x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : المجتمع و قضاياه : آداب عامة :

خلق الجاهلية

المؤلف:  الشيخ توفيق بو خضر

المصدر:  شواهد أخلاقية

الجزء والصفحة:  ص107ــ113

2024-06-22

120

اتصفت الجاهلية ببعض الأخلاق الحسنة وجاء النبي الأعظم ليتمم تلك الأخلاق فقال: «انما بعث لأتمم مكارم الأخلاق»(1).

وكذلك كانت لديهم عادات جاهلية وينطبق عليها معنى الجهل والجاهلية انطباقا أكيدا. وهي كثيرة، فجاء الإسلام لكي يخلص الناس منها، من أجل أن يتساموا، ويترقوا، ومن أهم هذه الأمور هو التعصب الأعمى، ومنشأه الجهل الحقيقي. فالتعصب على قسمين:

الأول: تعصب مذموم.

وهو كل فعل ينشأ من رفض الآخر وعدم القبول به، بأي وجه من الوجوه لاعتبارات زائفة، وأمور اعتباريه ليست حقيقية، كالتعصب بالأنساب، أو الجاه، أو البلاد، ونحوه. ومن آثار هذا التعصب هو رفض الأخر وعدم القبول به. مما يحجب عن الإنسان الاستفادة من الطرف المقابل. لذا جاء الإسلام وحذر تحذيرا قويا من الاتصاف بهذه الصفة (العصبية) لذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله): «من تَعصب أو تُعصب له فقد خلع رفقة الإيمان من عنقه»(2).

فالرفقة هي الحبل الذي يقيد الإنسان المؤمن وهذا تشبيه كما نقيد البهائم فالإنسان يقيد أيضاً بمبادئه وقيمه الذي يَتعصب أو يُتعصب له كأنه قد خلع رفقة الإيمان أي الحبل الذي يشده بالإيمان، وعنه (صلى الله عليه وآله): (من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية)(3).

ويقول (صلى الله عليه وآله): (ليس منا من دعى إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصيبة)(4).

ومن وصايا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشتر في كتابه يقول له: «أملك حمية أنفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك)(5).

وهذا الخلق مذموم لا يفعله أهل الحق، ولا يقوم به من يثق بنفسه وبما لديه من قدرة وقابلية يستطيع من خلالها أن يثبت حقيقة أمره، ولا يحتاج إلى إثباته إلى تعصب، أو سباب، أو تجريح للآخرين من أجل إظهار أن الحق معه ومن ذلك قال الله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [الفتح: 26].

ومن روائع ما يذكر في هذه الصدد لشخصية بارزة في حياتنا المعاصرة وهو السيد علي السيستاني (حفظه الله) وأن الطريق الذي جعله يصل إلى هذه المقام العالي هو تهذيب نفسه، وعدم التعصب لرأيه مهما كان حتى لو أعتقد صحته. يقول أحد تلامذته: جاءه يوم طالب من طلاب العلم فطرح على السيد مسألة من المسائل، فاشتد البحث بينهما وبين ذلك الطالب أن الحق ليس مع السيد السيستاني وإنما هو مع السيد الخوئي (قد)؛ لأن ذلك الطالب كان يتبنى رأي السيد الخوئي في المسألة العلمية والسيد السيستاني يختلف معه في هذه المسألة، حاول جاداً أن يغير رأي السيد السيستاني فما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فصدرت منه كلمات غير طيبة تجاه السيد السيستاني ومع ذلك السيد السيستاني حاول أن يبين للطالب رأيه العلمي بكل أدب واحترام جم دون أن يصدر منه ما لا يليق بشخصه الكريم، كان يسير على وفق الموازين الأخلاقية والعلمية، وبعدما انتهى هذا الحوار ومشى ذلك الطالب المتعصب لرأي السيد الخوئي رحمه الله، التفتُ إلى السيد السيستاني قائلا: لقد صدرت من الطالب كلمات نابية وغير لائقة فلم ترد عليه؟

أجاب السيد السيستاني: هناك قصة:

فعندما كنت شاباً درست الفلسفة وأتقنت المطالب الفلسفية إتقاناً جميلا ودقيقاً حتى دعاني هذا الإتقان أن أتمسك بآراء الفلاسفة والحكماء، وأرى أن ما يصدر عنهم هو الحق، لكن كنت ملتزماً بأني لا أتعصب لرأيي بالرغم من اعتقادي أن ما أنا عليه من رأي خلاصته هذا الرأي، وأن ما صدر من الفلاسفة من آراء ونظريات سليم، ولكني في نفس الوقت لا أتعصب لرأيي.

وفي يوم رأيت عالما في الفقه والأصول من عمالقة العلم في مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) وكان هذا العالم اسمه الشيخ مهدي الاصفهاني، وكان ضد الفلاسفة مطلقا، فهو لا يقبل منهم شيئاً بخلافي الذي أعتقد صحة ما يقولون مئة بالمئة، لكن ذاك عالم في الفقه والأصول، فدرست عنده فلو تعصبت لرأي، لم أستفد من علم ذلك العالم، ولا أدرس عنده، لكن عدم التعصب يدعونني للاستفادة من علمه، وإن اختلفت معه في الرأي في مجال محدد أو في حقل من علم معين. وبالفعل حضرت أبحاث هذا العالم وكان هذا العالم لا يدع مناسبة إلا ويندد بالفلاسفة وبآرائهم عكس اتجاهي، ولكن لم أترك درسه بل تعلمت من خلال حضوري لدرس ذلك العالم قبول الحوار العلمي مع من اختلف معه في الرأي؛ لأن هذا الحضور والترويض النفساني طوال هذه المدة مع هذا العالم وعنده والذي اختلف معه في الرأي جعلني لا اتعصب حتى في المسائل التي اعتقد بصحتها. فأكون محايداً في الحوار العلمي للوصول إلى الرأي الصواب، بل أني اقبل أن يأتني شخص ويقول لي: إن جميع ما تعتقد به من مسائل فلسفية غير مسلمة فإني أستمع لما يقول من غير أي تأنف أو تضجر، لماذا؟ لأني لا أتعصب لرأيي؛ لأن العصبية تؤدي بالإنسان إلى ما لا يحمد عقباه أما عدم التعصب للرأي، لا، يدعوك لأن تأخذ ما لدى غيرك من علم وكمال.

وبهذه الطريقة وصل سماحته إلى المقام السامي الذي أعطاه الله إياه ببركة ترك صفات الجهل وخلق الجاهلية.

الثاني: التعصب الممدوح.

وهو التعصب للحق، وإلى الله سبحانه وتعالى ولكن حتى هذا التعصب لا يكون ممدوحا إلا بشروط معينة منها قبول الاستماع إلى الآخر حتى مع الاعتقاد بعدم صحة قوله ولذلك قال تعالى معلماً أنبياءه كيف يخاطبون الذين يرفضون الرسالات بقولهم: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].

فلم يرفض أن يكون الطرف الأخر على صحة حتى مع علمه بأنهم على خطأ. وذلك حتى يجذبه نحوه ويقبل منه. وفي حالة رفضه فإنه لا يولد من الرفض إلا الرفض، وهذه النتيجة غير مقبولة عند العقلاء. إذن التعصب إلى الحق لا ينفي قبول الآخرين، وهذه يحتاج إلى فن وعلم ولكي نفهم ذلك علينا أن نسمع كلام أمير المؤمنين الذي يحدد الميزان في التعصب المذموم والممدوح من نهج البلاغة، استمع لما يقول: «انظروا إلى ما في هذه الأفعال من قمع نواجم الفخر وقدع طوالع الكبر، ولقد نظرت فما وجدت أحداً من العالمين يتعصب لشيء من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم. فإنكم تتعصبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علة أما إبليس فتعصب على آدم لأصله وطعن عليه في خلقته فقال انا ناري وانت طيني.

وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم، فقالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35] فإن كان لا بد من العصية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل، بالأخلاق الرغيبة والأخلام العظيمة والأخطار الجليلة والآثار المحمودة فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام والطاعة للبر والمعصية للكبر والأخذ بالفضل والكف عن البغي والإعظام للقتل والأنصاف للخلق والكظم للغيظ واجتناب الفساد في الأرض واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال فتذكروا في الخير والشر أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم، فالزموا كل أمر لزمت العزة به شأنهم»(6).

ومن خلال التأمل في خطبة الإمام علي (عليه السلام) والكلام الموجود فيه يعطي الضوابط والموازين التي يجب أن يتعصب لها الإنسان، وكيف يكون ذلك التعصب بميزان الحق؟ وإلا كان جزءا لا يتجزأ من أخلاق الجاهلية التي ذمهم الله في الآية السابقة، وعدهم من الكفار الذين لم ينزل عليه سكينته، وحصره بالمؤمنين الذين لا يوجد لديهم حمية الجاهلية.

_________________________________

(1) غرر الحكم: 6278.

(2) الكافي 2: 307.

(3) الكافي 308:2.

(4) سنن أبي داود 2: 332.

(5) مستدرك الوسائل13: 171.

(6) نهج البلاغة، خطبة رقم: 192.