أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-24
1868
التاريخ: 2023-12-05
829
التاريخ: 2024-04-08
822
التاريخ: 2-03-2015
6293
|
استعمل القرآن طائفة من الألفاظ ، ثم اختيار أصواتها بما يتناسب مع أصدائها ، واستوحى دلالتها من جنس صياغتها ، فكانت دالة على ذاتها بذاتها ، فالفزع مثلا ، والشدة ، والهدة ، والاشتباك ، والخصام ، والعنف ، دلائل هادرة بالفزع الهائل والمناخ القاتل.
1- قف عند مادة صرخ في القرآن ، والصرخة الصيحة الشديدة عند الفزع ، والصراخ الصوت الشديد (1). لتلمس عن كثب ، وبعفوية بالغة :
الاستغاثة بلا مغيث ، في قوله تعالى : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا } [فاطر : 37]. مما يوحي بأن الصراخ قد بلغ ذروته ، والاضطراب قد تجاوز مداه ، والصوت العالي الفظيع يصطدم بعضه ببعض ، فلا أذن صاغية ، ولا نجدة متوقعة ، فقد وصل اليأس أقصاه ، والقنوط منتهاه ، فالصراخ في شدة إطباقه ، وتراصف إيقاعه ، من توالي الصاد والطاء ، وتقاطر الراء والخاء ، والترنم بالواو والنون يمثل لك رنة هذا الاصطراخ المدوي «و الاصطراخ الصياح والنداء والاستغاثة : افتعال من الصراخ قلبت التاء طاء لأجل الصاد الساكنة قبلها ، وإنما نفعل ذلك لتعديل الحروف بحرف وسط بين حرفين يوافق الصاد في الاستعلاء والإطباق ، ويوافق التاء في المخرج» (2).
والإصراخ هو الإغاثة ، وتلبية الصارخ ، وقوله تعالى : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } [إبراهيم : 22] .تعني البراءة المتناهية ، والإحباط التام ، والصوت المجلجل في الدفع ، فلا يغني بعضهم عن بعض شيئا ، ولا ينجي أحدهم الآخر من عذاب الله ، ولا يغيثه مما نزل به ، فلا إنقاذ ولا خلاص ولا صريخ من هذه الهوة ، وتلك النازلة ، فلا الشيطان بمغيثهم ، ولا هم بمغيثيه.
والصريخ في اللغة يعني المغيث ، والمستغيث ، فهو من الأضداد ، وفي المثل : عبد صريخه أمة ، أي ناصره أذل منه (3). وقد قال تعالى : { فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ } [يس : 43]. فيا له من موقف خاسر ، وجهد بائر ، فلا سماع حتى لصوت الاستغاثة ، ولا إجارة مما وقعوا فيه.
والاستصراخ الإغاثة ، واستصرخ الإنسان إذا أتاه الصارخ ، وهو الصوت يعلمه بأمر حادث ليستعين به (4).
قال تعالى : { فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } [القصص : 18]. طلب للنجدة في فزع ، ومحاولة للإنقاذ في رهب ، والاستعانة على العدو بما يردعه عن الإيقاع به ، وما ذلك إلا نتيجة خوف نازل ، وفزع متواصل ، وتشبث بالخلاص.
2- وما يستوحى من شدة اللفظ في مادة «صرخ» يستوحى بإيقاع مقارب من قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } [الزمر : 29]. لتبرز «متشاكسون» وهي تعبر لغة عن المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا يستقران ، وقد تعطي معناها الكلمة : متخاصمون ، ولكن المثل القرآني لم يستعملها حفاظا على الدلالة الصوتية التي أعطت معنى النزاع المستمر ، والجدل القائم ، وقد جمعت في هذه الكلمة حروف التفشي والصفير في الشين والسين تعاقبا ، تتخللهما الكاف من وسط الحلق ، والواو والنون للمد والترنم ، والتأثر بالحالة ، فأعطت هذه الحروف مجتمعة نغما موسيقيا خاصا حملها أكثر من معنى الخصومة والجدل والنقاش بما أكسبها أزيزا في الأذن ، يبلغ به السامع أن الخصام ذو خصوصية بلغت درجة الفورة ، والعنف والفزع من جهة ، كما أحيط السمع بجرس مهموس معين ذي نبرات تؤثر في الحس والوجدان من جهة أخرى.
3- وتأمل مادة «كبّ» في القرآن ، وهي تعني إسقاط الشيء على وجهه كما في قوله تعالى : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل : 90]. فلا إنقاذ ولا خلاص ولا إخراج ، والوجه أشرف مواضع الجسد ، وهو يهوي بشدة فكيف بباقي البدن.
والإكباب جعل وجهه مكبوبا على العمل ، قال تعالى : { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى } [الملك : 22].
والكبكبة تدهور الشيء في هوة (5) قال تعالى : { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } [الشعراء : 94].
وهذه الصيغة قد حملت اللفظ في تكرار صوتها ، زيادة معنى التدهور لما أفاده الزمخشري (ت : 538 هـ) بقوله : «إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى» (6).
وقال العلامة الطيبي (ت : 743 هـ) : «كرر الكب دلالة على الشدة»(7).
ومن هنا نفيد أن دلالة الفزع فيما تقدم من ألفاظ أريدت بحد ذاتها لتهويل الأمر ، وتفخيم الدلالة ، وهذا أمر مطرد في القرآن ، وقد يمثله قوله تعالى : { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [طه : 78].
والمادة نفسها قد توحي بشدة الإتيان والتوقع عند النوائب.
(2) الطبرسي ، مجمع البيان : 4/ 410.
(3) ابن منظور ، لسان العرب : 4/ 3.
(4) ابن منظور ، لسان العرب : 4/ 3.
(5) الراغب ، المفردات : 420.
(6) الزمخشري ، الكشاف : 1/ 41.
(7) الطيبي ، التبيان في علم المعاني والبديع والبيان : 474.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|