المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير الآية (104) من سورة ال عمران  
  
8093   07:01 مساءً   التاريخ: 22-3-2021
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة آل عمران /

قال تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

 

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أي : جماعة {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} أي : إلى الدين {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} أي : بالطاعة {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} أي : عن المعصية {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي : الفائزون . وقيل : كل ما أمر الله ورسوله به ، فهو معروف ، وما نهى الله ورسوله عنه ، فهو منكر . وقيل : المعروف : ما يعرف حسنه عقلا أو شرعا . والمنكر : ما ينكره العقل أو الشرع . وهذا يرجع في المعنى إلى الأول . ويروى عن أبي عبد الله عليه السلام : (ولتكن منكم أئمة) ، و(كنتم خير أئمة أخرجت للناس) . وفي هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعظم موقعهما ومحلهما من الدين ، لأنه تعالى علق الفلاح بهما . وأكثر المتكلمين على أنهما من فروض الكفايات . ومنهم من قال : إنهما من فروض الأعيان ، واختاره الشيخ أبو جعفر (ره) .

والصحيح أن ذلك إنما يجب في السمع ، وليس في العقل ما يدل على وجوبه ، إلا إذا كان على سبيل دفع الضرر . وقال أبو علي الجبائي : يجب عقلا ، والسمع يؤكده ، ومما ورد فيه ما رواه الحسن عن النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) قال : (من أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسول الله ، وخليفة كتابه) .

وعن درة ابنة أبي لهب قالت : جاء رجل إلى النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله! من خير الناس ؟ قال : (آمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم لله ، وأرضاهم) .

وقال أبو الدرداء : لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما ، لا يجل كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، وتدعو خياركم فلا يستجاب لهم ، وتستنصرون فلا تنصرون ، وتستغيثون فلا تغاثون ، وتستغفرون فلا تغفرون . وقال حذيفة : يأتي على الناس زمان لان يكن فيهم جيفة حمار ، أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص358-359 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية (1) :

 

الأمر بالمعروف :

المراد بالخير هنا الإسلام ، وبالمعروف طاعة اللَّه ، وبالمنكر معصيته ، ومحصل المعنى انه لا بد من وجود جماعة تدعو غير المسلمين إلى الإسلام ، وتدعو المسلمين إلى ما يرضي اللَّه ، ويثيب عليه ، وترك ما يغضبه ، ويعاقب عليه .

ولفظ (منكم) في الآية قرينة على ان وجوب الأمر بالمعروف على سبيل الكفاية ، دون العين ، إذا قام به البعض سقط عن الكل .

وليس من الضروري أن يكون القائم بهذه المهمة عادلا ، بحيث لا يجوز للفاسق أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر . . كلا ، لأمرين : الأول ان شرط الحكم تماما كالحكم لا يثبت الا بدليل ، ولا دليل على شرط العدالة هنا لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من العقل . الثاني ان حكم الآمر بالمعروف لا يناط بطاعة أو معصية غيره من الأحكام .

وكثير من الفقهاء اشترطوا لوجوب الأمر بالمعروف أن يكون الآمر آمنا على نفسه ، بحيث لا يصيبه أي ضرر إذا أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر .

ولكن هذا الشرط لا يطرد في جميع الموارد ، فإن قتال من يحاربنا من أجل ديننا وبلادنا واجب ، مع العلم بأن القتال يستدعي الضرر بطبعه : {إِنَّ اللَّهً اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ} [التوبة - 111] . . ويجوز لكل انسان أن يضحي بحياته إذا تيقن ان في هذه التضحية مصلحة عامة ، وفائدة للعباد والبلاد أهم وأعظم من حياته ، بل هو مشكور عند اللَّه والناس ، وفي الحديث : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر » .

وخلاصة القول ان الضرر يجب دفعه إذا لم تترتب عليه فائدة ، والا جاز تحمله ، كما يجوز للإنسان أن يقدم على قطع عضو سقيم من أعضائه ، حرصا على حياته ، وخوفا على نفسه من الهلاك .

هذا ، إلى ان للأسلوب أثره البالغ ، فبعض الأساليب تنفّر من الحق ، وتجر على صاحبها المتاعب والويلات ، وبعضها تفرض الفكرة على سامعها فرضا من حيث لا يشعر . . والعاقل الحكيم يعطي لكل مقام ما يناسبه من القسوة واللين ، وقد كان فرعون في أوج سلطانه وطغيانه ، ولم يكن لموسى وهارون ناصر ولا معين ، ومع ذلك أمرهما ان يدعواه إلى الحق ، ولكن بأسلوب هين لين . . حتى خالق الكون جلت كلمته يخاطب عباده تارة بأسلوب التهديد والوعيد ، ويقول لهم : {إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ - 65 المؤمنون} . وتارة يقول لهم برفق : {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور - 22] .

وبالجملة ان إعلان الدعوة الإسلامية على الملأ ، وتآمر المسلمين فيما بينهم بالمعروف ، وتناهيهم عن المنكر ، ان هذا ركيزة من ركائز الإسلام ، ومن ثم يحتم وجود فئة معينة تقوم بهذه المهمة ، تماما كما يحتم وجود سلطة تحافظ على الأمن والنظام ، وفئة تختص بالصناعة ، وأخرى بالزراعة ، وما إلى ذاك مما لا تتم الحياة إلا به .

وهذا الأصل من الأصول الأساسية لكل دين ، ولكل مذهب ، وكل مبدأ ، ولو كان زمنيا ، لأنه الوسيلة المجدية لبث الدعوة وانتصارها ، وردع أعدائها . .

ولا شيء أدل على ذلك من اهتمام أصحاب المذاهب السياسية والاقتصادية بوسائل الاعلام ، وتطورها ، وبذل الملايين في سبيلها ، ومن وقوف الدعاية بشتى أساليبها مع المدفع جنبا إلى جنب ، وما ذاك إلا لأنهم أدركوا بتجاربهم ان الرأي العام أمضى سلاحا ، وأقوى أثرا من الصواريخ والقنابل ، وقد اشتهر عن أحد أقطاب الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية انه قال : « لقد انتصرنا في المعركة بقنابل من ورق » . يعني الصحف والنشرات (2) .

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : {ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وبين قوله سبحانه : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة - 105] ، حيث أفادت الأولى وجوب الأمر بالمعروف ، ودلت الثانية على عدم وجوبه بقرينة {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} .

الجواب : المقصود بالآية الثانية ان من قام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المطلوب فلا يضره ضلال من ضل ، واعراض من أعرض ، ما دام قد أدى ما عليه : {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وعَلَيْنَا الْحِسابُ} [الرعد - 40] .

سؤال ثان : لقد اشتهر عن رسول اللَّه (صلَّ الله عليه واله) انه قال : « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » . وهذا الترتيب يتنافى مع ما هو معروف شرعا وعقلا وعرفا من أن تغيير المنكر انما يبتدئ أولا باللسان ، فإن لم يجد فبالحرب ، فما هو الوجه لقول الرسول الأعظم ؟ .

الجواب : فرق بعيد بين تغيير المنكر ، وبين النهي عن المنكر ، فان النهي عن المنكر يكون قبل وقوعه - في الغالب - فهو أشبه بالوقاية ، كما لو احتملت ان شخصا يفكر بالسرقة ، فتنهاه عنها .

أما تغيير المنكر فيكون بعد وقوعه ، كما لو علمت ان شخصا سرق محفظة الغير ، فان كنت قادرا على انتزاعها من السارق ، وردها إلى صاحبها وجب عليك أن تباشر ذلك بنفسك إذا انحصر الرد بفعلك خاصة ، ولم يلحقك أي ضرر ، فإن لم تستطع وجب عليك أن تأمر السارق برد المحفظة إلى صاحبها ، وتنهاه عن إمساكها ، فإن لم تستطع مقت السارق ، ولم ترض بفعله بينك وبين ربك . . وموضوع الحديث النبوي تغيير المنكر ، لا النهي عن المنكر .

___________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص123-126 .

2- جاء في تفسير المنار ان الشيخ محمد عبده كان في الدرس يفسر هذه الآية : « ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ » الخ . . . ومما قال : ان على كل إنسان أن يأمر بالمعروف حسب استطاعته ، وضرب مثلا بالطائفة الشيعية ، فإنهم ملتزمون بهذا المبدأ ، ولا يدعونه بحال ، متى سنحت الفرصة ، واستشهد على ذلك بأنه حين كان ببيروت احتاج إلى مرضعة ترضع بنتا له ، فجيء بامرأة شيعية ، فأخذت تدعو نساء الشيخ إلى مذهبها .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1)  :

 

قوله تعالى : {ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}"الخ" ، التجربة القطعية تدل على أن المعلومات التي يهيئها الإنسان لنفسه في حياته - ولا يهيىء ولا يدخر لنفسه إلا ما ينتفع به - من أي طريق هيأها وبأي وجه ادخرها تزول عنه إذا لم يذكرها ولم يدم على تكرارها بالعمل ، ولا نشك أن العمل في جميع شئونه يدور مدار العلم يقوى بقوته ، ويضعف بضعفه ويصلح بصلاحه ، ويفسد بفساده ، وقد مثل الله سبحانه حالهما في قوله : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف : 58] .

ولا نشك أن العلم والعمل متعاكسان في التأثير فالعلم أقوى داع إلى العمل والعمل الواقع المشهود أقوى معلم يعلم الإنسان .

وهذا الذي ذكر هو الذي يدعو المجتمع الصالح الذي عندهم العلم النافع والعمل الصالح أن يتحفظوا على معرفتهم وثقافتهم ، وأن يردوا المتخلف عن طريق الخير المعروف عندهم إليه ، وأن لا يدعوا المائل عن طريق الخير المعروف وهو الواقع في مهبط الشر المنكر عندهم أن يقع في مهلكة الشر وينهوه عنه .

وهذه هي الدعوة بالتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي التي يذكرها الله في هذه الآية بقوله : {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .

ومن هنا يظهر السر في تعبيره تعالى عن الخير والشر بالمعروف والمنكر فإن الكلام مبني على ما في الآية السابقة من قوله : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} الخ .

ومن المعلوم أن المجتمع الذي هذا شأنه يكون المعروف فيه هو الخير ، والمنكر فيه هو الشر ، ولو لا العبرة بهذه النكتة لكان الوجه في تسمية الخير والشر بالمعروف والمنكر كون الخير والشر معروفا ومنكرا بحسب نظر الدين لا بحسب العمل الخارجي .

وأما قوله : "{ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} ، فقد قيل : "إن" من للتبعيض بناء على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذا الدعوة من الواجبات الكفائية .

وربما قيل : إن "من" بيانية والمراد منه ولتكونوا بهذا الاجتماع الصالح أمة يدعون إلى الخير فيجري الكلام على هذا مجرى قولنا : ليكن لي منك صديق أي كن صديقا لي .

والظاهر أن المراد بكون "من" بيانية كونها نشوئية ابتدائية .

والذي ينبغي أن يقال : أن البحث في كون من تبعيضية أو بيانية لا يرجع إلى ثمرة محصلة فإن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور لو وجبت لكانت بحسب طبعها واجبات كفائية إذ لا معنى للدعوة والأمر والنهي المذكورات بعد حصول الغرض فلو فرضت الأمة بأجمعهم داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر كان معناه أن فيهم من يقوم بهذه الوظائف فالأمر قائم بالبعض على أي حال ، والخطاب إن كان للبعض فهو ذاك ، وإن كان للكل كان أيضا باعتبار البعض ، وبعبارة أخرى المسئول بها الكل والمثاب بها البعض ، ولذلك عقبه بقوله : {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فالظاهر أن من تبعيضية ، وهو الظاهر من مثل هذا التركيب في لسان المحاورين ولا يصار إلى غيره إلا بدليل .

واعلم أن هذه الموضوعات الثلاثة أعني الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذوات أبحاث تفسيرية طويلة عميقة سنتعرض لها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله تعالى .

وكذا ما يتعلق بها من الأبحاث العلمية والنفسية والاجتماعية .

____________________

1- تفسير الميزان ، ج3 ، ص 321-323 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

 

الدعوة إلى الحقّ ومكافحة الفساد :

بعد الآيات السابقة التي حثت على الأخوة والإتحاد جاءت الإشارة ـ في الآية الأُولى من الآيتين الحاضرتين ـ إلى مسألة «الأمر بالمعروف» و «النهي عن المنكر» اللذين هما ـ في الحقيقة ـ بمثابة غطاء وقائي إجتماعي لحماية الجماعة وصيانتها ، إذ تقول {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

لأن فقدان «الأمر بالمعروف» و «النهي عن المنكر» يفسح المجال للعوامل المعادية للوحدة الإجتماعية بأن تنخرها من الداخل ، وتأتي على كلّ جذورها كما تفعل الأرضة ، وأن تمزق وحدة الأُمة وتفرق جمعها ، ولهذا فلابدّ من مراقبة مستمرة ورعاية دائمة لهذه الوحدة ، ولا يتم ذلك إلاَّ بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

وهذه الآية تتضمن دستوراً أكيداً للأمة الإسلامية بأن تقوم بهاتين الفريضتين دائماً ، وأن تكون أمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر أبداً لأن فلاحها رهن بذلك : {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

يبقى أن نعرف أن «الأُمة» مأخوذة لغة من «الأُم» وهو كلّ ما انضم إليه الأشياء الاُخرى ، أو كلّ شيء ضم إليه سائر ما يليه ، والأُمة كلّ جماعة يجمعهم أمر جامع إما دين واحد ، أو زمان واحد ، أو مكان واحد لهذا لا تطلق لفظة الأُمة على الأفراد المتفرقين ، والأشخاص الذين لا يربطهم رباط واحد .

سؤال

وهنا يطرح سؤال وهو : أن الظاهر من جملة «منكم أمة» هو جماعة من المسلمين لا كافة المسلمين ، وبهذا لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً عامّاً ، بل وظيفة دينية تختص بفريق من المسلمين ، وإن كان إنتخاب هذا الفريق الخاصّ من مسؤولية المسلمين جميعاً .

وبعبارة أُخرى أن جملة «منكم أمة» ظاهرة في أن هذين الأمرين ، واجبان كفائيان لا عينيان .

في حين أن آيات اُخرى تفيد بأنهما عامان غير خاصين بجماعة دون اُخرى ، كما في آية لاحقة وهي قوله سبحانه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .

أو ما جاء في سورة «العصر» : {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} فإن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتواصي بالحقّ ، والتواصي بالصبر في هذه الآيات وما شابهها عامة غير خاصّة .

والجواب :

إن الإمعان في مجموعة هذه الآيات يوضح لنا الجواب ، فإنه يستفاد منها أن «الأمر بالمعروف» و «النهي عن المنكر» مرحلتين : «المرحلة الفردية» التي يجب على كلّ واحد القيام بها بمفرده ، إذ يجب عليه أن يراقب تصرفات الآخرين ، و«المرحلة الجماعية» وهي التي تعتبر من مسؤولية الأُمة بما هي أُمة ، حيث يجب عليها أن تقوم بمعالجة كلّ الإعوجاجات والإنحرافات الإجتماعية ، وتضع حدّاً لها ، بالتعاون بين أفرادها وأعضائها كافة .

ويعتبر القسم الأول من وظيفة الأفراد ، فرداً فرداً ، وحيث إن إمكانات الفرد وقدراته محدودة ، ولذلك فإن إطار هذا القسم يتحدد بمقدار هذه الإمكانات .

وأمّا القسم الثاني فإنه يعتبر واجباً كفائياً ، وحيث إنه من واجب الأُمة بما هي أُمة فإن حدوده يتسع ولهذا يكون من واجبات الحكومة الإسلامية ، وشؤونها بطبيعة الحال .

إن وجود هذين النوعين من مكافحة الفساد ، والدعوة إلى الحقّ يعتبران ـ بحقّ ـ من أهم التعاليم التي تتوج القوانين الإسلامية ، كما ويكشف عن سياسة تقسيم الواجبات والوظائف وتوزيع الأدوار في الدولة الإسلامية ، وعن لزوم تأسيس «فريق المراقبة» للنظارة على الأوضاع الإجتماعية والمؤسسات المختلفة في النظام الإسلامي .

وقد جرت العادة فيما سبق بوجود أجهزة خاصّة تقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المستوى الإجتماعي في البلاد الإسلامية ، وقد كانت تسمى هذه الأجهزة تارة باسم «دائرة الحسبة» ويسمى موظفوها بالمحتسبين ، وتارة باسم الآمرين بالمعروف ، . وقد كانت هذه الأجهزة بسبب موظفيها تقوم بمكافحة كلّ فساد في المجتمع ، أو كل فساد وظلم في أجهزة الدولة ، إلى جانب ما تقوم به من تشجيع الناس على الخير والحثّ على المعروف .

ومع وجود مثل هذه الجماعة بما لها من القوة الواسعة لا يوجد أي تناف بين شمول فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها وعلى الفرد بما له من القدرة المحدودة . إذ يكون الأمر والنهي الواسعان من واجب الدولة الإسلامية لا الفرد .

وحيث إن هذا البحث يعتبر من أهم الأبحاث القرآنية وقد أشارت إليه آيات كثيرة في الكتاب العزيز .

 

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص383-385 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .