أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-14
423
التاريخ: 2-2-2017
6577
التاريخ: 6-5-2021
3624
التاريخ: 15-1-2017
2170
|
التعدين والصناعة
في صدد الحديث عن هذا المورد الصناعة والتعدين) يسترعي الانتباه عدد من الملاحظات أو الظواهر العامة سواء بصدد توزيعه على أقسام شبه الجزيرة أو في مدى معرفة سكان المنطقة به أو في مدى اعتمادهم عليه أو نظرتهم إليه. وفيما يخص الظاهرة الأولى: وهي توزيع هذا المورد فإن المصادر تشير إلى وجود المعادن، على سبيل المثال، في مناطق دون مناطق أخرى، فالمناطق التي توجد فيها هذه المعادن هي الحجاز واليمن والساحل الشرقي المطلّ على الخليج والمحيط الهندي، أما بقية المناطق فلا تشير إليها هذه المصادر.
ومن الطبيعي أن أقسامًا من شبه الجزيرة لا توجد فيها معادن، كذلك من الطبيعي أنه إذا وجدت بعض المعادن في أماكن لا يوجد فيها عمران فإنها تبقى مطمورة دون أن يعرف أحد عن وجودها. ولكن مع ذلك فلنا أن نتصور أن بعض المناطق المعمورة "بنسب متفاوتة" لم يكن سكانها يهتمون بهذا المورد؛ فالمناطق التي كانت تعيش على الرعي، حيث البدو الرحل، لم يكن لدى سكانها مثل هذا الاهتمام أو الإمكانات التي تشجع عليه. كذلك فإن القسم الأكبر من سكان الواحات، وبخاصة الواحات المتناثرة في قلب البادية، يصدق عليها هذا الحكم. وإلى جانب هذا فالمناطق الموجودة في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة، مثل: مملكة معين الشمالية ومملكة الأنباط حيث وجد قدر ظاهر من الثروة والاستقرار "كما يظهر من الآثار المتبقية في المنطقة" يبدو أنها جنت خيرا كثيرا من المورد التجاري ومن ثم انصرفت إلى الحفاظ عليه والذود عنه ضد كل من يحاول التأثير عليه بالمنافسة أو بأي نوع آخر من النشاط بحيث إنها لم تهتم بأي مورد آخر غيره.
أما عن الظاهرة الثانية: وهي مدى معرفة سكان شبه الجزيرة بالمعادن والتعدين فيدل على ذلك عدد من الشواهد: والشاهد الأول يأتي من القرآن الكريم "القرن السابع م" حيث نجد فيه إشارة مباشرة وصريحة إلى معرفة بفوائد الحديد وإلى خبرة بصهر المعادن وصناعة الحلي والأدوات منها. والشاهد الثاني نجده فيما تركه لنا الكتاب الكلاسيكيون من وصف لموارد شبه الجزيرة حيث يشير أرتميدوروس "أوائل القرن الثاني ق. م" إلى وجود الذهب في المنطقة القريبة من الساحل الغربي لشبه الجزيرة شمالي سبأ "الحجاز أو نجران" سواء في صورة تراب الذهب أو في صورة معدن على هيئة قطع يصلون إليها عن طريق التعدين، كما يشير إلى أن سكان المنطقة يبادلون به الفضة والنحاس من الأماكن المجاورة لهم، ولنا أن نرجح أن الإشارة هنا هي إلى أن المناطق الموجودة في اليمن. كذلك يشير الكاتب الروماني بلينيوس "أواسط القرن الأول الميلادي" إلى وجود الذهب في بعض الأماكن على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة (1) .
