 ـ قول عمار : والله ما طلبتم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها وعلموا ان الحق اذا لزمهم حال بينهم .
4 ـ قول علي « عليه السلام » : فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وابو الأعور السلمي وبان أبي معيط شارب الخمر المجلود في الاسلام وهم اولى من يقومون فينقصونني !!.
5 ـ قول ابن عباس : وأما قتلنا انصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه ، وأما حربنا اياك بصفين فعلى تركك الحق وادعائك الباطل .
6 ـ قول ابن عباس وكتابه الى عمرو : فإني لا أعلم رجلا اقل حياءا منك في العرب ؛ انك مال بك الهوى الى معاوية وبعته دينك بالثمن الأوكس ، ثم خطبت الناس في عشواء !.
7 ـ قول الحكم : شهد مع علي صفين ثمانون بدريا وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة منهم عمار بن ياسر .
8 ـ قول عمار : تقدم الجنة تحت الأبارقة ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سفعات هجر لعلمنا انّا على الحق وأنهم على الباطل .
9 ـ قول معاوية : فوالله لو كان لعليّ بيتان أحدهما من تِبر والآخر من تِبن لأنفذ تِبره قبل تبنه .
10 ـ قول علي « عليه السلام » لمالك : ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار اليهم مرة بعد مرة .
11 ـ قول علي « عليه السلام » لمعاوية : انك قدّمت الينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نُقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك .
12 ـ قول ابو عمرة بشير بن عمرو لمعاوية : ان عليا يأمرك بتقوى الله عزوجل ، واجابة ابن عمك الى ما يدعوك اليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك .
13 ـ قول عديّ بن حاتم : إنا أتيناك ندعوك الى أمر يَجمع الله عزوجل به كلمتنا وأمتنا ويَحقن به الدماء ، ويأمن به السُبل ويُصلح به ذات البين ، ان ابن عمك سيد المسلمين افضلها سابقة .
14 ـ قول عليّ « عليه السلام » في جواب حبيب بن مسلمة : ثم أتاني الناس وأنا معتزل امورهم فقالوا لي بايع ... فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عزوجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام ، طليق ابن طليق .
15 ـ قول عمار : اللهم اني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين .
16 ـ قول عبدالله بن عمرو بن العاص : مالي ولقتال المسلمين والصفين ، لوددت اني متُّ قبله بعشر سنين .
17 ـ قول عبدالله بن عمر بن الخطاب : ما آسى على شيء كما آسى اني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي .
18 ـ قول عمار : لقد قاتلت معاوية ثلاثا مع رسول الله « صلى الله عليه وآله » وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى .
______________
(1) الملل والنحل ج 1 ص 22 .
(2) تاريخ الطبري ج 5 ص 234 .
(3) نفس المصدر ج 6 ص 6 .
(4) نفس المصدر ج 6 ص 21 .
(5) تاريخ الطبري ج 6 ص 25 .
(6) الاستيعاب ج 3 ص 1179 .
(7) عقد الفريد ج 4 ص 7 .
(8) الامامة والسياسة ج 1 ص 95 .
(9) مستدرك الحاكم ج 3 ص 104 .
(10) الاستيعاب ج 3 ص 1138 .
(11) الإمامة والسياسة ج 1 ص 17 .
(12) تاريخ الطبري ج 5 ص 238 .
(13) تاريخ الطبري ج 5 ص 241 .
(14) تاريخ الطبري ج 5 ص 242 .
(15) نفس المصدر ج 6 ص 2 .
(16) تاريخ الطبري ج 6 ص 4 .
(17) نفس المصدر السابق ص 21 .
(18) تاريخ الطبري ج 6 ص 22 .
(19) نفس المصدر ص 40 .
(20) الاستيعاب ج 1 ص 77 .
(21) نفس المصدر ج 3 ص 953 .
(22) نفس المصدر ج 3 ص 958 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|