تعمل العتبة العباسية المقدّسة منذ إعلان فتوى الدفاع الكفائي بجهدٍ كبير، على حفظ كل ما يتعلق بالفتوى وملبّيها وكتابة تاريخها بأياد عراقية، لمواجهة التزييف والتضليل الذي قد يطال هذه التضحيات. طالما يتساءل مسؤولو العتبة المقدسة عن سلامة نقل وتدوين تاريخ التضحيات من نوازع نفوس أصحاب الأقلام المأجورة، وأهوائهم، وأمزجته، وأيديولوجياتهم، لاسيّما في ظلّ احترابٍ عنصريّ أو قوميّ أو طائفيّ أو دينيّ أو نحو ذلك، أو أنّ جهة وحيدة أخذت على عاتقها مهمّة النقل والتدوين، هل سيسلم نقلها وتدوينها؟! يقول عضو مجلس إدارة العتبة العباسية الدكتور عباس الدده الموسوي إنّه، من هنا كان لابُدّ من خيار التدوين لكلّ شيء رافق تلك اللحظة الزمنية الفارقة من عمر الزمن المعاصر، التي أعادت للبلاد كينونتها، ولإنسانها إنسانيّته، وأعني لحظة (فتوى الدفاع الكفائي) التي صدحت بها حنجرة المرجعيّة العُليا. ويضيف، ذلك التدوين أراد له سماحة المتولّي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي، أن يصون الصحائف التي أرّخت لمرحلة الفتوى، من عبث أيادي الزمان، والأقلام المأجورة التي بها (تنحرف الحقائق، وتنقلب الموازين، وتغيب المصداقية). موسوعة فتوى الدفاع الكفائي أخذت العتبة العباسية المقدّسة من خلال مؤسّسة الوافي للتوثيق والدراسات، إذ دوّنت جميع الأحداث التي رافقت الفتوى المباركة منذ انطلاقها عام 2014. يؤكّد الموسوي أن "الموسوعة أرادت أن توثّق تلك اللحظة من صدور رجالاتها، وعلى مقربة من فضاءاتها، وتحت عين زمانها، كي لا ندع فرصةً أو مجالاً لأهواء أعدائها بنسج ما يريدون من تشويهات وأباطيل ضالّة مضلّلة". ويُكمل بالقول، "لا شكّ أنّ حدثًا كهذا أولى بالتوثيق، والتدوين، والحفظ؛ ولعلّه الحدث الأهم في حياة العراقيين، أقول في حياة؛ لأنّها حقًّا لحظة تعدل الحياة بأسرها، لحظة صادمة بين أن يحيا الإنسان كما شاءت له إرادة بارئه، حرًّا كريمًا، أو يموت ليولد؛ فتموت دولة الخرافة إلى غير ذي رجعة". رئيس المؤسّسة المهندس أحمد صادق، بيّن أن "المجموع الكلّي للموسوعة وصل إلى 80 مجلّداً، بعد إضافة 18 مجلّداً جديداً هذا العام، لافتاً إلى أنه "تمّ توثيق وأرشفة جميع الجهود المبذولة خلال تلك الفترة، منها العمليّات العسكرية وأعداد الشهداء والجرحى الذين قضوا أثناء القتال، وكذلك جهود معتَمَدي المرجعية الدينيّة، وما قُدّم للمقاتلين من الدعم اللوجستي والمعنوي والمادي من قِبل المواكب الحسينية، إضافةً إلى البحوث التي دُوّنت في حقّ الفتوى المباركة واللقاءات المباشرة مع قادة الميدان أثناء المعارك". وكشف صادق عن خطّةٍ لإصدار نسخةٍ محدَّثة ومنقّحة جديدة في العام المقبل، بعدَما أُضيفت جهود وزارتي الصحّة والهجرة والمهجرين، وجهود العمليات العسكرية وهيأة الحشد الشعبي، فضلاً عن البحوث العسكرية. توثيق مجزرة سبايكر لما يُعرف بمجزرة (سبايكر) التي استهدف فيها الإرهابيون الجنود المنسحِبِين من قاعدة "سبايكر" العسكرية قرب تكريت، وقعٌ مؤلم في نفوس العراقيّين، إذ استُشهِد أكثر من ألفي شاب وأُعدِموا بطريقة وحشية، العتبة العباسية المقدّسة من جهتها أبرزت اهتماماً كبيراً بضحايا هذه المجزرة وعوائلهم وتوثيق حيثيات الجريمة، وخصّصت فريقاً خاصّاً لكتابة موسوعةٍ عن الحادثة. أزاحت العتبةُ العبّاسية ممثّلةً بقسم الشؤون الفكرية والثقافية الستار عن نسختَي موسوعة مجزرة سبايكر (المرمّزة وغير المرمّزة)، ضمن فعّاليات مهرجان فتوى الدفاع المقدّسة السنوي الثقافي بنسخته السابعة، الذي يقام احتفاءً بالذكرى السنويّة لإطلاق فتوى الدّفاع المقدسة تحت شعار: (المرجعيّة الدينيّة حصن الأمّة الإسلاميّة)، واستمرّ ليومَين. مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف والمشرف على فريق العمل الدكتور عباس القريشي يقول إن "عمل الموسوعة استُلهِم من توجيهات المرجعيّة الدينية العُليا في النجف الأشرف، ويوثّق مجزرةً مؤلمة أطلق عليه (الموسوعة الوثائقية لمجزرة سبايكر)، وهي حصيلة عامين من الجهد الممتزج بألم الحسرة وحرقة القلب ودمعة العين، بما حملته تلك الوثائق من حقائقَ وآلامٍ موجعةٍ وقصصٍ يشيب لها الرأس". حفظ التاريخ تتألّف الموسوعة وفقاً للقريشي من نسختَين، الأولى 24 مجلّداً أطلق عليها (النسخة البنكية)، والأخرى 18 مجلّداً سُمّيت (النسخة المرمّزة)، بسبب "ترميز عددٍ من الوثائق لدواعٍ أمنية وأسبابٍ قد تؤدّي إلى تهديد السلم المجتمعيّ وحفظاً للأرواح". بدوره يقول رئيس الهيأة التحقيقيّة العراقية القضائية المختصّة بجريمة سبايكر القاضي ياسر الخزاعي إن "توثيق المجزرة بهذا الشكل هو لتوعية الأجيال القادمة من التنظيمات الإرهابية، وهي خطوة مباركة من العتبة العبّاسية المقدسة". فيما يؤكّد ممثّل عوائل الشهداء إن "الموسوعة تأتي للتذكير ولكي لا ننسى تضحيات أبنائنا في ذلك اليوم المظلم، الذي تناهشت فيه غربانُ الشرّ أجسادهم في واقعة سبايكر، وما فعله المجرمون من تمثيلٍ وبطش بالشباب وإزهاق الأرواح البريئة، التي خدعوها بالأمان والوعود الكاذبة". تكليلاً لجهود تسليط الضوء على فتوى الجهاد الكفائي المقدّسة وما حدث بعدها، رعت العتبة العباسية مهرجاناً لتخليد الفتوى بنسخته السابعة على التوالي يُقام سنوياً بمشاركة فئات مختلفة، كما يقام مؤتمرٌ علمي يبحث تأثير الفتوى على المستويات كافّة، وكان المهرجان هذا العام تحت شعار: (المرجعيّة الدينيّة حصن الأمّة الإسلاميّة).