أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-04-2015
![]()
التاريخ: 26/9/2022
![]()
التاريخ: 16-3-2016
![]()
التاريخ: 16-3-2016
![]() |
أخذت قافلة الحسين الطريق مِن مَكُّة وبقيت تخطُّ حتَّى توقَّفت في كربلاء ، مِن عشرين ذي الحَجَّة مِن السنة الحادية والستِّين هجريَّة ، وتوقَّفت في كربلاء في اليوم الأوَّل أو الثاني مِن الشهر التالي مُحرَّم ، إنَّنا الآن نُرافقه كمُشاهدين ومُصغين ، إنَّ في المُشاهدة عِبرة سخيَّة ، ولكنَّ الإصغاء إليه في المُناسبات اللجوجة كان وفير التأمُّل ، لأنَّه كان تظهيراً أصيلاً لكلِّ ما في نفسه مِن لواعج ، ولك ما في رؤياه مِن مدى وصدى .
أدرك الحسين ـ وهو لا يزال في المَحطَّة الأُولى ـ التنعيم عبد الله بن عمر ، فلنُصغ إلى هذا النوع مِن الحوار ، الذي دار بين الاثنين في مُخيَّم الحسين .
عبد الله : يا سبط الرسول ، ما كدت أعرف أنَّك تركت مَكَّة حتَّى هببتُ ألحق بك . حمداً لله ، إنِّي توقَّفت ولمَّا تقطع بعد أكثر مِن المحطَّة الأُولى مِن الطريق .
الحسين : ألا تراني أُرحِّب بك ، هات ما عندك .
عبد الله : ما أكرمك ! تكسر قليلاً مِن شوقي ـ يا ابن علي ـ لقد رأيت جَدَّك الرسول يكشف عن سِرَّتك وأنت طفل ، ويُقبِّلك بها وهو مُغمض العينين ، ألا تكشف لي سِرَّتك ولو كنت لم تفعل ذلك مُنذ أكثر مِن خمسين سنة ؟
الحسين : لقد ذكرتني ـ يا رجل ـ بنعيمي الذي حكت منه ثوب أحلامي ، فها أنِّي أمامك على ظهري ، ولن أتحرَّك ولو ضربتني بألف خَنجر .
وانحنى ابن عمر يُقبِّل سِرَّة الحسين ثلاثاً ، وفي كلِّ واحدة منها كان يبدو وكأنَّه ينتهل مِن الكوثر ، ثمَّ نهض وهو يشكر ويقول :
عبد الله : أتُريدني أشكرك على نعمة أُسبغت عليَّ ـ يا ابن بنت الرسول ـ ؟ ولكنْ ... هل تُصغي إلى رجاء لي ؟
الحسين : اجلس وأفصِح يا ابن عمر .
عبد الله : أيُّ إفصاح لي وأنا استعطفك بالرجوع إلى محارم الكعبة ؟! ألا تسمعني أقول لك : إنَّ نجاتك مِن القتل ؟! لا يشفع فيها واحد بألآلف إنْ تابعت طريقك !!!
الحسين : إنَّ خمسين سنة مَرَّت علينا بعد ابن الخطَّاب قد صاغت قَدَري ، فلا تحزن عليَّ يا ابن عمر !!! رعاك الله مِن مُشفق تأخَّر كثيراً إشفاقه .
ونهض الحسين يتمشَّى تحت بِلاس الخيمة ، فهم ابن عمر أنَّه المصدوم برجائه ، فقام حزيناً وانسحب ، بينما كان يدخل بوَّابه أسعد الهجرى .
الهجري : يحيى أخو عمرو بن سعيد !
الحسين : أيُلاحقُني أمير الحِجاز بعد أنْ تركت له الحجاز وكلَّ أهل الحِجاز ؟! ألا خَسىء الرجل ، وخسىء مروان بن الحَكم والوليد بن عتبة !! أدخله يا أسعد ولا تَخف عليَّ .
بعد قليل كان أخو الوالي في حضرة الحسين على بوَّابة المُخيَّم ، فعاجله الحسين قبل أنْ يرمي (عليه السلام) : الحسين : مِن قِبَل الأمير ، أليس كذلك ؟
يحيى : أجل ، أخي عمرو ، وهو أمير الحِجاز كما تعلم ، يعتب عليك لا تودِّعه قبل أنْ ترحل .
