أبو قيس بن أبي اياس
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص278-280
2025-11-01
57
يدعي كتاب السيرة كابن إسحاق وابن هشام وغيرهما ان أبا قيس بن أبي اياس أو يونس كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة واجتنب الحائض من النساء وهم باعتناق النصرانية ، ثم امسك عنها ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا تدخله طامث ولا جنب ، ومضى يعبد اللّه سبحانه ويدعوه ويسبحه ، ويدعو إلى صلة الارحام والإحسان إلى اليتامى واجتناب أموالهم ونسبوا له شعرا في ذلك من قصيدة يقول فيها :
سبحوا اللّه شرق كل صباح * طلعت شمسه وكل هلال
عالم السر والبيان لدينا * ليس ما قال ربنا بضلال
وله الطير تستزيد وتأوي * في وكور من آمنات الجبال
إلى أن يقول يخاطب بنيه :
يا بني الأرحام لا تقطعوها * وصلوها قصيرة من طوال[1]
واتقوا اللّه في ضعاف اليتامى * ربما يستحل غير الحلال
واعلموا ان لليتيم وليا * عالما يهتدي بغير السؤال
ثم مال اليتيم لا تأكلوه * إن مال اليتيم يرعاه وال
إلى غير ذلك من التشريعات والوصايا التي نسبوها إليه في حين انها من صلب ما جاء به الاسلام .
ويدعون مع ذلك أنه لما سمع بالنبي ( ص ) بالمدينة أسلم وحسن اسلامه .
لقد روى حديث أبي قيس بهذا الشكل ابن إسحاق فيما رواه من المراسيل في سيرة النبي ( ص ) وعنه اخذه كل من كتب في السيرة والتاريخ اخذ المسلمات .
ومن الجائز ان يكون لهذا الرجل وجود في التاريخ وان يكون كغيره ممن نبذوا عبادة الأحجار والأصنام ، وأن يكون قد أسلم فيمن أسلم من الأنصار ولكني أرجح أن تكون تلك التشريعات التي نسبوها إليه والتي لم يعرف عنها العرب شيئا قبل ظهور الاسلام ، من صنع الدساسين والمنافقين الذين عاصروا الرسول ، والذين جاءوا من بعده ككعب الأحبار وعبد اللّه بن وهب وأمثالهما ممن وضعوا مئات الأحاديث والقصص وأضافوها إلى السيرة وإلى أحاديث الرسول ( ص ) بقصد الإساءة إلى الاسلام .
وجاء المستشرقون من بعدهم إلى كتب السيرة فوجدوا فيها ما تهوى أنفسهم من المرويات التي تتفق مع أهوائهم وافترائهم على الاسلام ونبي الاسلام ومن ذلك ما ترويه كتب السيرة من أن بعض الأحكام كان بعض المسلمين يحدث بها نفسه ، أو يراها في نومه كما جاء في حديث الأذان ، أو يقترحها على الرسول ( ص ) كما اقترح عمر بن الخطاب الحجاب ، ونحو ذلك مما يجده المتتبع هنا وهناك والذين وضعوا تلك الأساطير أرادوا ان يضعوا بذور التشكيك في رسالة محمد ( ص ) بحجة ان بعض التشريعات التي دعا إليها كانت موجودة قبل نبوته كالذي نسبوه إلى أبي قيس بن أبي اياس وبعضها كان يقترحها عليه أصحابه ، كما كان يستوحي بعض التشريعات من ظروفه والملابسات التي تحيط به ، ويتذرع هؤلاء لتغطية نواياهم السيئة بتلك المرويات التي يجدها المتتبع هنا وهناك ، وقد استغلها أعداء الاسلام لبث سمومهم كما ذكرنا .
واني قد تجاهلت الكثير مما أعتقد بأنه مدسوس في كتب السيرة وعلى لسان الرسول الذي جاءت شريعته الخالدة تحمل في طياتها الاعجاز في عصر كانت تتحكم فيه شريعة الغاب ، وفي جميع العصور ، وتتحدى جميع التشريعات والقوانين الوضعية حتى في آخر مرحلة من مراحلها .
[1] اي كونوا أنتم طوالا بالصلة والبر بها إن قصرت أموالهم عن حاجاتهم .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة