علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
آداب المُحدِّث
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 633 ــ 654
2025-08-11
42
الفصل الخامس: في آداب المُحدِّث، وطالبِ الحديثِ، وما يتعلَّق بهما.
وفيه طرفان:
الطرف الأول: في آدابِ المحدِّث:
اعْلَمْ أنَّ عِلْمَ الحديثِ علمٌ شريفٌ يناسبُ مكارمَ الأخلاقِ، وينافي مَساويها، وهو مِنْ عُلومِ الآخِرةِ لا مِنْ عُلوم الدُّنيا (1)، فَمَنْ رُزِقَهُ فقَد نَالَ فَضْلًا جَزيلًا، ومَن حُرِمَهُ فقد حُرِمَ خَيرًا كَثيرًا.
فَمَن أرادَ التَّصدِّي لإسماعِ الحديث أو لإفَادَةِ شَيءٍ مِنْ عُلُومه، فَلْيقدِّمْ تصحيحَ النيَّةِ وإخلاصَها، ولْيُطهِر قلبَه مِنَ الأغراضِ الدُّنيويةِّ وأدْنَاسِها (2)، ولْيَحذَر ثلاثةً: حبَّ الرِّياسة (3)، والمناصبَ، ورعوناتِها (4).
[السِّنُّ الذي يتصدَّى فيه المحدِّث لإسماع الحديث]:
واختُلِفَ في السِّنِّ الذي إذا بَلَغَه استحبَّ له التَّصدِّي لإسماعِ الحديثِ، والصَّوابُ أنَّه متى احتِيجَ إلى ما عِندَه استُحبَّ له التَّصدِّي لنَشرهِ في أيِّ سنِّ كَان، وما نُقِلَ عَنِ القَاضي أبي مُحمَّد بن خَلَّاد (5) أنّه حَسَنٌ بالمُحدِّث أنْ يُحدِّث بعد استيفاءِ خمسينَ، أو عندَ استيفاءِ الأربعين، أنكره القاضي عياض (6) عليه، وقال عن خلق: "لم يبلغ هذا السِّن، وقد نَشَر من الحديثِ والعلمِ ما لا يحصى (7)، وأيضًا مالك بن أنس جَلَس للنَّاس وله نيِّف وعشرون سَنةً، وأُخِذَ العلمُ عَنِ الشَّافعي وَهُو في سِنِّ الحَدَاثةِ، وانتصَبَ لَذلك"(8).
[السنُّ الذي يترك فيه المحدّث الحديث]:
وأمّا السِّنُّ الذي إذا بَلَغه المُحدِّث تَرَكَ فيها التَّحديثَ، ويُمسك عنه؛ فهي التي يُخْشَى عليه فيها الهرُم والخَرَفُ والاختلاطُ (9)، وذلك يَختلِفُ باختلاف الناس.
وكذا إذا عَمي، ويخاف أن يدخلَ عليه ما ليسَ من حديثه فيُمسِك عن الرِّواية (10).
[[التحديث بحضرة من هو أولى منه]]
ولا يَنبغي للمحدِّث أنْ يُحدِّث بحَضرةِ مَن هُوَ أولى منه.
كان إبراهيمُ النَّخَعيُّ والشَّعبيُّ إذا اجْتَمعَا لم يتكلَّم إبراهيمُ بشيء (11).
[[التحديث ببلد فيها من هو أولى منه]]
وقِيلَ: يُكْرَهُ أنْ يُحدِّث ببلَدٍ فيه مَنْ هُو أولى منه لسنِّه أو لغيرِ ذلك (12)، فإذَا التُمِسَ منه ما يَعلَمه عند غَيرِه في بَلَده أو غيرِه، بإسنادٍ أعلى مِنْ إسنادهِ (13) أو لمُرجِّح من وَجْهِ يُعْلم الطَّالبَ به، ويُرشدُه إليه، فإنَّ "الدِّين النَّصيحة" (14).
[[التحديث وحصول النيّة فيه]]
ولا يَمتنعُ مِنْ تَحديث أحدٍ لكونهِ غيرَ صَحيح النِّيَّة فيه، فإنَّه يرجى [له] (15) حصُولُ النِّيَّة مِنْ بَعد (16).
رُويَ عن مَعْمَر قال: "[كان] يقال: إنَّ الرَّجُلَ ليَطلبَ [العلم] لغَيرِ اللهِ، فيأبى عليه العلمُ حتَّى يكونَ للهِ تَعَالى" (17).
[[آداب المعلّم في نفسه]]
وَلْيَكُنْ حَريصًا على نَشْرهِ مُبتغيًا جَزيل أجْرِه، وليقْتَدِ بمالكٍ، كَانَ إذَا أرادَ أنْ يُحدِّث تَوَضَّأ، وَجَلَسَ على صَدْرِ فِرَاشِهِ، وَسَرَّح لحيتَه، وتمكَّن في جُلُوسِه بوَقَارٍ، وهَيبةٍ، وحَدَّث، فَقيلَ له في ذلك، فَقَال: أُحِبُّ أَنْ أُعظِّمَ حديثَ رسولِ الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وكَانَ يَكْرَهُ أنْ يُحدِّث في الطَّريق أو هُو قَائمٌ، أو مُسْتَعجِلٌ (18).
ورُوي عنه أنّه كان يَغتسلُ لذَلك، ويتبخَّرُ، ويتطيَّب، وإذا رَفَعَ أحدٌ صَوتَه في مَجلِسه، زَبَره (19)، وقال: "قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]، فَمَن رَفَعَ صوتَه عندَ حديثِ رسولِ الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فَكَأنَّما رَفَعَ صوتَه فَوقَ صَوتهِ" (20).
[المستحبَّات في مجالس التحديث]:
والمستحبُّ إذا حدَّث أن يُقْبِلَ على القَوم جَميعًا، ولا يسردُ الحديثَ سَردًا يمنعُ السَّامعَ مِنْ إدْراكِ بعضِه (21) ولْيَفتَتح مَجْلسَه وليختمه بذكرِ دُعاءِ يَليقُ بالحالِ، ففي الافْتتاح يقول: الحمد لله ربّ العالمين، أكمَل حمدِ عَلى كُلِّ حَالِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ الأَتمَّان على سيِّد المرسلين، كلّما ذَكَره الذَّاكِرُون، وكُلَّما غَفَل عَن ذِكْره الغَافِلُون، اللّهمَّ صَلِّ عليه وعلى آلهِ وسائرِ النَّبيِّينَ وآلِ كُلٍّ، وسائر الصَّالحين، نهايةَ ما يَنبغي أنْ يسألَه السَّائلون(22).
[[الإملاء من أعلى مراتب الرواية]]
ويُستَحَبُّ للمُحدِّثِ العارفِ عَقْدُ مجلسٍ لإملاءِ الحديث، فإنّه مِنْ أَعلى مراتبِ الرَّاوين، والسَّماعُ فيه من أحسنِ وُجوهِ التَّحمُّل.