كذلك من بين هذه الشواهد الألفاظ العديدة التي استعملها كتاب العصر الإسلامي كأسماء للذهب في حالاته المختلفة مثل "التبر" وهو الذهب الذي لم يعالج بعد، و"العسجد" وهو اسم يبدو أنه كان عامًّا يطلق على الذهب والجواهر كالدرر والياقوت، و"السحالة" وهي تراب الذهب و"الإبريز" و"العقيان" وهو الذهب الخالص. وهذا التعدد في الأسماء نجده كذلك فيما يخص بعض المعادن الأخرى مثل الفضة التي كانت تعرف كذلك باسم "اللجين" كما كانت تعرف باسم "الصريف" في حالتها الخالصة و"الرضراض" في حالتها المتفوقة كما كانت تعرف سبيكتها أو القطعة المجلوَّة منها باسم "الوذيلة". ومثل الرصاص الذي عرف سكان اليمن نوعين منه، الأبيض وكانوا يسمونه "الأسرب" أو "الأبار" والأسود وكانوا يسمونه "الصرفان" أو "القلعي" وهكذا. وإلى جانب ذلك فنحن نجد لدى كتاب العصر الإسلامي كذلك ذكرًا لأماكن عديدة كانت توجد بها المناجم "أو المعادن حسبما كانوا يسمونها، جمع معدن وهو المنجم أو مكان التعدين"، التي كانوا يستخرجون منها المعادن التي أشاروا إليها في كتاباتهم (2). وطبيعي أن تعدد الأسماء التي كانت تطلق على كل معدن في حالاتها المختلفة ووفرة عدد الأماكن التي كانت تستخرج منها المعادن شاهدان يدلان على المعرفة المفصلة بالمعادن والتعدين، وهو أمر لا يمكن أن يكون قد طهر فجأة في العصر الإسلامي وإنما كان موجودا، على الأقل في نسبة منه، في عصور ما قبل الإسلام.
أما الشاهد الخير في هذا الصدد فهو الآثار التي خلفها لنا سكان شبه الجزيرة في الفترة السابقة للإسلام. وفي هذا المجال فقد عثرت شركة التعدين السعودية العربية في منجم "مهد الذهب" الذي يقع إلى شمالي المدينة، على أدوات ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام كانت تستخدم لاستخراج الذهب واستخلاصه من شوائبه من بينها رحى وأدوات تنظيف ومدقات ومصابيح، كما وجدوا آثارًا تدل على قيام عمال بالحفر في هذا المنجم لاستخراج الذهب منه. كما عثر المنقبون الأثريون على بقايا من الرصاص في المباني الأثرية باليمن تشير إلى أن أهل المنطقة كانوا يصبون الرصاص المصهور في أسس الأعمدة لتثبيتها وبين مواضع اتصال الحجارة لتشدها إلى بعضها (3).
ولم تقتصر معرفة المجتمع العربي قبل الإسلام على هذه المعادن وعلى معالجتها وحدها، فقد عرف عرب شبه الجزيرة في تلك الفترة معادن أخرى مثل: الملح والعقيق والزمرد وغيرها، كما عرف أهل اليمن قدرًا متقدمًا من صناعة النسيج والحياكة. وقد ورد ذكر هذه الصناعة الأخيرة في النصوص العربية الجنوبية كما ورد في أشعار الجاهليين ما يشير إلى المستوى المرموق سواء للنسيج اليماني أو للمهارة في هذه الصناعة (4).
ويبقى في نهاية الحديث عن الصناعة وما يتصل ببعض جوانبها من تعدين تساؤل هو: إلى أي حد نظر سكان شبه الجزيرة العربية إلى هذا المورد بعين الاهتمام؟ وإلى أي حد كان استغلالهم له؟ وهل وصل هذا الاستغلال للقدر الذي يجعل المصنوعات سلعًا للتصدير تسهم في زيادة دخل المجتمع أو المجتمعات التي وجدت في شبه الجزيرة؟ إن الإجابة على هذا التساؤل لا يمكن إلا أن تكون مختلطة ومتداخلة. فالشواهد التي عرضت طرفًا منها تدل على قدر غير قليل من الاهتمام بهذا المورد وباستغلاله. وقد وصل هذا الاستغلال في بعض الأحيان إلى تصدير بعض السلع على الأقل من منطقة إلى أخرى، في داخل شبه الجزيرة العربية، مثل السيوف اليمانية والنسيج اليماني، وهما سلعتان يبدو من أشعار الجاهليين أنهما كانتا تصلان من اليمن إلى بقية مناطق شبه الجزيرة.
كذلك فنحن نجد أن نشاط التعدين أو الصناعة لم يكن على نفس المستوى في الأقسام المختلفة من شبه الجزيرة. وفي هذا الصدد يذكر لنا الكاتب اليوناني أرتميدوروس في وصفه لسكان المنطقة التي تقع إلى شمالي سبأ أن بعض هؤلاء السكان يحصلون على الذهب في هيئة كتل أو كرات صغيرة عن طريق الحفر "يقصد التعدين بالضرورة" وهم إما أن يأخذوا هذه الكرات كما هي ولا يصنعون فيها شيئًا أكثر من ثقبها لكي يصنعوا منها عقودًا وأساورَ، أو أنهم يبيعونها "بسعر رخيص إلى جيرانهم، بسبب عدم مقدرتهم على صياغة الذهب" (5). وفي هذا دليل واضح على أن جيرانهم هؤلاء، وفي ترجيحي أنهم السبئيون أنفسهم حسبما يشير سياق الكلام عند هذا الكاتب، أكثر منهم مقدرةً على هذه الصياغة.
