أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2016
3558
التاريخ: 21-4-2016
2891
التاريخ: 7-02-2015
3549
التاريخ: 7-02-2015
3110
|
يبدو لنا من كلمات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّ العهد التاريخي للإنسانيّة بدأ بظاهرة وجود النبوّات في المجتمع البشري هذه النبوّات الّتي تقود مجتمعاتها نحو حياة أفضل، ووجود إنساني أكمل.
ما قبل التاريخ، إذن، بالنسبة إلى الإنسانيّة، هو ما قبل النبوّات، حيث كانت الإنسانيّة تعيش في حالة البراءة الفطريّة، وكانت النفس الإنسانيّة لا تزال عذراء ساذجة، بدائية، خالية من أيّ تعليم...؛ ولذا فلم تكن لدى الإنسانية في فترة ما قبل التاريخ هذه تجارب ومعاناة يعود عرضها بالفائدة التعليميّة والتربويّة لمجتمع متحضِّر، تامّ التكوين، على درجة عالية من التعقيد، يفترض فيه أنّه يُبنى على هدى خاتمة الرّسالات، وخلاصة النبوّات، وهو مجتمع الأُمّة الإسلاميّة.
ولذا لا نجد في جميع الكلام الصادر عن أمير المؤمنين حديثاً عمّا قبل عهد النبوّات، ومن هنا استنتاجنا أنّه يعتبر إشراق النبوّة وظهور الأنبياء في المجتمعات البشريّة بداية العصر التاريخي للبشرية.
وقد بيّن اللّه تعالى في القرآن الكريم تاريخ بداية عهد النّبوّات في المجتمع البشري فقال سبحانه وتعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)... كان إنسان ما قبل التّاريخ، ما قبل النّبوّات يحيا في وحدة فطرية قائمة على أساس وحدة المصالح ووحدة الدّم من جهة، وعلى عامل سلبي من جهة أخرى هو عدم وجود ما يُهدّد حالة السكون والخمود الّتي تميّز هذه الحياة نظراً لبساطة الحاجات وتوفّر ما يُلبِّيها ويُشْبِعُهَا في الطبيعة دون حاجة إلى مغالبة وصراع.
ولكنّ حركة الحياة النامية المتصاعدة، وتزايد عدد أفراد النوع، وتفاوت القدرات العقليّة والجسميّة... كلّ ذلك وما يشبهه من عوامل الانقسام والتعقيد أدّى إلى نشوء خلافات داخل الجماعة البشريّة النامية، ومغالبة وصراع بين أفرادها وفئاتها...
وربّما كان من مظاهر ذلك أو أوّل مظهر من مظاهر ذلك خلفّيات الجريمة الأولى بين ابنَي آدم حيث قتل أحدهما أخاه، وقد قصّ اللّه تعالى نبأهما في القرآن الكريم(1)، وتردّدنا في أنّ هذه الجريمة هي من مظاهر ذلك أو أنّها أوّل مظهر من مظاهر ذلك ناشئ من وجود احتمال أنّ (آدم) القرآني لا يمثّل بداية الجنس البشري على الأرض، وإنّما يمثّل بداية النسل البشري الموجود الآن، ويكون - على هذا - قد وجد نسل سابق على النسل الموجود الآن من بداية يمثّلها آدم سابق على آدم القرآني، واللّه تعالى أعلم، وعلى هذا تكون آية سورة البقرة (213) موضوع البحث تُؤرِّخ لفترةٍ من عمر البشريّة، سابقة على الفترة التي بدأت بآدم القرآني.
وعلى أيّ حال، ففي هذه المرحلة من نموّ الإنسان:
- لم تَعُد وحدة الدم كافية لتكوين وحدة المجتمع.
- ولم تَعُد ثمّة مصالح واحدة أو متّفقة.
- ولم تَعُد النفس الإنسانيّة عذراء، ساذجة، بدائية... ويستحيل على النوع الإنساني في أنْ ينمو - كما أراد اللّه في أوضاع كهذه تقوده فيها غرائزه فقط، ولا مرجّح له في خصوماته ومراعاته إلاّ غرائزه... في هذه المرحلة من نمو الإنسان قضتْ حكمة اللّه ورحمته بإرسال الأنبياء، حاملين إلى الإنسانيّة منهاج هدايتها الّذي يخرجها من عهد الغريزة إلى عهد العقل، ومن منطق الصراع الّذي مرجعه الغريزة والقوّة إلى منطق النظام ومرجعيّة القانون.
وقد حقّق الإنسان، بإشراق عهد النبوّات، قفزة نوعيّة عظيمة وحاسمة في تطوّره نحو الأعلى وتكامله، فقد خرج المجتمع البشري بالنبوّات عن كونه تكويناً حيوانيّاً - بيولوجياً إلى كونه ظاهرة عقليّة - روحية.. لقد عَقْلَنَتْ النبوّات المجتمع الإنساني وَرَوْحَنَتْهُ.
