بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ مَن نطق بالضاد ومَن تكلَّم مِن الناس أجمعين حبيبِنا وحبيبِ إله العالمين أبي القاسم محمدٍّ المصطفى، وعلى آله الغُرِّ الميامين الطيبين الطاهرين، واللعنُ الدائمُ على أعدائهم من الأولين والآخِرين إلى قيامِ يومِ الدين. السلامُ على الإمامين الهُمامين الجوادين موسى الكاظِم ومحمّدِ الجواد ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم أيها الحضور الأكارم مع حفظِ المقاماتِ والألقاب ورحمة الله وبركاته. يؤثّرُ الشعرُ في الروحِ والعقلِ وعواطفِ الإنسان كتأثيرِ السحر، لا سيَّما الإنسانِ العربي، الذي ينجذبُ إليه، ويُقبِلُ عليه بكلِّ مشاعرِه وأحاسيسِه، وخصوصاً الذي يمتلكُ محتوىً فكرياً وتعبيرياً متصلاً بعناصرِ الجمالِ والإبداع، ولمّا كان الشعرُ لوناً من ألوانِ الاتصال الجماهيري المباشر ما بينَ الأمِّة وشعرائها، وكونُه قادراً على استقطابِ قِسطٍ كبيرٍ من اهتمام الناس، أصبحَ أداةً مهمةً لنقلِ بدائعِ الفكر، ووسيلةً مشوقةً مِن وسائلِ إيصالِ العقائدِ والقِيم، ولأجل ذلك لم تُهْمِلْ الشريعةُ دورَه في إيصالِ المراد من الأفكار الإيمانية، بل أيَّدتْهُ وحثّت عليه ورتّبت الأجرَ الكبيرَ على ذلك، وأطلقت العِنان للشعراءِ لأخذِ دورِهم في تبليغ الرسالة. وقد رسمَ الشعراءُ فعلاً خطّاً فاصلاً في الشعرِ العربي، ووقفوا وقفةً شاهرةً للذبِّ عن حياضِ الدين بالكلمةِ الصادقةِ المعبِّرة، والقيامِ بمسؤولياتهم في توجيهِ الأمةِ وتوسيعِ مداركِها وإرشادها، وتعميقِ العقيدةِ في نفسِها، وإشباعها بثقافةِ الإسلام المحمدي الأصيل، عبر مخاطبتها بلغةٍ تتذوقها وبأسلوبٍ يتناغم معها. أيها السادةُ الأجلّاء... منذ أن منَّ اللهُ على عراقِنا الحبيب بنعمةِ الانطلاقِ نحو فضاءاتِ الحرية، ومنذ أن رُفِعت القيودُ عن الأقلامِ والحناجر، سعت الأمانةُ العامةُ للعتبةِ الكاظميةِ المقدسة، إلى إيجادِ المبادرات التي تُسهِم في تنشيط الاتجاه الأدبي، وتُعلِي من مراتب الشعر العربي، عبر إقامةِ المهرجانات الشعرية، وجمعِ الشعراءِ في محافلَ خاصة، وفي موطنٍ مقدسٍ يستمدُّ قداستَه من الإمامين (عليهما السلام)، ليُدلي كلُّ واحدٍ منهم بدلوه، ويُنشدَ ما عنده ويَصدحَ بما جادت به قريحتُه، بين أقوامٍ يُصبحون ويُمسون بالتهليل والتكبير والتسبيح، تحت مِظَلَّةِ الوَلاءِ لأهلِ البيت (عليهم السلام). واليومَ ونحنُ نقف ها هنا في رحابِ الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، لنفتتحَ مهرجانِنا الشعري في نسخته السادسة، والذي يحملُ شعارَ (الشعرُ ودورُه في التطلُّع نحو مستقبلٍ أفضل)، وكان قد وصل إلى لجنة المهرجان من القصائد تسعٌ وثلاثون، قُبِل منها عشرون قصيدةً لاستيفائها شروطَ المهرجان، ونتطلعُ أن يكون هذا المهرجانُ نسخةً فريدةً ومتميزةً عن باقي المهرجانات التي سبقته، فهو وإن كانت عوائدُه كعوائدها ينضوي على ما انضوت عليه من أهدافٍ وفوائدَ جَمّة، وهي مناسبةٌ جيدةٌ لتجمُّعِ الشعراءِ ومريدي الشعر في هذا المكان الطاهر، ترعاهم العنايةُ الإلهيةُ وتشملهم الفيوضاتُ الربانية، يعيشون في أجواءٍ خلّاقةٍ تساعدُهم على تنميةِ قدراتِهم الإبداعية وتُعزِّزُ مواهبَهم وتصقلُ إمكانياتِهم الشعرية والأدبية، بِعدّها محلاً لتداولِ الكلمةِ الأصيلةِ واللغةِ الرصينة، وإنها تُعطي فسحةً للشعراء ليُعبِّروا عن انطباعاتهم الخاصة عن أهلِ البيت (عليهم السلام) ويُصوروها تصويراً رائعاً يستند إلى ما شاهدوه ولمسوه منهم مِن مآثرَ رفيعةٍ ومُثلٍ عليا، إلا أن هذا المهرجان الذي نحن بصدد افتتاحه، زاد بأهدافِه على المهرجاناتِ التي سبقته، بتوظيفِ لغةِ الفنِّ الشعري لإشاعةِ ثقافةِ التغيير والإصلاحِ في المجتمع، والأخذِ بيده نحو صناعةِ مستقبلٍ أفضل، وبنائِه بناءً تربوياً صحيحاً، والحثِّ على الارتقاء بالمستوى الفني والأدبي للقصيدةِ العمودية، فضلاً عن تأصيلِ الهُوِيَّةِ الإسلامية، وتطويعها لمواجهةِ الغزوِ الثقافي الذي يهدفُ إلى تمييعِ الهويةُ ودمجها بغيرها، وتهوينِ لغتِنا الجميلة وإرباكِها. ومن أهدافِ المهرجانِ أيضاً السعيُ نحو تنميةِ المواهبِ والطاقاتِ الشبابية من خلالِ إيجادِ أجواءٍ تُسهِمُ في تطويرِ القصيدة، فضلاً عن ربطِ ماضي القصيدةِ بحاضرِها الشعري من خلالِ لغةِ الإبداع. أيُّها الأخوةُ والأخوات: إن ما يسرُّ القلبَ ويُقرُّ العينَ ويُبهجُ النفسَ، أن يتمتَّع الطرفُ، برُؤيةِ الوجوه المنوَّرة بنورِ الإيمان التي حضرت هذا المهرجان، بهذا الإقبال، وهو يدل على مدى الوعيِ الحاصلِ عند جماهيرِ الأمّة وتمسُّكها بلغةِ القرآنِ لغةِ الضاد، وتفاعلِها مع أهداف هذا المهرجان، وشوقِها الشديدِ للعودةِ بالشعرِ العربي الفصيحِ إلى مشاربِه الأولى وجذورِه الأصيلة، وإيمانِها بأن القصائدَ الشعرية التي تُلقى في هذا المهرجان إنما هي دررٌ منتقاةٌ وروائعٌ مصطفاةٌ تُزيِّنُ الحفلَ وتُبهجُ الحضور. وفّق اللهُ الجميع، وكلَّ الذين ساهموا في إنجاح هذا المهرجانِ من الشعراءِ الذين وظّفوا قصائدَهم لخدمة الدين، جعلها اللهُ لهم ذخراً وذخيرةً في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون، وكذلك اللجنةَ المنظِّمةَ التي لم تألُ جهداً في تذليلِ الصعوبات، ونخصُّ بالدعاءِ أيضاً خدمَ الإمامين الجوادين (عليهما السلام) الذين ساهموا بجهدهم وبذلوا سعيَهم في إنجاح المهرجان، ومن هذا المكان المقدّس ندعو اللهَ سبحانه أن يرحمَ العبادَ والبلاد، ويُتم الانتصارات على أعدائنا، ويرحمَ الشهداءَ السعداء ويُعين أهليهم على ما هم فيه، ويمنَّ على الجرحى والمرضى بالشفاءِ العاجل، ويردَّ النازحين إلى مساكنهم، ويعمَّ بلدَنا الأمنِ والأمانِ إنه سميعٌ مجيبٌ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الطيبين الطاهرين.