وفي الواقع فإننا نجد من الشواهد التي أسلفت الإشارة إليها أن أغلب نشاط التعدين والنشاط الصناعي عمومًا يكاد يكون مركزًا في اليمن حيث توجد منطقة سبأ والمناطق الأخرى المجاورة لها. وتفسير ذلك في رأيي أن هذه المناطق كانت أكثر استقرارًا من غيرها، ففي اليمن كانت ظروف التربة الخصبة والأمطار الموسمية المنتظمة تساعد على اقتصاد زراعي وافر وثابت. كذلك كانت مواردها الطبيعية من الطيوب مادة أولية ثابتة ومستمرة للتجارة، كما كان موقعها عند بدء الخطوط التجارية البرية إلى سورية ووادي الرافدين، وعند مفترق الطريق التجاري البحري بين البحر الأحمر والمحيط الهندي "ومن ثَمَّ بين تجارة الشرق والغرب" ما يجعلها في مأمن مما قد يصيب تجارة العبور من هزات تسببها الظروف الطارئة. وطبيعي أن مثل هذا الاستقرار يجعل في إمكان المجتمع الموجود بالمنطقة أن يقبل على النشاط الصناعي.
ولكن مع ذلك فيبدو أن الحجم الحقيقي للمصنوعات لم يكن بالقدر الذي قد تنتظره لأول وهلة. فرغم أن اليمن، على سبيل المثال، قد صدرت السيوف اليمانية وبعض أنواع النسيج إلى عدد من أقسام شبه الجزيرة، إلا أن تصدير هاتين السلعتين أو غيرهما من السلع المصنعة ظل قاصرًا على هذا الإطار المحلي ولم يعرف طريقه إلى الخارج، إذ لا نصادف في المصادر التي بين أيدينا ما يشير إلى ذلك. بل أكثر من هذا، فرغم الإشارات المتواترة إلى وجود الذهب ومعادنه "مناجمه" في اليمن وإلى وجود صناعة نسيج قوية بها، إلا أننا نجد أحد الكتاب اليونان يذكر لنا أن ميناء أبولوجوس "أُبُلّه" الفارسية كانت تصدر إلى اليمن عددًا من السلع من بينها الأقمشة والذهب (6) "وأغلب الظن أن هذا لم يكن ذهبا خاما، ولكنه ذهب قد تمت صياغته".
أما عن تفسير هذا التناقض فأغلب الظن أنه يكمن في النظرة التي كان ينظر بها العرب إلى العمل اليدوي. فرغم أنهم كانوا بحاجة إلى السلع المصنوعة ذاتها، ورغم تغنيهم بها في أشعارهم، إلا أنهم كانوا يعتبرون ممارسة العمل في صنع هذه السلع أمرًا متدنيًا في قيمته كمهنة يحترفونها إذ "لا يليق بالعربي الشريف الحر" على حد تعبير باحث معاصر "أن يكون صانعًا؛ لأن الصناعة من حرف العبيد والخدم والأعاجم والمستضعفين من الناس" وهي نظرة يبدو أنها استمرت بين عرب شبه الجزيرة في العصر الإسلامي, إذ نجد أحد الكتاب المسلمين في هذا العصر يذكر لنا عن أحد المعادن "المناجم" أن به ألوفًا من المجوس الذين يعملون المعدن حتى إنه كان لهم بيتا نار للعبادة في ذلك المكان (7).
