جلست عجوز القرية الواقعة على طريق ( المشاية ) تراقب الطلائع الاولى لزوار الحسين في اربعينيته
الان هدأت نفسي كرضيع في حضن أمه ... قالت وهي تنظر في وجوه الزوار
أمسكت باسفلت الطريق كانها تمسك بالارض جميعاً
ترى كيف سيكون شعور يزيد لو راى الزوار وهو امام راس الحسين يتباهى بقتله ؟ سألتها حفيدتها زهرة
وضعت العجوز يدها على راسها وقالت : ماترينه الان يا ابنتي هو صورة للدولة المهدوية
ارادت زهرة ان تسأل جدتها عن قصدها لكن الجدة قاطعتها : خذيني يا زهرة ... آن لي الآن ان استريح... لقد قرت عيني برؤية زوار الحسين
عند الصباح بدأت زهرة رحلتها الى كربلاء ...
بعد قليل ... سمعت صوتاً ينادي ( هله بزوار الحسين ... تفضل يزاير )
قد سمعت هذا الصوت من قبل .... من صاحب هذا الصوت ؟ انه مدرسة الرياضيات الست هدى وتلك مديرة مدرستي يخدمّن الزوار ... سادخل موكبهّن
دخلت زهرة لخيمة النساء ... ماهذا ؟ الست ايمان تريد غسل قدمي ؟ لا لا انا الطالبة زهرة يا ست ايمان كيف تغسلين قدمي ؟
ابتسمت الست ايمان وقالت : في هذا الطريق تلغى كل الألقاب ليس هناك مدرس ومدير ووزير ولا يوجد فقير وغني وقوي وضعيف كل الناس على هذه الطريق ينقسمون الى زائر الحسين وخادم الحسين ... انتي يازهرة زائرة الحسين وانا خادمة الحسين فكلانا مرتبطتين بالحسين لافرق بيننا كما في دولة صاحب الزمان فدعيني أؤدي عملي
أرخت زهرة قدميها : هكذا قالت جدتي ... هي صورة للدولة المهدوية التي تلغي الطبقية
واصلت زهرة مسيرها ... وعند الظهيرة انتبهت بانها ليست جائعة كعادتها في مثل هذا الوقت ... كانت تدس الطعام في حقيبتها المدرسية لتتناوله في ( الفرصة ) لكنها اليوم لاتحمل الطعام لان اصحاب المواكب أطعموا جميع الزوار ... فكرت زهرة ... أليس هذا هو التكافل الاجتماعي الذي نادت به كل ثورات العالم التي درسناها في التاريخ ؟
قررت زهرة ان تتناول الطعام رغم عدم جوعها لتتأمل وجه خدام الموكب عند منحهم الطعام للزوار ... لماذا لايمنون علينا عند منحنا الطعام ... لماذا يتوسلون بنا كي نأخذ ما يعطونا وكأننا المتفضلون والمحسنون
هل هو عيد الحب ؟ بلى هو عيد الحب الحسيني والمهدوي
انهم يتفاخرون فيما بينهم أيهم خدم الزوار أفضل من الآخرين رغم انهم متعاونون جداً فيما بينهم ولا وجود للمتكاسل ... أهذه مؤسسة اشتراكية أم شركة رأسمالية ؟ من يعطيهم أجور العمل ؟ ومن أين يأتون بكل هذه الأطعمة التي يوزعونها للزوار ؟
هل هو النظام الاقتصادي المهدوي؟ هل هذا النظام يعتمد على العمل الجاد دون مراقبة العمال ؟
واصلت زهرة مسيرها وفجاة التقت بشقيقها أمجد
ابتسم أمجد : انا أسرع منك يازهرة لقد خرجت من البيت بعدكِ بساعتين
ضحكت زهرة وأرادت أن تكمل مسيرها مع شقيقها أمجد لكنه يريد ان يواصل مسيره مع أصدقائه
توقفت زهرة متفاجئة من سلوك أخيها : أتتركني وحدي ... انت ترفض ان أذهب لمدرستي بمفردي
التفت اليها أمجد : نحن على طريق الحسين ... لن يتحرش بك أحد ... أنا مطمئن
ذهب ليلتحق بأصدقائه ... أما زهرة ففكرة الدولة المهدوية لم تفارق مخيلتها ... هل ستخرج المرأة في الدولة المهدوية الى حيث تشاء دون أن يتعرض لها أحد كما في المسير الى الحسين ؟
ابتسمت ... أيها الأخ العاق يا أمجد لقد تركتني بمفردي على غير عادتك ... ولكنك علمتني ان المرأة في الدولة المهدوية والمسيرة الاربعينية لا تعاني من التحرش
حل المساء على زهرة وجعل التعب خطواتها بطيئة ... فقررت ان تبيت ليلتها عند أول من سيطلب منها المبيت
كان هناك الكثير من الرجال والنساء يتوسلون بالزوار أن يذهبوا معهم للمبيت
كانت تسمع شروط الزوار... هذا يطلب الماء الحار للاغتسال .. وذاك يريد شاحنة موبايل للاتصال باهله ... كانت تسمع أيضاً ترغيب الناس للزوار ... ( الكيزر ) شغلته منذ الصباح ... عندي خمس شاحنات ورصيد ... أرجوكم تعالوا معي ...
لا لا انهم معي لا تقترب منهم انا اقنعتهم اولاً ... قال الرجل السبعيني
عندها قررت زهرة الذهاب معه
باتت زهرة ليلتها واتصلت باهلها عند المساء ... أخبرتهم بمكان مبيتها ... لم يعترض أحد ... الجميع مطمئنون انها بخير ... لافرق بينها وبين شقيقها أمجد ... أهذه المساواة التي أرادتها كل ثورات العالم ؟
كيف صار أهلي الريفيون فجأة يساوون بيني وبين أمجد ... وفي الاربعينية فقط ؟ هل لأن الجدة أرضعتهم حب الحسين ؟ ام لان الحسين لديه حلول لكل مشاكل العالم ... يقدمها لنا في أربعينيته ؟
جدتي ... كيف انساكِ وانا استمد منكِ عزيمتي لزيارة الحسين .... اتصلت مرة اخرى وسمعت صوت جدتها
عندما تصلين الى الحسين اعتذري له عني ... قولي له ان جدتي لم تعد تستطيع المسير اليك
مسحت زهرة دمعتها ونامت ...
حلمت بالحسين ... وبجدتها
اكملت مسيرها عند الصباح ... لكن الطريق مزدحم هذا اليوم ... انه موكب كبير من ايران يمر ... وذاك موكب اخر من لبنان ... هؤلاء خليجيون ... ذاك الرجل هندي او باكستاني لااعرف ... هل ألغى الحسين كل الحدود الدولية كما يفعل المهدي ؟
الطريق هذا اليوم يعج بالأعراق ... الأسود والأبيض والأسمر ... كلهم يسيرون للحسين ... لهدف واحد ...
ايقاعاتهم متعددة ... اصواتهم مختلفة ... لغاتهم شتى ... لكن هدفهم واحد
في مسير كيلو متراً واحداً ...سمعت لغات كثيرة ... ترانيم مختلفة
لكن الحسين هو القاسم المشترك
هل تتلاقى عند كربلاء كل الحضارات ؟
هنيئاً لراسك ياحسين ... عنده تتلاقى الحضارات وتتلاقح ... وهم يتحدثون عن تصادمها
الامام المهدي ايضاً سيوحد كل الحضارات ... هكذا هو كما الحسين
انهما متشابهان تماماً ...
يا حسين ... يا حسين ... يا حسين ... صاحت زهرة ولاتدري لماذا فعلت ذلك
لماذا صحت ؟
بل لماذا لا أصيح ؟
ها هي اصوات أهل العراق والشام وايران وكل بقاع الارض تصيح ... يا حسين
كأن كل أهل الأرض يلهجون اليوم بذكرك يا حسين ... ألا تسمع يا يزيد ؟ اسمع أيها المعتوه ... انه كابوسك المزعج ... انها الأربعينية يا يزيد ...
شعرت انها اليوم ليست كباقي الايام
جلست عند حافة الطريق تمسح دمعتها : ياريحانة المصطفى ... يابن فاطمة الزهراء ... يا شجرة طوبى ... يا كهف المتعبين ...في هذا المسير عرفت انك تستطيع ان تفعل في شهر واحد من كل عام مالم تستطع كل ثورات العالم فعله في كل زمانها .
نهضت زهرة وواصلت المسير ... ولم تنسى وصية جدتها







وائل الوائلي
منذ 7 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN