استراتيجيات الإصلاح الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص300-304
2025-11-08
46
إن نجاح الإصلاح الإداري يتوقف على وضوح أهدافه باستراتيجيات تختلف باختلاف هذه الأهداف وتحديد أولوياتها بحيث تسير هذه الاستراتيجيات وفقا لمنهج منظم يرتبط أساسا بجوهر الإدارة لا بأشكالها هذا من جانب ومن جانب آخر أنه في الأصل تغيير شامل وجذري لعناصر النظام الإداري القائم وعلى رأسها العنصر البشري الذي يتخذ موقفا من التغيير، فإذا أدرك أن التغيير المستهدف من الإصلاح يحقق له بعض المكاسب فأنه يشارك فيه ويعمل على نجاحه، أما أذا أدرك أن التغيير يهدد استقراره وأمنه الوظيفي فأنه يقاومه بشتى الوسائل، لذلك ينبغي أن يدرك المسؤولون أن العنصر البشري هو محور عمليات الإصلاح الإداري التي لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا بالقدر الذي يساهم به هذا العنصر من خلال تعاونه مع أجهزة الإصلاح الإداري(1).
ونظرا لهذا الدور الذي يقوم به العنصر البشري فأن مرحلة تنفيذ التغيير تعتبر من أخطر مراحل الإصلاح الإداري وبخاصة اذا تضمنت استراتيجيته تطهير الجهاز الإداري من العناصر غير الكفؤة فأن التغيير يصبح مطلبا غير مرغوب به من قبل جميع موظفي الدولة وبخاصة القيادات الإدارية التي تعتبر قبولها بالتغيير معناه اعترافها بأخطائها وقصورها، وهي التي تعتقد بأنها أعلم من غيرها بطبيعة وظروف العمل الإداري، ومن هنا تبدأ مقاومتها للتغيير بكل الوسائل كإعطاء بيانات ومعلومات خاطئة إلى أجهزة الإصلاح الإداري أو عرقلة تنفيذ القرارات الإصلاحية أو تنفيذها بشكل يسيء إلى فكرة الإصلاح نفسها هذا بالإضافة إلى السخرية من المصلحين والاستهزاء بهم، وفي هذه الحالة يصبح فصل هؤلاء الموظفين ــ في نظر المصلحين - ضرورة وبخاصة بعد نجاح التجربة اليابانية التي اتخذتها الحكومة لإصلاح جهازها الإداري بعد الحرب العالمية الثانية والتي بدأتها بفصل 150 ألف موظف مرة واحدة حتى يشعر جميع موظفي الدولة بأن القيادة السياسية جادة في الإصلاح الإداري وقد سميت هذه التجربة فيما بعد (بالاستراتيجية الهجومية)(2).
ولما كانت المنظمات الإدارية نظراً للظروف المتغيرة التي تحيط بها يجب أن لا يبقى بنيانها ثابتاً بل يلزم أن يتطور مع الظروف، لذلك اهتم علماء التنظيم الإداري بموضوع التغيير المنظم أو المخطط للبنيان التنظيمي واطلقوا عليه مصطلح (تنمية المنظمة Organizational Development) وهو من الموضوعات الجديدة في الادارة العامة، وتتم عمليات تنمية المنظمة أما عن طريق بناء وحدة داخل البنيان التنظيمي تكون مهمتها العمل على تطوير المنظمة واصلاحها بصفة دائمة، واما عن طريق الاستعانة ببيوت الخبرة، ويتم كل ذلك وفقا للخطوات الآتية:
1. التشخيص وفيها تحدد جوانب المشكلة التي تعاني منها المنظمة واقتراح الحلول لها.
2. التنفيذ بعد تحديد المشكلة يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الحلول المقترحة.
3. اتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم عودة هذه المشكلة . مرة ثانية، بالقضاء على جذورها. فاذا لم تراعى الاعتبارات السابقة في مكونات البنيان التنظيمي سواء من حيث خطوات البناء، واستراتيجيات الرقابة وخلق الوسائل الكفيلة بتحقيق الإصلاح أولا بأول عن طريق تنمية المنظمة، فأنها سوف تعاني مما ، يسمى بالخلل أو العجز الهيكلي Structural Deficiencies) ويترتب على الخلل الهيكلي في بناء المنظمة عدة نتائج:
1. يؤثر سلبياً في معنويات العاملين، بسبب أنه يؤدي الى ظهور قرارات المنظمة كما لو كانت تحكمية وغير عادلة نظراً لغياب القواعد العامة التي تصدر القرارات على اساسها، وبسبب شعور الموظف بأنه لا قيمة له بسبب غياب التفويض للسلطات.
