أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2018
![]()
التاريخ: 25-10-2017
![]()
التاريخ: 22-11-2017
![]()
التاريخ: 25-9-2017
![]() |
يحكى انه كان في القرن الثالث الهجري شاب اسمه ( طيفور بن عيسى )، ولد ونشأ وتعلم في مدينة (بِسطام) وهي مدينة كبيرة في خراسان بإيران.
ولما أنهى تحصيله الاولي وصار عمره اثنتي عشر عاماً ، نصحه أساتذته بالذهاب الى بغداد لإتمام علمه.
وكانت امه تحبه حباً جمّا ، فلما مات ابوه اصبح أملها والوحيد في الحياة.
ولما صمم على الرحيل الى بغداد ، ذهبت معه لتودعه عند القافلة ، وأعطته صرة فيها اربعون ديناراً ، وهو إرثه من ابيه.
وقالت له : لي عندك وصية ، فهل تقبلها مني؟
قال : بلى.
قالت : ضع يدك في يدي يا طيفور، وعاهدني على التزام الصدق ما حييت.
قال : اعاهدك يا امي على الوفاء بوصيتك.
وسارت القافلة تجوب الصحراء ، وتقطع البوادي والقفار.
وحين اقتربوا من بغداد ، ودخلوا في الواحة الخضراء المليئة بأشجار النخيل ، داهمتهم عصابة من قطّاع الطرق المدججين بالسلاح ، فنهبوا كل ما فيها من بضاعة ، ثم جاؤوا الى الرجل يسألون كل واحدٍ منهم عمّا معه من مال ، ويفتّشونه بدقة.
ولما جاء دور طيفور، وجدوه صغيراً وثيابه رثّة بالية ، فاحتقروه ولم يفتّشوه ، ولكن احدهم سأله مازحاً : كم معك يا فتى؟.
فتذكر وصية امه له بالصدق في كل الاحوال ، فقال : نعم ، معي اربعون ديناراً. فضحك اللصوص من كلامه وسخروا منه ولم يصدقوه ، وتركوه استصغاراً لشأنه ... ثم ان رئيس العصابة سال اللصوص : هل فتشتم كل فرد في القافلة؟
قالوا : نعم ، ما عدا شابا صغيرا ادعى ان معه اربعين ديناراً؟
قال : نعم.
قال : اين هي؟
قال: في همياني (1).
قال : هل انت مجنون ، كيف تخبرنا بما لديك بملء ارادتك؟ وما الذي دفعك الى هذا؟
قال : دفعني الى ذلك الصدق الذي امر الله به.
قال : وهل الصدق عندك اهم واغلى من الاربعين دينارا؟
قال : اغلى بكثير، لأن خوف الله اهم من كل شيء ، وطاعته اغلى من كل عمل. وقد اوصتني امي بالصدق ، بعد ان علمني استاذي ان الصدق منجاة والكذب مهلكة ، وان الله يرانا من حيث لا نعلم ، وسوف يحاسبنا على كل اعمالنا :
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة : 7، 8].
قال رئيس العصابة : أراك تكذب أيها الغلام.
قال: لست مثلك ، إن امي علمتني على الصدق ، وأوصتني أن اكون صادقا طوال حياتي ، لأن الصدق منجاة ، والله يحب الصدق ويجزي صاحبه الجنة.
وإنني أخاف الله إن كذبت أكثر من خوفي منك.
وهذا هو الذي دعاني لأن أصرح بما معي من نقود.
فأعجب رئيس العصابة بقول هذا الغلام وجرأته ، ودخل من كلامه شيء الى قلبه. لا سيما حين رأى الغلام يخرج الصرة ويرميها اليه.
وتذكر ان الله لا يخفى عليه شيء مما يعمله السارقون ، وأن الله بالمرصاد لكل ظالم معتدٍ ، وسوف يحاسبه على عمله.
وأحدثت كلمات الغلام اليافع أثرها في قلب الرجل ، فإذا به يقول للغلام : وماذا علّمك أستاذك يا فتى؟
فقال طيفور :
قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي الى البر، وإن البر يهدي الى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق ، حتى يُكتب عند الله صديقاً.
وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي الى الفجور، وإن الفجور يهدي الى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يُكتب عند الله كذاباً).
أنصت الرجل باهتمام الى مقالة طيفور ، وأخذ يردد في سرّه كلمات : البر... يهدي .. الى الجنة.
ثم أغمد سيفه ، وقال لطيفور : صدق رسول اله (صلى الله عليه واله)، وهل تحفظ غير هذا الكلام يا غلام؟
قال طيفور : لقد علمني أستاذي الفاضل الشاعر:
الصدق في اقوالنا أقوى لنا والكذب في أفعالنا أفعى لنا
قال رئيس العصابة : زدني يا فتى ، فقد والله حركتَ كوامن الإيمان في صدري. قال طيفور : حسبك الآن قول الحق تبارك وتعالى في كتابه المجيد : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة : 119].
وقوله : {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب : 24].
ارتجفت اعصاب رئيس العصابة وهو يستمع الى طيفور يرتّل في خشوع هذه الآيات الكريمة ، وسط ذهول المشاهدين من اللصوص والمسافرين ، فلم يتمالك نفسه أشرع يردد ، وقد سالت الدموع على خدّيه : {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] .
إنه يغفر الذنوب جميعاً ، ويقبل التوبة من عباده.
وتوجّه رئيس العصابة الى الشاب قائلا : عجيب امرك يا فتى ، انت تخاف ان تخون عهد امك وهي لا تراك ، ونحن لا نخاف الله وهو يرانا ؟
وادرك رئيس العصابة انه سائر في طريق باطل ضال ، وانه لا ينجيه منه إلا التوبة.
ثم التفت الى أصحابه وقال : اشهدوا عليّ اني تُبتُ من ذنوبي وآثامي.
وقال لطيفور: هل لي ان اتوب على يديك ، فأنت رجلٌ صالحٌ تقي؟
قال : إن تبتَ تاب الله عليك ، ويغفر لك.
وأثرت أقوال الشاب في أفراد العصابة ، لا سيما حين رأوا رئيسهم يتوب الى الله ، فقالوا : إذا كان رئيسنا قد تاب فنحن أولى بالتوبة منه .
فتقدموا الى الشاب وصافحوه إعلاناً منهم بالتوبة من ذنوبهم ، وقالوا : اشهد اننا جميعاً قد تبنا الى الله.
كان المنظر رائعاً في تلك اللحظة ، لا سيما حين امر رئيس العصابة ان يرجعوا الى القافلة كل ما اخذوه ، اما الشاب فقد ارجع له صرة نقوده ، مع قطعة ذهبية هدية منه له.
وامر اعوانه بإيصال القافلة الى بغداد بحراسة تامة.
كل ذلك بفضل الصدق ، وبفضل الشاب الذي تمسك بالصدق. فكونوا من الصادقين.
_______________________
(1) الهميان : كيس يشد على الخصر كالنطاق ، تحفظ به النقود.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
مؤتمر ذاكرة الألم في العراق يشهد انعقاد الجلسة البحثية الافتتاحية
|
|
|