وحقّقت النّبوّات للإنسان مشروعَ وحدةٍ أَرْقى من وحدته الدّمويّة البيولوجيّة الّتي كانت سائدة قبل عهد الخلافات والانقسامات والصراع... وهي الوحدة القائمة على أساس المعتقد، وبذلك تطوّرت العلاقات الإنسانيّة، مرتفعةً من علاقات المادّة إلى علاقات المعاني... بعهد النبوّات بدأ عهد الإنسان...
وتمضي الآية الكريمة، بعد التأريخ لهذه المرحلة، في بيان أنّ الاختلافات الّتي نشأتْ في النوع الإنساني، بعد إشراق عهد النّبوّات، غدتْ اختلافات في المعنى اختلافات في الدّين والمعتقد، إذ أنّ أسباب الصّراع والبغي من بعض الناس على بعض، واستغلال الأقوياء للضعفاء لم تُلْغَ بالدين الّذي جاءتْ به النبوّات، بل استمرّت وتنوّعتْ، ولكن المرجع لم يَعُد الغريزة وإنّما غدا القانون هو المرجع، وإذا كان من المستحيل على الإنسانيّة أنْ تجد قاعدة لوحدتها وتعاونها عن طريق الغرائز، وعلاقات المادّة، فإنّ من الممكن لها أنْ تجد قاعدة ثابتة لوحدتها وتعاونها وتكاملها، عن طريق القانون الذي يتضمّنه الدّين، وغير القانون، من تربية الدّين وإغنائه لروحيّة الإنسان وأخلاقيّته، وذلك حين يستبدل الإنسان علاقات المادّة بعلاقات المعنى. وعدم بلوغ الإنسانيّة إلى هذا المُرْتَقَى ليس ناشئاً في عهد النّبوّات من فقدان الوسائل، وإنّما هو ناشئ من سوء الاختيار البشري، ومن سوء استخدام الحرِّيّة المعطاة.
لقد أفضْنا في الحديث عن بعض جوانب الآية الكريمة لنضيء بها الفكرة التي عبّر عنها الإمام (عليه السّلام) في شأن النبوّات وبداية العصر التاريخي للإنسان إذ قال: .. واصطَفى سُبحانَهُ... أنبياءَ أخذَ علَى الوحِي مِيثاقهُم، وعلى تبِليِغ الرسالةِ أمانتهُم، لمّا بدَّل أكثر خلقِهِ عهد اللهِ إليهم، فجهِلُوا حقَّه، واتخذُوا الأندادَ معهُ، واجتالتْهُمُ(2) الشياطِينُ عن معرِفته، واقْتَطَعَتْهُم عن عِبادتِهِ، فبعثَ فيِهمُ رُسُلَه، وواترَ(3) إليهم أنبياءَه،... ولم يُخلِ اللهُ سُبحانهُ خلقَهُ مَن نبيٍّ مُرسَلٍ أو كِتابٍ مُنزَلٍ، أو حُجَّةٍ لازِمةٍ أو محجَّةٍ(4) قائمةٍ: رُسُل لا تُقَصِّر بِهم قِلّةُ عددِهِم، ولا كثرةُ المُكذِّبين لهُم مِن سابقٍ سُمِّي لهُ مَن بعدهُ، أو غابرٍ عرَّفهُ مَن قبلهُ، على ذلِك نسلتِ القُرونُ، ومضتِ الدّهُورُ، وسلفتِ الآباء، وخلفتِ الأبناءُ (5).
وهكذا يعبّر الإمام عن جوانب من أفق الآية الكريمة، فحين تعقّدت الحياة البشرية نتيجةً لنمو المجتمع وتشابك العلاقات فيه، وحين أدّى ذلك إلى تصادم بين ما تقضي به الحياة الاجتماعيّة من تعاون وما تدفع إليه الغريزة والروح الفرديّة من استئثار. وحين ترافق هذا مع الانحراف عن مقتضيات الفطرة المستقيمة العذراء - وإنْ تكن في ذلك الحين ساذجة - في إدراك الخالق سبحانه وتعالى... حين حدث في حياة الإنسانيّة كلّ هذا اقتضى لطف اللّه ورحمته إرسال الأنبياء؛ ليضيئوا عقول الناس، ويرتفعوا بالمجتمع من علاقات المادّة - البيولوجيا - إلى علاقات المعنى والقانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – اجْتَالَتْهُم : صرفتْهم عن اللّه.
2 - وَاتَر: تابع.. أرسل الأنبياء يَتْبَع أحدهم الآخر.
3 - المَحَجّة: الطريق المستقيمة الواضحة، يريد هنا الشّريعة الّتي تُتَّبَع.
4 - نهج البلاغة: الخطبة الأولى.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|