تقف جموع الموالين قبالة صرح الجود والكرم، وسط أجواء من الحزن والأسى احتضنتها رحاب الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" وهي تُعلن الحِداد وتتوشح بالسواد استذكاراً للمناسبة العظمى والفاجعة الكبرى لاستشهاد لسان الحق الناطق الإمام جعفر بن محمد الصادق "عليه السلام"، إذ أقامت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة وبرعاية أمينها العام خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري وضمن فعاليات الأسبوع الجعفري المُقام تحت شعار: (السلام عليك يا عميد الصادقين) مراسم استبدال رايتي الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" التي تَعلو القبتين الشامختين برايتي الحزن السوداوتين، والتي جَرَت بحضور ومشاركة عدد من الشخصيات الرسمية والاجتماعية وجمع غفير من الوجهاء والشيوخ والمواكب والهيئات الحسينية في مدينة الكاظمية المقدسة، وزائري الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام".
استهلت المراسم العزائية بتلاوة آيات بينات من كتاب الله العزيز شنّف بها أسماع الحاضرين قارئ العتبة المقدسة الشيخ عامر الخفاجي، تلتها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة بهذه المناسبة، وألقاها أمينها العام جاء فيها قائلاً: (فِي هذه الأيام التي تَكْتَنِفُهَا أَجْوَاءُ الحزن والأسى، نَسْتَقْبِلُ ذِكْرَى استشهاد الإمام جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصادق "عَلَيْهِ السلام"، هذا النجم الزاهر فِي سَمَاءِ العلم والهدى، هذا البحر العميق مِنَ المعارف الإلهية، لِنَقِفَ خَاشِعِينَ فِي رِحَابِ وَلَدِهِ الإمام الكاظم وَحَفِيدِهِ الإمام الجواد "عَلَيْهِمَا السلام"، لِنُجَدِّدَ العهد والولاء فِي هذه الليلة وَنُعْلِنَ مَرَاسِمَ الحداد فِي هذه الرحاب الطاهرة.
إِنَّ وَقْفَتَنَا هذه إِنَّمَا هِيَ تَعْبِيرٌ صَادِقٌ عَنْ عُمْقِ وَلَائِنَا وَتَمَسُّكِنَا بِأَهْلِ بَيْتِ النبوة "عَلَيْهِمُ السلام"، وَإِحْيَاءٌ لِذِكْرِ مَصَائِبِهِمْ وَفَجَائِعِهِمُ التي أَلَمَّتْ بِهِمْ فِي سَبِيلِ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ الحق وَنَشْرِ رِسَالَةِ الإسلام المحمدي الأصيل.
وأضاف: إِنَّ مَراسِمَ استبدال الرايات هِيَ رِسَالَةٌ وَاضِحَةٌ بِأَنَّنَا لَا نَنْسَى قَادَتَنَا وَهُدَاتَنَا، نَسْتَلْهِمُ مِنْ حَيَاتِهِمُ العظيمة دُرُوسَ العزة والإباء، والصبر والثبات عَلَى المبدأ، والتضحية فِي سَبِيلِ الحق.. فَـحَدِيثُنَا اليوم عَنْ شَخْصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَعَنْ عَلَمٍ مِنْ أَعْلَامِ الهدى، الذي لَمْ يَكُنْ كَسَائِرِ الناس فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ مُرَبِّيًا لِلْأَجْيَالِ، وَصَانِعًا لِلْعُقُولِ، وَبَانِيًا لِلنُّفُوسِ.. إِذْ جَسَّدَ الإمام الصادق "عَلَيْهِ السلام" فِي حَيَاتِهِ أَسْمَى مَعَانِي التربية الحقيقية.
مؤكدا ًفي حديثه: إِنَّنَا اليوم، فِي أَمَسِّ الحاجة إِلَى أَنْ نَسْتَلْهِمَ مِنَ الإمام الصادق دُرُوسَ التربية والتزكية، لِنَصْنَعَ أَجْيَالًا وَاعِيَةً مُؤْمِنَةً وَمُخْلِصَةً.. أَجْيَالًا تَعْرِفُ كَيْفَ تَتَعَلَّمُ، وَكَيْفَ تَعْمَلُ، وَكَيْفَ تَكُونُ قُدْوَةً فِي هذا العالم.
فَلْنَجْعَلْ مِنْ سِيرَةِ الإمام الصادق "عَلَيْهِ السلام" نِبْرَاسًا نَهْتَدِي بِهِ، وَمِنْهَاجًا نَسِيرُ عَلَيْهِ.. وبذلك نُدْخِلُ السرور على قَلْبِ إِمَامِنَا صَاحِبِ العصر والزمان "عَجَّلَ اللَّهُ تعالى فَرَجَهُ").
بعدها بدأت مراسم استبدال الرايتين الشريفتين وسط ذرف الدموع، ورفع هتاف العزاء مستذكرين خلالها شذرات من المسيرة المباركة لإمامنا الصادق "عليه السلام"، واختتم المراسم الرادود عمار الكناني بقراءة القصائد العزائية والمراثي واسى بها النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار "عليهم السلام" بهذا المصاب الجلّل، والدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان "عجل الله فرجه الشريف".