للوفاء عناوين موسومة
على الجباه، وللتضحيات صور رسمها محبو اهل البيت(عليهم السلام) طيلة قرون خلت، قاسوا
خلالها أشكال البطش والتعسّف والقتل والتعذيب والتشريد في سبيل قضيتهم السرمدية، وهي
حبهم وإتباعهم لآل بيت المصطفى(صلى الله عليه وعليهم أجمعين)، وتجديد ذكراهم وإحيائها
بما أمكنهم في كل حين، مُتحدّين بذلك جور ومنع السلطات المتجلببة بالدين.
واليوم يكشر الشر
عن نابيه ويشحذ براثنه بأبشع صور عرفها تاريخ الاجرام والارهاب لمنع هؤلاء الاحبّة،
أو للحدّ من حبهم أو تقنين هذا الفيض الالهي ... تكفير وتهجير وتفجير تلقاه هؤلاء المحبين
بصدورهم المفعمة بالإيمان والحب المحمدي الطاهر، ففي كل تجديد ذكرى لآل البيت(عليهم
السلام) لهم مواقف تؤكد وتثّبت هذا الولاء، لاسيما حين يتعلق الامر بقضية الامام الحسين(عليه
السلام) ونهضته المباركة، فتراهم يزحفون كأنهم السيول الهادرة من كل حدب وصوب قاصدين
كربلاء الحسين(عليه السلام) رغم سابق علم ويقين بأن أعدائهم واعداء آل البيت(عليهم
السلام) يتربصون بهم الدوائر، وهذا ما حصل في زيارة الاربعين من هذا العام حيث امتزجت
الدماء الطاهرة بأربع تفجيرات، لتكون شاهداً على وحشية وقسوة العدو، من هنا بادرت إدارتا
العتبتين المقدستين في كربلاء بإيفاد وفود خاصة لزيارة عوائل الشهداء، وعيادة الجرحى
في مستشفيات محافظاتهم.
ولتغطية الجولات
التي قامت بها إدارتي العتبتين المقدستين، خلال عدة أيام، وعدة وفود، التقت جريدة صدى
الروضتين الصادرة من قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، عضو
مجلس إدارتها السيد عدنان الموسوي حيث حدثنا قائلاً:
بتوفيق من الله تعالى
وبتوجيه من الأمينين العامين للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية الشيخ عبد المهدي
الكربلائي والسيد أحمد الصافي، توجهنا الى محافظة بابل فابتدأنا بزيارة الجرحى في مستشفيات
المحافظة دون استثناء لمواساتهم ورفع معنوياتهم، ولكنهم هم من رفع معنوياتنا بما يحملون
من صبر وإصرار على مواصلة السير لزيارة سيد الشهداء، كما ذهبنا الى مجالس العزاء للشهداء
الذين التحقوا بأنصار الإمام الحسين عليه السلام.. لقد انبهرنا من ان هؤلاء الجرحى
فقد كانوا يتحلّون بمعنويات لم اجدها ولن اجدها في موضع اخر.
الشواهد كثيرة جدا
فقد زرنا اكثر من خمسين جريحاً وطفلاً وامرأة، اذكر هنا بعض المشاهد القليلة وهي قياسٌ
للآخرين، فمثلا رأينا طفلاً له من العمر ستة او سبعة سنوات كان البتر في احدى أقدامه
ولكننا رأينا الابتسامة على محياه وكأن لم يكن هناك شيء يذكر، سألناه يا زيد ما رأيك
بالموضوع؟ قال انني ان تعافيت سأذهب زحفاً الى الحسين عليه السلام، انتقل الآن الى
حالة اخرى اظن أنكم لم تسمعوا بها من قبل فقد ذهبنا الى رجل كبير عمره تجاوز السبعين
عاماً في المستشفى، فعندما رآنا ادار بعينيه وكنّا محيطين به ادار بعينيه يمنة ويسرة
وشمال وجنوب ثم ابتسم وقال: عندما حصل الانفجار ورأيت الدماء تسيل من جسدي قلت والله
إنها الشهادة، ولكن عندما اسعفوني وانقطع نزف الدم صفعت وجهي وصفعت جبهتي وقلت وا أسفاه
على الشهادة اني لم أنل الشهادة، لماذا يا ربي؟ و هذا ما لم نره في الكون كله، ثم ذهبنا
الى امرأة شابة قد بُترت يدها اليسرى ولها صبي ايضا كانت تحمله بترت يده أيضاً، ولها
طفل آخر استشهد لم تعلم به، سألها بعض الاخوة من الوفد عن رأيها بالموضوع وعن معنوياتها
فقالت: هذا في سبيل الإمام الحسين عليه السلام قليل، كما رأيت امراً آخر في مدينة السماوة
وقد صوّرته وصورت القطعة الموضوعة على باب الدار، الرجل اسمه صالح الفرطوسي، سألت أخاه
فقا لقد ذهب ثلاث مرات مشياً على الاقدام في هذه السنة، قلت كيف؟ قال في المرة الاولى
ذهب وعائلته الى الإمام الحسين عليه السلام مشياً ورجع مبكراً واخذ ابناء عمومته وذهب
للزيارة ورجع بهم وعندما اقترب يوم الاربعين اخذ اصدقاءه وذهب مشياً مرة أخرى، وكان
يقول بعد كل زيارة اتمنى بعد الزيارة لقاء السيد الصافي، وبعد حين ذهب نتيجة الانفجار
راضياً مرضيّاً، فما كان مني إلاّ ان اتصل بالسيد الصافي واقول له إن اخا الشهيد يقول
هكذا، ودار بينهما حديث بهذا الخصوص، و الشواهد كثيرة.
فقلت لهم:
اذا دم نحر خطه قصيدة
*** فكل قصيد بعد ذاك هراء
انتم تقدمون الدم،
الروح، والجسد، كل شيء للإمام الحسين عليه السلام، فكلامنا لا يتناسب مع ما تقدمونه،
لقد ابهرونا بهذه المعنويات العالية وقد شكرناهم على هذه المعنويات وهذه التضحيات وهذه
الصلابة، زرنا بعد كربلاء بابل ومن ثم القادسية بأقضيتها ونواحيها والسماوة والرميثة
وبعض الأرياف والناصرية والبصرة ومدنها، ومنها أبي الخصيب والقرنة، وانتقلنا إلى محافظة
ميسان وبعدها إلى واسط حيث زرنا مدينتي الكوت وجصّان.
والتقينا الشيخ
(عادل الوكيل) عضو وفد عتباتنا المقدسة في زيارته الأخيرة لمحافظات الوسط والجنوب لمواساة
أهالي الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة الاعتداء الآثم الذي تعرض له زوار الإمام
الحسين في ذكرى الأربعين المباركة، وهم متوجهين لمدينة كربلاء المقدسة، ليحدثنا عن
الزيارة قائلاً: قال الإمام الحسين عليه السلام: (رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على
بلائه فيكفينا أجور الصابرين)، بتوجيه مباشر من قبل الأمانتين العامتين للعتبتين الحسينية
والعباسية المقدسية توجهنا بوفد مؤلف من أكثر من عشرين شخصية لعيادة الجرحى ومواساة
أهالي الشهداء الذين سقطوا نتيجة الاعتداء الآثم الذي طال زوار أبي عبد الله الحسين
في ذكرى زيارة الأربعين وهم متوجهين لمدينة كربلاء المقدسة، مواساةً لأسر الشهداء والجرحى
والمصاب الذي وقع فيهم جراء الاعتداء، رأينا بأم أعيننا صوراً كبيرة من التحمل وجبالاً
من الصبر المختومة بروح الشهادة وإصراراً على التمسك بالنهج الرسالي لأئمة أهل البيت
عليهم السلام، عبرنا من خلال جولتنا إن الطريق إلى كربلاء معبد بالدماء، خطه الإمام
الحسين عليه السلام باستشهاده في العاشر من المحرم الحرام، وأن ما قدمه شهدائنا وجرحانا
في هذه المناسبة هو ذخر لهم في أخرتهم.
صدى الروضتين: ما
هي انطباعات أهالي الشهداء والجرحى بمبادرة عتباتنا المقدسة وهذا الوفد الذي قطع الفيافي
لمواساتهم وإدخال البهجة الى قلوبهم المكلومة؟
الشيخ عادل الوكيل:
حتى نكون أكثر إنصافاً للمؤمنين الذين زرناهم في أماكنهم، سواء الشهداء الذين التقينا
بعوائلهم أم لقاءاتنا مع الجرحى في أماكن عيادتهم، وجدناهم برغم المصاب الكبير والثقيل
إلا أنهم بصريح العبارة كانوا مسرورين جدا بمبادرة العتبتين المقدستين وكانوا ممتنين
لمتابعتهم ومتابعة أمورهم، وهنا لا أتكلم عن الدعم المادي، بل للدعم المعنوي الكبير
هو ما جعلهم يبدون مشاعر الفرح برغم ما بهم من مصاب، حتى أن بعضهم ممن فقد ابناً له
قال لنا إن رؤيتكم أنستني مصاب ابني الشهيد، كما وكان لعشائر الجنوب دور كبير في التعبير
عن مكنون فرحهم بمبادرة العتبات المقدسة في مدينة كربلاء من حفاوة الترحيب والتقدير.
