المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16439 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{وان هذا صراطي‏ مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل}
2024-05-15
{ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي‏ هي احسن}
2024-05-15
{قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم}
2024-05-15
{قل هلم شهداءكم}
2024-05-15
معنى الخرص
2024-05-15
معنى الشحوم و الحوايا
2024-05-15

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تشريع الاجتهاد  
  
1909   04:14 مساءاً   التاريخ: 12-02-2015
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : مفاهيم القران
الجزء والصفحة : ج3 ، ص271-281.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-29 579
التاريخ: 2023-03-25 589
التاريخ: 2023-09-14 634
التاريخ: 2023-09-30 615

هو بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية عن مصادرها المعينة ، وهو رمز خلود الدين وبقاء قوانينه ، لأنّه يحفظ غضاضة الدين وطراوته ، ويجدده ويصونه عن الإندراس ، ويغني المسلمين عن موائد الأجانب ، باعطائه كل موضوع ما يقتضيه من حكم.

« أما لزوم فتح هذا الباب في أعصارنا هذه فلا يحتاج إلى البرهنة والدليل إذ نحن في زمن تتوال فيه المخترعات والصناعات ، وتجعلنا هذه المجالات أمام أحد اُمور :

أمّا بذل الوسع في استنباط أحكام الموضوعات الحديثة ، من الاُصول والقواعد الإسلامية.

أو اتباع المبادئ الاوربية ، من غير نظر إلى مقاصد الشريعة ، وأمّا الوقوف من غير اعطاء حكم » (1) .

« وليس الاجتهاد من البدع المحدثة ، فإنّه كان مفتوحاً في زمن النبوّة وبين أصحابه (صلى الله عليه واله وسلم) فضلاً عن غيرهم ، وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده ، نعم غايته إنّ الاجتهاد يومئذ ، كان خفيف المؤونة جداً ، لقرب العهد ، وتوفّر القرائن ، وامكان السؤال المفيد للعلم القاطع ، ثم كلّما بعد العهد من زمن الرسالة وكثرت الآراء والأحاديث والروايات ، ربّما قد دخل فيها الدس والوضع ، وتوفرت دواعي الكذب على النبي ، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي ، يصعب ويحتاج إلى مزيد من المؤونة واستفراغ الوسع » (2) .

ويرشدك إلى وجوده في زمن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قول الرسول لأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما بعثه إلى اليمن : قال علي (عليه السلام) : بعثني رسول الله إلى اليمن ، قلت يا رسول الله تبعثني وأنا شاب ، أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء ؟ قال : فضرب بيده في صدري وقال : « اللّهمّ أهد قلبه وثبّت لسانه » فو الذي نفسي بيده ما شككت في قضاء بين اثنين (3) .

وقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لمعاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن : بم تقضي ؟ قال : بما في كتاب الله ، قال فإن لم تجد ؟ قال : بما في سنّة رسول الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : اجتهد رأيي ، ولا آلو جهداً ، فسر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وقال : الحمد لله الذي وفّق رسول رسوله بما يرضي رسوله (4).

أقول : لو صح الحديث يكون المراد منه باعتبار وروده في أمر القضاء ، هو فصل الخصومة في الأموال والنفوس ، بما يعدها العقلاء عدلاً وأنصافاً وهذا المراد من قوله : اجتهد رأيي. وعندئذ لا يكون الحديث دليلاً على صحة مطلق الرأي حتى المستند إلى القياس والاستحسان واشباههما التي لا قيمة لها عندنا في عالم الاستنباط.

«  وبطبيعة الحال ، أنّ الصحابي قد يسمع من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في واقعة ، حكماً ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين وغفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي واقعاً ، ولهذه الأسباب وأضعاف أمثالها ، احتاج حتى نفس الصحابة الذين فازوا بشرف الحضور ، في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد ، والنظر في الحديث وضم بعضه إلى بعض والالتفات إلى القرائن الحالية ، فقد يكون للكلام ظاهر ، ومراد النبي خلافه اعتماداً على قرينة في المقام ، والحديث نقل ، والقرينة لم تنقل ».

« وكل واحد من الصحابة ، ممن كان من أهل الرأي والرواية ، تارة يروي نفس ألفاظ الحديث ، للسامع من بعيد أو قريب ، فهو في هذا الحال راو ومحدّث وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو الروايات ، بحسب نظره فهو في هذا الحال ، مفت وصاحب رأي » (5).

ولم يزل هذا الباب مفتوحاً عند الشيعة ، من زمن صاحب الرسالة إلى يومنا هذا ، وقد تخرج منهم الآلاف من المجتهدين والفقهاء ، قد أحيوا الشريعة وأنقذوها من الانطماس ، وأغنوا بذلك الاُمّة الإسلامية في كل مصر وعصر ، عن التطلع إلى موائد الغربيين ، وألّفوا مختصرات ومتطوّلات ، لا يحصيها إلاّ الله سبحانه.

وقد اقتدى الشيعة في فتح هذا الباب على مصراعيه في وجه الاُمّة بأئمّة دينهم وخلفاء رسولهم ، الذين حثوا شيعتهم بأقوالهم وأفعالهم ، على التفقّه في الدين والاجتهاد فيه ، وأنّه « من لم يتفقّه ، فهو اعرابي » وأرشدوهم إلى كيفية استخراج الفروع المتشابكة ، من الآيات والاُصول المتلقاة عنهم ، بالتدبر في الآيات والاُصول المتلقاة عنهم ، وأمروا أصحابهم بالتفريع (6) وقد بلغت عنايتهم بذلك ما جعلهم ينصبون بعض من يعبأ بقوله ورأيه في منصب الافتاء ، إلى غير ذلك.

والاجتهاد كما عرّفناك هو بذل الجهد في استنباط الأحكام عن أدلّتها الشرعية فلا يحتج به إلاّ إذا بنيت أحكامه على أساس الكتاب والسنّة ، وما يرجع إليها فهو مقيد من هذه الجهة وإن كان متحرراً من سوى ذلك ، فلا يتقيد بمذهب ولا برأي ، بل هو فوق المذاهب.

غير أنّ أئمّة أهل السنّة ، قد أقفلوا باب الاجتهاد ، إلاّ الاجتهاد في مذهب خاص ، كمذهب أبي حنيفة والشافعي ، وبما أنّ الفتاوى المنقولة عنهم ، مختلفة أخذ علماء كل مذهب يبذلون جهدهم لتشخيص ما هو رأي كل إمام في هذا الباب.

ولا أدري لماذا اقفل هذا الباب المفتوح من زمن الرسول ، وإن تفلسف في بيان وجهه ، بعض الكتّاب من متأخّريهم ، وقال : ولم يكن مجرد اغلاق باب الاجتهاد باجتماع بعض العلماء واصدار قرار منهم ، وإنّما كان حالة نفسية واجتماعية ذلك أنّهم رأوا غزو التتار لبغداد وعسفهم بالمسلمين ، فخافوا على الإسلام ورأوا أنّ أقصى ما يصبون إليه ، هو أن يصلوا إلى الاحتفاظ بتراث الأئمّة مما وضعوه واستنبطوه (7) .

ولا يكاد يخفى على القارئ الكريم ما في اعتذاره من الاشكال.

ولقد صدع بالحق الدكتور « حامد حفني داود » اُستاذ الأدب العربي بكلية الألسن في القاهرة في ما قدمه على كتاب عقائد الأمامية (8) وقال  : إنّ الصورة المتوارثة عن جهابذة أهل السنّة أنّ الأجتهاد اُقفل بابه بأئمّة الفقه الأربعة : أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وابن حنبل.

هذا إذا عنينا الاجتهاد المطلق أمّا ما حاوله الفقهاء بعد هؤلاء من اجتهاد لا يعدو أن يكون اجتهاداً في المذهب أو اجتهاداً جزئياً في الفروع ، وأنّ هذا ونحوه لا يكاد يتجاوز عند أهل السنّة القرن الرابع بحال من الأحوال ، أمّا ما جاء عن الغزالي في القرن الخامس ، وأبي طاهر السلفي في القرن السادس ، وعز الدين بن عبد الله السلام وابن دقيق العيد في القرن السابع ، وتقي الدين السبكي ، وابن تيمية في القرن الثامن والعلاّمة جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي في القرن التاسع ... فإنّ هذا ونحوه لا يتجاوز ـ في نظر المنهج العلمي الحديث ـ باب الفتوى ولا يدخل في شيء من الاجتهاد ، وهو القدر الذي أوضحناه في كتابنا « تاريخ التشريع الإسلامي في مصر ».

أمّا علماء الشيعة الإمامية فإنّهم يبيحون لأنفسهم الاجتهاد في جميع صوره التي حدّثناك عنها ، ويصرّون عليه كل الاصرار ولا يقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من القرون حتى يومنا هذا.

وأكثر من ذلك تراهم يفترضون بل يشترطون وجود « المجتهد المعاصر » بين ظهرانيهم ، ويوجبون على الشيعة اتباعه رأساً دون من مات من المجتهدين مادام هذا المجتهد المعاصر استمد مقوّمات اجتهاده ـ اُصولها وفروعها ـ من المجتهدين ، وورثها عن الأئمّة كابراً عن كابر.

وليس هذا غاية ما يلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالاجتهاد.

وإنّما الجميل والجديد في هذه المسألة أنّ الاجتهاد على هذا النحو الذي تقرأه عنهم يساير سنن الحياة وتطوّرها ، ويجعل النصوص الشرعية حية متحركة نامية متطورة ، تتمشى مع نواميس الزمان والمكان ، فلا تجمد ذلك الجمود الذي يباعد بين الدين والدنيا ، أو بين العقيدة والحياة الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم. ولعل ما نلاحظه من كثرة عارمة في مؤلفات الأمامية وتضخّم مطّرد في مكتبة التشيّع راجع ـ في نظرنا ـ إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ».

هذا هو الاجتهاد ، وهذا دوره في خلود الدين وصلوحه للظروف والبيئات ولم يكن اغلاقه إلاّ جهلاً بأهميته أو ابتغاء للفتنة ، أو تزلفاً إلى أبناء الدنيا ، أو جبناً عن النطق بالصواب ، وعلى أي تقدير فقد تنبّه بعض الجدد (9) من أهل النظر بلزوم فتحه وإنمائه ، وأنّ الاجتهاد أحد مصادر الشريعة التي تسع كل تطور تشريعي ، قال في مقال له حول الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية بمصر وإثبات ما عليه القواعد الشرعية من سموّ وشمول ودقة وأحكام مع اتسامها دائماً بالجدة ، وملائمة أحكامها لكل حضارة ولكل بيئة ولكل زمان : « النصوص الشرعية للأحكام التي وردت في الكتاب والسنّة قليلة إذا ما قيست بمواد القانون في أي شريعة وضعية ، إذ الآيات القرآنية التي تضمّنت اُصول الأحكام على ما أحصاها ابن قيم الجوزية لا تعدو مائة وعشرين آية من نيف وستة آلاف آية ، أمّا الأحاديث فخمسمائة من أربعة آلاف حديث ، ولقد أراد الله بذلك أن يهيأ للناس فرصة الاجتهاد في الفروع دون الاُصول ، فجعل النصوص الأصلية لقواعد الشريعة عامة ، دون التعمّق في التفاصيل ليتسع لها عقل من نزل فيهم القرآن وليترك للقوى الانسانية التي أودعها مخلوقاته ، فرصة العمل والتفكير والتدبير واستنباط الأحكام فيما لا نص فيه من كتاب أو سنّة ، لما يجد ويعرض لهم في حياتهم من مشاكل وأقضية تختلف باختلاف الزمان والمكان ، وهذا هو الاجتهاد وهو أحد مصادر الشريعة المحمدية.

ومشروعية هذا المصدر ثابتة من حديث معاذ بن جبل إذ أنّه لمّا بعثه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) إلى اليمن قال له : بم تقض يا معاذ؟ قال : بكتاب الله ، قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) فإن لم تجد ؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : وإن لم تجد ؟ قال : اجتهد برأيي ، فأقره على ذلك » (10) وما كان يمكن أن ينزل الكتاب والسنّة على غير هذا الاجمال والتعميم ، لأنّ هذه الشريعة إنّما نزلت لكل زمان وكل مكان : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا }

ولو أنّ صاحب الشريعة عني بالتفاصيل والجزئيات لوجب أن يقدر ما سيكون عليه العالم من نظم مختلفة واختراعات مستحدثة في جميع الأمكنة والأزمنة فيضع لها ولما تفرّع عنها ، من التفاصيل ، ولو أنّه فعل ذلك لما اتسع وقت الرسالة لهذا كلّه ، بل لأعرض الناس عن هذه الدعوة لتعقدها ، ولأنّها تضمّنت أحكاماً عن جزئيات ومخترعات لا تقع تحت حسهم ، ويصعب عليهم تصورها ، لأنّها لم تعرف في زمانهم ، ولنضرب لذلك مثلاً فقد نزلت في القرآن آية تضمّنت الحكم العام لآداب التلاوة وجرت على نسق مختصر : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وحدث بعد نزولها بنيف وألف وثلثمائة عام أن اخترع المذياع ( الراديو والتلفزيون ) ، ولما بدأ بإذاعة آيات الذكر الحكيم به ، بدأ التسائل عن حكم الشرع والدين في ذلك أحلال هو أم حرام ؟ وهل تصح اذاعته في منتدى ترتكب فيه الآثام والموبقات وتدار كؤوس الخمر ؟ .

لا بدع في أنّ حكم هذه الجزئية لم يرد بنص صريح في الكتاب ، وانّ ذلك ترك للاجتهاد على هدى الحكم العام الوارد بالآية الشريفة ، لا بدع في ذلك ، إذ لو اُريد للشريعة أن تتضمّن الأحكام المفصلة لجميع الفروع والجزئيات لوجب أوّلاً افهام الذين نزل عليهم الدين وقت الرسالة ما هو الراديو وما هو التلفزيون ، ولو حاول الرسول ذلك وقال لهم : إنّ مخترعات البشر باذن الله ستجيء للعالم بعد ألف وثلثمائة عام بآلة يستطيع بها الانسان أن يسمع ويرى صورة المحدث وهو على بعد آلاف الفراسخ والأميال ، لما صدّقوه لعدم امكانهم تصوره ولجادلوه فأكثروا جداله في كنه تلك الآلة ، ولما لزمتهم حجته في أنّ الذي يقوله ليس من عنده وإنّما هو من عند الله لأنّ الحجة لا تلزمها صفة الاقناع إلاّ متى دخلت مناط العقل ، أمّا إذا كانت فوق إدراك المرسل إليهم فهي داحضة ...

والاجتهاد هو الباب الذي دخلت منه إلى حضيرة الشريعة الإسلامية كل الحضارات بما فيها من مشاكل قانونية ومالية واجتماعية فوسعها جميعاً وبسط عليها من محكم آياته وسديد قواعده ما أصاب المحجة ، فكان للشريعة الإسلامية في ذلك تراث ضخم تسامي على كل الشرائع وأحاط بكل صغيرة وكبيرة من اُمور الدين والدنيا ...

أفبعد ذلك يصح في الأفهام أن تتهم الشريعة الإسلامية بالقصور ، أو بأنّها نزلت لعرب الجزيرة لتعالج اُمورهم في حقبة من الزمان انقضى عهدها ، أو أنّها تضيق عن أن تجد الحلول لمشاكل الحضارات الحديثة ، إرجعوا إليها وإلى تراثها الضخم تجدوا أنّها عالجت الجليل والخطير والصغير والكبير من اُمور الدين والدنيا فيها ذكر ما مضى ، وفيها ذكر الحاضر ، وفيها ذكر المستقبل وسيظل العلم الحديث يكشف عمّا فيها من كنوز وستترى المشاكل على العالم جيل بعد جيل ، ويضطرب العالم في محاولة الحلول لها دون جدوى إلاّ إذا رجع إلى أحكام هذا الدين وهذه الشريعة المحكمة السمحة ، حيث الدواء الشافي والعلاج الحاسم لكل ما يجيب العالم في حاضره وفي مستقبله (11) .

وممّا يؤيد لزوم انفتاح باب الاجتهاد إلى يوم القيامة هو ما ذكره المقريزي في خططه حيث قال ما هذا ملخّصه  :

انّه لم يكن كل واحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) متمكناً من دوام الحضور عنده (صلى الله عليه واله وسلم) لأخذ الأحكام عنه ، بل كان في مدة حياته يحضره بعضهم دون بعض وفي وقت دون وقت ، وكان يسمع جواب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عن كل مسألة يسأل عنها بعض الأصحاب ويفوت عن الآخرين فلمّا تفرق الأصحاب بعد وفاته (صلى الله عليه واله وسلم) في البلدان تفرقت الأحكام المروية عنه (صلى الله عليه واله وسلم) فيها ، فيروى في كل بلدة منها جملة ، ويروى عنه في غير تلك البلدة جملة اُخرى حيث أنّه قد حضر المدني من الأحكام ما لم يحضره المصري ، وحضر المصري ما لم يحضره الشامي ، وحضر الشامي ما لم يحضره البصري ، وحضر البصري ما لم يحضره الكوفي إلى غير ذلك ، وكان كل منهم يجتهد فيما لم يحضره من الأحكام .

ولعدم تساوي هؤلاء المجتهدين في العلوم والإدراكات وسائر القوى والملكات تختلف طبعاً الآراء والاجتهادات ، فمجرد تفاوت أشخاص الصحابة تسبب اختلاف فتواهم ثم تزايد ذلك الاختلاف بعد عصر الصحابة .

ثم قال : ثم بعد الصحابة تبع التابعون فتاوى الصحابة فكانوا لا يتعدون عنها غالباً ، ولما مضى عصر الصحابة والتابعين صار الأمر إلى فقهاء الأمصار أبي حنيفة والسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة ، وابن جريح بمكة ، ومالك وابن الماجشون بالمدينة ، وعثمان التيمي ( الظاهر عثمان بن مسلم البطي ) وسوار بالبصرة ، والأوزاعي بالشام والليث بن سعد بمصر فكان هؤلاء الفقهاء يأخذون من التابعين وتابعيهم أو يجتهدون. وذكر المقريزي في الجزء الرابع من الخطط ما هذا ملخّصه  :

انّه تولّى القاضي أبو يوسف القضاء من قبل هارون الرشيد بعد سنة 170 إلى أن صار قاضي القضاة فكان لا يولّي القضاء إلاّ من أراده ، ولمّا كان هو من أخص تلاميذ أبي حنيفة فكان لم ينصب للقضاء ببلاد خراسان والشام والعراق وغيرها إلاّ من كان مقلّداً لأبي حنيفة ، فهو الذي تسبب في نشر مذهب الحنفية في البلاد.

وفي آوان انتشار مذهب الحنفية في المشرق نشر مذهب مالك في افريقية المغرب ، بسبب زياد بن عبد الرحمان ، فإنّه أوّل من حمل مذهب مالك إليها ، وأوّل من حمل مذهب مالك إلى مصر سنة 160 هو عبد الرحمان بن القاسم.

قال : ونشر مذهب محمد بن ادريس الشافعي في مصر بعد قدومه إليها سنة 198 وكان المذهب في مصر لمالك والشافعي إلى أن أتى القائد « جوهر » بجيوش مولاه « المعز لدين الله أبي تميم معد » الخليفة الفاطمي ، إلى مصر سنة 358 فشاع بها مذهب الشيعة حتى لم يبق بها مذهب سواه ( أي سوى مذهب الشيعة (ثمّ إنّ المقريزي بين بدء انحصار المذاهب في أربعة فقال :

فاستمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة 665 حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة وعودي من تمذهب بغيرها ، وانكر عليه ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها ، والعمل على هذا إلى اليوم (12) .

وهذه الكلمة الأخيرة « وتحريم ما عداها » تكشف عن أعظم المصائب على الإسلام حيث أنّه قد مضى الإسلام ما يقرب من سبعة قرون ومات فيها على دين الإسلام ما لا يحصى عددهم إلاّ ربّهم ولم يسمع أحد من أهل القرنين الأوّلين اسم المذاهب أبداً ثم فيما بعد القرنين كان المسلمون بالنسبة إلى الأحكام الفرعية في غاية من السعة والحرية ، كان يقلد عاميهم من اعتمد عليه من المجتهدين وكان المجتهدون يستنبطون الأحكام عن الكتاب والسنّة على موازينهم المقررة عندهم في العمل بالسنّة النبوية ، فأي شيء أوجب في هذا التاريخ على عامة المسلمين : « العامي المقلد والفقيه المجتهد » أن لا يخرج أحد في الأحكام الشرعية عن حد تقليد الأئمّة الأربعة ، وبأي دليل شرعي صار اتباع أحد المذاهب الأربعة واجباً مخيراً ، والرجوع إلى ما ورائها حراماً معيّناً مع علمنا بأحوال جميع المذاهب من بدئها وكيفية نشرها وتأثير العوامل في تقدم بعضها على غيرها ، بالقهر والغلبة من الدولة والحكومة كما أفصح عن بعض ذلك ما ذكره ابن الفوطي في الحوادث الجامعة ، ص 216 في وقائع سنة 645 يعني قبل انقراض بني العباس باحدى عشرة سنة في أيام المستعصم الذي قتله هولاكو ، سنة 656 فلاحظ ذلك الكتاب (13).

وفي الختام نلفت نظر القارئ الكريم لمعرفة قضية الاجتهاد وتطوره وعلل إيصاد بابه لدى بعض المسلمين إلى المصادر التالية :

1. المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار : تأليف الشيخ تقي أبو العباس المعروف بالمقريزي المولود في بعلبك عام 766 والمتوفّى بالقاهرة عام 845.

2. تاريخ اليعقوبي المعروف بابن واضح وقد طبع عام 1358.

3. الحوادث الجامعة في المائة السابعة لكمال الدين عبد الرزاق بن المروزي الفوطي البغدادي المتوفّي سنة 723.

4. الانصاف في بيان سبب الاختلاف .

5. عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد : ألّفهما ولي الله الدهلوي المولود سنة 1114 والمتوفّى 1180.

6. الاقليد لأدلّة الاجتهاد والتقليد .

7. الطريقة المثلى في الاشارة إلى ترك التقليد : ألّفهما صديق حسن خان القنوجي البخاري المتوفّى سنة 1307 ، وطبعا بالاستانة عام 1295.

8. حصول المأمول من علم الاُصول : له أيضاً طبع في الجوائب سنة 1296.

9. مقالة صاحب السعادة أحمد تيمور باشا ابن إسماعيل بن محمد المولود في القاهرة سنة 1288 وهي تحت عنوان نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة ، طبعت مستقلة في القاهرة سنة 1344.

10.ما كتبه محمد فريد وجدي في دائرة معارفه في مادتي « جهد وذهب » وما كتبه يعد أبسط ما كتب في الموضوع .

11. أعلام الموقعين عن ربّ العالمين : للحافظ ابن القيم.

12. تاريخ حصر الاجتهاد : لشيخنا العلاّمة الطهراني المتوفّى يوم الجمعة 13 ذي الحجة عام 1389.

إلى غير ذلك من المؤلفات ، وقد أشار إلى غير ما ذكرنا صديق حسن خان في كتابه حصول المأمول في علم الاُصول ص 198.

________________________

(1) رسالة الإسلام ، السنة الثالثة ، العدد الثاني ، عن مقال « أحمد أمين المصري ».

(2)  أصل الشيعة واُصولها ، ص 119 طبعة بيروت.

(3)  أعلام الورى ص 137 ، والبحار ج 21 ص 361 ، وشتان بين علمه واجتهاده (عليه السلام) وعلم الآخرين واجتهادهم.

(4) الطبقات الكبرى ج 2 ص 347 والاستيعاب ، لابن عبد البر ، في ترجمة « معاذ » واللفظ للثاني.

(5) أصل الشيعة ص 118.

(6) ستوافيك روائع نصوصهم في هذا المضمار.

(7) رسالة الإسلام : العدد الثالث ، من السنة الثالثة عن مقال لأحمد أمين المصري.

(8) للعلاّمة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر راجع ص 17 ـ 18 من المقدمة.

(9)  الاُستاذ علي علي منصور المصري مستشار مجلس الدولة لمحكمة القضاء الاداري.

(10)  قد مر المراد من الحديث فلاحظ.

(11) مجلة رسالة الإسلام لجماعة دار التقريب العدد الأوّل من السنة الخامسة.

(12) راجع الخطط المقريزية ج 2 ص 333 و 334 و 344.

(13) راجع تاريخ حصر الاجتهاد لشيخنا العلامة الطهراني ص 104.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



شعبة التوجيه الديني النسوي تختتم دورة تعليم مناسك الحج
العتبتان المقدستان العلوية والعباسية تبحثان تعزيز التعاون في مجال خدمة الزائرين
منها الشبابيك والأبواب.. أعمال فنيّة عدّة ينفذها قسم الصناعات والحرف
قسم شؤون المعارف يصدر العدد الخامس عشر من مجلة تراث البصرة