2. يؤثر على القرارات المتخذة اما بتأخيرها واما بتخفيض فعاليتها، بسبب عدم وصول البيانات اللازمة لاتخاذ القرار لمن له سلطة اصداره، وتعدد صانعي القرار، وتحمل صانع القرار أعباء كبيرة نظراً لتركيزه كثيراً من السلطات في يده، وعدم وجود متابعة.
3. زيادة الصراعات في المنظمة وانعدام التنسيق بسبب عدم توصيف الوظائف بدقة، مما يؤدي الى تداخل الاختصاصات، وعدم تنظيم الخطوات التسلسلية للعمل بدقة.
4. لا يستجيب التنظيم لتغير الظروف المحيطة به بسبب اهمال المنظمة انشاء بعض الوظائف لاستشراف المستقبل ن وعدم الاهتمام بالتخطيط، وانعدام الاتصال والتنسيق بين الاقسام.
5. يؤدي الى ارتفاع النفقات خاصة ما يتعلق منها بالأقسام الادارية، بسبب اثقال المنظمة بعدد كبير من المستويات الادارية التي لا تتطلبها حاجة العمل مما يؤدي الى زيادة عدد المشرفين بالنسبة للعاملين، وتزايد الأعمال الورقية والإجراءات الروتينية دون مقتضى مما يؤدي الى زيادة الأقسام الإدارية على حساب أقسام الإنتاج (3).
إن جهود الإصلاح الإداري تختلف باختلاف الظروف الخاصة بكل دولة وحجم التغيير المطلوب وأهدافه العامة، فقد يكون الإصلاح الإداري شاملا لجميع عناصر النظام الإداري أو مقتصرا على عنصر أو أكثر من عناصره الأساسية التي يمكن أن تحقق الإصلاح المطلوب إلا انه في كل الحالات فان جميع جهود الإصلاح الإداري قد تتعرض للفشل اذا لم تكن هناك استراتيجية للإصلاح مناسبة لظروف البلد ولا تتعارض مع مصالح المجتمع الإداري المطلوب إصلاحه، وبالرغم من ذلك فان معظم الدول النامية لا تراعي هذه المصالح عندما تختار الاستراتيجيات التي تستخدم وسائل العنف على نطاق واسع كوسيلة التطهير التي تحدث ردود فعل عنيفة بين فئات الموظفين وبخاصة القيادات الإدارية التي تلجأ إلى مقاومة الإصلاح بشتى الوسائل ومنها التشكيك في فكرة الإصلاح نفسها وعدم جدواها، ونتيجة لردود الفعل هذه لجأت بعض الدول إلى الاستراتيجيات التي تقوم على تعاون ومشاركة العاملين في جهود الإصلاح الإداري بعد إقناعهم بأنه يهدف إلى رفع مستواهم المالي والثقافي والفني من خلال تنمية قدراتهم وخبراتهم ومعارفهم عن طريق التعليم والتدريب، ومكافأة المجدين منهم وقد سميت بـ ( استراتيجية التعاون والمشاركة)، إلا أن هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تحقق الغرض المطلوب ما لم يسبقها حملات توعية مكثفة لتعبئة المشاعر الوطنية للعاملين في أجهزة الدولة والمتعاملين معها، وهذا يتطلب جهداً كبيراً ووقتا طويلا مما يجعل هذه الاستراتيجية غير صالحة لبعض الدول النامية التي تتسم أنظمتها السياسية بعدم الاستقرار، لذلك أخذت هذه الدول بالاستراتيجية التي تجمع بين الاستراتيجيتين السابقتين بحيث تستخدم وسائل الإقناع والمشاركة وفي الوقت نفسه تلوح باستخدام العنف إذا دعت الضرورة لذلك وهذا ما يعرف ب (استراتيجية الظروف والمواقف).
مما تقدم يتبين أنه ليس هناك استراتيجية واحدة تصلح لكل الدول، كذلك في إطار الدولة الواحدة ليس هناك استراتيجية واحدة تصلح في جميع الأوقات وذلك لطبيعة المشاكل الإدارية والتنظيمية التي تواجه الدولة من وقت لآخر، إلا أن بعض الكتاب قد حددوا ثلاث استراتيجيات بوصفها عامة وشاملة يمكن الإفادة منها بعد تكييفها لظروف وطبيعة النظام الإداري المراد إصلاحه وهي (4):
1 ـ الاستراتيجية العلمية :المنطقية وتقوم فكرتها على افتراض أن السبب الرئيسي لمقاومة التغيير المخطط والمقصود هو الجهل بأهداف هذا التغيير وبفوائده وعدم القدرة على ادراك أبعاده، وعليه فأن هذه الاستراتيجية تركز على نشر التعليم والتدريب والتوعية وعلى دعم مراكز الدراسات والبحوث وتشجيع البعثات العلمية التي تهدف إلى تطوير نظم وأساليب العمل الإداري وتنمية مهارات وقدرات العاملين في جميع أجهزة الدولة وعلى المستوى القومي، أما على مستوى المؤسسة فأنها تركز بشكل رئيس على برامج التدريب وأساليبه وتقييمه وعلى الدراسات الميدانية (5).
2- الاستراتيجية الموجهة (المثقفة) (6) : وتقوم فكرتها على افتراض إن السبب الرئيس لمقاومة التغيير ليس ناتجا عن نقص المعلومات أو البيانات أو عدم توافرها، وإنما هو ناتج عن عدم اقتناع الأفراد والمؤسسات بضرورة التغيير أو عدم رغبتهم فيه أو خوفهم منه، فقد يكون في التغيير ما يهدد مصالحهم أو يتضارب مع قيمهم ومعتقداتهم وبالتالي فأنهم يقاومون التغيير بكل الوسائل ولا يقبلون به مهما كانت النتائج، وبناء على ذلك فأن هذه الاستراتيجية تقوم على أساس دراسة أسباب مقاومة الناس للتغيير وكيف يؤثر التغيير على الفرد من حيث قيمه ومشاعره واتجاهاته واحتياجاته وكذلك كيف يؤثر التغيير على قيم وتقاليد المجتمع الإداري المطلوب إصلاحه، وبناء على نتيجة هذه الدراسة يحاول المسؤولون عن الإصلاح الإداري التغلب على هذه المقاومة أو تذليلها عن طريق التوعية والتثقيف لإزالة مخاوف المنظمات والعاملين بها من آثار الإصلاح الإداري.
3 - استراتيجية القوة والقسر وتقوم فكرتها على أساس التغيير المخطط والمستهدف الذي ينفذ بالقوة والقسر، وأن أية مقاومة أو رفض لهذا التغيير يجب أن يقضى عليها بشتى الوسائل، إلا أن هذه الاستراتيجية قد تكون صالحة في ظروف خاصة ومقبولة في الحالات الطارئة أو في أوقات معينة، لكنها غير مقبولة في الحالات والأوقات العادية، كما أن استخدام هذه الاستراتيجية والاستمرار بها لا يعني مطلقاً بأن الناس أصبحوا يؤمنون بالتغيير وراغبين به، فالناس عادة قد ينصاعون للأوامر والقوانين بدافع الخوف أو تجنبا للعقوبات المفروضة ولكنهم سرعان ما يرفضون هذا التغيير ويقاومونه عندما تسنح لهم الفرصة أو عندما يعم الاضطراب وعدم الاستقرار وحينئذ يفقد الإصلاح جوهره ومضمونه، إلا أنه بالرغم من ذلك فأن معظم الدول النامية لا زالت تلجأ إلى هذه الاستراتيجية بينما الدول المتقدمة تستخدم الاستراتيجيتين الأولى والثانية معاً عن طريق مزجهما للإفادة من مزايا كل منهما (7). وفيما يتعلق بالعراق في الوقت الحاضر نرى ضرورة الاخذ بكافة الاستراتيجيات وحسب الظروف السياسية والاجتماعية، فلا بد أولاً من الاخذ بالاستراتيجيتين الأولى والثانية، واللجوء الى الاستراتيجية الثالثة اذا تطلب الامر ذلك، وهذا يعود بنا الى أن من خواص القاعدة القانونية هي إجبار السلطة الأفراد على اتباعها ولو بالضرورة عند الاقتضاء.
___________
1- أنظر : Robert Kligaard, Controlling Corruption,OP,CIT,P156
2- أنظر: رحيم عويد نغميش الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية في العراق 1970.1980, رسالة دكتوراه جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 1984 ص 81 وما بعدها.
3- أنظر: د. محمد محمد بدران، أسس الإصلاح الإداري في نظرية التنظيم، دراسة في الهيكل التنظيمي ومحددات تطويره، ط 2، القاهرة، دار النهضة العربية، 1985 ، ص 37 وما بعدها.
4- أنظر: رحيم عويد نغميش, مصدر سابق ص82 وما بعدها.
5- أنظر محمد رستم حسان النظرية العامة للإصلاح الإداري دراسة تطبيقية في الجمهورية العربية اليمنية رسالة دكتوراه جامعة القاهرة كلية الحقوق بدون ذكر التاريخ ، ص 60 وما بعدها.
6- انظر: op,cit,p33 Dr.Iskander Adnan, Administrative Reform in Lebanon,
7- أنظر رحيم عويد نغمیش مصدر سابق ص85
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة