طغى الارتفاع الكبير لمعدلات التضخم عالميا والذي قابلته البنوك المركزية برفع معدلات الفائدة على توقعات البنك الدولي لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أضاف التراجع الذي شهدته أسعار النفط مزيدا من الضغوط على توقعات البنك لدول الخليج التي اعتمدت معدلات نموها القياسية خلال 2022 عليه بشكل رئيسي.
ففي تقرير المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، خفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي للمنطقة ككل إلى 3 بالمئة في العام الجاري، من نمو محقق خلال 2022 بلغ 5.8 بالمئة، ومن توقعاته السابقة التي كانت تشير لنمو بنسبة 3.2 بالمئة، كما توقع أن ينمو اقتصاد المنطقة خلال 2024 بنسبة 3.1 بالمئة.
كما دفع تراجع أسعار النفط عن مستوياتها المرتفعة خلال 2022 البنك لتقليص توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من النصف، من 7.2 بالمئة بالعام الماضي، إلى 3.2 بالمئة في العام الجاري، و3.1 بالمئة في 2024، مع توقعات بأن يكون اقتصاد عُمان الأسرع نمواً داخل مجلس التعاون في عام 2023 بنسبة نمو 4.3 بالمئة.
التضخم
بعد نشوب الحرب في اوكرانيا في فبراير 2022، زاد التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية للسلع مثل النفط والغاز والمنتجات الغذائية، لكن تعامل دول المنطقة مع التضخم كان متباينا، فمن ناحية، تمكنت اقتصادات مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير من إبقاء معدلات التضخم فيها دون المتوسطات العالمية، كما شهد الأردن والعراق مستويات منخفضة نسبيا من التضخم.
ومن ناحية أخرى، شهدت بلدان مثل مصر والمغرب ونونس مستويات أعلى من التضخم، حيث لعب انخفاض أسعار الصرف مقارنة بالدولار الأميركي دورًا مهمًا بين مارس وديسمبر 2022، فقد انخفضت قيمة العملة المحلية لمصر مقابل الدولار الامريكي بنسبة 32.2 بالمئة، وفي المغرب بنسبة 7.4 بالمئة، و في تونس بنسبة 5.8 بالمئة.
أسعار الغذاء
بلغ تضخم أسعار المواد الغذائية 10 بالمئة في معظم اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات الدخل المتوسط والمنخفض في عام 2022، وكان تضخم أسعار المواد الغذائية أعلى كثيرا من التضخم العام في أغلب اقتصادات المنطقة، فقد بلغ متوسط تضخم أسعار المواد
الغذائية على أساس سنوي مقارن بين مارس وديسمبر 2022 حوالي 29 بالمئة في المنطقة، وهي نسبة أعلى بكثير من التضخم العام الذي بلغ 19.4 بالمئة، ومن شأن هذه الزيادات المتفاقمة في أسعار المواد الغذائية، حتى وإن كانت مؤقتة، أن يكون لها آثار طويلة الأمد.
معدلات الفائدة
يرى البنك الدولي أنه والرغم من توقع حدوث تراجع في معدل التضخم العالمي، فإن التوقعات تشير إلى أنه سيظل أعلى من مستويات ما قبل
الوباء لفترة أطول، وهو ما يزيد من مخاطر إقدام الاقتصادات المتقدمة على زيادة تشديد السياسة النقدية، الأمر الذي سينعكس بشكل كبير على تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يزيد من الضغوط على أسعار الصرف في هذه البلدان، الأمر الذي قد يؤدي بعد ذلك إلى مزيد من التضخم نظراً لزيادة تكلفة السلع المتداولة عالمياً بالعملة المحلية.
دول الخليج
ركز تقرير البنك الدولي على أن أسعار النفط كانت العامل الحاسم في تقدير توجهات اقتصادات هذه المنطقة، فكما كانت الأسعار المحرك الرئيسي الذي دعم النمو القوي لدول مجلس التعاون خلال 2022، شكلت هذه الأسعار العامل الرئيسي أيضا في تقليص توقعات البنك خلال العام الجاري والمقبل، لكن وعلى الرغم من ضعف الطلب على النفط، يتوقع البنك استمرار النمو المرتفع نسبيا وذلك بزيادة الطاقة الإنتاجية للهيدروكربونات، ولا سيما بمساعدة تنمية حقول الغاز الطبيعي الجديدة.
التقرير توقع أيضاً أن تنخفض الأرصدة المالية العامة لدول الخليج، لكنها ستظل في حيز الفائض، مع توقع أن تحقق قطر فائضاً في المالية العامة بنسبة 6.5 بالمئة، والإمارات 6.2 بالمئة في 2023، وعلى الرغم من التباطؤ الأخير، فإن كلاً من أرصدة الحساب الجاري والمالية العامة أعلى بكثير من المتوسط الذي كان سائدا قبل الوباء في دول مجلس التعاون الخليجي البالغ 5.7 بالمئة في حساب المعاملات الجارية وسالب 3.2 بالمئة لأرصدة المالية العامة في 2019.
مصر
توقع خبراء الاقتصاد في البنك الدولي أن تنمو البلدان النامية المستوردة للنفط في المتوسط بنسبة 3.6 بالمئة في عام 2023 و 3.7 بالمئة في عام 2024، وتعكس هذه التوقعات مدى ارتفاع توقعات النمو في مصر مقارنة بهذه المجموعة من الدول، فمن المتوقع أن ينمو اقتصادها
بنسبة 4.0 بالمئة في كل من السنة المالية 2023 والسنة المالية 2024، وبالنسبة لباقي البلدان النامية المستوردة للنفط في المنطقة، تعكس التوقعات الخاصة بمصر بأن قدرتها التنافسية قد تزداد بسبب الخفض الأخير في سعر صرف الجنيه المصري ومن المتوقع أيضا أن يتعزز النمو العام بالنمو في قطاع الخدمات خاصة في السياحة ونشاط قناة السويس، وكذلك التشييد .
الأمن الغذائي
خصص تقرير البنك الدولي جزءا مهما لاستعراض تقييم الأثر الدائم لانعدام الأمن الغذائي ، فالبنك يرى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، والذي لايشكل مصدر قلق فوريا فحسب، بل له تداعيات على مدى الأجيال.
ويرى البنك أن انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منتشر على نطاق واسع ومن المتوقع أن يزداد اتساعا، ومن المتوقع أن تكون الاحتياجات السنوية لتمويل التنمية للسكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد بمليارات الدولارات.