الحسين : طرق القوافل مفتوحة ، قُلْ للأمير يا أخا الأمير : فمتى كان على مُسافر أنْ يودِّع الأمير ؟
يحيى : ولكنَّ الحسين يعلم ـ كما يعلم عبد الله بن الزبير ـ أنَّ المُبايعة للخليفة يزيد هي التي تفكُّ مِن المُراقبة والمُلاحقة .
الحسين : قُلْ للأمير : أنْ لا شيء يحجزني في أرض أُريد أنْ أتركها إلى حيث يطيب لي .
يحيى : إنَّه عصيان على ما يبدو ، سريعاً ما سأُبلِغ الأمير ، نحن على خيل لا تُلحَق ، غداً أو بعد غدٍ يكون لنا ما نتدبَّر به أمرك .
لم يجهد الحسين نفسه بالجواب ، بلْ تبسَّم وأرتدَّ إلى الداخل ، ولم يَعُدْ يرى كيف انصرف الرجل ، إلاَّ أنَّه أمر سريعاً بالرحيل ، وقبل أنْ يبلغ المَحطَّة كان قد لحق به ابنا عبد الله بن جعفر ـ عون ومحمد ـ فنزلا معه في الصفاح ، حيث دار الحوار التالي :
الحسين : وما عند ابني العَمِّ عون ومحمد ؟
عون : لقد هلع أبي عليك ـ يا عَمُّ ـ لا سِيَّما وقد عرف أنَّ الأمير ابن العاص قد أرسل في أثرك أخاه سعيداً ، فقصده وبقي يُلحُّ عليه حتَّى استحصل على أمان لك تعود به إلى مَكَّة ، وهذا هو صَكُّ الأمان .
الحسين : لا أمان لنا يا عون في ظِلِّ بني حرب ، الأُمَّة كلُّها ـ يا ابن العم ـ تضيع عن التلقُّط بحبال أمنها !!!
محمد : ولكنَّ الكتاب بين يدينا يا عَمُّ .
الحسين : إنَّها كذبة قِرد ـ يا محمد ـ ألم يُخبرك أبوك ـ عبد الله بن جعفر ـ أنَّ صكوك الأمان قد بُدئ بتمزيقها مُنذ العهد الأوَّل على يدي أبي بكر ؟!! فيكف نُصدِّق أماناً يُقهقه به قرد جديد في عهد يزيد ؟ ارجعا وفتِّشا عن أمان آخر ـ يا حبيبيَّ ـ علَّني سأشتريه لكما مِن يَقظة جديدة مزروعة في دمي الأحمر!!!
عون : وما تقصد يا عمَّاه ؟!
الحسين : ألا تخاف إنْ فسَّرت لك ؟
عون : ولكنِّي أخاف أنْ لا أراك يا عمُّ !! لقد التقينا مُنذ ساعة بشاعرنا الفرزدق ذاهباً إلى الحَجِّ ، سألناه عن الناس في العراق تجاهك ، فأجاب : قلوب الناس معك ـ يا عمُّ ـ وأسيافهم عليك !!!
الحسين : أتظنُّني لا أعرف ذلك ؟!
عون : وكيف تذهب إليهم ؟!
الحسين : حتَّى أبلوهم بالحقِّ ، حتَّى أستشهدهم على نفوسهم الضائعة بين الصدق والكذب ، حتَّى أُوكِّد لهم أنَّ الوعي لا يذلُّ وأنَّ الذِّلَّ لا يعى ، حتَّى أُرشدهم إلى حقيقة هاجعة فيهم يجلونها بالصدق ، والإباء وعِزَّة النفس .
إنَّها القيمة التي يعيش بها الإنسان الصحيح الكريم ، وهي التي تبني المُجتمع الصحيح بقلبه وعقله وعفافه ، حتَّى أُبيِّن لهم أنَّ الحاكم الذي يرهب الناس ويشتريهم ، هو ذاته الذي يجعلهم أبقاراً تحلب وقطعاناً تسمن ، إنَّ الحليب والدسم ليُهرق فوق موائد الأمير !!!
محمد : وكيف يُمكنك ـ يا عمُّ ـ أنْ تُفهمهم ذلك ؟
الحسين : أُقدِّم لهم القُدوة ، أُعلِّمهم كيف يكون الرفض يشترون به صَكَّ الأمان ، لو أنَّ الأُمَّة تعلمت الرفض ـ يا محمد ـ لما كان ليزيد بين يديها رقصة تهريج مع دَنٍّ ودَفٍّ ووترٍ!!!
محمد : وكيف تُقابله وهو لابس هكذا نعله ؟
الحسين : سأُقابله بالرفض ، وسأُمكِّنه مِن الرقص على بدني حتَّى ترى الأُمَّة ـ بأُمِّ العين ـ أنَّ ثأرها لي هو الذي يُحييني فيها رافضة ـ فيما بعد ـ تسليم حاكمها حينما يُذلِّلها به !! فليكن إيمانك بالأُمَّة يا ابني ، وليكن لي أنْ أُريها أنَّ الحقَّ يبنيها ، وأنَّ العُنفوان يحميها ويُزهيها .
ما توصَّل الحسين إلى مثل هذه الحرارة في البحث ، حتَّى سكت كأنَّه المُنهك ، ثمَّ نهض مِن مكانه وخرج يستكشف وطأة الليل في الخارج ، بعد لحظات لحق به عون ومحمد ، فاستفهم الحسين :
الحسين : أتعودان الآن إلى مَكَّة ؟
عون : أبداً ـ يا عَمُّ ـ ها أنَّنا نُمزِّق تحت قدميك كتاب أمان عمرو بن سعيد ، ولن نترُكك وحدك في مُواجهة القَدر !!!
بينما كان الحسين يُراقب الورقة المفتوتة كيف راحت تَجثم بين قدميه ، كان يتناول بين ذِراعيه الرجلين ويلفُّهما بجُبَّته الوسيعة !!! مع الصباح قطعت القافلة وادي العقيق ، وتجاوزتها إلى الحاجز مِن بطن الرُّمَّة .
توقَّف الحسين قليلاً في هذه المَحطَّة ، لتحضير كُتبٍ وإرسالها بسرعة إلى البصرة ، ولقد استدعى إليه قيس بن مُسهر الصيداوي ، وهو مُرافق لهم في القافلة التي لا يتجاوز عددها مِئة وثمانين نفراً بما فيهم النساء والأبناء والأخصَّاء ، لقد دار الحوار بالشكل التالي :
الحسين : إنِّي أُدرك ـ تماماً ـ أنَّ المُهمَّة صعبة يا قيس ، ولكنَّك أنت الأصلب ، تعهَّدها ، هذه رسائل اجتهد في الحِرص عليها ، وإيصالها إلى سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيب بن نجبة ، ورفاعة بن شداد ، معناها ؛ حتَّى يكونوا على علم بقُدومنا تتميماً لكلِّ ما مهَّد له مسلم بن عقيل.
قيس : سأسلُك أقرب الطُّرق ، وسأكون ـ يا سيِّدي ـ مِن نوع الثعالب في التخفِّي والظهور ، أليست الحالة تقضي مثل ذلك ؟!
الحسين : صدقت ، وأرجو أنْ لا يكون قد وصل إلى يزيد خبر تَرْكي مَكَّة إلى البصرة ، ولكنَّ أمير الحِجاز ثعلب آخر يا قيس ، وليس أخوه يحيى أقلَّ مِن قِرد على ظهر برذون ، عليك أنْ تتحسَّب كثيراً ـ ياقيس ـ أتوقَّع أنَّ ما مِن مَخرم مِن مَخارم الدروب إلاَّ وأصبح ليزيد عين عليها ، فماذا تُراك تصنع بالكتب معك إذا وقعت بمصيدة ؟!
قيس : لا تَخَفْ يا سيِّدي ، أُمزِّقها وأزدردها ، ولنْ أعدم وسيلة أبلغ بها البصرة ، إنِّي كنت رسولك إليهم فيتمُّ لنا بذلك إبلاغ الغرض .
الحسين : تزوَّد بالحقِّ وامشٍ يا قيس ، وانتظرني ألحِق بك ، ألا ترانا أبداً على موعد ؟!!
