أكبر عزاء حسيني في المعمورة، ولا يوجد له مثيل من حيث عدد المشاركين في العالم، إنه عزاء (ركضة طويريج) المليوني، والذي تخرج فيه حشود المؤمنين من الزائرين وأهالي محافظة كربلاء المقدسة، بعد صلاتي الظهر والعصر من يوم العاشر من محرم، وهكذا كان في هذا اليوم من عام 1433هـ وكعادتهم كل سنه، معزين أبي الأحرار الأمام الحسين عليه السلام باستشهاده واستشهاد أهل بيته الميامين، وصحبه خير الأصحاب عليهم السلام، ومعاهدين في هتافاتهم بالسير على نهج الحق الذي استهدفته ملحمة الطف الخالدة عام61هـ.
وكما في كل عام، ومنذ دور من الزمن حيث تأسس هذا العزاء، واشتهر على يد أهالي مدينة طويريج (20 كم جنوب شرق كربلاء المقدسة)، تتجمع أفواج المؤمنين في مدخل كربلاء على طريق (طويريج)، قرب القنطرة المعروفة هناك بـ (السلام).
فيجتمع مع أهالي طويريج، وأهالي كربلاء المقدسة والكثير من محافظات العراق، حتى تصل أعدادهم إلى أكثر من مليوني معزٍ – خاصة في الأعوام الأخيرة بعد 9/4/2003م ، ليدخل بعض المعزين من دول عربية وإسلامية، بينهم دول آسيوية وأفريقية وأوربية وأمريكية. لينطلق المعزون من تلك النقطة بعد أدائهم صلاتي الظهر والعصر ، مهرولين باتجاه شارع الجمهورية قاطعين بضعة كيلومترات قبل أن يصلوا العتبة الحسينية المقدسة ليدخلوها ، وهذه الفترة التي جرت فيها ملحمة الطف الخالدة.
وقد شهدت العتبة الحسينية المقدسة صباح اليوم الثلاثاء 6/12/2011مجلسا لقراءة القصة الكاملة لمقتل الأمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه عليهم السلام بحضور جماهيري غطى أروقة الحرم الحسيني الشريف والمناطق المحيطة به، وقد قرأ القصة الكاملة الخطيب من قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد الأمير المنصوري.
من جانبه قال رئيس قسم إعلام العتبة الحسينية المقدسة (علي كاظم سلطان) في تصريح للصحافة أن " العتبة الحسينية المقدسة شهدت وللمرة الثامنة على التوالي بعد سقوط النظام السابق قراءة قصة المقتل الحسيني وسط حضور جماهيري كثيف، وكان النظام السابق قد منع من إجراء هذه الشعائر إبان حكمه الديكتاتوري الذي استمر لأكثر من خمسة وثلاثين عاما ".
وبمجرد انتهاء الصلاتين، ينطلق العزاء هادراً بصوت واحد (يا حسين)، ليدخل العتبة المقدسة، ولسان حالهم يقول: يا ليتنا كنا معكم يا أبا عبد الله الحسين، فننصرك بدمائنا ومهجنا... حيث إن مبدأ تمني النصرة من قبل هذه الجموع هو أحد مرتكزات فلسفة هذه الركضة.
ويستمر العزاء هادراً كالسيل ولمدة ثلاث ساعات تقريباً، حيث يخرج متجهاً صوب ساحة بين الحرمين مستذكرين ملحمة الطف الخالدة، حيث كانت رحاها تدور هنا، يوم كان الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه يقاتلون ذائدين عن الاسلام، ليبقوا جذوته متقدة، وليحموا أحكامه من المحو والتزييف.
وهكذا تتوجه الجموع مهرولة صوب مرقد قمر العشيرة وحامل لواء سيد الشهداء، أبي الفضل العباس، عليهما السلام، مستذكرة ذلك الإباء الهاشمي، وتلك التضحية التي لم يُر لها مثيلاً قط، فتدخل صحنه المبارك، وهم في كل ذلك لاطمين الرؤوس، وصارخين بأعلى الصوت، بشعارات الثورة الحسينية التي علمت الأحرار في كل العالم كيف ينتصر الدم على السيف، فينتصر الحق على الباطل.
بعد ذلك يتوجه المعزون من خلال شارع قبلة حرم ابي الفضل العباس عليه السلام، ثم في شارع الجمهورية، متجهين صوب مقام خيام الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، حيث تجري مراسيم حرق الخيام الرمزية لهم، ثم يتوجهون بعد انتهاء الركضة، نحو العتبة الحسينية المقدسة مرة أخرى، حيث يقرأ عزاء أهالي طويريج ويختتم بعدها، هذا العزاء السنوي.
وهكذا يستمر هذا العزاء سنوياً مذكراً بأن للإمام الحسين عليه السلام أنصار في كل زمان ومكان.
وبعد انتهاء آخر مجموعة معزية في هذا التقليد السنوي يقوم رادود من مدينة طويريج بقراءة تعزية تستمر لنصف ساعة تقريباً، وتُقرأ القصيدة سنويا عادةً ومنذ عام 1966م من قبل القارئ الشهير الحاج جاسم الطويريجاوي.
ولضخامة هذا العزاء المليوني فإنه يحتاج إلى جهد أمني وتنظيمي ضخم، بسبب الاستهداف المستمر لمن يحيي الشعائر الحسينية من قبل التكفيريين، وخاصة لهذا العزاء، وقد تبنت إدارة العتبتين المقدستين منذ تأسيسهما بعد سقوط الطاغية، ومن خلال أقسامها المعنية، تلك العملية في منطقة عتبات كربلاء المقدسة، وخاصة قسمي حفظ النظام في العتبتين المقدستين حيث استنفرا جهودهما للحفاظ على أرواح الزائرين، من خلال تكثيف الدوريات الراجلة ونشر اجهزة كشف المتفجرات بشكل أكبر يعاضدها، في المنطقة فوج حماية الحرمين الشريفين، فيما تتولى وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني عمليات ضبط الأمن في باقي مسارات العزاء منذ انطلاقه وحتى وصوله حدود منطقة عتبات كربلاء المقدسة.
فقد أعلن نائب الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة المهندس بشير محمد جاسم لموقع (الكفيل) في وقت سابق من منتصف هذا الاسبوع " ان الامانة العامة للعتبة العباسية المقدسة استكملت استعدادتها الأمنية والخدمية والتنظيمية لاستقبال مئات الآلاف من المعزين الذين سيشاركون باحياء عزاء ركضة طويريج، في العاشر من محرم الحرام ".
مبيناً "إن إدارة العتبة المقدسة قد أصدرت تعليماتها إلى كافة أقسام العتبة بإيقاف منح الإجازات لمنتسبيها، ولمدة يومين اعتباراً من يوم الأثنين 5/12/2011م، استعداداً ليوم العاشر من محرم الحرام إذ أن هناك أقسام خدمية في النظافة والإطعام وأخرى تنظيمية وهندسية وإعلامية وثقافية وغيرها، ولكل منها حاجته في فرض عدد أيام الإنذار وساعاته التي تحقق الهدف الأمثل في إنجاح هذه الزيارة المهمة، وكما حصل من نجاح وانتهاءٍ بسلام لمراسيم كل الزيارات المليونية وأشباهها منذ سقوط الطاغية في 9نيسان 2003م، ولحد الآن، بحمد الله وببركة صاحبي المرقدين الإمام الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام".
وهكذا الأمر في العتبة الحسينية المقدسة والقسم المشترك بين العتبيتن (قسم حماية ورعاية بين الحرمين)، حيث الاستعدادات على أشدها، لإنجاح هذا العزاء المليوني وكما في كل عام.
من جهته بين رئيس قسم الشعائر والمواكب الحسينية في العراق والعالم الاسلامي التابع للأمانتين العامتين للعتبتين المقدستين السيد هاشم الموسوي عن "حشد جميع الاستعداد التنظيمية التي ساهمت في استقبال مواكب العزاء المشاركة في ركضة طويريج المليونية، ونشر القسم كوادره التي ساهمت في تسهيل انسيايبة الحشود الراكضة على مسافة (5) كيلومترات تقريبا، وذلك بالتعاون مع قسمي حفظ النظام في العتبتين وقسم حماية ورعاية بين الحرمين وقسم الاتصالات السلكية واللاسلكية في العتبة الحسينية المقدسة وشعبة الاتصالات في قسم الشؤون الهندسية، والفنية في العتبة العباسية المقدسة، حيث ساهم هذين التشكيلين المهمين في توفير القاعدة المعلوماتية من خلال أجهزة الرقابة المرئية الأمنية المنتشرة على طول مسار الركضة، وأجهزة المخابرة اللاسلكية التي حملها منتسبوا الأقسام المعنية في العتبتين المقدستين".
وأضاف الموسوي " وهيأ قسم الشعائر والمواكب الحسينية في العراق والعالم الاسلامي إجراءات تنظيم موكب عزاء السبع عصر يوم العاشر من محرم الحرام، ومراسيم ليلة الوحشة منه والتي تضمنت رفع الآلاف من الشموع في العتبتين المقدسين وما بينهما ".
وفي إطار توفير الاحتياطات الأمنية الحكومية لإنجاح زيارة عاشوراء المليونية، حشدت السلطات الامنية أكثر من (20) ألف عسكري مدعومين بطائرات الجيش العراقي وقناصة مع مفارز من الكلاب البوليسية لحماية حشود ملايين الزائرين الذين تدفقوا على مدينة كربلاء لاحياء مراسيم عاشوراء يوم الجمعة.
وقد باشر طيران القوة الجوية العراقية بطلعاته الجوية المكثفة بهدف تأمين الأرض من خلال المسح الجوي ورصد التحركات المشبوهة خلال أيام زيارة العاشر من شهر محرم، واستمرت الطائرات بالتحليق حتى بعد انتهاء العزاء المليوني.
وفي الجانب الإعلامي فقد غطى الحدث العديد من المحطات الفضائية بشكلٍ مباشر ونقلت أخرى بعضاً منه بشكلٍ تسجيلي فيما كان لقناة كربلاء الفضائية وإعلامي العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية الدور الأكبر في النقل الإعلامي سواء من خلال موقعيهما على الإنترنت (www.imamhussain.org)و(www.alkafeel.net)، وتسجيل العزاء من خلال وحدتي التصوير والمونتاج ونقله من خلال إذاعتي الروضة الحسينية المقدسة والكفيل.
كما كان لشبكة الكفيل ومن خلال نافذة الزيارة بالإنابة مساهمة فاعلة هذه السنة من خلال استقبال طلبات التسجيل للزيارة بالإنابة للأشخاص الذين تقطعت بهم السبل وحالت دون وصولهم إلى كربلاء المقدسة فقد بين المسؤول على هذه الخدمة في الشبكة الحاج أمين فرحان " استقبلنا خلال العشرة أيام الماضية على موقع الكفيل وبلغاته الثلاث العربي والإنكليزي الفارسي 8969 زائر ".
يذكر أن مدينة كربلاء المقدسة تشهد كل عام العديد من الزيارات المليونية ومنها زيارة عاشوراء، ونصف المليوينة ومنها ليالي الجمع، عدا ما يردها يوميا من آلاف الزائرين، حيث تصل بهم التقديرات شبه الرسمية سنويا إلى أكثر من خمسين مليون زائر، من العراق ومن أكثر من 25 بلداً، وقد تزايدت الأعداد خاصة بعد سقوط النظام الديكتاتوري البائد في 9/4/2003 م، وهو يمثل الرقم الأعلى للزوار في العالم للمدن المقدسة فيه.