أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-4-2018
1189
التاريخ: 3-8-2017
3256
التاريخ: 31-8-2017
1763
التاريخ: 31-8-2017
2852
|
من المباحث اللغوية التي أثارها الدرس الدلالي، بناء على العلاقات التي تجمع الدال بمدلوله، مبحث أقسام الدلالة وأنواع المعنى. فإذا كان تحديد معنى الكلمة يتم بالرجوع إلى القاموس اللغوي، فإن ذلك لا يمكن أن ينسحب على جميع الكلمات التي ترد مفردة أو في السياق، ولذلك ميز اللغويون بين معان كثيرة أهمها:
1-المعنى الأساسي أو التصوري: وهو المعنى الذي تحمله الوحدة المعجمية حينما ترد مفردة .
2-المعنى الإضافي أو الثانوي: وهو معنى زائد على المعنى الأساسي يدرك من خلال سياق الجملة .
3-المعنى الأسلوبي: وهو الذي يحدد قيم تعبيرية تخص الثقافة أو الاجتماع.
4-المعنى النفسي: وهو الذي يعكس الدلالات النفسية للفرد المتكلم.
5-المعنى الإيحائي: وهو ذلك النوع من المعنى الذي يتصل بالكلمات ذات القدرة على الإيحاء نظراً لشفافيتها(1).
وتقسيم المعنى في علم الدلالة يخضع لمبدأ عام ملخصه أن القيمة الدلالية للوحدة المعجمية لا يمكن اعتبارها دلالة قارة، إنما يخضع تحديد تلك القيمة لمجموع استعمالات هذه الصيغة في السياقات المختلفة، ولقد قسم العلماء الدلالات اعتمادا على معايير أخرى ترتكز على الإدراك لطبيعة العلاقة بين قطبي الفعل الدلالي، وهو لا يخرج عن ثلاث: اعتبار العرف، أو اعتبار الطبيعة أو اعتبار العقل، وعلى ذلك فالدلالة إما عرفية أو طبيعية أو عقلية. وأخضع علماء الدلالة تصنيف الدلالات بناء على أداء السياق للمعنى، "فالكلام إما أن يساق ليدل على تمام معناه، وإما أن يساق ليدل على بعض معناه، وإما أن يساق ليدل على معنى آخر خارج عن معناه إلا أنه لازم له عقلا أو عرفا"(2) واستناداً
ص64
إلى ذلك فالدلالات ثلاثة أصناف.
دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام، وهذه الدلالات الثلاثة تندرج ضمن دلالة عامة هي الدلالة الوضعية التي هي قسم من الأقسام الدلالة اللفظية، وبناء على ذلك فأقسام الدلالة في العصر الحديث تتفرع إلى ستة أصناف يمكن تمثيلها في الترسيمة التالية:
ويمكن تحديد مفاهيم هذه الأصناف الدلالية، كما درج على تعريفها علماء الدلالة. فالدلالة اللفظية العرفية لا تنعقد إلا بتوفر ثلاثة أركان: "اللفظ، وهو نوع من الكيفيات المسموعة، والمعنى الذي جعل اللفظ بإزائه، وإضافة عارضة بينهما هي الوضع، أي جعل اللفظ بإزاء المعنى، على أن المخترع قال: إذا أطلق هذا اللفظ فافهموا هذا المعنى"(3) فالدلالة الوضعية، هي الدلالة العرفية أو الاصطلاحية، حيث يتواضع الناس في اصطلاحهم على دلالة شيء ما، وبعد ذلك فالدلالة الوضعية يقتضي لإدراكها العلم المسبق بطبيعة الارتباط بين الدال ومدلوله، ففي الدلالة العرفية يقول المسدي: "لا يتسنى للعقل البشري من تلقاء مكوناته الفطرية ولا الثقافية أن يهتدي إلى إدراك فعل الدلالة إلا إذا ألم سلفاً بمفاتيح الربط بين ما هو دال وما هو مدلول، وهذا الإلمام ليس بفعل الطبيعة ولا هو من مقومات العقل الخالص ولكنه من المواضعات التي يصطنعها المجتمع"(4).
أما الدلالة العقلية وتسمى كذلك الدلالة المنطقية، فهي التي يكون فيها العقل أمر إدراك طبيعة العلاقة التي تربط الدال بمدلوله، ويمثل لتعريفها عادة بدلالة الدخان على النار إذ يتم استحضار الدلالة الغائبة بحقيقة حاضرة والذي يربط بين
ص65
الأمرين هو العقل وعلى هذا سميت الدلالة المستحضرة بالدلالة العقلية، يحدد المسدي هذه الدلالة وطرق إدراكها بقوله: "وفيها (أي الدلالة العقلية) يتحول الفكر من الحقائق الحاضرة إلى حقيقة غائبة عن طريق المسالك العقلية بمختلف أنواعها"(5) هذه المسالك المعتمد عليها في رصد الدلالة المنطقية تتحدد في ثلاثة:
1-مسلك البرهان القاطع: وهو الذي يتقيد بقيود المنطق العقلي، فإذا سألت عن جنس الحاضرين فأجبت بأن بعضهم ذكور عرفت أن بينهم إناث.
2-مسلك القرائن الراجحة: وهو الذي يفضي إلى تسليم ظني يأخذ في البدء بمعطيات هي في منزلة "العلامات الدالة" وبواسطة القرائن المنطقية يستكشف "مدلول" تلك العلامات.
3-مسلك الاستدلال الرياضي: وهو يعني الانتقال من المعلوم فرضاً إلى المجهول تقديراً(6)
أما الدلالة الثالثة فهي الدلالة الطبيعية، التي يعتمد في إدراكها على علاقة طبيعية يتم على أساسها الانتقال من الدال إلى المدلول، يقول عادل الفاخوري في تعريفها: "هي الدلالة، يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة طبيعية ينتقل لأجلها منه إليه، كدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل"(7).
فالدلالة الطبيعية – إذن- فيها ربط بين حقيقة ظاهرة وحقيقة غائبة يتم على أساسها اقتران الدال بمدلوله اقتراناً طبيعياً وهذا الاقتران الطبيعي "يتمثل في الرابطة التي تكوّن ما يقع عليه الحس الإنساني وبين تفسير الإنسان لهذا المحسوس، فأعراض الأمراض محسوسات يفسرها الطبيب تغيرات تربط بين كل منها وبين مرض معين" (8) ويعزى وجود هذا الإرتباط بين الدال والمدلول إلى السنن الكونية التي تسير وفقها الطبيعة، فالحدث الطبيعي إذا تكرر أمكن للعقل المدرك أن يعقد بينه وبين الشيء الذي أحدثه، وبناء على ذلك "فالدلالة الطبيعية هي التي ليس بين الملزوم واللازم فيها ارتباط عقلي، إلا أن النظام الذي وضعه الله في الطبيعة قد أوجد هذا الترابط فإذا سألنا العقل المجرد عن ملاحظة النظام الموجود في الطبيعة لم يجد تعليلاً عقلياً له غير أن الإختيار المتكرر للأحداث
ص66
الطبيعية، قد نبه على وجود هذا الترابط في الواقع" (9).
أما الدلالة من حيث المفهوم فإنها تصنف كذلك إلى ثلاثة أصناف –أشرنا إليها سابقاً- هي التي تمثل الأقسام الثلاثة للدلالة الوضعية اللفظية وهي: دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام "فدلالة اللفظ على تمام معناه الحقيقي والمجازي هي دلالة المطابقة ودلالة اللفظ على بعض معناه الحقيقي أو المجازي هي دلالة التضمن، ودلالة اللفظ على معنى آخر خارج عن معناه لازم له عقلا أو عرفا هي دلالة الالتزام، واللفظ الدال يحمل مقومات تمثل مؤلفاته التمييزية فلكسيم "إنسان" يحمل المقومات التمييزية التالية: "الجسم الحي، الحساس، الناطق". وعليه تكون دلالة المطابقة، دلالة اللفظ الكلّي على مجموع هذه المقومات التي تؤلف الذات أو الكنه، وتكون دلالة التضمن دلالته على بعض هذه المقومات لا كلّها. فهكذا كلمة "إنسان" تدل بالمطابقة على الحيوان الناطق، وبالتضمن على الجسم مثلاً أو على الناطق أو على الجسم الحي"(10) أما دلالة الالتزام فإنها تكون خارج اللكسيم ذاته بشيء يلزمه، وعلى ذلك" فدلالة الالتزام تكون دلالة جزء على الجزء المجاور له ضمن مجموعة مرتبة من الأجزاء كدلالة الحاجب على العين"(11).
وبما أن العلاقة بين الدال والمدلول تخضع أساساً لفعل الإدراك لطبيعة هذه العلاقة، وبناء على ذلك تتحدد الأنساق الدلالية، فإن للسياق اللغوي إضافات نوعية على مستوى تحديد الأصناف الدلالية، فتتميز بذلك الدلالة العامة من الدلالة الخاصة، والدلالة الظاهرة من الدلالة الخفية اللتان يتحكم فيهما التصريف المزدوج لاستعمال اللغة وهو ما يمكن أن يدرج تحت ما يسمى بالدلالة الأصلية والدلالة المحولة، فالتراكيب السياقية هي التي تشرف أساساً على تحديد الدلالة المعينة للصيغة "فإذا استطاع اسم من الأسماء أن تكون له معان عديدة فيجب أن نعلم أنها معان محتملة وأن أحد هذه المعاني يتحدد ضمن سياق معين"(12) إن الدلالة السياقية، تشير إلى ذلك الترابط العضوي بين عناصر الجملة وهو ما يشكل بنية اللغة، بل إن مفهوم الدلالة السياقية يتسع ليشمل مجموع الجمل التي تكون النص يوضح ستيفن أولمان ذلك قائلاً: "إن السياق، ينبغي أن يشمل – لا
ص67
الكلمات والجمل الحقيقية السابقة والملاحقة –فحسب- بل والقطعة كلها والكتاب كله – كما ينبغي أن يشمل بوجه من الوجوه كل ما يتصل بالكلمة من ظروف وملابسات"(13).
