1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

القانون العام

القانون الدستوري و النظم السياسية

القانون الاداري و القضاء الاداري

القانون الاداري

القضاء الاداري

القانون المالي

المجموعة الجنائية

قانون العقوبات

قانون العقوبات العام

قانون العقوبات الخاص

قانون اصول المحاكمات الجزائية

الطب العدلي

التحقيق الجنائي

القانون الدولي العام و المنظمات الدولية

القانون الدولي العام

المنظمات الدولية

القانون الخاص

قانون التنفيذ

القانون المدني

قانون المرافعات و الاثبات

قانون المرافعات

قانون الاثبات

قانون العمل

القانون الدولي الخاص

قانون الاحوال الشخصية

المجموعة التجارية

القانون التجاري

الاوراق التجارية

قانون الشركات

علوم قانونية أخرى

علم الاجرام و العقاب

تاريخ القانون

المتون القانونية

القانون : القانون العام : القانون الاداري و القضاء الاداري : القضاء الاداري :

الدور الموضوعي للقاضي الإداري في استخلاص القرائن

المؤلف:  زينة فؤاد صبري الحيالي الحسني

المصدر:  التنظيم القانوني للترافع في الدعوى الإدارية امام قضاء مجلس الدولة

الجزء والصفحة:  ص 85-95

2024-11-13

304

يقوم القاضي الإداري إلى جانب الدور الإجرائي بدور موضوعي في الدعوى الإدارية لغرض إعادة التوازن بين أطراف الدعوى الإدارية من خلال استخلاص القرائن القضائية التي لها أهمية كبيرة في الإثبات لأنها تكوّن قناعة القاضي ولأنها تُغني من تقررت لمصلحته عن أي دليل آخر من أدلة الإثبات، فضلاً عن القرائن القانونية والتي أرسى لها المشرع نصوص قانونية يطبقها القاضي الإداري في أحكامه بعدها من وسائل الإثبات المهمة، ومما تقدم سنقسم هذا الموضوع على فرعين يتضمن الفرع الأول: سلطة القاضي في استخلاص القرائن القانونية، ويبين الفرع الثاني: سلطة القاضي في استخلاص القرائن القضائية.
الفرع الأول
سلطة القاضي في استخلاص القرائن القانونية
القرائن هي من وسائل الإثبات التي تستند إلى أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول على أساس أن الأمر المألوف هو ارتباط الأمرين وجوداً أو عدماً، وهي من وسائل الإثبات غير المباشرة والتي لا يكون الإثبات فيها على الواقعة المنشئة للحق ذاتها بل على واقعة ثانية يؤدي إثباتها إلى إثبات الواقعة المراد إثباتها (1).
وقد عرفت القرائن بأنها : النتائج التي يستخلصها القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة) (2)، وهي بهذا المعنى تدل على دور القاضي في تحليل الوقائع المعروضة عليه لغرض استخلاص الواقعة المجهولة وتطبيق النص القانوني عليها.
ووردت القرائن القانونية في نصوص قانون اثبات المواد المدنية والتجارية المصري رقم (25) لسنة 1968 إذ لم يعرفها صراحة بل وردت على سبيل التوضيح فنص على أنها ( القرائن التي تغني من تقررت لمصلحته عن أي طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقضها بالدليل العكسي مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك) (3)، وفي السياق ذاته فقد عرف المشرع العراقي القرائن القانونية في قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 المعدل على أنها: (استنباط امر غير ثابت من أمر ثابت على اعتبار أن الامر الأول يتحقق فيما لو تحقق الامر الثاني) (4)، ومن خلال تحليل التعريفين نلاحظ أن المشرع المصري أكد على أن القرينة القانونية إذا لم تنقض فهي تكون دليل إثبات لمن تقررت لمصلحته وهو هنا بين فائدة القرينة القانونية بالنسبة للخصوم، على عكس المشرع العراقي فهو اكتفى ببيان القرينة في قانون الإثبات وتعريفها ولم يوضح فائدتها بالنسبة لأطراف الدعوى ونحن ندعو المشرع العراقي على تعريفها تعريفاً أكثر وضوحاً مبيناً مدى أهميتها بالنسبة لأطراف الدعوى.
فالقرينة القانونية هي التي يستنبطها المشرع من وقائع الحياة فيقوم بصياغتها في قاعدة عامة دون تدخل أي جهة أخرى (5) ، والأساس الذي تقوم عليه القرينة القانونية هو نص القانون لذلك فإن دور القاضي الإداري يقتصر على التحقق من انطباق القاعدة القانونية - القرينة - المنصوص عليها على وقائع الدعوى (6)، كما في قرينة الاستقالة الضمنية في القانون المصري والتي مؤداها استقالة العامل ضمناً عندما ينقطع عن عمله دون عذر مشروع ولمدة خمسة عشر يوماً متتالية وثلاثون يوماً متقطعة خلال نفس السنة (7) ، فالقرائن القانونية تجسيد تطبيقاً حياً لنظام الإثبات المقيد الذي لا يدع للقاضي مجالاً لحريته في الاقتناع أو مجالاً لحرية الخصوم في الإثبات، بل إن المشرع فرض على القاضي والخصوم التقيد بنص القانون في وقائع معينة طالما وجد هذا النوع من القرائن ولو بدا له مخالفتها للواقع في بعض الحالات، لذلك كان الأفضل إلا يتوسع المشرع في تقرير القرائن القانونية ويترك للقاضي مهمة استنباطها في كل حالة على حدى (8).
وبما إن القرينة القانونية تغني عن أي دليل آخر في الإثبات لمن تقررت لمصلحته في الدعوى الإدارية، إلا أنه يجوز بالمقابل تمسك الطرف الآخر في الدعوى إثبات العكس لنقض تلك القرينة، وهذا لا يعني نقض القرينة التي نص عليها القانون لأن النصوص القانونية هي قاعدة ثابتة واجبة التطبيق ولا يجوز العمل على مخالفتها، ولكن يتم إثبات إن الواقعة محل الدعوى لا تنطبق عليها هذه القرينة القانونية فإذا كانت القرينة القانونية من القرائن البسيطة غير القاطعة (9) فيجوز نقضها بالدليل العكسي (10) ، فإذا ثبت للقاضي الإداري ذلك فإنه ينقض تلك القرينة إلا في حالة وجود نص في القانون لا يجيز اثبات عكس تلك القرينة (11) ، أما إذا كانت القرينة القانونية قاطعة للدلالة * فلا يجوز اثبات عكسها أو نقضها إذا كانت متعلقة بتنظيم أمر من أمور النظام العام (12)، أما إذا كانت تنظم أمور خاصة للأفراد فأنه يجوز نقضها فقط بوسيلتي الإقرار واليمين كقرينة القرار الإداري الضمني وقرينة استقالة الموظف (13).
أما عن حجية القرينة القانونية فقد وردت في المادة (99 / ثانياً) من قانون إثبات المواد المدنية والتجارية المصري "القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أي دليل اخر من ادلة الاثبات (14)، فالأثر المترتب على القرينة القانونية أنها تغني عن ادلة الاثبات الأخرى، فالخصم الذي تقوم لمصلحته قرينة قانونية يسقط عن كاهله عبء الإثبات، لكن يجب عليه إثبات الواقعة التي تقوم عليها القرينة القانونية، لأن الأخيرة إذا كانت اعفاء من إثبات الواقعة المراد إثباتها فهي ليست اعفاء من إثبات الواقعة التي تقوم عليها القرينة القانونية (15) .من ذلك ما اشترطه المشرع العراقي في المادة (7/سابعاً) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979) المعدل بتقديم التظلم إلى الجهة الادارية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبلغ الموظف بالأمر أو القرار الاداري المطعون فيه أو عَدِهِ مبلغاً، وفي حالة . عدم اجابة الجهة الادارية خلال المدة المذكورة آنفاً عُدَّ ذلك قرينة على الرفض الضمني للتظلم، لذا يجب على الموظف أن يثبت تقديم التظلم خلال المدة المذكورة وعدم اجابة الادارة عنه حتى يمكن أن تتحقق تلك القرينة ومن ثم يكون طعنه في القرار الاداري مقبولاً شكلاً أمام القضاء الإداري.
وفي هذا الصدد يثار لدينا سؤال هل توجد نصوص تشريعية في القوانين المنظمة لإجراءات القضاء الاداري تقرر قرائن قانونية تطبق أثناء إثبات الواقعة المعروضة عليه؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول إن الفقه الإداري المصري قسم القرائن القانونية التي أقرها المشرع إلى قرائن إدارية تتعلق اساساً بالقانون الإداري ومنها قرينة القرار الإداري الضمني التي وردت في قانون مجلس الدولة المصري بالنص" ... ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن إتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح" (16)، وقرينة النشر والإعلان بالقرار الإداري التي بينها القانون نفسه بالنص ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به... (17) ، فضلاً عن قرائن مدنية تطبق أمام القضاء الاداري لاتفاقها مع منازعات القانون العام ومنها نصوص المواد (173) (174) من القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948 والتي تتعلق بقرائن المسؤولية عن عمل الغير، كذلك نصوص المواد ،(176 ، 177، 178) من القانون نفسه (17)، والتي تتعلق بقرائن الخطأ في الحراسة (18).
أما في العراق فإن التشريعات التي تقرر قرائن قانونية والمطبقة أمام القضاء الاداري والمتعلقة بالدعوى الادارية هي قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل والذي أشار لقرينة القرار الإداري الضمني أو الحكمي بالنص "يعد في حكم الامر أو القرار رفض أو امتناع الموظف أو الهيئة عن اتخاذ امر أو قرار كان من الواجب عليهما اتخاذه قانوناً (20) ، كذلك أشار قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل على القرائن القانونية كقرينة القبول الحكمي للاستقالة حيث نص على أنه " 1- للموظف أن يستقيل من وظيفته بطلب تحريري يقدمه إلى مرجعه المختص 2- على المرجع أن يبت في الاستقالة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً، ويعد الموظف منفكاً بانتهائها الا إذا صدر أمر القبول بعد ذلك .... (21) ، فضلاً عن قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل الذي أشار للقرائن القانونية في نصوصه كقرينة الابطال الحكمي العريضة الدعوى إذ نص على أنه: اتترك الدعوى للمراجعة إذا اتفق الطرفان على ذلك، أو إذا لم يحضرا رغم تبليغهما أو رغم تبليغ المدعي، فاذا بقيت الدعوى كذلك عشرة أيام ولم يطلب المدعي أو المدعى عليه السير فيها تُعد عريضة الدعوى مبطلة بحكم القانون ..." ...(22)، وجدير بالذكر أن التشريعات المذكورة يطبقها القاضي الإداري سواء أمام محكمة القضاء الاداري أو أمام محكمة قضاء الموظفين على المنازعات المعروضة أمامه وأن قانون مجلس الدولة العراقي رقم (65) لسنة 1979 المعدل قد أحال إلى هذه التشريعات الإجراءات التي يتبعها القاضي الإداري في الدعوى الإدارية فيما لم يرد فيه نص خاص فيه كما ورد في الفقرة حادي عشر من المادة (7) منه.
الفرع الثاني
سلطة القاضي في استخلاص القرائن القضائية
عرفت القرينة القضائية بأنها : (ما يستنبطه قاضي الموضوع من وقائع الدعوى المعروضة عليه وتُعَدّ استنتاجات فردية في حالات خاصة) (23)، ونحن نرى بأن هذه الاستنتاجات ما يُمنح للقاضي الإداري من تقديرية وحرية في استخلاص القرينة القضائية من الوقائع المعروضة عليه ولكن هذه الحرية الفردية مقيدة بموضوع الدعوى كون ليست جميع الوقائع التي تعرض أمامه تنطبق عليها هذه القرينة القضائية.
وقد أوردت كذلك العديد من التعريفات للقرينة القضائية فعرفت بأنها : (عبارة عن وقائع معينة معلومة وثابتة تؤكد أو تشهد على وقائع أخرى مترتبة عليها أو غير ثابتة بذاتها) (24) ، ومن استقراء التعريفات نلحظ بأن إستنباط القرينة القضائية يقوم على مرحلتين الأولى هي قدرة القاضي على استنباط القرينة من وقائع الدعوى المعروضة عليه، والمرحلة الثانية : هي قيام القاضي بتكييف هذه القرينة على الواقعة لغرض جعلها دليل إثبات للمدعي في دعواه.
وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في حكم لها مفادة بأن " لمحكمة الموضوع تقدير القرائن واستخلاص ما تقتنع به منها متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وهي إذ تباشر سلطتها في تقدير الأدلة لا تملك الأخذ بنتيجة دون غيرها ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كانت الأدلة التي أوردتها من شأنها أن تؤدي إلى هذه النتيجة" (25).
وقد جاء في قانون إثبات المواد المدنية والتجارية المصري على أنه يُترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود (26)، وذلك على أساس أن القرينة القضائية وسيلة هامة للإثبات أمام القضاء الإداري يستطيع بها القاضي في ضوء ما يتمتع به من حرية في الإثبات في دحض أو إثبات الادعاء من خلال استعانته بواقعة معلومة في إثبات أخرى مجهولة بالنسبة له (27).
وفي السياق ذاته ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر وتطبيقاً للقرائن القضائية في دعوى تتعلق بعقد توريد على أنه : .... بالبناء على ما تقدم فإن المحكمة تستشف من ظروف التعاقد وملابساته وتراضي الهيئة في استلام الآلات مدة جاوزت الخمسة شهور، وإن الهيئة كانت غير حريصة على تنفيذ العقد في الميعاد المتفق عليه، لأن تنفيذ العقد في هذا الميعاد غير لازم..." (28).
أما في العراق فقد عرف المشرع القرائن القضائية في قانون الاثبات بأنها "القرينة القضائية هي استنباط القاضي أمر غير ثابت من أمر ثابت لديه في الدعوى المنظورة" (29) ، أن القرينة القضائية بهذا المعنى تقوم على عنصرين الأول: يكون عنصراً مادياً يتمثل بوجود الواقعة الثابتة من وقائع الدعوى المتصلة بالواقعة المتنازع فيها، وعنصراً معنوياً يتمثل في ذكاء القاضي وقدرته على استنباط القرينة من الواقعة المعلومة لإثبات الواقعة المجهولة. ويرد هنا سؤال حول مدى الدور الذي تلعبه القرائن القضائية أمام القضاء الإداري عنه في القضاء العادي وهل تتمتع بذات الحجية امامهما ؟ إجابة عن هذا السؤال أنه يختلف نظر القضاء العادي إلى القرائن القضائية عن نظرها أمام القضاء الإداري، إذ يعدها القضاء العادي بأنها طريق احتياطي للإثبات إذ يعتمد القاضي على ما يقدمه أطراف الدعوى من أدلة، إلا أنها أمام القضاء الإداري تُعد في مقدمة أدلة الإثبات لأن القاضي الإداري يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في وزن وتقدير ما يقدمه إليه أطراف الدعوى من أدلة وعناصر، دون أن يكون لأي منها حجية أو قوة محددة في الإثبات تفضل غيرها طالما أن المشرع لم يحدد الأدلة المقبولة أمام القضاء الإداري ومن ثم فإن تقدير الأدلة متروك أساساً لوزن واقتناع القاضي الإداري من حيث بيانها ومدى حجيتها في الإثبات دون الإلتزام بدليل دون آخر (30).
وتبرز أهمية القرائن القضائية عندما تخلو إضبارة الدعوى من أدلة الإثبات الكافية أو عندما يتعذر على الطرف المكلف بالإثبات من تقديم المستندات المؤيدة لطلبه فيتجه القاضي حينئذ إلى تأسيس حكمه على القرائن المستسقاة من حيثيات كل دعوى التي يستنتجها من ملفات إضبارة الدعوى لإستخلاص القرائن القضائية فينقل من خلالها القاضي عبء الإثبات على الطرف الآخر في الدعوى (31) ، وهذا ما يقودنا إلى القول بأن القاضي الإداري يتمتع بحرية الاقتناع مما يجعل المجال لديه واسعاً للإستنباط والإستنتاج من خلال فحص الواقعة المعروضة عليه وبيان مدى حجيتها في الإثبات، فالمستندات وغيرها من الأوراق هي في الأصل قرائن مكتوبة قابلة لإثبات العكس، أي إن القرائن تتصدر ادلة الاثبات في القضاء الإداري.
وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا من مجموع الاوراق والكشوفات والموافقات الأصولية في الدعوى، في حكم لها أصدرته مفادة ..... ويستنتج من الكتب المبرزة في الدعوى بأن طلب المدعي ينصب على الحصول على اجازة لإنشاء مخازن مبردة ، وقد اقترن هذا الطلب بالمخطط التصميمي المرافق به ، وحصلت موافقات الجهات ذات العلاقة على انشاء المخزن بهذا الوصف لكن لوحظ أن مديرية التخطيط العمراني في واسط وجهت كتابا بالعدد (2461) في 2010/11/18 إلى مديرية الزراعة قسم الاراضي التخصيص، مبينة عدم ممانعتها تخطيطياً على انشاء (المركز التسويقي الزراعي للمخازن المبردة ) بحيث تغير موضوع الاجازة في هذا الكتاب من (مخزن مبرد) إلى (المركز التسويقي الزراعي للمخازن المبردة )على خلاف مضمون الطلب والكشوفات وموافقات الجهات ذات العلاقة .... (32)، ومن خلال استقراء الحكم المذكور يتبين لنا بأنه منطقياً أن يقيم القاضي الإداري حكمه على القرينة القضائية المبينة في مضمون الطلب وحدها دون إشتراط دليل آخر يثبتها.
إلا أن قانون الإثبات العراقي بيّن أن للقاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون وذلك في نطاق ما يجوز إثباته بالشهادة (33) ، وبهذا فقد ساوى المشرع العراقي بين القرينة القضائية والشهادة من حيث حجية الإثبات، مما يترتب على ذلك أن القواعد بقبول الإثبات بالشهادة تطبق على القرائن بصورة مطلقة، وهنا يطبق الإطلاق في القرائن في القضاء العادي إلا أن الأمر يختلف في القضاء الإداري وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن القاضي الإداري غير ملزم بالأخذ بوسيلة محددة من وسائل الإثبات عند نظر الدعوى الإدارية فقد تكون القرينة عنده وحسب ظروف كل دعوى أقوى من الوسائل الكتابية نظراً لما تمتاز به الدعوى الإدارية من طبيعة خاصة، فضلاً عن إن القاضي الإداري غير ملزم بتطبيق النصوص القانونية التي قد تتعارض مع نـ تلك الطبيعة (34).
ثانيا: إن القرائن تُعد من وسائل الإثبات المهمة في الدعوى الإدارية من خلال المساعي الدائمة التي يقوم بها القاضي الإداري لتخفيف عبء الإثبات المُلقى على كاهل المدعي في الدعوى بعده الطرف الضعيف والأولى بالرعاية القضائية فيها فيستطيع القاضي نقل عبء الإثبات على كاهل الإدارة بواسطة القرائن القضائية لتحقيق التوازن بين طرفيها وإن كان نقل هذا العبء يكون بصفة مؤقتة إلا أنه قد يؤدي إلى أنهاء الدعوى لصالح المدعي إذا فشلت الإدارة في إثبات عكس القرينة الملقاة على عاتقها (35).
وإن حجية القرائن القضائية في الاثبات حددها المشرع العراقي في قانون الإثبات في نطاق ما يجوز إثباته بالشهادة (36)، إذ أنها من استنباط القاضي لذا فهي متوقفة على قناعته، وهي تُعَدُّ دليلاً غير قاطع لأنها أضعف الادلة ويمكن إثبات عكسها بقرينة قضائية مثلها أو اقوى منها (37)، إلا أن هناك بعض العوامل المؤثرة في حجية القرائن القضائية في ميدان القضاء الإداري من حيث الإطلاق والتقييد كما سنبينه فيما يأتي:
أولاً: حجية القرائن القضائية في الوقائع المادية
لا يتقيد القاضي الإداري في الوقائع المادية بدليل إثبات ،معين وغالباً ما تكون القرائن هي الوسيلة التي يمكن من خلالها التوصل إلى الوقائع المجهولة من خلال وقائع أخرى معلومة مرتبطة بالوقائع الأولى ارتباطاً عقلياً، وإن الأعمال المادية التي تصدر عن الإدارة كاستخدامها لوسائل النقل التابعة لها واستخدام الآلات والمكائن الانتاجية المختلفة، فيكون للقرائن القضائية بشأنها حجية مطلقة، إذ تفتقد الدعوى الإدارية في هذه الحالة إلى الأدلة الكتابية، فعندما يثار النزاع عن الأضرار التي تسببها هذه الأعمال للأفراد فأن للقاضي الإداري اللجوء إلى القرائن أي أن يفترض (قرينة) الخطأ لإثبات الواقعة المتنازع عليها ولا يتقيد بذلك بالدليل الكتابي ويتم التعويض على أساسه، وإن هناك بعض الإستثناءات التي يتطلب فيها القانون بمقتضى نصوص متفرقة دليلاً معيناً على قيام واقعة مادية محددة، أي بمعنى أن القرائن القضائية لا تكفي لإثباتها، ومن الاستثناءات التي اشترط المشرع فيها الدليل الكتابي لإثبات بعض الوقائع المادية هي ضرورة إثبات كفاية الموظف بالتقارير السرية وإثبات مرض الموظف بمعرفة الهيئة الطبية، واثبات واقعة الولادة أو الوفاة بالسجلات الرسمية المعدة لذلك (38)
ثانياً: حجية القرائن القضائية في التصرفات القانونية
إن الإثبات في التصرفات القانونية في نطاق القضاء الاداري يكون مقتصراً على الأدلة الكتابية، إذ من الممكن أن يلجأ القاضي الاداري إلى القرائن في إستخلاص الدليل وهذا نابع من الحرية المطلقة الممنوحة له في البحث عن الأدلة وتقييمها، وهناك بعض الحالات التي يصبح فيها اللجوء إلى القرائن القضائية أمراً ضرورياً كما في حالة الغش والاحتيال في التصرفات القانونية وهذا ما عالجه قانون الإثبات العراقي رقم (107) لسنة 1979 المعدل إذ نص على " جواز الإثبات بالقرائن القضائية للطعن في تصرف قانوني إذا قام الطعن على وجود غش أو احتيال في ذلك التصرف" (39)، فقد تمتنع الإدارة أو تخفي الأوراق التي من الممكن أن يستعين بها المدعي لإثبات دعواه، لأن إبراز هذه الأوراق قد يؤدي إلى إلغاء قرار الإدارة غير المشروع، ومن ثم فإن إخفائها لذلك لا يمنع القاضي الإداري عن استخدام سلطته الواسعة في إثبات الدعوى، بمعنى أن للقاضي حق اللجوء إلى القرائن القضائية بعدها الوسيلة المناسبة لهذه الحالة (40)، ومن إستقراء ما سبق يتبين لنا بأن حجية القرائن القضائية في إثبات وقائع الدعوى الإدارية هي حجية مطلقة إنطلاقا من الدور الإيجابي للقاضي الإداري الذي يستطيع أن يبحث بحرية واسعة عن الدليل الذي يستنتج عليه الحكم، فإذا لم تسعفه الأدلة الكتابية إستعان بالقرائن القضائية في اصدار الأحكام القضائية.
_______________
1- د. عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي: إجراءات الإثبات مقال منشور على الشبكة الدولية للإنترنت: https://2u.pw/wiuieyS ، تاريخ آخر زيارة 2024/2/17.
2- د. عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الإثبات وآثار الإلتزام، ط3، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2000 ، ص328
3- المادة (99) من قانون إثبات المواد المدنية والتجارية المصري رقم 25 لسنة 1968 المعدل.
4- المادة (98/ اولاً) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
5- اقبال نعمت درویش: الوسائل التحقيقية للإثبات في الدعوى الإدارية بحث منشور في مجلة الشرق الوسط للدراسات القانونية والفقهية، عمان، المجلد 2، العدد 1، 2022 ، ص 159
6- احمد عزيز خيون: دور القاضي في اثبات الدعوى المدنية، ط ا ، المكتبة القانونية، بغداد، 2011، ص 115.
7- المادة (98) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المصري رقم 47 لسنة 1978 والتي نصت على أنه يعتبر العامل مقدماً استقالته في الحالات الآتية: 1- إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوما متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوما الآتية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول وفى هذه الحالة يجوز للسلطة المختصة أن تقرر عدم حرمانه من أجره عن مدة الانقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك وألا وجب حرمانه من أجره عن هذه المدة فإذا لم يقدم العامل أسبابا تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل. 2- إذا انقطع عن عمله بغير إذن تقبله جهة الإدارة أكثر من ثلاثين يوما غير متصلة في السنة وتعتبر خدمته منتهية في هذه الحالة من اليوم الآتي لاكتمال هذه المدة"، وفي الحالتين السابقتين يتعين إنذار العامل كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام في الحالة الأولى وعشرة أيام في الحالة الثانية.