وعن القاضي تقي الدِّين (23)، عن السِّلَفيِّ (24) أنشدَ لنَفْسِهِ:
وَاظِبْ على كَتْبِ الأمَالي جَاهِدًا … من أَلْسُنِ الحفّاظ والفُضَلاءِ
فَأَجَلُّ أنواعِ الحديثِ بأسْرِها … ما يَكْتُبُ الإنسانُ في الإمْلاءِ
لأنَّ الشَّيخَ يعلمُ ما يُملي ويتدبّره، والكَاتبُ يتحقَّق ما يسمعُهُ ويكتبُهُ (25).
[[اتّخاذ المستملي وصفاته وواجباته]]
وَينْبغي أنْ يتَّخِذَ مُسْتَمليًا (26) يُبَلِّغُ عنه إذا كَثُرَ الجمعُ اقتداءً بالسَّلَف (27)، ولْيَكُنْ مُسْتَملِيه مُحصِّلًا مُتيقِّظًا (28)، يَسْتَملي على شَيءِ مُرْتَفِعٍ من كُرسيٍّ (29) ونحوهِ، فإنْ لم يجد اسْتَملى قَائِمًا (30).
وعَلَيه أن يُبلِّغَ لفظَ الحديثِ على وَجْهِه (31) مِنْ غير تَغييرٍ، لِيَصلَ مَنْ كان بَعيدًا إلى تَفَهُّمِهِ (32) وتحقُّقِهِ.
ومَنْ لم يَسْمَع إلّا لفظَ المسْتَملي، فَلا يَجوزُ لَهُ أنْ يرويَ ذلكَ عَنِ المُمْلي مطلقًا مِنْ غَيرِ بيانِ الحالِ فيه (33).
[[آداب الدرس]]
ويستحبُّ افتتاحُ المجلسِ بِقِرَاءةِ قَارئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ شيئًا مِنَ القُرآن العظيم (34)، فإذا فَرَغَ اسْتَنْصَتَ المستَملِي أهلَ المجلسِ إنْ كَانَ فيه لَغْطٌ (35)، ثم يُبَسْمِلُ (36)، ويحمدُ اللهَ تَبَارك وتَعالى، ويصلِّي على رسولِ الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، ثُمَّ يُقْبِلُ على المُحَدِّثِ، ويقول: مَنْ ذَكَرتَ، أو ما ذَكَرتَ رَحمكَ الله، أو مثلَ (37) ذلك.
وقال قاضي القضاة تقي الدِّين: "والأحسن أن يقول: مَنْ حَدَّثَك، أو مَن أخبرك إن لم يقدّم الشيخ ذكر أحد، فكلَّما انْتَهى إلى ذِكْر النَّبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ صلَّى عليه"(38). وقال الخَطيبُ: "يرفع صوتَه بذَلِك" (39).
وإذا انتهى إلى الصَّحابيِّ قال: رَضِي الله عنه (40)، وإنْ كَانَ الصَّحابيُّ ابنُ الصَّحابيِّ كابنِ عَبَّاسِ وابنِ عُمَر، يقول - رضي الله عنهما - (41).
[آداب المُحدِّث مع شيوخه]:
وَيحسُنُ بالمُحدِّث الثَّناءُ عَلى شَيخهِ حالَ الرِّواية عنه بما هو أهلُه (42)، وأهمُّ مِنْ ذَلك الدُّعاءُ له عِندَ ذِكْرِه (43).
ولا بأسَ بذِكْر مَن يروي عنه بِمَا يُعرفُ به مِنْ لَقَبٍ (44) - كغُنْدَر (45)، فإنَّه لَقَبُ مُحمَّد بن جَعْفر صاحبُ شُعبة -أو حِرْفةٍ، أو نِسبةٍ إلى أمٍّ عُرِفَ بها- كيَعلى بن مُنْيَة(46) - ووصفٍ في بَدَنهِ - كسليمان الأعمش، وعاصم الأحول.
[[الجمع في الإملاء بين رواية جماعة من شيوخه]]
ويُستَحبُّ أنْ يَجمعَ في إملائهِ روايةَ جماعةٍ مِنْ شُيُوخِهِ مُقَدِّمًا أرجَحَهم، ويُملي عن(47) كلِّ شيخ حديثًا.
* [الأحاديث المختارة في مجالس الإملاء]:
ويَخْتَارُ ما عَلَا سَنَدُهُ (48)، وَقَصُرَ متنُهُ (49)، ويُنبِّهُ عَلى ما فيه من فَائِدةٍ وعُلُوٍّ(50)، ويَجتَنبُ ما لا تحمَّله عنه [عقولُ] (51) الحَاضِرين (52) فيقول لجمهورِ النَّاسِ فضائلَ الأعمال وما يُناسبها، وللمتفقِّه أحاديثَ الأحكامِ (53).
* [ختم مجالس الإملاء]:
ويختمُ الإملاءَ بشيءٍ مِنَ الحِكَايَات والنَّوادِرِ والإنْشَادَاتِ بأسَانِيدها، وَذَلك حَسَنٌ، لاسيَّما مَا كَانَ في الزُّهد والآداب (54).
* [الاستعانة ببعض حفّاظ الوقت في التخريج]:
وإذا قَصَّر (55) المُحدِّثُ عَن تَخريجِ ما يُمليه، فَاسْتَعان ببعضِ حُفَّاظ وَقْتهِ فَخَرَّج له، فلا بأسَ بذلك (56).
* [مقابلة وإتقان ما أملاه]:
وَإذَا فَرَغَ مِنَ الإملاءِ قَابَلَهُ وَأَتْقَنَهُ (57).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال سفيان الثوريّ: "ليس طلب الحديث من عدّة الموت، ولكنّه علم يتشاغل به الرجال" ذكره الذهبيّ في "تذكرة الحفّاظ" (1/ 204) وقال على إثره: "قلت: صدق والله إنّ طلب الحديث شيء غير الحديث فطلب الحديث اسم عرفيٌّ لأمور زائدة على تحصيل ماهيّة الحديث؛ وكثير منها مرّاق إلى العلم؛ وأكثرها أمور يشغف بها المُحدِّث من تحصيل النُسخ المليحة، وتطلب العالي، وتكثير الشيوخ، والفرح بالألقاب والثناء، وتمنّي العمر الطويل ليروي، وحبّ التفرد، إِلى أُمور عديدة لازمة للأغراض النفسانيّة، لا الأعمال الربانيّة، فإِذا كان طلبُك الحديث النبويّ محفوفًا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟...". وانظر: "نكت الزركشي" (3/ 637 - 638).
(2) لا سيما في وقت فتحت فيه الدنيا، وطلب العلم للوظيفة، وظهرت فيه آفة المكاثرة والمناكدة والمفاخرة، وساعد على انتشار ذلك وسائل الإعلام، وكادت أن تضيع أخلاق العلماء؛ فلا صبر ولا حلم، ولا هضم النفس، إلا عند بقية ممن هم على منهج السلف اسمًا وحقيقة، جعلنا الله منهم، وكثَّرهم وحيَّاهم وبيَّاهم.