صدى الروضتين: مهما يقدم من هدايا لشهداء يوم الأربعين هو قليل بحقهم كون الجود بالنفس
هو أقصى غاية الجود، هل كان من ضمن مبادرات الأمانتين العامتين أن قدمت هدايا مادية
لأسر الشهداء والجرحى إضافة الى الدعم المادي؟
الشيخ عادل الوكيل:
بضمن المبادرة الكريمة التي قدمتها الأمانتان إضافة الى الدعم المعنوي أن قامت بتقديم
هدية مادية بسيطة لكل شهيد وجريح، وهنا كلمة أود قولها أننا كنا نشعر بقلوب ذوي الشهداء
والجرحى والمفقودين وهم يستشعرون هطولنا عليهم ومواساتهم بفقد أحبابهم وتصبيرهم على
المواصلة، كل ما قدمته الأمانتان العامتان للعتبتين الحسينية والعباسية هو قليل جداً
إزاء ما قدمه زوار الإمام الحسين في ذلك اليوم، إضافة الى الدعمين المادي والمعنوي
فان العتبتين تبنتا إرسال بعض الحالات الخطرة الى خارج العراق لغرض المعالجة.
صدى الروضتين: هل
لك أن تحدثنا عن بعض المشاهد التي مررتم بها سواء من اسر الشهداء أو في عيادتكم للجرحى؟
الشيخ عادل الوكيل:
كثيرة هي الصور التي مررنا بها سواء التي رأيناها بأم أعيننا من خلال عيادتنا للجرحى
أم التي سمعناها من ذوي الشهداء الذين سقطوا نتيجة التفجيرات الإرهابية التي طالتهم
منها: عائلة فقدت ثلاث بنات بعمر الزهور وبنت خامسة مفقودة، عندما تكلمنا مع أبيهن
وجدناه كتلة كبيرة من الصبر عبر لنا بلسانه، إن هذا الطريق هو طريق الأحرار ويجب ان
نتحمل من اجل السير في الطريق الذي خطه سيد الشهداء عليه السلام.
شاب أستشهد من محافظة
السماوة، أخوته قالوا لنا أن أخانا ذهب الى ثلاث مرات مشيا على الأقدام لزيارة الإمام
الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين، وهو كان يرجو الشهادة في كل مرة يذهب فيها للزيارة
وكأنه يعلم أنه سيكون من أنصار الحسين ليستشهد في طريق الحسين. من جانب آخر قام وفد
آخر مشترك من العتبتين المقدستين بزيارة وجبة أخرى من عوائل الشهداء والجرحى الذين
سقطوا في تفجيرات منطقة قنطرة السلام في محافظة كربلاء المقدسة، لتأتي مكملة لسلسلة
تلك الزيارات . حيث تفاجأ الوفد برباطة الجأش والإصرار والعزيمة في مواصلة طريق سيد
الشهداء عليه السلام، والولاء اللامتناهي لأهل البيت عليهم السلام، التي وجدها الوفد
في تلك العوائل.
يذكر أن الطرق المؤدية
لكربلاء المقدسة، يسلكها القادمون من أربع اتجاهات، الأول من محافظات البصرة وذي قار
والسماوة في الجنوب، والثاني يسلكها القادمون من محافظات واسط وبابل وميسان، والثالث
من محافظات النجف الأشرف والقادسية ومدن محافظة كربلاء المقدسة، والرابع من شمال وشمال
شرق كربلاء المقدسة في بغداد وديالى وكركوك وأربيل ونينوى وصلاح الدين والسليمانية
ودهوك.
وإن الإحصاءات النهائية
للزائرين كانت أكثر من 15 مليونا بينهم أكثر من ربع مليون من أكثر من 50 بلداً شاركوا
العراقيين إحياء ذكرى أربعينية 1431هـ، واصلوا تدفقهم رغم تحديات الإرهاب التكفيري
إلى يوم الأربعين، إلى كربلاء المقدسة.