اشار ممثل المرجعية الدينية العليا أنّ هنالك الكثير من الروايات التي اهتمّت وحثّت على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ووعدت على ذلك بالأجر العظيم والمنزلة الجليلة والعطايا في الدنيا والآخرة، جاء ذلك في الخطبة الاولى لصلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف الجمعة (28/9/2018).
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان هنالك سر وتأكيد وحثّ شديد من الأئمّة (عليهم السلام) على البكاء؟!.
وتساءل الكربلائي هل يريدون منّا ائمة اهل البيت عليهم السلام البكاء العاطفي البحت أم أنّ هناك سرّاً عظيماً أراده الأئمّة من وراء هذا البكاء؟ وهل ان المراد منه أن تبقى مبادئ وقيم النهضة الحسينيّة فاعلة ومؤثّرة لنجسّدها في حياتنا الى يوم القيامة.
واستعرض الكربلائي ما ورد عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في البكاء على الامام الحسين عليه السلام في قوله: (أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين -عليه السلام- حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّيه فيما مسّنا من أذىً من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله منزل صدقٍ) ثمّ في حديثٍ آخر عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (من دمعت عينه فينا دمعةً لدمٍ سُفك لنا أو حقٍّ لنا نقصناه أو عرضٍ انتُهك لنا أو لأحد ٍمن شيعتنا، بوّأه الله تعالى بها في الجنّة حقباً)، ثمّ أيضاً يقول الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه حينما بيّن هذا الصحابيّ أنّه يستذكر مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) ويستعبر، حتّى يصل به الحال أنّه يمتنع عن الطعام لعظم مصابه، فقال له: (رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنّا...)
واستدرك ان ثواب البكاء على الامام الحسين عليه السلام ليس فقط في الجنّة، وإنّما هنالك معطيات لهذا البكاء في الدنيا وعند الموت وما بعد الموت، (...أما إنّك -لجزعك هذا على مصائبنا- سترى عند موتك حضور آبائي لك...)، وكذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) بخطابه لأحد صحابته (...ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملكُ الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمةً لك...).
واكد ان اصل البكاء موجود في القرآن الكريم وهو وسيلةٌ سماويّة وإنسانيّة اتّخذها الأنبياء للحفاظ على نهجهم، مبينا انه من خلال التأمل في بعض قصص الأنبياء التي سردها القرآن الكريم كقصّة يعقوب عليه السلام نجد أنّ البكاء وسيلةٌ قرآنيّة وإنسانيّة وولائيّة جسّدها الأنبياء (عليهم السلام).
واوضح ان بكاء يعقوب على ولده يوسف حتّى ابيضّت عيناه من الحزن لم يكن بكاء أباً حنوناً وعطوفاً على فقدان ولده، وانه ليس المعنى الذي اراد ان يوصله القرآن الكريم لانه لا يتناسب مع عظم الدور الذي أُريد للأنبياء (عليهم السلام)، بل ان يعقوب عليه السلام اراد أن يبيّن من خلال حزنه الشديد تفاعله العاطفيّ والعقائديّ والروحي مع مصيبة فَقْد ولده.
واستدرك ممثل المرجعية العليا ان يعقوب عليه السلام اراد ان يبين بان تغييب ولده يوسف جاء بسبب الحسد من قبل إخوته، وان ذلك التغييب يمثّل خسارةً للأمّة وللمؤمنين وللدين في ذلك الوقت، فأراد أن تبقى هذه المصيبة وتفاعل الأمّة المؤمنة في ذلك الوقت مع هذه المصيبة.
واردف ان بكاء السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الشديد على فقد أبيها، وكذلك بكاء الإمام السجاد عليه السلام طوال عمره الى آخر أيّام حياته على مصيبة أبيه كان الهدف منه بان تدرك الامة بانّ هناك مصيبة أصابت الأمّة الإسلاميّة حينما قُتل الإمام الحسين بهذه القتلة مع وأولاده وذرّيته وهو حجّة الله في الأرض، خصوصا انه نهض ضدّ الانحراف والظلم والفساد وأراد أن يُصلح هذه الأمّة.
وبين الشيخ الكربلائي ان هنالك حِكم متوخّاة من وراء البكاء منها انّ مسألة البكاء الشديد والدائم مرتبطٌ بالطبيعة الإنسانيّة كنوعٍ من التعظيم والتكريم للشخصيّة التي يُبكى عليها والإشادة بدورها والثناء على جهدها وجهادها، فضلا عن انّ البكاء أحدُ الأسباب المهمّة في حفظ مبادئ النهضة الحسينيّة، موضحا اننا حينما نبكي على الإمام الحسين عليه السلام نعبّر عن تعاطفنا القلبيّ والروحيّ والولائي مع المبادئ التي ضحّى بنفسه من أجلها، وفي نفس الوقت نعبّر عن استنكارنا للجريمة التي ارتكبها الظالمون والمستبدّون.
ويرى الشيخ الكربلائي أنّ البكاء يمثّل وسيلةً سلميّة وهادئة للتعبير عن التعاطف، حينما يستعمل الطغاة وسائل التنكيل والبطش والترهيب لأتباع هذه العقيدة الحقّة.
واشار في ختام خطبته ان البكاء على الإمام الحسين عليه السلام يولّد الحكمة ألا وهي التربية الروحيّة وتزكية النفوس.