(3) ليسمع هذه النصيحة من يخاف على دينه، وقد قال الثوري: "مَنْ تَصدَّر وهو صغير، فاته علم كثير"، أسنده عنه الدينوري في "المجالسة" (1830).
ويا ليت الأمر يقتصر على فوات العلم الكثير، وإنما يتعدى ذلك إلى شر مستطير، قال الخطيب في "الجامع" (1/ 321): "كان يقال: من طلب الرئاسة وقع في الدياسة". قلت: يقال: داس فلانًا دياسة، أذلّه، أو وطئه برجله، وأسند الصيمري في "أخبار أبي حنيفة وأصحابه" (42) - وعنه الصالحي في "عقود الجمان" (ص 302) - عن زفر عن أبي حنيفة قال: "من طلب الرئاسة قبل وقتها عاش في ذلّ".
قال أبو عبيدة: صدق، والله، وقد عانيتُ ذلك في كثير من المتصدِّرين غير المتأهّلين، وفي عدد من المستعجلين الحاسدين، فأخذوا يناطحون بلا قرون، فالتحصيل قليل، والبضاعة مزجاة، والنفوس ذليلة، والألسنة طويلة، دون أداء حقّ الله من النصيحة، وإنْ لم تصدِّقني، فتفقَّدْ!
يا هذا! تواضع ولا تتحامق! ولا ترتفع! اعرف حقّ أساتيذك ومعلِّميك، وتذكّر ما أسنده الخطيب في "الجامع" (708) عن شعيب بن حرب: "من طلب الرئاسة ناطحتْه الكباش، ومن رضي بأن يكون ذنبًا، أبى الله إلا أن يجعله رأسًا".
والذي نفسي بيده! لو أنّ الأمّة جميعها: إنسها وجنَّها، صغيرها وكبيرها، عالمها وجاهلها أرادت أن ترفع من وضع الله ما استطاعت، ولو أنّها أرادت أن تضع من رفعه الله ما قدرت، وصدق رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -: "حقّ على الله (عزَّ وجلَّ) ألّا يرفع شيئًا من الدنيا إلّا وضعه" أخرجه البخاري (2871، 6501) وغيره. قال ابن القيّم في "الفروسية" (91 - بتحقيقي): "قلت: تأمّل قوله "من الدنيا"، فجعل الوضع لما رفع وارتفع، لا لما رفعه سبحانه، فإنّه سبحانه إذا رفع بطاعته، وأعزّه بها، لا يضعه أبدًا" انتهى. قلت: وحبّ الرئاسة من الدنيا بلا شك؛ لأنّ سببها العجب، وصدق من قال: "العجب يهدم المحاسن" و"إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله" و"لا ترى المعجب إلّا طالبًا للرئاسة"، قال أبو نعيم: "والله ما هلك من هلك إلّا بحبّ الرئاسة"، وقال فضيل بن عياض: "ما من أحدٍ أحبَّ الرئاسة إلا حسد وبغى وتتبّع عيوب الناس، وكره أن يُذْكَرَ أحدٌ بخير"، نقلها ابن عبد البر في "الجامع" (2/ 571). قال أبو عبيدة: يا هذا! اتّهم نفسك لتنجو، وإلّا فأنت على خطر عظيم، ولا تحسبنَّ نفسك بمعزل عن هذا الداء، ولا نجاة فيمن هذا شأنه، ولذلك قالوا: "حبّ الرياسة آخر ما يخرج من رؤوس الصّدّيقين" وصدقوا، أفاده الشاطبي في "الموافقات" (2/ 334 - بتحقيقي):
المالُ آفته التبذير والنهب … والعلم آفته الإعجابُ والغضبُ
وقال أبو العتاهية:
حبّ الرئاسة أطغَى مَنْ على الأرضِ … حتّى بغى بعضُهم فيها على بعضِ
وقال بكر بن حمّاد:
تغاير الناس فيما ليس ينفعهم … وفرّق الناس آراء وأهواء
وقال ابن عبد البر:
حبّ الرئاسة داءٌ يحلق الدنيا … ويجعل الحقّ حربًا للمحبّينا
يفري الحلاقيم والأرحام يقطعها … فلا مروءة تبقى ولا دينا
من دان بالجهل أو قبل الرسوخ … فما تلْفيه إلا عدوًّا للمحقّينا
يشنئ العلوم ويقلي أهلها حسدًا … ضاهى بذلك أعداء النبيّينا
وصدق الثوري: فقد أخرج الخطيب في "الجامع" (707) عنه: "تحبّ الرئاسة! تهيّأ للنطاح". قال أبو عبيدة: بَلَوْتُ كثيرًا من المرموقين في زماننا هذا فوجدت هذا الداء متمكّنًا فيهم، أسأل الله أن يعافيني منه، وتبرهن لي من خلال ما شاهدت وعلمت صدق مقولة إسحاق بن خلف: "والله الذي لا إله إلا هو لإزالة الجبال الرواسي أيسر من إزالة الرياسة". ولا خلاص ممّن تمكّن منه هذا الداء إلّا الإخلاص لله، وهضم النّفس على عادة السلف. حبُّ الرياسة داءٌ لا دواء له … وقلَّ ما تجد الرّاضين بالقسم
(4) يريد: رعونات النفس، كالعُجب والطيش والحمق والدّعوى بحقٍّ فضلًا عن باطل، لا تحب أن يحمدك عليه أحد من الناس، ولا تُرِد به معنى سوى التقرُّب إلى الله، وإن لم تفعل ذلك فما صنعتَ شيئًا، قاله السخاوي في "فتح المغيث" (2/ 273).
(5) الرامهرمزي في "المحدّث الفاصل" (352 - 353)، وعبارته: "الذي يصح عندي عن طريق الأثر والنظر في الحدّ الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يُحدِّث هو أنَّهُ يستوفي الخمسين لأنّها انتهاء الكهولة، وفيها مجتمع الأشدّ". قال: "وليس بمستنكر أن يحدّث عند استيفاء الأربعين؛ لأنّها حدّ الاستواء، ومنتهى الكمال، نُبِّئَ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوّته، ويتوفّر عقله، ويجود رأيه".
(6) وقبله الخطيب في "الجامع" (1/ 323)، وكلام عياض في "الإلماع" (200 - 201) والذي ساقه عنه المصنف بتصرف واختصار.
(7) كذا في الأصل! وعند عياض: "يحصر" وعبارته عقب كلام الرامهرمزي: "واستحسانه هذا لا يقوم له حجّة بما قال، وكم من السَّلف المتقدِّمين ومَنْ بعدهم من المحدّثين مَن لم ينتهِ إلى هذا السِّنّ، ولا استوفى هذا العمر، ومات قبله.
(8) الصواب أنّ هذا يختلف باختلاف القدرات والملكات، ولو كان هذا متساويًا في جميع النّاس، لحدَّ الشرع له حَدًّا، والعقول تختلف في التقدير، والعبرة بالثمرة، وتقطف عند النضوج العلمي، والتقدّم فيه. نعم، البركة جمع الأكابر، وهم مقدّمون على غيرهم، ولكن الجميع محكومون بالتقعيد، ولا أمير ولا مُقَدَّم في العلم إلّا العلم.
و(الحاجة) المذكورة متفاوتة، وتشتد في زمان ومكان الغربة، وينبغي التفريق بين (المذاكرة) - فهذه يقدر عليها الموفَّق مِع مجموعة من أقرانه ومحبّيه - والتصدّر للإملاء، فهذه للعلماء، ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه، وخدم دينه، وجهد على نشر العلم، ومسَّك بالسنة والكتاب، على منهج الأصحاب. وينظر: "علوم الحديث" (420 - ط بنت الشاطئ) لابن الصلاح، "التبصرة والتذكرة" (2/ 205)، "فتح المغيث" (2/ 284)، كتابي "البيان والإيضاح" (111 - 112).
(9) حدّه الرامهرمزي في "المحدّث الفاصل" (ص 354) بالثمانين، وعبارته: "فإذا تناهى العمر بالمحدّث، فأعجب إليَّ أنْ يمسك في الثمانين، فإنّه حدّ الهرم، والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن أولى بأبناء الثمانين، فإنْ كان عقله ثابتًا، ورأيه مجتمعًا، يعرف حديثه، ويقوم به، وتحرّى أن يُحدِّث احتسابًا، رجوت له خيرًا".
قلت: بل عند تقدّمه وضبطه فالنّاس يحتاجون إليه، وتعلو أسانيدهم به ولا سيما عند استشعاره بقرب الأجل، فإنّ الناس يتأثَّرون به، وينتفع هو بإقبالهم عليه، في حياته وبعد مماته، ولو لم يبقَ للموفّق من الطلبة إلّا يوم لقضاه في العلم: في الأخذ حال الابتداء، والتعليم أو التصنيف عند الرسوخ والانتهاء. واستحسن الذهبي في "الموقظة" أن يعهد المحدّث إلى أهله وإخوانه حال صحّته: إِنّكم متى رأيتموني تغيّرت، فامنعوني، وحصل هذا لغير واحد من المُحدّثين.
(10) بغض النظر عن السِّنّ التي بلغها، وقد يقع الاختلال منه حين غياب من يقرأ عليه، ويذاكره وهو الذي مشى عليه الأئمة، واعتمده غير واحد. انظر: "فتح المغيث" (2/ 285)، "تدريب الراوي" (2/ 128)، "نكت الهميان في نكت العميان" (62).
(11) أخرجه الخطيب في "الجامع" (1/ 320)، بإسناد صحيح عن سلمة بن كهيل، وذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/ 72 - ط دار الغرب) وفيه: "كان الشعبي صاحب آثار، وكان إبراهيم النخعي صاحب قياس".
(12) أو علوّه أو إتقانه، إذا كان تصدُّره كافيًا، ويقوم به الواجب الشرعي، وإذا قامت مصلحة راجحة، لالتباسات حاصلة أو متوقّعة فلا حرج من سؤال غير الأعلم أو الأسنّ، انظر "الاقتراح" (270)، "شرحي على نظم العراقي عليه" المسمى "البيان والإيضاح" (113).
(13) أصبح مدار العلوّ في الأزمنة المتأخّرة على غير الضابط العارف، ذكر ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (271) أنّ الأعلى إسنادًا قد يكون غير عارف بالصنعة، والأنزل إسنادًا عارفًا ضابطًا، قال: "فهذا يتوقّف فيه بالنسبة إلى الإرشاد المذكور؛ لأنّه قد يكون في الرواية عن هذا الشخص العامّي ما يوجب خللًا". قلت: كلامه في عصر الخير وأوّل ظهور الشر، أمّا في عصرِنا فلا فائدة من السماع وتتبُّع الإسناد العالي، إلّا المُحاكاة والتقليد، دون تحصيل المقصد والثمرة، والتدقيق اليوم ليس من جهة السماع من الشيوخ، وإنّما من تحصيل المخطوطات وتعدُّد الطبعات، وهذه مرحلة بعد مرحلة تقديم الإجازة على السماع في العصور التي سبقتها، كما تراه عند السخاوي في "فتح المغيث" (2/ 288).
وسبب هذا الشر والخلل: ترك نمط التعليم بالجثو على الركب بين يدي الفحول، والاكتفاء في النظر بالكراريس ومذكرات الدراسة النظامية، التي هي اليوم خير من الاقتصار على الذات إلَّا في حق آحاد، جعلنا الله منهم، ونفع بالجميع من الصادقين.
(14) ومن النصيحة أيضًا: على الحديثي ألّا يغش الطلبة، وعليه أن يبتدأ معهم بالأهم فالمهم، ويبعدهم عن الإغراب وتتبع شواذ المسائل، ويجنِّبهم استغراق الاوقات في الجزئيّات دون الرسوخ في القواعد والكليّات، وعليه أن يشغلهم بصلب العلم قبل مُلَحه، وبالمنقول والمنصوص قبل المستنبط، وعليه أن يدلَّهم على العلماء الربانيّين، ويملأ مسامعهم، ويرعى اهتماماتهم بواجب الوقت، مع نكران الذات، وتجنّب تحقّق الأمجاد، كما هو حاصل بين أهل الزمان، ومشاهد بالعيان، والله المستعان.
وحديث "الدين النصيحة" أخرجه مسلم في "صحيحه" (55) من حديث تميم الداري، وفصَّلتُ في تخريجه في تعليقي على "الأربعين المغنية بعيون فنونها عن المعين" (رقم 681 - 686) للعلائي، نشر الدار الأثرية، فانظره. وانظر: "الجامع" للخطيب (1/ 319).
(15) سقطت من الأصل، وأثبتها من "مقدمة ابن الصلاح" (422)، "الإرشاد" (1/ 501)، "المنهل الروي" (107).
(16) ظفرت بكلمة للماوردي في "أدب الدنيا والدين" (ص 73 - تحقيق السقا) تفيد في هذا المقام، وتفصّل الغرض والمرام من الكلام المزبور، قال فيها عن دواعي المتعلّمين، وأنّهما على ضربين: الأول منهما: إنّ كان الداعي للطلب دينيًّا، فيجب على العالم أن يكون عليه مُقْبلًا، وعلى تعليمه متوفِّرًا، ثم قال عن الضرب الثاني: "فأمّا إن لم يكن الداعي دينيًّا نظر فيه، فإنْ كان مباحًا، كرجل دعاه إلى طلب العلم حبّ النباهة، وطلب الرياسة؛ فالقول فيه يقارب القول الأوّل في تعليم مَنْ قَبله؛ لأنّ العلم يعطفه إلى الدين في ثاني الحال، وإن لم يكن مُبتدِئًا به في أوّل حال. وقد حُكي عن سفيان الثوريّ أنّه قال: تعلّمنا العلم لغير الله تعالى، فأبى أن يكون إلّا لله. وقال عبد الله بن المبارك: طلبنا العلم للدنيا، فدلّنا على ترك الدنيا. وإن كان الداعي محظورًا، كرجل دعاه إلى طلبِ العلم شرّ كامن، ومكرٌ باطن، يريد أنْ يستعملهما في شُبَه دينيّة، وحِيَل فقهيّة، لا تجد أهل السلامة منهما مَخْلَصًا، ولا عنهما مَدْفعًا، فينبغي للعالم إذا رأى مَنْ هذه حاله، أن يمنعه من طِلبَته، ويصرفه عن بُغيته، ولا يعينه على إمضاء مكره، وإكمال شرّه" وانظر: "نكت الزركشي" (3/ 642 - 644) و"الموافقات" للشاطبي (1/ 103 - 105/ بتحقيقي).
(17) أسنده عنه عبد الرزّاق في "المصنّف" (11/ 256) ومن طريقه البيهقي في "المدخل" (19) والخطيب في "الجامع" (1/ 339) وابن عبد البر في "الجامع" (رقم 1376 - 1379) وهو صحيح وذكره الذهبي في "السير" (7/ 17) وقال على إثره: "قلت: نعم، يطلبه أولًا، والحاملُ له حُبُّ العلمِ، وحبُّ إزالةِ الجهلِ عنه، وحُبُّ الوظائفِ، ونحوُ ذلك. ولم يكن عَلِمَ وجوبَ الإِخلاص فيه، ولا صِدقَ النِّيّة، فإذا عَلِمَ، حاسبَ نفسَه، وخاف من وَبَالِ قصدِه، فتجيئُهُ النِّيَّةُ الصَّالحةُ كلُّهَا أو بعضُهَا، وقد يتوبُ مِن نيّته الفاسدة ويندَمُ. وعلامة ذلك أنّه يُقصِر من الدَّعاوى وحبِّ المناظرة، ومِن قَصْد التَّكثُّر بعلمه، ويُزْري على نفسه، فإن تكثَّر بعلمه، أو قال: أنا أعلمُ مِن فلان فَبُعْدًا له". وما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتّه من مصادر التخريج، و"مقدّمة ابن الصلاح" ومختصراتها.
(18) أخرجه من طرق عن مالك بألفاظ متقاربة، وبعضهم اختصره: الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (585) والخطيب في "الجامع" (1/ 408) والسمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص 46 - 48) وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 318) وابن الصلاح في "علوم الحديث" (422 - 423 - ط بنت الشاطئ)، وينظر: "ترتيب المدارك" (2/ 14 - 16).
(19) في "مقدمة ابن الصلاح" (423 - ط بنت الشاطئ): "زجره" وكالمثبت في "الإرشاد" (1/ 503) و"المقنع" (1/ 399) و"المنهل الروي" (107).
(20) الاغتسال والتبخّر ثابت عن مالك عند التحديث في "الجامع" للخطيب (1/ 406) و"أدب الإملاء والاستملاء" (48) للسمعاني وذكره ابن جماعة في "تذكرة السامع" (31). وأمّا قوله: "فمن رفع صوته..." فورد في حكاية أسندها القاضي عياض في "الشفا" (2/ 47) وأوردها في "ترتيب المدارك" (2/ 101) ولابن زكري شرح مخطوط عليها، وفي آخرها نكارة شديدة، بيّنها ابن تيمية في "الفتاوى" (1/ 224، 242، 352، 353).
نعم، أسند ابن عبد البر في "الجامع" (1/ 554) رقم (924)، بسندٍ فيه - المقدام بن داود – ضعيف - عن أشهب قال: سُئل مالك عن رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره، قال: لا خير في ذلك في العلم ولا في غيره، ثُمَّ أسند الجواز في حديث "ويل للأعقاب من النّار" وفيها فنادى ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ بأعلى صوته". قلت: وبوَّب عليه البخاري في "صحيحه" (باب من رفع صوته بالعلم)، ويكون هذا حيث تدعو الحاجة إليه لبُعدٍ أو كثرة جمعٍ أو غير ذلك. انظر "صحيح البخاري" (60، 96، 163) و"فتح الباري" (1/ 143). قلت: ومثله في رفع الصوت في العلم: ما ثبت في "صحيح مسلم" (867) عن جابر قال: "كان النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ إذا خطب، وذكر الساعة، اشتدّ غضبُهُ، وعلا صوتُهُ"، ولأحمد في "المسند" (4/ 272) من حديث النعمان في معناه، وزاد: "حق لو أنّ رجلًا بالسّوق، لسمعه". وأخيرًا، لا بُدَّ من النِّيَّةِ المصالحة في نحو ما فعل مالك من تسريح اللحية والهيبة والوقار والاغتسال والتبخّر والتّطيب، وقد نبّه العلماء على أنّه لا ينبغي اتّباعه فيها إلّا لمن صحَّتْ نيّتُهُ في خلوص هذه الأفعال، تعظيمًا للحديث لا لنفسه؛ لأنَّ للشيطان وساوس في مثل هذه الحركات، فإذا عرفْتَ أنّ نيّتك فيها كنيّةِ مالك فافعلها، ولا تطّلع على نيّتك غير الله، ويقال: إنّ مالكًا لم يبتدع هذه الكيفيّة، وإنّما أخذها عن سعيد بن المسيّب، انظر: "نكت الزركشي" (3/ 645)، "فتح المغيث" (2/ 278).
(21) أخرج مسلم (2493) عن عائشة قالت: "إنّ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ لم يكن يسرُدُ الحديث كَسرْدِكُم"، وعلّقه البخاري في "صحيحه" (3568)، وفي رواية عند الترمذي (3643): "ولكنّه كان يتكلّم بكلام بيِّن فَصْلٍ، يحفظه مَنْ جلس إليه" وقال: "حديث حسن صحيح"، وانظر عن سرد الحديث ما قدّمناه في التعليق على (ص).
(22) اعلم أنَّ المأثور في التحميد والصلاة أفضل من هذا، ومن المأثور في التحميد (خطبة الحاجة) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (14/ 261 - 265)، "حاشية السندي على سنن النسائي" (3/ 105)، "خطبة الحاجة" (31 - 34)، "النصيحة" (81 - 83) كلاهما لشيخنا الألباني، وتأمّل صنيع الطحاوي في الصلاة الإبراهيميّة، وانظر: "الجامع" (2/ 70) للخطيب "مناقب الشافعي" للبيهقي (2/ 304)، "الترغيب" للتيمي (1682)، "الأذكار" (63) "المجموع" (3/ 408) كلاهما للنووي، "جلاء الأفهام" لابن القيم (ص 578 - بتحقيقي)، "مقدمة ابن الصلاح" (424 - ط بنت الشاطئ)، "نكت الزركشي" (3/ 646)، "نكت ابن حجر" (1/ 223)، "المقنع" (1/ 400)، "محاسن الاصطلاح" (424)، "القول البديع" (251)، "تدريب الراوي" (2/ 135).
(23) في "الاقتراح" (ص 276).
(24) قال في "المجالس الخمسة السلماسيّة" (ص 53 - بتحقيقي): "ومما قُلته بهمذان" وذكرهما، وفي الثاني منهما: "السَّماع" بدل "الحديث". ومن طريقه: الرافعي في آخر "الأمالي" له - كما في "نكت الزركشي" (3/ 647) - والسمعاني في "أدب الإملاء" (12 - ط دار الكتب العلميّة) وابن رشيد في "ملء الغيبة" (3/ 36).
(25) قال السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص 12): "وقد أملى النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ الكتب إلى الملوك وفي المصالحة" وأسند ذلك، وهو معروف عند طلبة علم الحديث. وجمع السخاوي في "فتح المغيث" (2/ 294) (فوائد الإملاء) بقوله: "ومن فوائده: اعتناء الراوي بطرق الحديث وشواهده ومتابعه وعاضده بحيث بها يتقوى ويثبت لأجلها حكمه بالصحة أوْ غيرها، ولا ينزوي، ويترتب عليها إِظهار الخفي من العلل، ويهذب اللفظ من الخطأ والزلل، ويتضح ما لعله يكون غامضًا في بعض الروايات ويفصح بتعيين ما أبهم أو أهمل أو أدرج، فيصير من الجليّات، وحرصه على ضبط غريب المتن والسند، وفحصه عن المعاني التي فيها نشاط النفس، ويبعد السماع فيها عن الخطأ والتصحيف، الذي قلَّ أن يعرى عنه لبيب أو حصيف، وزيادة التفهّم والتفهيم لكلّ من حضر، من أجل تكرّر المراجعة في تضاعيف الإِملاءِ والكتابة والمقابلة على الوجه المعتبر، وحوز فضيلتي التبليغ والكتابة، والفرز بغير ذلك من الفوائد المستطابة كما قرره الرافعي وبينه، ونشره وعيّنه". قلت: بيَّن ذلك الرافعي في آخر "أماليه" بقوله: "إملاء الحديث طريقة مسلوكة في القديم والحديث ويشيبه نبل فضل التبليغ والرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ "بلّغوا عنّي ولو آية". وفيه فائدة أخرى: وهي تقييد العلم بالكتاب، قال: وهاتان الفائدتان. الجسيمتان تحصلان بالإملاء متعاونين لا كالتبليغ والسماع بلا كتابة، أو الكتابة بلا سماع. ثُمَّ يختصُّ الإملاء بفوائد أخرى: أحدها وهي العظمى: صحّة السماع وبُعده عن الخطأ والتحريف، وقد يصحّف فيما يقرأ إمّا عن خطأ أو جهل. والثانية: أنّ الإملاء يشتمل بعد رواية الحديث على تصرّف إمّا من جمع طرقه وشواهده أو ذكر أحوال رواته، والفوائد المتعلقة بمتنه، فيكون نشاط النفس لا حد لها، والانتفاع بها أكثر وأتمّ. الثالثة: ما فيه من زيادة التفهيم والتفهّم للمذاكرة والمراجعة في تضاعيف الإملاء والكتابة، والمقابلة، ويدعو إليهما التأمّل والفكر في تلك المهلة" هذا آخر كلام الرافعيّ، بواسطة "نكت الزركشي" (3/ 647 - 648).
(26) فإن تكاثر الجمع بحيث لا يُكتفى بمستملٍ واحد، اتَّخذ مُستمليين، فأكثر حتّى يبلّغ بعضهم بعضًا وكان في مجلس أبي مسلم الكجِّي سبعة مستمليين، وحُزِرَ مَن كتبوا عنه بمحابرهم: نيّفًا وأربعين ألف محبرة. انظر: "أدب الإملاء والاستملاء" (96 - ط دار الكتب العلمية)، "تاريخ بغداد" (6/ 121 - 122)، "جامع لأخلاق الراوي" (رقم 1160)، "تذكرة الحفاظ" (2/ 177)، "التهذيب" (5/ 49).
(27) أصل اتّخاذ المملي: ما أخرجه أبو داود (1956) والنسائي في "الكبرى" (4094) وغيرهما من حديث رافع بن عمرو، قال: "رأيتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ يخطبُ الناسَ حين ارتفع الضُّحى على بَغلَة شهباء، وعليٌّ [عليه السّلام] يُعَبِّر عنه"، وإسناده صحيح. وممّن روي عنه ذلك: مالك، وشعبة، ووكيع، ويزيد بن هارون، في عدد كثير من الأعلام السالفين، قاله ابن الصلاح (424 - 425 - ط بنت الشاطئ). وانظر: "الجامع لأخلاق الراوي" (2/ 55 - 56)، "أدب الإملاء" (85)، "الإرشاد" (1/ 504 - 505)، "المقنع" (1/ 401)، "المنهل الروي" (107).
(28) لئلا يقع في مثل ما وقع ليزيد بن هارون، وقد سُئل عن حديث، فقال: حدَّثنا به عدّةٌ، فصاح مُستمليه: يا أبا خالد! عِدَّةُ ابنُ مَنْ؟ فقال له: عدّةُ ابنُ فَقَدْتُك. أخرجه أبو أحمد العسكري في "تصحيفات المحدّثين" (1/ 37 - 38) ومن طريقه الخطيب في "الجامع" (رقم 1201).
(29) أصله: ما أخرجه مسلم (876): كتاب الجمعة باب حديث التعليم في الخطبة عن أبي رفاعة في حديث جاء فيه: "فأقبل عليّ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وترك خطبته حتّى انتهى إليّ، فأتي بكرسيٍّ حَسِبْتُ قوائمه حديدًا، قال: فقعد عليه رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وَجعل يعلِّمني ممّا علَّمه الله، ثم أتى خُطبته، فأتمَّ آخرَها".
(30) انظر: "الجامع" للخطيب (2/ 66)، "المنهل الروي" (107)، "التبصرة والتذكرة" (2/ 213)، "فتح المغيث" (2/ 297).
(31) في الأصل: "وجه"! والمثبت من "مقدمة ابن الصلاح" (425 - ط بنت الشاطئ) و"الإرشاد" (1/ 505) و"المنهل الروي" (107)، و"المقنع" (1/ 403). وأداء اللفظ على وجهه على سبيل الوجوب، انظر: "الجامع" (2/ 67)، "أدب الإملاء" (105)، "نكت الزركشي" (3/ 650)، "فتح المغيث" (2/ 297).
(32) بياض في الأصل، وهي كالمثبت في "مقدّمة ابن الصلاح" (425 - ط بنت الشاطئ) و"الإرشاد" (1/ 505).
(33) تقدّم بيان ذلك.
(34) ثبت هذا من فعل بعض السَّلف، فأخرج الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (2/ 68) رقم (1207) و"الفقيه المتفقه" (20/ 262 رقم 948) بسند صحيح عن أبي نضرة قال: "كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ إذا اجتمعوا تذاكروا العلم، وقرأوا سورةً". وأخرجه من طريق الخطيب: السمعاني في "أدب الإملاء" (ص 98) وأبو نعيم في "رياضة المتعلمين" كما في "نكت الزركشي" (3/ 651) وقال: "وظاهر كلام المصنّف أنّ القارئ غير المستملي، وقال الرافعي في آخر "أماليه": "استحبّوا للمملي أن يقرأ قبل الإملاء سورة خفيفة من القرآن، وَيُخْفِها في نفسه" واستحبّه ابن السمعاني للمستملي أيضًا" انتهى. قلت: عبارة الخطيب في "الجامع": "سورة من القرآن" وعبارته في "الفقيه والمتفقه": "يقرأ بعضهم سورة أو آيات من القرآن، قبل تدريس الفقيه أو بعده" وهذا يشعر أنّه يقرأ بجهر وإسماع لا يتخافت وإخفاء.
(35) أي: بعد قراءة القرآن، ولو ذكر الاستنصات ثم قراءة القرآن، لكان أحسن كما فعل ابن الملقن في "المقنع" (1/ 403) وأصل الاستنصات في "صحيح البخاري" (121) كتاب العلم: باب الإنصات للعلماء، عن جرير أنّ النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال له في حَجّة الوداع: "استنصت النّاس". وهو في مواطن من "صحيح البخاري" بالأرقام (4405، 6869، 7080) وفي "صحيح مسلم" (65). وهكذا ذكره الرافعي أنّ ذلك من وظيفة المستملي، وقال ابن السمعاني في "أدب الإملاء" (49): "هو من وظيفة المملي" قال: "ولو فعله المستملي كان حَسَنًا". وانظر: "نكت الزركشي" (3/ 651)، "فتح المغيث" (2/ 298) وفي هامش بعض النسخ الخطية من "علوم ابن الصلاح" "قال المصنّف: لَغْط: بالسكون أفصح، وبالفتح أشهر".
(36) دليله: ما روي في المرفوع: "كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" أخرجه الخطيب في "الجامع" (2/ 169) والرُّهاوي في "الأربعين" ومن طريقه ابن السبكي في "طبقات الشافعية" (1/ 14 - 15). وانظر "الأجوبة المرضية" (1/ 191). ولفظة البسملة فيه لم تثبت قط، وأغرب العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 241) في عزوها لأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان، فالحديث عندهم بلفظة "الحمد" بدل "البسملة"، وأخطأ المناوي في "فيض القدير" (5/ 14) لمَّا عزاه للخطيب في "تاريخ بغداد" بلفظة البسملة، قال أحمد الغماري في رسالته "الاستعاذة والحسبلة ممّن صحّح حديث البسملة" (ص 12): "ووهم من عزاه له في "التاريخ" فقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أره فيه" وصحّحه بلفظة "الحمدلة" وذهب إلى وضع وكذب لفظ "البسملة" وتابعه عليه د. عبد الغفور البلوشي في مقالة نشرت في مجلة "البحوث الإسلاميّة" العدد (39) عام 1414 هـ، ثم طبعه في رسالة مستقلة بعنوان "تفصيل المقال على حديثٍ كل أمر ذي بال"، وردَّ عليهما الأستاذ الشيخ عبد الرؤوف بن عبد الحنّان في "أحسن المقال في تخريج حديث كلّ أمر ذي بال" وضعف لفظه "الحمدلة" أيضًا. قلت: ضعّفها أبو داود في "سننه" (4840) عقب روايته له، وكذلك فعل الدارقطني في "علله" (8/ 29) والنسائي كما في "التحفة" (13/ 368 – ط: الهندية) وهو الذي مال إليه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 282) وفي "الفتح" (1/ 8 و 8/ 220) وفي "التلخيص الحبير" (3/ 151)، والسخاوي في "الأجوبة المرضية" (1/ 200 - 202) وجزم بضعف لفظة (الحمدلة) الألباني في "تمام المنّة" (333) و"الإرواء" (1/ 29 - 32). فهذا الحديث لم يثبت لا بلفظ (البسملة) ولا (الحمدلة)، ويبقى الثابت خطبة الحاجة، كما أومأنا إليه في التعليق على (ص 643)، فانظره هناك، تولّى الله هداك، وفيها الحمدلة بصيغة محصورة مخصوصة، والله الموفّق.
(37) عبارة ابن الصلاح في "المقدمة" (425 - ط بنت الشاطئ) وابن الملقن في "المقنع" (1/ 404): "أو نحوه"، وعبارة النووي في "الإرشاد" (1/ 507): "وما أشبهه". وقال ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (277): "والأحسن عندي أن يقول: من حدّثك، أو من أخبرك، إن لم يكن تقدّم من الشيخ لأحد ذكر، إلا أن تكون هذه العبارة - أي: من ذكرت - عادة للسلف مستمرّة، فالاتِّباع أولى". وانظر: "الجامع" (2/ 71)، "المنهل الروي" (107)، "فتح المغيث" (2/ 298)، كتابي "البيان والإيضاح" (119) نشر الدار الأثريّة، عمان.
(38) الاقتراح (ص 277 - ط العراقية أو ص 251 - ط الأخ عامر صبري).
(39) الجامع لأخلاق الراوي (2/ 103) وعبارته: "إذا انتهى المستملي في الإسناد إلى ذكر النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ استحبّ له الصلاة عليه، رافعًا صوته بذلك، وهكذا يفعل في كلّ حديث، عاد فيه ذكره - صلى الله عليه [وآله] وسلم -".
(40) الجامع (2/ 104، 106)، "أدب الإملاء" (65، 104)، "التبصرة والتذكرة" (2/ 215)، "فتح المغيث" (2/ 300).
(41) هذه من زيادة النووي في "الإرشاد" (1/ 508)....
(42) فعله غير واحد من السلف كقول عطاء: حدثني البحر (يريد ابن عباس) ... انظر: "الجامع" للخطيب (2/ 85 - 87)، "التبصرة والتذكرة" (2/ 216)، "الإرشاد" (1/ 509)، "المقنع" (1/ 405)، "المنهل الروي" (107). وممّا ينبغي ذكره هنا ألّا يغالي المحدّث في مدح الشيخ، ففي مدح الشيخ في بعض المناسبات والسياقات مدح للنفس، وإن فعل فعليه أن يذكر ما يستحقُّه، وهكذا ينبغي أن يفعل الشيخ ولا سيما إن قرأ عليه المملي مع شيخه ومن فوقه فيترحّم عليهم ... وإن لم يكن الشيخ مشهورًا، أو كان مقلًّا، زكَّاه الراوي بقوله: حدّثنا فلان وكان ثقة، وهذا مشهور في دواوين الحديث.
(43) لأنَّ الشيوخ هم الآباء في الدين، وصلة بين التلاميذ وربّ العالمين، والدعاء لهم وذكر مآثرهم والثناء عليهم وشكرهم أداءٌ لشيء من حقوقهم، وقد قال ابن راهويه: قلّ ليلة إلا وأنا أدعو فيها لمن كتب عنّا ولمن كتبنا عنه. والأهمّ من الدعاء للشيخ: أن تعزى الفوائد والدقائق له، قال أبو عبيد: "من شكر العلم أن تستفيد الشيء فإذا ذكر، قلت: خفي عليَّ كذا وكذا ولم يكن لي به علم حتّى أفادني فلان فيه كذا وكذا، فهذا شكر العلم"، أسنده عنه البيهقي في "المدخل" (رقم 705) والقاضي عياض في "الإلماع" (22) ومحمد ابن القاضي عياض في "التعريف بأبيه" (ص 82، 83).
(44) الألقاب منها الممدوح ومنها المذموم، ولم يستعمل المحدّثون الألقاب التي فيها قبح إلا للتعريف بالرواة، وسومح في الألقاب، لا سيما إذا لم يكرهها أصحابها؛ لأنّها توجب المدح بشرط عدم الإطراء، ولأنّها اشتهرت، وكان التعريف بالراوي متوقّفًا عليها، وبوّب البخاري في "صحيحه" في كتاب (الأدب): (باب ما يجوز من ذكر الناس، نحو قولهم: الطويل والقصير، وقال النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم -: "ما يقول ذو اليدين" وما لا يُراد به شينُ الرجل). وانظر ما سيأتي (ص 744، 755)، "التبصرة والتذكرة" (2/ 218)، "المقنع" (1/ 405)، "نكت الزركشي" (3/ 654 - 657)، "فتح المغيث" (2/ 302)، كتابي "البيان والإيضاح" (178 - 180).
(45) انظر عن معناه ومَنْ لُقِّبَ به ما سيأتي (ص 756).
(46) ذكر هنا أنّ مُنْيَة أمُّ يعلى، وسيأتي في فقرة (246) أنّ مُنية جدّته أم أبيه، وهو الصواب، وانظر تعليقنا هناك.
(47) في الأصل: "على" والمثبت من "مقدّمة ابن الصلاح" (436 – ط: بنت الشاطئ) و"الإرشاد" (1/ 510)، "المقنع" (1/ 406)، "المنهل الروي" (108).
(48) في الأصل: وما هو أعلى سندًا! والمثبت يقتضيه السياق وهو عبارة ابن الصلاح (426) والنووي (1/ 510) وابن الملقن (1/ 406) وابن جماعة (108)، فصحّحناه من أصل الكتاب ومختصراته الأخرى كما رأيتَ.
(49) بعدها في عبارة ابن الصلاح: "فإنّه أحسن وأليق، وينتقي ما يمليه، ويتحرَّى المستفادَ منه"، نعم، يستحب للمملي أن يملي ما يراه أبلغ وأعمّ فائدة، وأن يُفَسِّرَ ما يحتاج إلى تفسيره وبيانه، انظر "نكت الزركشي" (3/ 657 - 658).
(50) زاد ابن الصلاح! و"فضيلة" وزاد النووي وتبعه ابن الملقّن وابن جماعة: "وضبط مشكل".
(51) سقطت من الأصل وأثبتها من "مقدمة ابن الصلاح" ومختصرات كتابه، مثل: "الإرشاد" (1/ 510) و"المقنع" (1/ 406) و"المنهل الروي" (108).
(52) لما يخاف عليهم من الوهم في فهمه، وأخرج البخاري في "صحيحه" (127) عن عليّ قال: "حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله". وللشاطبي في "الموافقات" (1/ 123 - 124) و (5/ 167 - 169) كلمة نفيسةٌ جدًّا في هذا المعنى، فلتنظر. وينظر: "الجامع" (2/ 107 - 108)، للخطيب "فتح المغيث" (2/ 306)، "البيان والإيضاح" (120).
(53) هذه من زيادات المصنّف، وأخذها من "الاقتراح" (279) وانظر شرحي على "نظم العراقي" له، المسمى "البيان والإيضاح" (120)، وينظر "نكت الزركشي" (3/ 658 - 659). وممّا يجب على المملي تجنّبه: رواية الحديث الموضوع والمطروح التي ما راجت إلّا بسبب الجهلة والقصّاص، نعم، يجوز ذكر الموضوع إذا اقترن معه البيان ليحذره الناس، ودون ذلك، فحرام، إلّا إن كان في مجالس (المذاكرة) ليستفاد منها في التعليل، وتتقوّى ملكة النقد، ويمتحن بها الطلبة، ولا يكون ذلك إلا لأهل الصنعة الحديثيّة فحسب.
(54) من عادة المملين البدء بإسناد المرفوع ثم الموقوف ثم الحكايات والأقوال والزهديّات والأشعار، ولاسيما إن ناسبت ما سبق من الموضوع والمقام، وهكذا يبتدأ بكلّ مجلس، ولعلّ تكرارًا يقع فيها، كما تراه في "المجالسة وجواهر العلم" لأبي بكر أحمد بن مروان الدينوريّ، وهو مطبوع بتحقيقي في عشر مجلدات، ولي في تقديمي عليه تفصيل عن كتب (الإملاء) ومجالسه، فلتنظر فيه، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات. وانظر: "الجامع" (2/ 129)، "أدب الإملاء" للسمعاني (168)، "محاسن الاصطلاح" (427)، "التبصرة والتذكرة" (2/ 222)، "نكت الزركشي" (3/ 657 - 660) وذكر فيه عن الرافعي والسمعاني ما فات ابن الصلاح ومختصري كتابه من آداب وأحكام ينبغي أن يراعيها المملي، من مثل: أن لا يطيل مجلس الإملاء، إلا إذا عرف أنّ الحاضرين لا يتبرّمون به، وأن يدعو ويستغفر عند تمامه سرًّا وجهرًا، وأن لا يحدّث إلّا من كتابه ولاسيما المرفوع للنبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وأن لا يعيد الحديث لمن جاء متأخّرًا، قال الثوري: "من غاب خاب، وأكل نصيب الأصحاب، ولم يُعَدْ له الحديث".
(55) زاد النووي في "الإرشاد" (1/ 511) وابن جماعة في "المنهل" (108) وابن الملقن في "المقنع" (1/ 406): "واشتغل".
(56) قال الخطيب في "الجامع" (2/ 88): "كان جماعةٌ من شيوخنا يفعلون ذلك"، وسمَّاهم، وينظر "فتح المغيث" (2/ 309).
(57) المقابلة بعد الكتابة واجبة، لإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم وطُغيانه، انظر: "الجامع" (2/ 133)، "المقنع" (1/ 406).
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