_____________
(1) إشارات الكتاب الكلاسيكيين إلى وجود الذهب والفضة والنحاس في strabo: XVI, 4: 18, plinius: HN, VI150. الإشارة إلى وجود الحديد وفوائده في القرآن الكريم؛ سورة الحديد: 25 وإلى صهر المعادن وصناعة الحلي وغيرها في سورة الرعد: 17. كذلك هناك آية قرآنية في الشعراء قد تشير إلى الصناعة في سورة الشعراء: 129, حيث يلوم هود -عليه السلام- قومه عاد: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} ، ولكن تبقى لفظة مصانع، هنا حائرة بين المصنع بمعنى القرية والمصنع بمعنى مكان الصناعة. كذلك تجد في التوراة: سفر أخبار الأيام الثاني، إصحاح 9: 10، أن عبيد سليمان قد أحضروا له ذهبًا من أوفير. وقد كثر النقاش حول أوفير، ومن بين الآراء التي ظهرت في هذا الصدد أن أوفير يجب أن تكون موجودة في الهند؛ لأن الموضع المشار إليه في التوراة يجعل من بين السلع المستوردة إلى جانب الذهب، خشب الصندل وهو غير موجود في شبه الجزيرة العربية، راجع: a.hourani: arab seafaring، ص9. ولكن الرأي يمكن أن يكون مردودا عليه إذ إن هذه السفن التي أرسلها سليمان قد تكون وصلت إلى الهند حيث جلبت شجر الصندل, ولكنها وهي في طريقها جلبت ذهبا من إحدى موانئ الساحل الشرقي لشبه الجزيرة حيث يذكر الكاتب الروماني بلينيوس أن الذهب كان موجودا بها "راجع بداية هذه الحاشية". ولكن الرأي الغالب هو أن أوفير، موجودة فعلًا على الشاطئ الشرقي لشبه جزيرة العرب وذلك اعتمادًا على ما جاء في التوراة من أن أوفير، هو أحد أبناء يقطان "أي قحطان - والتوراة تمزج بين أسماء الأشخاص والأماكن"، وقد ذكر أن موطن اليقطانيين هو ما بين أسماء وأنت آتٍ نحو سفار جبل المشرق، "سفر التكوين، إصحاح 10: 26 وما بعدها" وحيث إن ميشا هي في أغلب الظن ميسان عند الطرف الشمالي للخليج وأن سفار هي ظفار، فتكون الإشارة إلى شرقي شبه الجزيرة. هذا ويدعم جواد علي "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج1، صفحات 639-640" هذا الترجيح بما ذكره الهمداني "صفة جزيرة العرب" عن معدن "منجم" من معادن اليمامة اسمه "حفير" ويجد في هذا الاسم اقترابا من أوفير. ورغم أن اليمامة بعيدة عن الساحل إلا أن الكاتب يرى أن ذهب "الحفير" كان ينقل إلى الساحل لبيعه في إحدى الموانئ، وأن ملاحي سليمان اشتروه من هناك، ولما كان معروفا بذهب حفير فقد ذكرت التوراة أن الذهب من أوفير التي يرى الكاتب أنها هي حفير.
(2) عن بعض أسماء المعادن راجع تاج العروس، مواد: ذهب، عسجد، عقي، سحل -عن الذهب, ومواد: صرف، لجن، وذل -عن الفضة, ومواد: رص، صرف، قلع -عن الرصاص. راجع عن تصنيف وافٍ لهذه المعادن ولمعادن أخرى، جواد علي: ذاته، ج7، صفحات 512 وما بعدها. لشبه جزيرة العرب وذلك اعتمادًا على ما جاء في التوراة من أن =
(3) جواد علي: ذاته، ج7، صفحات 514-516.
(4) عن بقية المعادن، راجع حاشية 66 أعلاه. عن الإشارة إلى النسيج في النقوش العربية الجنوبية راجع نص GLASER 1000 A. عن الإشادة بالنسيج اليماني راجع بيتين لطرفة في شيخو والبستاني، ص76، بيت2، وهو:
وبالسفح آيات كأن رسومها ... يمان وشتها ريدة وسحول
وعن صناعة النسيج ذاتها، راجع بيت ذي الرمة في تاج العروس، مادة: حاك. والبيت هو:
كأن عليها سحق لفق تأنقت ... به حضرميات الأكف الحوائك
(5) منقول في strabo: XVI, 4: 18.
(6) الإشارة في periplos maris erythraei: 35-36. وهذا الاسم "الطواف حول البحر الإريتري" هو العنوان اللاتيني لكتاب كتبه في أواسط القرن الأول الميلادي كاتب يوناني لم يصل إلينا اسمه.
(7) التعبير لجواد علي: ذاته، ج7، ص506. عن عمل المجوس في المناجم "المعادن" انظر الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص149.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|