إن الجملة التي تؤدي قيما دلالية، يفترض أن تكون ذات وحدة بنيوية ووظائفية، وهو ما يكرّس مبدأ التركيب السياقي ودوره الأدائي، وقد تستقل الجملة بدلالتها داخل النسيج الدلالي للخطاب وهذا لا يعني نفي أية صلة بينها وبين السياق العام للنص بحكم انتمائها إلى نفس المجال الدلالي للجمل الأخرى داخل النص الواحد. يبيّن عبد السلام المسدي ذلك بقوله: "إن استقلال التركيب لا يعزل وجود ارتباط معنوي، فالنص بأكمله مجال دلالي واحد، والجمل من النص تقوم على تسلسل معنوي عام بحكم انتمائها إلى نفس المجال الدلالي"(14).
وإضافة إلى الدلالة السياقية، يشير الدرس الدلالي الحديث إلى دلالة أخرى تتحدد وفق موقع الصيغة من السياق، ووفق تركيب عناصر الجملة وترتيبها، وهو ما اصطلح على تسميتها بالدلالة الموقعية، فقد تتكون الجملتان من نفس الوحدات لكن ترتيبها في كل جملة يختلف فتتميز الدلالة تبعاً لذلك، إن السياق اللغوي قد يحيل إلى دلالات مختلفة تتحدد بضوابط خاصة من ذلك المعاني الحافة الاجتماعية والفردية، وهي عبارة عن قيم عاطفية إضافية تسمى القيم التعبيرية أو الأسلوبية والتي أضحت من مباحث علم الأسلوب الذي يهدف إلى الإجابة على التساؤل التالي: "ما الذي يجعل الخطاب الأدبي الفني مزدوج الوظيفة والغاية يؤدي ما يؤديه الكلام عادة وهو إبلاغ الرسالة الدلالية، ويسلط مع ذلك على المتقبل تأثيراً ضاغطاً به ينفعل للرسالة المبلغة انفعالاً ما" (15).
وشبيهة بالقيم الأسلوبية، تلك الدلالة التي أطلق عليها مصطلح الدلالة النحوية وهي تجمع بين المعنى الموقعي والمعنى فوق الدلالي أو التعبيري، فالكلمة في سياق الجملة وفي موقع إعرابي معين تشير إلى دلالة معينة. يشرح ذلك فايز الداية بقوله: "وأما الإضافة الثانية فهي الدلالة النحوية أي أن الكلمة تكتسب تحديداً وتبرز جزءاً من الحياة الاجتماعية والفكرية، عندما تحل في موقع نحوي معين في التركيب الاسنادي وعلاقاته الوظيفية: الفاعلية، المفعولية، النعتية، الإضافة، التمييز، الطرفية، فمثلاً: "خاطبت الطحان في شأن تحسين
ص68
عمله وزيادة مقدار إنتاجه فكلمة "طحان" في موقع المفعول به تبرز في جهة من العلاقة الاجتماعية هي موقع المحاسبة والمسؤولية وهناك من يحاسبها أو يسألها"(16).
هذه هي مختلف الأبحاث الدلالية التي دارت حول محور دراسة طرفي الدلالة- الدال والمدلول- تناولت طبيعة كل منهما كما عاينت العلائق المختلفة التي تنشأ من اتحاد الدال بمدلوله والتي أنتجت أقساماً وأنواعاً للدلالة.
ص69
________________
([1]) د.أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص 36-37-38-39.
(2) عبد الرحمن حسن حبنكه الميداني ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة ص27
(3) شرح مطالع الأنوار: التحتاطي ص28. نقلة عادل الفاخوري في كتابه علم الدلالة عند العرب، ص16.
(4) اللسانيات وأسسها المعرفية، ص52.
(5) المرجع السابق، ص47
(6) المرجع نفسه، ص50-51
(7) عادل الفاخوري علم الدلالة، ص42
(8) د. تمام حسان- الأصول- دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، ص319.
(9) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، ضوابط المعرفة وأصول المناظرة والاستدلال، ص26
(0[1]) عادل الفاخوري علم الدلالة عند الغرب – دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة –ص43
(1[1]) المرجع السابق، ص43
(2[1]) بيار جيرو علم الدلالة، ترجمة د. منذر عياشي، ص56
(3[1]) ترجمة دور الكلمة في اللغة ستيفن أولمان د. كمال محمد بشر، ص62
(4[1]) الدكتور عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية: ص153
(5[1]) د.محيي الدين صبحي، نظرية النقد العربي وتطورها إلى عصرنا، ص194
(6[1]) فايز الداية علم الدلالة العربي- النظرية والتطبيق- ص21.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|