التفت إليه قيس وقد التهبت حَدقتاه بما لا يُفسَّر أنَّه حِلم أو عزم ، أو وحي مِن قرار ، ولكنَّه سريعاً ما انسحب وامتطى الليل كأنَّه الخفَّاش ، ولكنَّه عَلِمَ في ما بعد أنَّ ما توقَّعه الحسين كان ترجمة صحيحة لما قد حصل ، فأمير الحجاز ما وجَّه أخاه في أثر الحسين وأدركه في المُحطَّة الأُولى مِن الطريق ( التنعيم ) ألاَ وكان قد وجَّه رسولاً آخر خطف الطريق خطفاً إلى يزيد في الشام ، يُطلعه على ما حصل ، وفي الساعة ذاتها كان صاحب الشرطة عند يزيد ـ الحُصين بن تميم ـ يربط الخطوط بالمُراقبة : مِن القادسية ، إلى خَفَّان ، إلى القطقطانة ، إلى جبل لَعْلَع ، وكلُّها مراكز ومحطَّات لابُدَّ للمُتوجِّهين صوب العراق والشام أنْ يمرُّوا بها ، ولقد خدع الناس على هذه الخُطوط برجال شرطة يزيد ، وظنُّوهم طلائع جيش يخصُّ الحسين ، لأنَّ شائعات ـ ولو مُتكتِّمة ـ كانت تتردَّد هنا وهناك بأنَّ الحسين سيُبايع له ، أمَّا حامل الكُتب قيس فإنَّه لم ينج مِن خيوط الشراك ، فمزَّق الكُتب وازدرَدَهَا قبل أنْ يُساق إلى والي الكوفة عبيد اللّه بن زياد ، الذي أمره ـ حتَّى ينجو ـ بأنْ يعتلي منبراً في الكوفة ويَلعن مِن فوقه الحسين ، فأطاع قيس ، ولكنَّه هتف بصوته المُرعد مِن فوق المنبر بلعن يزيد وابن زياد ، ولمَّا رُمي مِن فوق السطح وتحطَّم رأسه ، كان الخبر قد دخل كلَّ بيت مِن بيوت الكوفة ، وهكذا تمَّ تمزيق الكُتب ، ولكنَّ التكهُّن بأنَّ الحسين قريب مِن الأبواب كان حِصَّة الألبَّاء .
لم يتوقَّف الحسين إلاَّ قليلاً في مَحطَّة ماء للعرب ، وبينما كان رجال يملأون القِرب لعطش الطريق ، كان الحسين يُصغي لرجل مشهور هناك بحٍكمته وحُسن رأيه ، عبد الله بن مطيع العدوي :
عبد الله : مَن أنا ـ يا ابن بنت الرسول ـ حتَّى تُصغي إليَّ ؟ ولكنِّي أربأ بك وأنت الحكيم البصير ، ويغلبُني حُبِّي لك ولأهل البيت ؛ فأجرؤ وأقول لك : بالله عليك ـ يا سيدى ـ لا تُكمل الطريق ، لن يكون لك مِن مَحبَّة القوم درع تَقيك ، إنَّهم يَعِدون ولا يفون ، تظنُّهم صادقين وهُمْ مُقدمون ... ثمَّ ـ والله أعلم ـ لماذا يلوون على أعقابهم ويهربون!!!
الحسين : وأنا أعلم أنَّك الصادق ـ يا ابن مطيع ـ ولكنِّي لا أتمكَّن مِن الهروب مثلهم مِمَّا كلَّفني جَدِّى القيام به . إنَّ الأُمَّة أيُّها العدوي ـ ولا شك انك تعرف أنَّها أُمَّة جَدِّي ـ تُطالبني بأنْ أقرأ عليها فصلاً مِن فصول الكتاب الذي خَطَّه جَدِّي ، وقرأ منه أبي عليٌّ فصلاً كبيراً عليها ما تذوَّقت منه إلاَّ القليل ، وقرأ منه أخي الحسن فصلاً آخر لم تفهم إلاَّ قليلاً مغزاه ... أمَّا أنا فحصَّتي مِن القراءة شاقَّة كما يبدو لك ، ولكنِّي سأتذوَّقها وأُعلِّم الأُمَّة كيف يستحلبون منها حَلاوة هي وحدها التي تُعمِّر بها خليَّة النحل .
عبد الله : سيِّدي ... هل هذه هي العظمة ؟
أخذ الحسين السؤال ، وهو يلتفت صوب الرجال وفي أيديهم القِرب الملأى مِن الماء ، ففهم أنَّ الوقت قد حان لترك المكان ، فعاد إلى جليسه ليُردَّ عليه جواب السؤال :
الحسين : وإنَّها في الشهادة إذ يحين وقت الشهادة ، على رسلك يا بن مطيع !!!
وأقلع الركب وابن مطيع يُشيِّعهم ، وفي عينيه لهب جديد تركه يهبط إلى العميق مِن وجدانه ، والله أعلم كيف تحوَّل في نفسه بعدما وصله خبر استشهاد الحسين في كربلاء !!!
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|