كان بنو إسرائيل من المستضعفين المضطهدين الذين شملتهم المنة الإلهية الإمامة في الأرض بقيادة موسى الكليم وغيره من الأنبياء ومثل هذه الأمور هي من سنن الله عز وجل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ...} [القصص: 5] ومن وظيفة كل متنعم أن يحتفظ بذكرى الخلاص من قهر العدو إلى رأفة الصديق؛ كما قد أشير في البحوث الفائتة إلى ضرورة تذكر آلاء الباري تعالى.

إن أفضل ما تتذكر به نعمة الإمامة في الأرض هو إحياء الأمور التي جعلها الله تعالى من وظائف المتمكنين في الأرض: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

إن الأمر السابق (في الآية 43) كان متعلقاً بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، أما الأمر الحالي فهو بخصوص الأمر بالمعروف. في الأمر السابق (الآية 43) كان قد كشف الغطاء عن لَبْس الإسرائيليين للحق بالباطل وكتمانهم للحق، أما في الأمر الحالي فقد رفع النقاب عن نسيانهم لأنفسهم. وعلى الرغم من أن الآية مورد البحث لا تأمر صراحة بالأمر بالمعروف، إلا أنه يستنبط من التعبير ب "البر" وتقبيح نسيان النفس أنه لابد من الأمر بالبر وعدم النأي بالنفس جانباً عنه نتيجة لذلك إذا لم يوفق قادة الدين ورجال الدولة لأن يتقدموا أفراد الأمة في بناء النفس، فعليهم  على الأقل  أن يحاولوا جهدهم أن يترافقوا معهم في تهذيبها. فالمحور الأساسي لمثل هذه الأحكام هم قادة الناس الدينيون:

وصفت التَّقَى حتى كأنك ذو تُقى وريح الخطايا من ثيابك تسطع (1)

إن الذي ينصح في العلن ويفعل غير ما نصح به عند الخلوة تسطع وتتصاعد من ثياب تظاهره بالزهد رائحة الذنب النتنة. بالطبع إن الأمر بالمعروف هو تكليف عام والجميع مشمولون بالرسالة الخاصة لهذه الآية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ديوان أبي العتاهية.