8- محمد صبار محمد سلطة القاضي الإداري في الإثبات بدعاوى الوظيفة العامة في العراق، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة تكریت، 2020 ،ص117
9- القرينة البسيطة غير القاطعة هي القرينة التي تقبل اثبات العكس مثل قرينة تخلف الشاهد عن الحضور أمام المحكمة للإدلاء بشهادته دليل على امتناعه عن اداءها ما لم يثبت تخلفه عن الحضور لعذر مشروع. ينظر د. سمير حامد الجمال: شرح قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية محاضرات ألقيت على طلبة الدراسات العليا، كلية الحقوق جامعة دمياط، بدون سنة، ص 9-7 .
10- المادة (100) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
11- كالقرينة القانونية المذكورة في المادة (132/ ثانياً) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل والتي نصت على أنه ويفترض في كل التزام ان له سبباً مشروعاً ولو لم يذكر هذا السبب في العقد ما لم يقم الدليل على غير ذلك". القرينة القاطعة هي القرائن التي لا تقبل اثبات ما يخالفها كقرينة أو حجية الشيء المقضي به أو قرينة العلم بالقانون وعدم الجهل بعد أن يتم نشرة في الجريدة الرسمية ويصبح نافذ المفعول حيث ان ذلك قرينة قاطعة على الناس كافة كونها تعد في خدمة الصالح العام. ينظر مروة أبو العلا: تعريف القرائن ومدى حجيتها في الإثبات مقال منشور على موقع استشارات قانونية متاح على الشبكة الدولية للأنترنت : https://2u.pw/7DErPbN ، تاريخ آخر زيارة 11/13/ 2023.
12- المادة (101) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل والتي نصت على أنه يجوز قبول الإقرار واليمين في نقض القرينة القانونية القاطعة التي لا تقبل إثبات العكس في الأمور التي لا تتعلق بالنظام العام".
13- د. بشار حمد انجاد الجميلي: دور القضاء الإداري العراقي بإحلال التوازن في الخصومة الإدارية - دراسة مقارنة، ط1،ج2 كتبة القانون المقارن بغداد 2022 ، ص 465.
14- تقابلها المادة (98) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
15- د. عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الإثبات وآثار الإلتزام، ط3، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2000 ، ص558-559.
16- المادة (10) من قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972 النافذ.
17- المادة (24) من القانون أنف الذكر.
18- د. علاء الدين ابراهيم ابو الخير دور القاضي الإداري في الإثبات، مطبعة الفتح الإسكندرية، 2014، ص 137 - 138.
19- المادة (176) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 التي نصت على أنه: " ان المقصود بالخطأ في الحراسة هو ترك الحارس زمام الشيء يفلت من يده من ذلك مسؤولية حارس الحيوان ولو لم يكن مالكاً له عما يحدثه الحيوان من ضرر، وكذلك المادة (177) من القانون نفسه التي نصت على مسؤولية حارس البناء ولو لم يكن مالكاً له عما يحدثه انهدام البناء من ضرر ولو كان انهداما جزئياً، فضلاً عن المادة (178) من القانون نفسة والتي نصت على أنه : " مسؤولية كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر.
20- المادة (7/ سادساً) من قانون مجلس الدولة العراقي رقم 65 لسنة 1979 المعدل.
21- المادة (35) من قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لسنة 1960 المعدل.
22- المادة (54) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل.
23- د. صعب ناجي عبود واكرام جبر حسن حجية القرائن القضائية في اثبات الدعوى الإدارية، بحث منشور في مجلة القانون للدراسات والبحوث القانونية، كلية القانون جامعة ذي قار، العدد 21، 2020، ص8.
24- د. وائل مؤيد جلال الدين خليل القرائن في القانون الأمريكي - دراسة مقارنة في قواعد الإثبات الفيدرالية مع بعض قوانين الإثبات، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق كلية الحقوق جامعة الموصل، المجلد ،16 ، العدد 57 ، 2013، ص 74. ينظر في السياق ذاته قيس عبد الستار عثمان القرائن القضائية ودورها في الاثبات رسالة ماجستير ، كلية القانون جامعة بغداد، مطبعة شفيق، بغداد، ،1975 ص 118
25- قرار محكمة التمييز المصرية رقم (128لسنة 40 ق جلسة 1975 )، نقلاً عن د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة: أصول الإثبات وإجراءاته في الخصومة ،الإدارية، ط1، المكتب الجامعي الحديث، مصر، 2013، ، ص 66.
26- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة: أصول الإثبات وإجراءاته في الخصومة ،الإدارية، ط1، المكتب الجامعي الحديث، مصر، 2013، ، ص 68967.
27- المادة (100) من قانون إثبات المواد المدنية والتجارية المصري رقم 25 لسنة 1968 النافذ.
28- قرار المحكمة الإدارية العليا في مصر لسنة (15 جلسة 1970/3/ 31 )، نقلاً عن د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة المرافعات الإدارية في قضاء مجلس الدولة، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، 2007 ، ص 391.
29- المادة (102 / اولاً) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
30- د. محمود فاهم الجبوري: مدى أهمية إصدار قانون أصول المرافعات الإدارية في العراق، مكتبة القانون المقارن، بغداد، 2023 ص 245.
31- د. عبد الرؤوف هاشم بسيوني قرينة الخطأ في " مجال المسؤولية ،الإدارية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2008 ، ص 101
32- قرار المحكمة الإدارية العليا في العراق رقم (547 / قضاء اداري / تمييز (2015 في (2016/2/11، قرارات مجلس الدولة وفتاواه لعام 2016، ص 491.
33- المادة (102) ثانياً) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
34- د. بشار حمد انجاد الجميلي: دور القضاء الإداري العراقي بإحلال التوازن في الخصومة الإدارية - دراسة مقارنة، ط1، كتبة القانون المقارن بغداد 2022 ، ص 468 و 469.
35- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة: إجراءات التقاضي والإثبات في الدعوى الإدارية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2007، ص 388
36- المادة (102) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
37- ماهر عباس ذيبان الشمري وسائل الإثبات في الدعوى الإدارية رسالة ماجستير، كلية الحقوق جامعة النهرين، 2015، ص 143.
38- د. صعب ناجي عبود واكرام جبر حسن حجية القرائن القضائية في اثبات الدعوى الإدارية، بحث منشور في مجلة القانون للدراسات والبحوث القانونية، كلية القانون جامعة ذي قار، العدد 21، 2020، ص 18- 19.
39- المادة (103) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل.
40- د قيس عبد الستار عثمان القرائن القضائية ودورها في الاثبات رسالة ماجستير ، كلية القانون جامعة بغداد، مطبعة شفيق، بغداد، ،1975 ، ص 24.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي