القادَةُ هُم أولئِكَ الذينَ يصنعونَ ويُغَيِّرونَ القواعدَ بُغيَةَ صِناعَةِ التغييرِ الذي يَصُبُّ في مَصلَحَةِ البشريّةِ، والذي يهدفُ بدورِهِ الى التطوّرِ، فالغايَةُ إذَنْ هِيَ التطوُّرُ أيّاً كانَ نوعُهُ أو مكانُهُ.
هذهِ الشخصيّةُ القياديّةُ التي تسعى الى التطوُّرِ لها سماتُها الخاصّةُ التي تتمتَّعُ بِها، وَهِيَ:
- الإقناع:
الشخصيّةُ القياديّةُ تمتَلِكُ قُدرَةً كبيرةً على الإقناعِ، فالقائدُ عادةً ما يكونُ قُدوةً للآخرينَ، يَحُثُّهُم على الإبداعِ والتَّقَدُّمِ، ويُشَجِّعُ الجميعَ على العَطاءِ المُمَيّزِ المُثمِرِ، وبالتّالي تقتدي النّاسُ بهِ وتسيرُ خَلفَهُ.
قالَ تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
- تحديدُ الأهدافِ وتكوينُ الرؤى:
يتمتّعُ القائدُ بنظرةٍ خاصّةٍ يستشرِفُ مِن خلالِها المُستقبلَ، فيُحَدِّدُ على أساسِها الأهدافَ ويُكـوّنُ الرؤى، ويُدخِلُ كُلَّ ذلكَ فيما بعدُ حيِّزَ التنفيذِ ليقطِفَ الثّمارِ.
- المُغامَرَةُ المَحسوبَةُ:
القائِدُ عادةً ما يُغامِرُ بُغيَةَ صناعةِ أوِ اكتشافِ أشياءٍ جديدةٍ، ولكـنْ وفقَ ضابطةِ الحسابِ الذي يجعلُ المُغامَرَةَ مأمُونةَ المآلِ على المشروعِ وأشخاصِهِ، ويتوخّى مِنَ القيامِ بِها الحُصولَ على الأشياءِ الإيجابيّةِ المُحتَمَلَةِ.
فلقَد أوصى الإمامُ عليٌّ ولدَهُ الحَسنَ -عَليهِما السَّلامُ- أنْ يخوضَ كأبيهِ، الغمراتِ للحَقِّ قائلاً: (جاهِدْ في اللهِ حَقَّ جهادِهِ، ولا تأخُذُكَ في اللهِ لَومَةُ لائمٍ، وخُضِ الغَمَراتِ للحَقِّ حيثُ كانَ).
شخصيّةُ القائدِ إيجابيّةٌ، تُراعي بَثَّ الرُّوحِ الجماعيّةِ الحماسيّةِ عِبرَ إشاعَةِ جَوٍّ مِنَ الأُلفَةِ والمودَّةِ والتَّحدّي، حيثُ يجعَلُ الفريقَ بروحٍ واحدةٍ، فَهُوَ عادَةً ما يُشَجِّعُ الفريقَ الذي يعمَلُ معَهُ، ويَحُثُّهُم على تقديمِ الأفضلِ.
القرآنُ الكريمُ لطالمَا كانَ يُشجع ويبث الإيجابية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
القائدُ يتحمّلُ المسؤوليةَ المُلقاةَ على عاتقِهِ، ولا يتنصّلُ مِنها أمامَ عامّةِ النّاسِ أوِ الفريقِ الذي يقودُهُ.
حَثَّ القُرآنُ الكريمُ المؤمنينَ على تحمُّلِ المسؤوليّةَ، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}
- التفكيرُ خارجَ الصُّندوق:
القائدُ شخصيّةٌ تميلُ بفطرَتِها الى تحقيقِ المُنجَزِ المُختَلِفِ على صَعيدِ الكَمِّ والنَّوعِ، كما أنّهُ شخصٌ يشرَعُ في المُباشَرَةِ بوضعِ خُطَطٍ للتطوّرِ والتَّقَدُّمِ، ولِذلكَ هُوَ يحُثُّ أفرادَ الفريقِ على ضرورةِ التفكيرِ خارجَ الصُّندوقِ للبَحثِ عَن أفكارٍ جديدةٍ ومُلهِمَةٍ.
قالَ تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا}
القائِدُ شخصٌ مُبادِرٌ لا ينتَظِرُ أحداً كي يطرُقَ بابَهُ أو يأتِيَ إليهِ، هُوَ مَن يقومُ باقتحامِ الميادينِ وتذليلِ الصِّعابِ، وتكسيرِ الحواجِزِ، وتقديمِ المُساعَدَةِ.
قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا}
القائدُ يتحدّى الصِّعابَ ويُسابِقُ الزَّمَنَ لتذليلِ العَقَباتِ، والبحثِ عَن ما يجعَلُهُ وفريقَهُ في حالةِ استطلاعٍ مًستدامَةٍ عَنِ الأفكارِ المُمَيَّزَةِ والأشياءِ الجميلَةِ، والنَّصرِ المُؤزَّرِ، هادِفينَ مِن ذلكَ إلى أنْ تكونَ مشاريعُهُم التي يعمَلونَ على تحقيقِها أكثرَ فاعليّةً وتَقَدُّماً.
قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
يُجَرِّبُ القائدُ أشياءَ جديدةً، وبالتّالي فإنَّ مَنْ يقومُ بتجريبِ أشياءَ جديدةٍ يتعرَّضُ للفَشَلِ في بعضِ الأحيانِ، ولذلكَ لا بُدَّ أنْ يتحلّى القائدُ بِسِمَةِ التحفيزِ، ليُساعِدَ الفريقَ على تجاوُزِ مرحلةِ ما بعدَ الفَشَلِ إنْ وُجِدَتْ، وعلى كافَّةِ الأصعِدَةِ، ماديّاً وَمَعنويّاً.
فعَنْ عَليٍّ - عليهِ السَّلامُ- قالَ: (كُنّا إذا حَمِيَ الوَطيسُ لُذنَا برسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ-).