تعدد الزوجات في الاسلام وغيره من الأمم
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص460-466
2025-11-17
25
وبعد ان انتهى بنا البحث إلى الحديث عن أزواج النبي وقصة زواجه بزينب رأيت أن أشير ولو بإيجاز إلى تعدد الزوجات في الاسلام الذي يحاول أعداء الاسلام ان يتخذوا منه منفذا إلى انتقاص الاسلام والتشويش عليه ، ولا بد لي من التمهيد إلى ذلك بالإشارة إلى تعدد الزوجات عند العرب وغيرهم من الأمم السابقة ومواقفهم الجائرة من المرأة إلى حدود القرن التاسع عشر .
قال الأستاذ محمد عطية الأبرشي في كتابه عظمة الرسول : كان اليونان في قديم الزمان أكثر الأمم حضارة ومدنية ، وكانت اثينا مدينة الحكمة والفلسفة والطب ومع ذلك فقد كانت المرأة اليونانية لديهم تباع وتشترى وكأنها سلعة من السلع التجارية ، بل كانت بنظرهم رجسا من عمل الشيطان لا يسمح لها ان تتعاطى غير شؤون البيت وتربية الأطفال ، ويحق للرجل ان يتزوج أكبر عدد من النساء بلا قيد أو شرط .
وفي مدينة اسبرطة من اليونان لم يكن يسمح للرجل ان يتزوج أكثر من امرأة واحدة ، في حين انه يباح للمرأة ان تجمع بين زوجين أو أكثر واعتادت الأكثرية من نساء اسبرطة على ذلك .
اما الرومان فقد كان تعدد الزوجات منتشرا بينهم بالرغم من أن القانون لم يقرهم على ذلك ، وظلت المرأة الرومانية تقاسي من ذلك إلى أن جاء جوستنيان ، فسن القوانين التي تمنع من تعدد الزوجات ولكن الأكثرية الرومانية لم تبال بتلك القوانين ، واستمر الناس وحتى الحكام يلبون رغباتهم الجنسية بتعدد الزوجات ، وتساهل رجال الدين في ذلك فسمحوا لمن يريد ان يتزوج بأكثر من واحدة واعطوه ترخيصا بذلك ، واستمر الحال على ذلك عند الرومانيين إلى ما بعد ظهور الاسلام بزمن طويل .
اما المرأة عند اليهود فكانت بمنزلة الخادم فيسمحون للأب ان يبيع ابنته الصغيرة بثمن يتفق عليه مع المشتري ، وهي مع ذلك لا ترث من مال أبيها إلا إذا لم يترك أحدا من الأبناء الذكور ، وأضاف إلى ذلك ان التاريخ القديم ينص على أن المشركين قبل الاسلام يعددون الزوجات بدون نظام أو تحديد للعدد ، فللرجل منهم ان يتزوج العشرين والثلاثين ، وبقي ذلك منتشرا بين العرب إلى قبيل الاسلام .
ويدعي الأستاذ الأبرشي ان بني إسرائيل كانوا يبيحون تعدد الزوجات وكان منتشرا بينهم قبل عصر موسى ، وحينما ارسل إليهم موسى استمروا على ذلك وتزوج موسى بأكثر من زوجة ، كما تزوج داود النبي عددا كبيرا من النساء ، ومضى يقول إن تلمود أورشليم جعل تعدد الزوجات مقصورا على القادرين على الانفاق على زوجاتهم بسعة ، ونصح علماء اليهود بأن لا يتزوج الرجل أكثر من اربع زوجات ، في حين ان طائفة تعرف بطائفة القرائين لم يعترفوا بشرعية تحديد العدد ، لأن ديانة بني إسرائيل تبيح للرجل ان يتزوج أكبر عدد من الزوجات من غير تحديد أو حصر .
اما الفرس القدامى فكانت ديانتهم تمنح جائزة تشجيعية لمن يتزوج أكثر من زوجة ، ولمن يجمع بين أكبر عدد من الزوجات ، واستطرد يقول :
بعد ان انتشرت المسيحية في العالم الروماني كان تعدد الزوجات منتشرا ومعترفا به حتى في أيام السيح عيسى بن مريم ، ولم يمنع تعدد الزوجات الا القوانين المدنية التي وصفها جوستنيان بالقوانين الدينية ، ومع ذلك فقد استمر تعدد الزوجات وظل منتشرا ومعمولا به لدى أكثر الرومانيين المسيحيين حتى اصدر المجتمع الحديث قانونا يعاقب من يتزوج أكثر من واحدة .
واستطرد يقول : ان المرأة العربية كانت تعد جزءا من ثروة الرجل ، وكان ابنه يرثها بمجرد ان يلقي عليها ثوبا ، فإذا أراد ان يتزوجها كان له ذلك بدون ان يسوق لها مهرا وله ان يزوجها من غيره ويستوفي مهرها وله ان يمنعها من الزواج ليكون الوارث الوحيد لها إلى غير ذلك من ألوان التعذيب والامتهان التي كانت تلاقيها المرأة عند جميع الأمم .
بل كانوا لا يرونها انسانا ولا تستحق ان تعامل معاملة الانسان ، وفي سنة 958 ميلادية عقد اجتماع في فرنسا بين قادة الفكر للنظر في ماهية المرأة ، وبعد نقاش حاد وجدال بين جميع الحاضرين قرر المجتمعون انها انسان ، ولكنها خلقت لتخدم الرجل لا غير .
في حين ان الاسلام في الوقت الذي كانت تعامل فيه بتلك القسوة عند جميع الأمم منحها جميع حقوقها وجعلها في مستوى الرجل في جميع الحقوق والواجبات ، في حدود الصون والعفاف والطهارة والخلق الكريم ، وقال :
لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، واعطى لكل منهما الحق في أن يتعلم ويعلم ، فقال : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وقال ( ص ) خيركم عند اللّه خيركم لعياله ، وفرض على الرجل ان ينفق عليها بما يتناسب معها ولو كانت تملك الملايين ، وإذا أراد ان يطلقها فعليه ان يدفع لها مهرها بكامله بالغا ما بلغ كما نصت على ذلك الآية :
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ( النساء 20 ) .
إلى كثير من أمثال تلك التشريعات التي تحفظ لها حقها وتصون لها كرامتها وشرفها وعفافها .
اما تعدد الزوجات فالاسلام ليس هو الدين الوحيد الذي أباح التعدد كما يدعي أعداء الاسلام الذين يحاولون بكل الوسائل الافتراء عليه ، بل هو الدين الوحيد الذي نظم شؤون الزواج وحدد تعدد الزوجات عند وجود المبررات للتعدد كالقدرة على الانفاق والعدالة بين الزوجات ، فان خاف الظلم وعدم القدرة على الانفاق والميل إلى واحدة منهن أكثر من الأخرى بنحو يضر بها فليس له ذلك كما تدل على ذلك الآية التي حددت تعدد الزوجات واحاطته بتلك القيود والشروط التي يتعسر في الغالب على الانسان ان يطبقها على وجهها الصحيح ، فقال سبحانه في الآية من سورة النساء :
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً . وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا ( النساء 2 - 3 ) .
وجاء في الآية 129 وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ( النساء 129 ) .
وجاء في تفسير الآية ان الحروب والغارات كانت تنشب بينهم بين الحين والآخر ويكثر القتل بينهم فيأخذون يتامى النساء وأموالهن ويتزوجون بهن ويأكلون أموالهن ثم يتركونهن بلا مال ولا معيل ، فنهاهم اللّه عن ذلك وأباح لهم ان يأخذوا من النساء مثنى وثلاث ورباع ويتركوا اليتامى وشأنهم إذا لم يقسطوا فيهن ، واكد عليهم في أكثر من آية ان يجتنبوا أموال اليتامى ، فقال في الآية من سورة النساء :
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً .
إلى غير ذلك من الآيات التي تؤكد حرمة التصرف في أموال اليتامى بما لا يعود عليهم نفعه ثم عقب الآية التي أباحت للانسان مثنى وثلاث ورباع بما يحفظ للمرأة حقها ويصون لها كرامتها ، فقال فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ، أي ان خفتم ألا تعدلوا في الحرائر واقتضت مصلحتكم التعدد فعليكم بالإماء فإن الأمر فيهن أسهل من الحرائر وقيل في تفسير الآية غير ذلك .
اما فيما يعود إلى النبي وتعدد زوجاته ، فقد ذكرنا في أول هذا الفصل ان الغرض من زواجه لم يكن اشباع شهواته الجنسية فحسب كما يتصور الكثير من الناس والحمقى من المسلمين ، وليس أدل على ذلك من أنه في أيام شبابه التي هي من أشد المراحل في حياة الانسان كان منصرفا عن الزواج والملذات ومتع الدنيا انصرافا كاملا ، ولم يستطع أشد العرب عداوة له ان يتهموه بشيء من هذا النوع ، وقد تزوج بخديجة وهي في الأربعين وظلت زوجته الوحيدة أكثر من خمسة وعشرين عاما لم يعرف غيرها ، وبعد وفاتها وهو في السابعة والخمسين تزوج بعدد من النساء كن متقدمات في السن لا معيل لأكثرهن ، فشق عليه بعد ان اصبحن بلا معيل وكفيل ان يراهن يتعرضن للاذلال والمهانة فأراد ان ينقذهن مما كن فيه من البلاء والفاقة ، وكما ذكرنا سابقا فإنا لا نريد من ذلك ان ندعي ان الغاية من زواجه كانت لهذا السبب وحده بل يمكن ان يكون لأسباب أخرى فرضتها مصلحة الاسلام العليا .
وإذا أضفنا إلى ذلك ما نقله الرواة عن حياته الخاصة وكيف كان يقضي نهاره في الكفاح والجهاد لإعلاء كلمة اللّه وإرساء دعائم الاسلام ، وليله في العبادة وتلاوة كتاب اللّه كما وصفه اللّه في كتابه بقوله : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا .
وبقوله : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ( المزمل 20 ) .
إذا أخذنا هذه الناحية بعين الاعتبار ، لم يعد لدينا من شك في أنه كان منصرفا عن الملذات الجسدية إلى النواحي الروحية التي لا يعادلها شيء من متع الدنيا وملذاتها ، وبخاصة عند من عرفوا اللّه وانكشفت لديهم الحجب وأيقنوا بما عند اللّه من الجزاء العاجل والنعيم الدائم كالأنبياء الهداة والأئمة الكرام .
على أن في النفس شيئا حول العدد الموجود في كتب السيرة والتاريخ لزوجات النبي ( ص ) ومجرد اتفاق المؤرخين على امر ما لا يوجب الجزم الذي لا يقبل المراجعة .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة