تسبَّبتْ الحرب في
أوكرانيا في نشوب عداء بين البيت الأبيض وصناعة
النفط في
الولايات المتحدة، حيث تجني شركات عديدة أرباحاً قياسية من ارتفاع الأسعار، رغم أنها تضخ كميات أقل من النفط الخام مقارنة بما كان عليه الوضع قبل جائحة
كورونا، الأمر الذي يسبب معاناة للمستهلكين الأمريكيين جراء ارتفاع أسعار
البنزين.
من جانبه، حثَّ الرئيس جو بايدن شركات النفط الأمريكية على زيادة الإنتاج – إلا أنها قلقة من القيام بذلك، نظراً لعدائه التاريخي للوقود الأحفوري، والمخاطر المتمثلة في أن عمليات الحفر الجديدة لن تؤتي ثمارها على المدى الطويل.
كما تتراكم المخاطر السياسية لإدارة سياسية من المتوقع أن تخسر الأرضية التي تقف عليها في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، مع ارتفاع معدل التضخم بشكل قياسي، وهو ما يزعج الناخبين، حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
في الوقت الحالي، تُظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأمريكيين يدعمون الحظر الأمريكي على الخام الروسي، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع الأسعار في محطات الوقود. وقد ألقى بايدن باللوم على فلاديمير بوتين في هذا الارتفاع المباشر في الأسعار، ووصفه بالقول: "هذه زيادة بوتين للأسعار".
تعليقاً على الموضوع، قال تشارلز فرانكلين، مدير استطلاع "كلية ماركيت للحقوق": "إن منطِقه في إلقاء اللوم، ربما يكون مبرراً وذكياً من الناحية السياسية؛ ولكن هل يجعل الناس يتجاهلون حقيقة أن التكلفة الإضافية لملء سيارة عادية بالوقود تبلغ 12 أو 15 دولاراً؟ لا أعتقد بأنه يجعل تلك المخاوف الاقتصادية تختفي لدى الأسر الأمريكية".
موقف غير مريح
تجد إدارة بايدن نفسها في موقف غير مريح، يتمثّل في مناشدة شركات النفط بتعزيز إنتاج النفط الخام، على الرغم من هدفها طويل الأجل المتمثل في الانتقال بالولايات المتحدة بعيداً عن الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى تفاقم تغير المناخ.
في هذا الصدد، قالت وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم للمسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط، خلال أسبوع كامبريدج لأبحاث الطاقة (CERAWeek) الذي نظمه مؤتمر "ستاندرد آند بورز غلوبال" يوم الأربعاء: "نحن أمام حالة حرب، ونحتاج إلى زيادة إنتاج النفط والغاز".
إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، وكأن شركات النفط ستفتح صنبوراً. وإنما تضع هذه الشركات خطط الحفر بناءً على التوقعات الاقتصادية لمدة عام على الأقل، وعندما يكون تحالف "أوبك+" قد عزز الإنتاج، وتكون الأسعار قد بلغت ذروتها منذ ذلك الوقت.
هذا يترك بايدن في مأزق سياسي؛ فالجمهوريون واثقون من أن التضخم وأسعار الغاز ستساعدهم في السيطرة على الكونغرس، على الرغم من محاولات البيت الأبيض لتوجيه غضب الناخبين إلى مجالات أخرى.
قالت رونا مكدانيل رئيسة اللجنة الوطنية الجمهورية يوم الخميس في بيان عبر البريد الإلكتروني: "إن محاولة بايدن توجيه مسار اللوم، إهانة لكل أمريكي وصاحب عمل صغير يكافح من أجل تحمل تكلفة السلع اليومية".
قال فرانكلين، مستطلع آراء استطلاع ماركيت، إن التضخم وأسعار الغاز "مشكلتان حسب الطلب بالنسبة إلى حزب المعارضة، لأن الناس يشعرون بهما، ويمكن توجيه اللوم إلى الرئيس".
خدمة المساهمين
قال سكوت شيفيلد الرئيس التنفيذي لشركة "بايونير ناتشورال ريسورسز" (Pioneer Natural Resources) يوم الأربعاء، إن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة يتوقعون أن يكون ارتفاع أسعار النفط قصير الأجل، ولا يريد المساهمون أن تستثمر الشركات رأس المال في برامج حفر قوية تُقدِّم إنتاجاً جديداً في غضون 18 شهراً؛ حيث تشير العقود الآجلة للنفط إلى أن الشركات ستحصل على أسعار أقل للخام الذي يبدأ في التدفق خلال 12 إلى 18 شهراً.
