المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



بين الشعر اليوناني والشعر العربي القديم  
  
6096   11:47 صباحاً   التاريخ: 23-3-2018
المؤلف : د. عبد الرسول الغفاري
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص:148-150
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015 13040
التاريخ: 19-1-2020 2302
التاريخ: 23-3-2018 1492
التاريخ: 22-3-2018 5043

 

كان الشعر الاجنبي (عند اليونان والرومان والافرنج) كثير الانواع متباين الفنون، غنياً في نفسه خصباً في لفظه ومعناه، كما ان في هذا الشعر - الاجنبي- نوعاً قد تميّز به عن غيره ألا وهو الشعر القصصي والشعر التمثيلي ولكل نوع من هذه الأنواع خصائصه وميزاته وجماله.

أما الشعر العربي القديم فليس له حظّ في هذين النوعين من الشعر؟ وقد اسرف النّقاد عندما وصفوا الشعر العربي القديم بالنقص والضعف، وعندما اتهموا شعراءه بالقصور.

ولو تساءلنا لماذا انعدم الشعر القصصي والتمثيلي في ادبنا العربي القديم؟

لا يخفى ان الشعر التمثيلي يعتمد في صياغته على اللفظ من جانب وعلى المعنى من جانب آخر.

أما اللفظ فقد استخدم السرد المملّ حتى اصبحت القصيدة تبلغ من الطول اَلاف من الابيات، وهذا الطول الذي قد يصل الى حدّ الاسراف انه مستهجن ولا يمكن للقارئ أن يتفاعل مع هكذا قصيدة، علاوة على ذلك قد تتعدد الاوزان والقوافي في القصيدة الواحدة.

ثم الشعر التمثيلي يعتمد الحوار والمناظرة وكذلك يتّخذ من الاشخاص التنقّل في المشاهد والاعمال والحركات وهذه كلّها تحتاج الى مكان فعدّ لهذا الغرض، والى افراد لهم ممارسة فنّية في هذا الحوار، والى تنسيق فنّي بين مقاطع هذا الحوار.

إذاً المتحاورون لا يقتصرون على الحديث وانّما لابدّ من حركات يأتون بها على سبيل محاكاة الناس في حياتهم اليومية.

وهذا اللون من الحوار لم يعرفه الشعر العربي القديم مطلقاً لأن الشعر الجاهلي كان شعراً غنائياً، وقد اخطأ من قال بوجود شعر قصصي في الادب الجاهلي، والدليل على ذلك ان اغلب الشعر العربي شعر شخصي فهو يمثّل قبل كل شيء نفسيّة الشاعر وما يتصل به من عاطفة وهوى وميل، ولا فرق في ذلك بين جميع الاغراض التي عرفها الشعر الجاهلي كالغزل والنسيب والحماسة والفخر والمدح والرثاء والهجاء.

كما أنه كان يعتمد على الجرس الموسيقي، والكثير منه كان يُغنّى، والبعض الاَخر كان يُنشد انشاداً وهو بين القراءة والغناء.

وعليه فإن تلك الصفات والمميزات لا تشكّل منقصة في الشعر العربي ولا في الشاعر هذا من جانب، ومن جانب اَخر لا يمكن جعل الشعر الاجنبي ذا ميزة وفضل، بل لا يمكن أن نقيس بين الشعر العربي والشعر الاجنبي ونصدر الحكم بجودة احدهما دون الاَخر؛ لأن لكل امة ولكل زمان ومكان نتاجه الأدبي الخاص وظروفه الخاصة واحتياجاته. فلا يمكن أن نقيس الجودة، وعدمها بميزان شمولية الاغراض وعدم الشمولية. نعم يقاس الشعر بأنه اجاد أو لم يجد النوع الذي اشتمل عليه. ثم لا ننسى ان الشعر القصصي والشعر التمثيلي انّما وجدا قبل كل شيء عند اليونان بصورة متعاقبة، بمعنى ان هذا اللون من الشعر كان يُساير تطوّر الحياة، فهو يلائم حياة اليونانيين في سذاجتهم اثناء القرن التاسع قبل ميلاد المسيح، كما ان الشعر التمثيلي هو اثر من آثار الحياة الديمقراطية والرّقي العقلي والفلسفي اللذين ظهرا في القرن الخامس قبل المسيح.

اما الشعر الغنائي عند العرب هو كذلك كان استجابة لحاجة الفرد العربي ولاعتداده بنفسه وبناء ذاته، فلا قصور في الشعر العربي إذا انعدم فيه الشعر القصصي او الشعر التمثيلي لأن العرب امّة كانت تعيش في ارجاء الجزيرة العربية، ولهذه البيئة خصائصها المتميّزة عن بقية البيئات كما أن لساكنيها ظروفهم الحياتية المتفرّدة بها دون غيرهم من سائر الامم، فما لم يتذوّقوا نوعاً ما من الادب لم يقلّدوه ولم يقتفوا أثره.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.