خلال ختام فعّاليات المؤتمر التعليميّ الثاني لتكريم نخبةٍ من معلّمي قاطع تربية مدينة الحرّية في محافظة بغداد المُقام برعاية معهد تراث الأنبياء(عليهم السلام) التابع لقسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة العبّاسية المقدّسة، الذي أُقيم ظهر اليوم الجمعة (14ربيع الآخر 1438هـ) الموافق لـ(13كانون الثاني 2017م) والذي احتضنته قاعةُ الإمام الحسن(عليه السلام) في العتبة العبّاسية المقدّسة، وقد كانت هناك كلمةٌ للمتولّي الشرعي للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) والتي ممّا جاء فيها:
إنّ التعليم من الوظائف النبويّة التي جاءت بها الكتبُ والرسل الذين كانت مهمّتهم تعليم الناس، وكما ورد على لسانه(صلّى الله عليه وآله): (إنّما بُعثتُ معلّماً)، والتعليمُ في هذه الحالة الصحيّة التي يبدأ بها المعلّم أن ينتشل الجاهل ويرفعه، فمن أفضل القربات أنّ الإنسان يرفع الجهل عن الجاهل، فالجهل من الرذائل ومن الصفات غير المحبّبة".
وأضاف: "نحن نقدّر ونثمّن وضيفة ومهنة التعليم، وعلى القائم عليها -أي المعلّم- أن يتصدّى ويأخذ دوره المهمّ في حياتنا اليوميّة، أي لابُدّ أن تكون له الأولويّةُ في مسائل كثيرة، لعلّه من مشاكلنا التي نُعاني منها هو غيبة المعلّم عن التأثير الحقيقيّ على مستوى الجيل بسبب عدم وجود أنظمة تقدّر هذا العمل وتحترمه".
وتابع: "التعليم لا نتعامل معه كوظيفةٍ رسميّة أصلاً وإنّما نتعامل معه كوظيفةٍ أخرى، بمعنى أنّ المعلم لابُدّ أن يكون لديه مشروع وهو مشروع بناء، ومشروع البناء يحتاج الى مجموعة عوامل حتى يكتمل البناء حاله حال أيّ مشروع، أنا عندما أكون صاحب مشروع وأريد له أن يكون ناجحاً لابُدّ أن أتحرّى الدقّة والاختيار والبحث عن عوامل نجاحه ثمّ بعد ذلك أشرع به، ونحن نتعامل مع المعلّم على أنّه صاحب مشروع ولذلك نعتقد أنّ معلّم الروضة ومدرّس السادس العلميّ مهمّ، ونعتقد أنّ أستاذ الكليّة مهمّ، لماذا؟ لأنّ هؤلاء كلّهم يصنعون ويشتركون في صناعة وصياغة مفردات هذا المشروع ألا وهو بناء الجيل".
وأكّد السيّد الصافي: "على المعلّم أن يكون قادراً على كسب محبّة الطالب له وهذه المحبّة حقيقةً هي ليست محبّة عاطفيّة بمقدار ما هي محبّة تولّد حالةً من الاحترام، لذلك لابُدّ للمعلّم أن تكون شخصيّته قابلة الى أن تجذب الطالب اليه، ولابدّ أن يتحسّس ما عند الطالب، لأنّ المعلّم كان طالباً والطالبُ لم يكنْ معلّماً بمعنى أنّ الأدوار التي مرّ بها المعلّم يستطيع أن يعكسها عليه لأنّه أيضاً جلس هذا المجلس ومرّ بهذه المرحلة".
وأضاف: "التسلّط على المادّة العلميّة له دورٌ كبير في مدى فهم الطالب وسيؤثّر عليه كثيراً". موضّحاً: "أنّ عدم الاهتمام بالمؤسّسات التعليميّة يجب أن لا يفتّ في عضد المعلّم وأن لا ينعكس على مستوى التلميذ أو على المادّة العلميّة، فانعكاس شخصيّة المدرّس والمعلّم على الطالب سيكونُ له أثرٌ فعّال، فكلّما كان بناؤه للطالب صحيحاً كان تأثيرُ هذا الطالب على المجتمع أكثر والعكس بالعكس".
وتطرّق السيّد الصافي الى نقطةٍ وصفها بالمهمّة وأوصى بالاهتمام بها والالتفات اليها وهي وجود أطفال وطلّاب أيتام كثيرين "حقيقةً هؤلاء فقدوا آباءهم سواءً في عمليّات إرهابيّة أو في الدفاع عن الوطن، فهؤلاء يحتاجون الى شفقة من المعلّم لكن لا شفقة المذلّة وإنّما الى شفقة الرعاية والتنبيه، وأن نُشعِرَ هذا الطالب اليتيم أنّه (أنت متميّز عنّا) و(أنّ والدك كان رجلاً صالحاً في هذا المجتمع، ودفع ثمناً غالياً من أجل أن تبقى أنت -يا ولده- متعلّماً وعالماً وكبيراً)، وعلينا أن نوضّح هذا الأمر الى عائلته بأنّنا لا نقبل أن يترك هذا الطالب الدراسة حتى يشتغل ويوفّر لقمة العيش الى عائلته، نعم.. الظروف صعبة لكن أيضاً يحتاج الى أن نشجّعه على الاستمرار في الدراسة، ونقول: إنّك إذا كنت تريد أن تحبّ والدك فعليك أن تكون من المتفوّقين، وبذلك نزرع روح الأمل في هذا اليتيم". وأكّد: "أنّ مسؤوليّة المعلّم مسؤوليّة كبيرة جدّاً، فمسؤوليّته أكثر من الأب والأمّ وأكثر من الأسرة".
وتابع السيّد الصافي: "الأفكار الوطنيّة مهمّة جدّاً لبثّها في روح الطالب، فلابُدّ أن تُزرع في نفسيّته لأنّها عاملٌ مؤثّر للطالب".
موضّحاً: "توجد أكثر من مشكلة في البلد ونحن لا نُريد أن نُغمض أعيننا عن المشاكل لكن في نفس الوقت لا نريد أن نتشاءم أيضاً، لأنّنا إذا تشاءمنا لا نستطيع أن نعمل وإنّما نعيش حالةً من الركود، فالبلد فيه أُناسٌ أفذاذ وهؤلاء الذين يُقاتلون الآن في سوح القتال هم خيرُ مثال".
مبيّناً: "العراق فيه طاقاتٌ كبيرة جدّاً وإن شاء الله المستقبل سيكون واعداً، والتدريس في أيّ مرحلةٍ من المراحل له الأولويّة في الاهتمام والتأثير والرعاية، فإذا كانت الجهات التربويّة تقصّر على المعلّم فعلى المعلّم أن لا يقصّر، لأنّه إذا قصّر مع طلبته –حقيقةً- سنُخرّج طلبةً غير أكفاء وبالنتيجة سنستورد أكفاء من الخارج وهذه ستكون سبّةً علينا".
واستدرك السيّد الصافي: "رغم كمّ المشاكل الهائلة التي تُعاني منها المؤسّسات التعليميّة لكن المعلّم واقعاً هو السدّ المنيع الذي نطمئنّ بوجوده خصوصاً للطلبة بأعمار المراهقة، فعليه أن يوجّههم الوجهة الصحيحة ويجعل من نصائحه كوابح لرغبات هؤلاء التي لا تخدم الصالح العامّ بل ولا تخدم شخص التلميذ نفسه لأنّه بعد ذلك يندم، المعلّم يكون خير مانعٍ للتصرّفات السيّئة إذا وجّه الطالب توجيهاً صحيحاً".
واختتم: "إنّ بعض أولياء الأمور غير مكترثٍ بمستقبل أولاده، فبعضُ أولياء الأمور تجده متشنّجاً من المعلّم، وهذا أيضاً نتيجة المشاكل الموجودة في البلد، لكن يبقى المعلّم معلّماً، وكما قلتُ هي الوظيفة غير الرسميّة فقط وإنما الوظيفة الأخلاقيّة المهمّة التي هي مهنة الأنبياء(صلوات الله عليهم)".