علاوةً على ذلك، قال بنيامين ساليسبري، مدير الأبحاث في شركة "هايت كابيتال ماركتس" (Height Capital Markets)، إن نهج الإدارة يفترض أن منتجي النفط سيحولون مسارهم استجابة لمناشدات من نفس الأشخاص الذين "يقولون للجميع، إن هذه الشركات ستصبح من الماضي في غضون 30 أو 40 عاماً".
كما تجاهل المستثمرون في النفط الصخري، الحجج القائلة بأن على شركات الحفر زيادة الإنتاج لأنه واجبها الوطني. ولا يزال الكثيرون يعانون من ندوب دورة الازدهار والكساد الأخيرة، وذلك عندما طاردت الشركات نمو الإنتاج، ما أسهم في النهاية في حدوث تخمة أدت إلى انخفاض الأسعار.
كذلك قال بن ديل، مؤسِّس شركة "كيميريدج إنرجي مانجمنت" (Kimmeridge Energy Management): "إن صناعة التنقيب ليست صناعة خدمات عامة؛ وعلى مدى 10 سنوات، لم نجنِ أية أموال، بل تجني الصناعة الأرباح لمدة شهرين، ويجادلوننا بأنه من المفترض أن نُخفِّض سعر المنتج أو نتخلى عن هوامش الربح لدعم المستهلك".
قال أرتيم أبراموف، رئيس أبحاث النفط الصخري في شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy)، إن الأمر يستغرق عادة من خمسة إلى ستة أشهر للتنقيب وتحفيز الإنتاج في بئر حوض بيرميان، قبل أن يبدأ النفط والغاز في التدفق.
كان هذا في أفضل الأوقات. أما في الوقت الحالي، فقد أدّت الضغوط التضخمية إلى خلق رياح معاكسة لإنتاج النفط أيضاً، حيث استشهد المسؤولون التنفيذيون في كل من "كونوكو فيليبس" (ConocoPhillips) و"أوكسيدنتال بتروليوم" (Occidental Petroleum) بارتفاع تكاليف الأنابيب والشاحنات والعمالة كعقبات أمام الزيادة.
تصاريح غير مستخدمة
ثلاثة أرباع إنتاج النفط في أمريكا و86% من إنتاج الغاز، يحدث في الأراضي الخاصة وأراضي الولايات - وليس في أراضي الحكومة الأمريكية ومياهها.
مع ذلك، تمتلك شركات النفط والغاز أكثر من 9 آلاف تصريح معتمد ولكن غير مستخدم للتنقيب في الأراضي الفيدرالية المؤجرة بالفعل على الشاطئ، كما في 31 ديسمبر، ويريد البيت الأبيض من الصناعة استخدامها بسرعة.
فقد قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي يوم الأربعاء، إن منتجي النفط "لا يحتاجون إلى دعوة مطرزة للتنقيب، فهناك حرب، ونطلب منهم التحرك لاستخدام التصاريح المعتمدة، واستخدام المساحات غير المستخدمة، والحصول على مزيد من الإمدادات من الأرض في بلدنا".
الجدير بالذكر أنه من المعتاد أن تقوم الشركات بتخزين تصاريح مدتها سنتان لحفر الآبار الفردية على الأراضي الفيدرالية، وذلك جزئياً، من أجل تنظيم العمليات المعقدة بشكل أفضل. وحتى إذا تخلت عن العمليات في الموقع بعد أن اكتشفت أنه ليس منتجاً كما هو متوقع، فلا تُصادر التصاريح الحالية.
قالت ساكي، إن ما يقرب من 60% من الأراضي الفيدرالية المؤجرة لا تنتج النفط أو الغاز. ومع ذلك، فإن حصة أكبر من عقود الإيجار الفيدرالية تنتج النفط والغاز أكثر من أي وقت آخر في العقدين الماضيين. وحوالي 66% من عقود الإيجار الفيدرالية البرية كانت تنتج النفط الخام أو الغاز في السنة المالية 2021، وهي أحدث البيانات المتاحة.
يسير إجمالي إنتاج الخام الأمريكي، الذي بلغ متوسطه 11.7 مليون برميل يومياً في يناير (بزيادة 100 ألف برميل يومياً عن الشهر السابق)، على الطريق الصحيح للوصول إلى مستويات قياسية العام المقبل، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
من جانبه، قال فرانك ماتشيارولا، نائب الرئيس الأول للسياسة في معهد البترول الأمريكي: "تؤدي مجموعة من العوامل إلى اتباع نهج أكثر انضباطاً في الإنتاج - وهو النهج الذي جعل زيادة الإنتاج معقدة".
ليس الديمقراطيون وحدهم من يواجه مخاطر ارتفاع أسعار النفط؛ فقد ينتهي الأمر بالمستهلكين إلى إلقاء اللوم على شركات النفط، الأمر الذي قد لا يُبشِّر بالخير للحلفاء الجمهوريين في الصناعة.