المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05



تنبّؤات علوية  
  
1834   05:52 مساءاً   التاريخ: 29-01-2015
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : مفاهيم القران
الجزء والصفحة : ج3 ، ص471-483.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / سيرة النبي والائمة / سيرة الامام علي ـ عليه السلام /

هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صنو النبي ، وباب علمه ووارثه ، قد تنبّأ بملاحم أحداث وفتن في حياته وأيام امارته أخذها من منهلها العذب ونميرها الصافي ، فصدق الخبر الخبر ، فتحقق بعضها بعد مئات السنين ، ولم يكن تنبّؤ الوصي عن تكهّن وتخرّص ولا عن فراسة ومحاسبات عادية ، وشتّان بين تخرّص متخرّص ، أو كهانة متكهّن ، أو تفرّس متفرّس ، وما تنبّأ به الوصي على صهوات المنابر في الحواضر الإسلامية وميادين الحروب الطاحنة وأندية الوعظ والتبليغ معلناً بأنّ ما ذكره وراثة عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)  وعلم وصل إليه منه ، ودونك نماذج ممّا وقفنا عليه  :

قام خطيباً في البصرة مخاطباً أهلها الناكثين عندما وضعت الحرب أوزارها وقال :

1.  كأنيّ بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها (1)

وقد وقع المخبر به ، فإنّ البصرة غرقت مرتين في أيام القادر بالله ، ومرّة في أيام القائم بأمر الله ، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلاّ مسجدها الجامع ، بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر ، حسب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها ، وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها (2)

2. قوله : وكأنيّ وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ، ولا حمحمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم ، كأنّها أقدام النعام (3)

3.  قوله : وكأنيّ أراها قوماً كأنّ وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون السرق والديباج ، يعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار قتل ، حتى يعيش المجروح على المقتول ، ويكون المفلت ، أقل من المأسور (4)

يومي به إلى فتنة التتار وجيشه العرمرم الذي أعدّه رئيسها لغزو المسلمين وهدم بلادهم ونهب أموالهم وقتل صغيرهم وكبيرهم ، وقد ذكر ابن الاثير ، هذه الحادثة المؤلمة في تاريخه ( في حوادث سنة 617 وما بعدها ج 9 ص 329 ـ 387)

وقال في أوّلها : ولقد بقيت عدّة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة ، استعظاماً لها ، كارهاً لذكرها ، فأنا أقدم إليه رجلاً واُخّر اُخرى ، فمن الذي يسهل عليه ، أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ؟ من ذا الذي يهون عليه ذكره ، فياليت اُمّي لم تلدني ، ويا ليتني مت قبل هذا ، وكنت نسياً منسياً ، إلاّ أنّه حثّني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها ، وأنا متوقف ، ثمّ رأيت أنّ ترك ذلك لا يجدي نفعاً.

وقد نقل الشارح الحديدي ج 8 ص 218 ـ 241 اجمال هذه الملحمة أيضاً ، فراجع.

4. ومثل إخباره عمّا يجري بعد وفاته على الاُمّة وتعرفهم على شخصيته البارزة بعد ما كانت مجهولة كقوله : « غداً ترون أيامي ويكشف لكم عن سرائري وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي » (6)

5. ومثل إخباره عن ملك بني اُمية وزوال أمرهم عند تفاقم فسادهم في الأرض حيث قال : « أقسم ثمّ أقسم لتنخمنها (7) اُمية من بعدي كما تلفظ النخامة ثمّ لا تذوقها ولا تطعم بطعمها أبداً ماكر الجديدان » (8)

6. وقوله مخبراً عن تسلّط معاوية على العراق والزامه الناس بسب علي (عليه السلام)  والبراءة منه كما يقول : « أمّا أنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ; ولن تقتلوه ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبرائة منّي ، أمّا السب فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة » (9)

قال الشارح الحديدي : وكثيراً من الناس يذهب إلى أنّه (عليه السلام)  عنى زياداً وكثير منهم يقول : أنّه عنى الحجاج وقال قوم : أنّه عنى المغيرة بن شعبة ، والأشبه عندي : معاوية لأنّه كان موصوفاً بالنهم وكثرة الأكل وكان بطيناً يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه ـ إلى أن قال ـ : وتظافرت الأخبار بأنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)  دعى على معاوية لما بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ثم بعث فوجده يأكل فقال اللّهمّ لا تشبع بطنه وقال الشاعر :

وصاحب لي بطنه كالهاوية                    كأن في أحشائه معاوية (10)

7. ما يومى إلى سلطة الحجاج : لو تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه ، إذاً لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم ، وتندمون على أنفسكم ـ إلى أن قال : ـ أما والله ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذيال الميال ، يأكل خضركم ويذيب شحمتكم إيه أبا وذحة (11)

8.  تنبّأ بما ستلقى الاُمّة من مروان وولده بقوله ـ لما اُخذ مروان أسيراً يوم الجمل ـ : « أما أنّ له امرة كلعقة الكلب أنفه (12) ، وهو أبو الأكبش الأربعة وستلقي الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر » (13) وفسّروا الأكبش الأربعة بولد عبد الملك بن مروان وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام الذين سوّدوا تاريخ الخلافة بل تاريخ الانسانية بجناياتهم الموبقة وخزاياتهم المهلكة.

9. هذا « عرفة » الأزدي وهو من أصحاب النبي و « الصفة » وقد دعا له النبي أن يبارك له في صفقته يقول : دخلني شك في شأن علي (عليه السلام)  فخرجت معه على شاطئ الفرات ، فعدل عن الطريق ووقف ووقفنا حوله ، فقال ـ مشيراً بيده ـ : « هذا موضع رواحلهم ، ومناخ ركابهم ، ومهراق دمائهم بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلاّ الله » ، فلمّا قتل الحسين ، خرجت حتى أتيت المكان الذي قتلوا فيه ، فإذا هو الحال ما أخطأ شيئاً ، قال : فاستغفرت الله مما كان من الشك وعلمت أنّ علياً (عليه السلام)  كان على حق لم يقدم إلاّ بما عهد إليه منه (14)

10. ما تنبأ به (عليه السلام) عندما عزم على حرب الخوارج ، قيل له : انّ القوم قد عبروا جسر النهروان ، قال : مصارعهم دون النطفة والله لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة.

قال الرضي : يعني بالنطفة ماء النهر وهي أفصح كناية عن الماء وقال الشارح الحديدي : هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره ونقل الناس كافة له وهو من معجزاته وأخباره المفصلة عن الغيوب .

والاخبار على قسمين  :

أحدهما : الأخبار المجملة ولا اعجاز فيها : نحو أن يقول الرجل لأصحابه : انّكم ستنتصرون على هذه الفئة التي تلقونها غداً ، فإن نصر ، جعل ذلك حجة له عند أصحابه وسماها معجزة ، وإن لم ينصره قال : تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي ، فمنعكم الله نصره ونحو ذلك من القول ، ولأنّه قد جرت العادة على أنّ الملوك والرؤساء يعدّون أصحابهم بالظفر والنصر ، ويمنّونهم الدول ، فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمّن اعجازاً.

والقسم الثاني : في الأخبار المفصلة عن الغيوب ، مثل هذا الخبر فإنّه لا يحتمل التلبيس ، لتقييده بالعدد المعيّن في أصحابه وفي الخوارج ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه ، من غير زيادة ولا نقصان وذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)  وعرفه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من جهة الله سبحانه ، والقوّة البشرية تقصر عن ادراك مثل هذا ، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره .

وبمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته ، وأحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا ، حتى نسب إلى أنّ الجوهر الإلهي حلّ في بدنه كما قالت النصارى في عيسى (عليه السلام)  وقد أخبره النبي (صلى الله عليه واله وسلم)  بذلك فقال : « يهلك فيك رجلان محبّ غال ومبغض قال ».

وقال له تارة اُخرى : « والذي نفسي بيده لولا أنّي أشفق أن تقول طوائف من اُمّتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم ، لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ اخذوا التراب من تحت قدميك للبركة » (15)

ثمّ قال : وإعلم انّا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب ولكن كل ذلك مستند إلى البارئ سبحانه باقداره وتمكينه وتهيئة أسبابه ، فإن كان المخبر عن الغيوب ممن يدّعي النبوّة ، لم يجز أن يكون ذلك إلاّ بإذن الله سبحانه وتمكينه ، وأن يريد به تعالى استدلال المكلّفين على صدق مدّعى النبوّة .

وأمّا إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدّعياً للنبوّة ، نظر في حاله ، فإن كان ذلك من الصالحين الأتقياء نسب ذلك إلى أنّه كرامة أظهرها الله تعالى على يده أبانة له وتمييزاً عن غيره ، كما في حقّ علي (عليه السلام)  وإن لم يكن كذلك أمكن أن يكون ساحراً أو كاهناً ، أو نحو ذلك.

وبالجملة فصاحب هذه الخاصية أفضل وأشرف ممّن لا يكون فيه من حيث اختصاصه بها فإن كان للانسان العاري منها مزية اُخرى يختص بها توازيها أو تزيد عليها ، فنرجع إلى التمثيل والترجيح بينهما ، وإلاّ فالمختص بهذه الخاصية أرجح وأعظم من الخالي منها على جميع الأحوال (16).

11. لما قتل الخوارج وقيل له : يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم فأجابهم  :

كلاّ والله ، إنّهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء (17) كلّما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصاً (18) سلاّبين .

قوله (عليه السلام)  : « كلّما نجم منهم قرن قطع » استعارة حسنة ، يريد : كلّما ظهر منهم قوم استؤصلوا ، فعبّر عن ذلك بلفظة « قرن » كما يقطع قرن الشاة إذا نجم ، وقد صح إخباره (عليه السلام) عنهم انّهم لم يهلكوا بأجمعهم في وقعة النهروان وأنّها دعوة سيدعو إليها قوم لم يخلقوا بعد ، وهكذا وقع وصحّ إخباره (عليه السلام)  أيضاً أنّه سيكون آخرهم لصوصاً سلاّبين ، فإنّ دعوة الخوارج اضمحلّت ورجالها فنيت حتى أفضى الأمر إلى أن صار خلفهم قطّاع طرق متظاهرين بالفسوق والفساد في الأرض .

وممّن انتهى أمره منهم إلى ذلك الوليد بن طريف الشيباني في أيام الرشيد بن المهدي فأشخص إليه يزيد بن مزيد الشيباني فقتله وحمل رأسه إلى الرشيد .

ثم خرج في أيام المتوكل ، ابن عمرو الخثعمي بالجزيرة فقطع الطريق وأخاف السبيل ، وتسمّى بالخلافة ، فحاربه أبو سعيد محمد بن يوسف الطائي .

وقد خرجت بعد هذين جماعة من الخوارج ، وكلّهم بمعزل عن طرائق سلفهم وإنّما وكدهم وقصدهم إخافة السبيل والفساد في الأرض واكتساب الأموال من غير حلّها (19)

12. وقد أماط الإمام الستر عن وجه الحقيقة وعن كمية علمه وكيفيته في بعض خطبه وأقسم فيه بالله الذي نفسه بيده ، أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلاّ أخبرهم به وأنّه ما صح من طائفة من الناس ، يهتدي بها مائة وتضل بها مائة إلاّ وهو مخبر لهم إن سألوه برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها ومن يقتل منها قتلاً ، ومن يموت منها موتاً ، حيث قال بعد أنّ فرغ من قتال الخوارج  :

« أيّها الناس فإنّي فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري ، بعد أن ماج غيهبها ، واشتد كلبها .

فاسألوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي نفسي بيده ، لا تسألونني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة ، إلاّ أنبأتكم (20) بناعقها وقائدها ، وسائقها ، ومناخ ركابها ، ومحط رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منهم موتاً.

ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الاُمور ، وحوازب الخطوب ، لأطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسؤولين ، وذلك إذا قلصت حربكم ، وشمرت عن ساق ، وكانت الدنيا عليكم ضيقاً تستطيلون أيام البلاء عليكم ، حتى يفتح الله لبقية الأبرار منكم.

انّ الفتن إذا أقبلت شبهت ، وإذا أدبرت نبهت ، ينكرن مقبلات ، ويعرفن مدبرات ، يحمن حول الرياح ، يصبن بلداً ، ويخطئن بلداً.

ألا وأنّ أخوف الفتن عندي عليكم ، فتنة بني اُمية ، فإنّها فتنة عمياء مظلمة ! عمت خطتها ، وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمى عنها.

وأيم الله لتجدن بني اُمية لكم أرباب سوء بعدي ، كالناب الضروس ، تعذم بفيها ، وتخبط بيدها ، وتزبن برجلها ، وتمنع درها ، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم ، إلاّ نافعاً لهم ، أو غير ضائر بهم.

ولا يزال بلاؤهم عنكم ، حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ كانتصار العبد من ربّه ، والصاحب من مستصحبه ، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية ، وقطعاً جاهلية ، ليس فيها منها منار هدى ولا علم يرى.

نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة ، ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم ، بمن يسومهم خسفاً ، ويسوقهم عنفاً ، ويسقيهم بكأس مصبرة لا يعطيهم إلاّ السيف ، ولا يحلسهم إلاّ الخوف ، فعند ذاك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً ، ولو قدر جزر جزور ، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه ، فلا يعطوننيه » (21)

قال ابن أبي الحديد : ولقد امتحنّا اخباره فوجدناها موافقة ، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة ، كأخباره عن الضربة التي يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته ، واخباره عن قتل الحسين ابنه (عليه السلام)  ، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها ، واخباره بملك معاوية الأمر من بعده واخباره عن الحجاج ، وعن يوسف بن عمر ، وما أخبره به من أمر الخوارج بالنهروان ، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم ، وصلب من يصلب ، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص (عليه السلام)  إلى البصرة لحرب أهلها ، وإخباره عن عبد الله بن الزبير وقوله فيه : « خب ضب يروم أمراً ولا يدركه ، ينصب حبالة الدين لإصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قريش ».

وكأخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة اُخرى بالزنج وهو الذي صحفه قوم فقالوا : بالريح ، وكأخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق ، ( بتقديم المهملة ) وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية ، وكأخباره عن الأئمّة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر والداعي وغيرهما في قوله (عليه السلام)  : « وإنّ لآل محمد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء دعاؤه حق يقوم باذن الله فيدعوا إلى دين الله ».

وكاخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة وقوله : « إنّه يقتل عند احجار الزيت » وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة (22) : « يقتل بعد أن يظهر ويقهر بعد أن يقهر » وقوله أيضاً : يأتيه سهم غرب (23) يكون فيه منيته فيا بؤساً للرامي شلّت يده ووهن عضده » واخباره عن قتلى « وج » وقوله فيهم : « هم خير أهل الأرض ».

وكأخباره عن المملكة العلوية بالغرب ، وتصريحه بذكر كتامة ، وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم ، وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي : وهو أوّلهم ثمّ يظهر صاحب القيروان الغض البض ، ذو النسب المحض ، المنتجب من سلالة ذي البداء ، المسجى بالرداء ، وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة رخص البدن ، تار (24) الأطراف ، وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد (عليه السلام) وهو المسجّى بالرداء لأنّ أباه أبا عبد الله جعفر أسجاه برداءه لما مات ، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدوه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره.

وكأخباره عن بني بويه وقوله فيهم : « ويخرج من ديلمان بنو الصياد » اشارة إليهم وكان أبوهم صياد السمك ، يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه ، فاخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة ، ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم ، وكقوله (عليه السلام)  فيهم : « ثمّ يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء » فقال له قائل : فكم مدته يا أمير المؤمنين ؟ فقال : « مائة أو تزيد قليلاً » وكقوله فيهم : والمترف ابن الأجدم يقتله ابن عمه على دجلة وهو إشارة إلى عز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين ، وكان معز الدولة أقطع اليد ، قطعت يده للنكوص في الحرب ، وكان ابنه عز الدولة بختيار ، مترفاً صاحب لهو وشرب ، وقتله عضد الدولة فنّاخسرو ، ابن عمه ، بقصر الجص على دجلة في الحرب ، وسلبه ملكه ، فأمّا خلعهم للخلفاء فإنّ معز الدولة خلع المستكفي ورتب عوضه المطيع ، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة ، خلع الطائع ورتب عوضه القادر ، وكانت مدة ملكهم كما أخبر به (عليه السلام) .

وكاخباره (عليه السلام)  لعبد الله بن العباس ; تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده فإنّ علي بن عبد الله لما ولد ، أخرجه أبوه « عبد الله » إلى علي (عليه السلام)  فأخذه وتفل في فيه وحنكه بتمرة ، قد لاكها ، ودفعه إليه وقال : خذ إليك أبا الأملاك ، هكذا الرواية الصحيحة وهي التي ذكرها أبو العباس المبرد في كتاب « الكامل » (25) وليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة ولا منقولة من كتاب معتمد عليه.

وكم له من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى ، ممّا لو أردنا استقصاءه لكرّسنا له كراريس كثيرة ، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة (26)

13. قوله (عليه السلام)  في خطبة تسمّى القاصعة ... ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)  وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه واله وسلم)  فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟! فقال : هذا الشيطان آيس من عبادته إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك وزير (27)

قال الشارح الحديدي : روي عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)  قال كان علي (عليه السلام)  يرى مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)  قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت وقال له (صلى الله عليه واله وسلم)  : « لولا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوّة فإن لا تكن نبيّاً فإنّك وصي نبي ووارثه بل أنت سيد الأوصياء وإمام الاتقياء » (28)

ولا دليل على حمل قوله : « انّك تسمع ما أسمع » على سماع خصوص رنّة الشيطان بل هو ظاهر في العموم حسب ما يظهر من الإمام الصادق (عليه السلام) .

14. مثل اخباره عن فتنة صاحب الزنج وهو علي بن محمد بن عبد الرحيم من بني عبد القيس حيث جمع الزنوج الذين كانوا يسكنون السباخ في نواحي البصرة وخرج بهم على المهتدي العباسي في سنة خمسة وخمسين ومائتين واستفحل أمره وانتشر أصحابه في أطراف البلاد للسلب والنهب إلى أن قتله الموفق أخو الخليفة المعتمد سنة سبعين ومائتين.

« فتن كقطع الليل المظلم ، ولا تقوم لها قائمة ، ولا ترد لها راية ، تأتيكم مزمومة مرحولة يحفزها قائدها ويجدها راكبها أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلّة عند المتكبرين ، في الأرض مجهولين وفي السماء معروفون ، فويل لك يا بصرة ، عند ذلك من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر والجوع الأغبر » (29)

قال الشارح الحديدي فسّر قوم هذا الكلام بوقعة صاحب الزنج ، وهو بعيد لأنّ جيشه كان ذا حس ورهج ولأنّه أنذر البصرة بهذا الجيش ألا تراه قال : « فويل لك يا بصرة » ولم يكن قبل خروج صاحب الزنج فتن شديدة على الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)  (30)

هذه أربعة عشر خبراً غيبياً من روائع نصوص الإمام تدل على وقوفه على ما غاب عن الحس بإذن من الله سبحانه. وقد نقل الشارح الحديدي كثيراً من أخباره الغيبية في أجزاء كتابه ، وقد نقلنا بعضها في ما تقدم فلاحظ بعضها في الجزء الثاني من شرحه ص 286 ـ 295 ترى فيه أخباراً غيبية كثيرة كيف وقد روي عنه (عليه السلام)  إخبارات غيبية مبثوثة في كتب الحديث والتاريخ بحيث لو جمعها جامع لخرج بسفر جليل وضخم وفيما نقلناه كفاية للقارئ الكريم.

__________________

(1) نهج البلاغة ، الخطبة 12.

(2) الشرح الحديدي ج 1 ص 253.

(3) نهج البلاغة الخطبة 124 ، قال الشريف الرضي : يومي بذلك إلى صاحب الزنج ، وقد ذكر أخباره الطبري في تاريخه ج 3 ص 1743 طبع أوربا ، والمسعودي في مروج الذهب ج 4 ص 194 ، ونقله الشارح المعتزلي في شرح النهج ج 8 ص 126 ـ 214.

(4) نهج البلاغة الخطبة 124.

(6)  نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة 145.

(7)  نخم ـ كفرح ـ أخرج النخامة من صدره فألقاها ، والنخامة ـ بالضم ـ ما يلفظه الصدر أو الدماغ من المواد المخاطية.

(8)  نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة 153.

(9) نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة 56.

(10) الشرح الحديدي ج 4 ص 54 ـ 55.

(11)  نهج البلاغة الخطبة 112 : الوذح ما يتعلق بذنب الشاة من البعار فيجف ، والمراد هنا الخنفساء وقد لسعت يد الحجاج فورمت يده وأخذته حمى من اللسعة فأهلكته ، ولا يخفى أنّ في هذا الكلام القصير تنبّؤات.

(12) تصوير عن قصر مدتها ، وكانت تسعة أشهر ، وهذا تنبّؤ آخر.

(13)  نهج البلاغة ط عبده ص 70.

(14) اُسد الغابة ج 4 ص 169.

(15)  الشرح الحديدي ج 5 ص 4.

(16)  المصدر نفسه ص 12 ـ 13.

(17) قرارات النساء كناية عن الأرحام.

(18) نهج البلاغة الخطبة 59.

(19) الشرح الحديدي ج 5 ص 73 ـ 77.

(20) مخطوطة النهج : « نبّأتكم ».

(21) نهج البلاغة الخطبة 89 ، قال الشارح الحديدي : وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير ، وهي متداولة مستفيضة ، خطب بها علي (عليه السلام)  بعد انقضاء أمر النهروان وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي من ذلك قوله : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّي ميّت عن قريب أو مقتول ، بل قتلاً ، ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه بدم » وضرب بيده إلى لحيته. لاحظ نهج البلاغة ج 7 ص 57.

(22) كذا في النسخة وكتب الينا المحقق الشيخ محمد تقي التستري أن الصحيح : « بباخمرى ».

(23)  سهم غرب ، أي لا يدرى راميه.

(24) التار : الممتلئ جسمه وعظمه ريا.

(25)  الكامل 2 : 217.

(26) شرح النهج ج 7 ص 48 ـ 50.

(27)  نهج البلاغة طبعة عبده ج 2 ص 182 ـ 183.

(28) الشرح الحديدي ج 13 ص 210.

(29) نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة 98.

(30) شرح النهج ج 7 ص 104.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .