أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015
1905
التاريخ: 5-05-2015
2622
التاريخ: 27-02-2015
2485
التاريخ: 2024-04-28
884
|
على صعيد الاحتجاج الكلامي استندوا إلى بناء العقلاء ، إذ دأبت البشرية على الأخذ بظواهر الكلام في جميع اللغات وترتيب الآثار على ذلك ، ولا معنى لتجميد هذا الأصل عند ما يأتي الدور إلى القرآن الكريم وعصر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقد نزل القرآن بلغة العرب وتبنى طريقتهم في عرض أفكاره ، فكانوا يفهمون ظاهر كلامه ، ويرتبون الأثر على ضوء ذلك (1).
يكتب السيد الخوئي (ت : 1413 هـ) : «لا شكّ أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يخترع لنفسه طريقة خاصة لإفهام مقاصده ، وأنّه كلّم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلّم ، وأنّه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه ، وليتدبّروا آياته فيأتمروا بأوامره ويزدجروا بزواجره» (2).
كما يكتب السيد الطباطبائي (ت : 1403 هـ) معززا الأصل ذاته : «القرآن الكريم كلام كسائر ما يتكلّم به الناس ، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة وما يرومه من بيان المفاهيم والمعطيات ، وليس فيه خفاء على المستمعين لآياته».
ثمّ يضيف : «ولم نجد دليلا على أنّه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من ألفاظه وجمله» (3). وبذلك لم يعبأ بما احتجوا به من أدلّة على تعطيل الفهم ، حيث عمد كغيره ، إلى مناقشة بعضها وردّ بعضها الآخر لقصور دلالتها أو لعدم دلالتها أصلا على المطلوب ، إذ انتهى بعد المناقشة إلى قوله : «إنّ الآيات القرآنية كبقية ما يتكلّم به المتكلمون لها مداليلها ، وهي في نفسها حجّة مع غض النظر عن الأحاديث الواردة في التفسير» (4) ، إيمانا منه بأنّ حجّية قول النبي والأئمة ينبغي أن تفهم من القرآن «فكيف يتصور توقف حجّية ظواهره على أقوالهم عليهم السّلام» (5) ؟
عند ما ننتقل إلى الإمام الخميني نراه يستند إلى بناء العقلاء الجاري في المخاطبات العرفية لإثبات حجّية الظهور القرآني .
فلمعرفة أي كلام وتحقق حجيّته ، لا بدّ من طي مراحل ، هي :
1- إثبات صدوره عن المتكلم.
2- إثبات أصل الظهور بالتبادر القائم على أساس الارتكاز العرفي والنظام اللغوي العام ، وبالاستفادة من خبراء اللغة والمختصين بها بعد ثبوت حجّية قولهم.
3- إثبات جهة الصدور ، وأنّ مراد المتكلم هو الإفهام بالإرادة الجدية بحيث يتطابق ما يفيده الاستعمال الكلامي مع ما يريده المتكلم ، دون أن يكون هناك ملاك آخر يمنع من التطابق كالتقية وغيرها (6).
إنّ هذه الخطوات الثلاث تنتظم أي كلام يندرج في نظام التخاطب العرفي ، فأي نص يقطع هذه المراحل يحقق لنفسه الحجّية الظاهرية من دون فرق بين كلام وآخر. على هذا الأساس يكتب الإمام في دروس بحثه الاصولي : «ما ذكرناه جار في عامة التخاطبات العرفية ، فإنّ حجّية قول الرجل في أقاريره ووصاياه وإخباراته يتوقف على طيّ تلك المراحل عامة ، من غير فرق بين الكتاب والسنّة وغيرهما».
بعد هذه المقدمة يستطرد الإمام بما نصه : «لا ريب لمن له أدنى إلمام بالمحاورات العرفية ، في أنّ ظواهر الكلام متبعة في تعيين المراد ، وعليه يدور رحى التكلم والخطابات من دون أدنى غمض منهم أصلا. وأنّهم يفهمون من قول القائل :
زيد قائم ، بالدلالة العقلية على أنّ فاعله مريد له ، وأنّ صدوره لغرض الإفادة ، وأنّ قائله أراد إفادة مضمون الجملة إخباريا أو إنشائيا لا لغرض آخر.
وبما أنّ مفردات كلامه موضوعة يحكمون أنّ المتكلم أراد المعاني الموضوعة لها ، وبما أنّ له هيئة تركيبية وله ظاهر ومتفاهم عرفي ، يحملون كلامه على أنّه مستعمل فيما هو ظاهر فيه ، وأنّ الظاهر من تلك الهيئة التركيبية مراد استعمالا.
ثمّ يتبعون ذلك أنّ المراد استعمالا مراد جدي ، وأنّ الإرادة الاستعمالية مطابقة بالإرادة الجدية ، كلّ ذلك اصول وبناء منهم في محاوراتهم العرفية ، ولا يصغون إلى قول من أراد الخروج عن هذه القواعد ، وهذا واضح» (7).
النص القرآني بوصفه كلام اللّه أنزله على النبي وحيا ، لا يشذ عن هذه القاعدة العامة ، ومن ثمّ فلا كلام في ثبوت حجيته بالنسبة إلى الجميع. وبتعبير سماحته في نص اصولي آخر : «لا إشكال في حجّية الظواهر ، من غير فرق بين ظواهر الكتاب وغيره ، ولا بين كلام الشارع وغيره ، ولا بالنسبة إلى من قصد إفهامه وغيره» (8).
انتقل الإمام في دروسه بعدئذ إلى تمييز الأساس الاصولي لمبدأ حجّية الظواهر ممّا لا شأن له بموضوعنا ، ثمّ لبث هنيهة مع المحقق القمي (9) (ت : 1231 هـ) وما نسب إليه من دعوى اختصاص حجّية الظواهر بمن قصد إفهامه دون بقية المخاطبين ، لاحتمال وجود قرينة اعتمدها المتكلم ، فمع هذا الاحتمال لا يمكن الوثوق من أنّ ظاهر الكلام هو المراد ، إذ ردّ عليه بمناقشة في الصغرى والكبرى ، وبما يفيد أنّ الخطاب وإن كان متجها إلى مخاطب خاص إلّا أنّه يجري مجرى الخطاب العام ، لأنّ الأحكام والتعاليم مشتركة ووظيفة النبي والأئمة بثها بين الناس ، وبالنتيجة فإنّ الغرض مفاد الكلام نفسه من غير دخل لمتكلم خاص.
ثمّ إنّ احتمال الاعتماد على القرائن وقت الخطاب مدفوع بالأصول العقلانية التي تفيد العمل بالظواهر مطلقا ، وأصالة عدم القرينة ما لم يحرز أنّ بناء التكلم قائم على الرمز وحذف القرائن (10) ، والقرآن خطاب عام لا يختص بفئة دون اخرى ، ولا زمان دون زمان «ليصح افتراض اعتماده على القرائن الحالية التي لا يدركها إلّا من قصد إفهامهم بها» (11).
لقد سعى بعضهم أن يستظهر بهذا الرأي للمحقق القمي في تأييد موقفه المناهض لحجّية الظواهر القرآنية واختصاصها بمن خوطب به.
على هذا الأساس تناوله الإمام الخميني وغير باحث ممّن عرض لمناقشة الموضوع ، ليتحول بعد ذلك إلى بعض ما استند إليه الأخباريون (12) في موقفهم النابذ لحجّية ظواهر القرآن ، خاصة فرضية ادعاء وقوع التحريف (13) ، منقضا على هذه الدعوى بكلّيته ، مؤكدا بطلان تلك المزعمة ، وإنّه لا ينبغي لذي مسكة أن يركن إليها كما سيأتي الكلام مفصلا حين البحث في شبهة التحريف.
ثمّ تقريب كلامي آخر يمكن أن نستشفه على حجّية القرآن في عصر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وفيما بعده من العصور ، ساقه الإمام في كتاب حجاجي مهم ألفه مبكرا ، وناقش فيه عددا كبيرا من قضايا الساحة على المستوى العقائدي والثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخي. يمكن تقرير هذا الاستدلال على أساس المقدمات التالية :
1- لم يأت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالقرآن للتلاوة فقط بل للعمل. ففي القرآن أحكام وقوانين وآيات عملية ينبغي تطبيقها في واقع الحياة.
2- ما دام في القرآن آيات عملية هي بمثابة القانون العام ، فينبغي أن تكون هذه الآيات على مستوى الفهم العام من دون حاجة إلى تأويل لأنّ «القانون إذا ما وضع لبلد ما فلا ينبغي أن يوضع بصيغة بحيث لا يفهمها أهالي ذلك البلد ، أجل من الممكن أن يحتاج القانون في تفصيله وتوضيحه إلى علماء ، بيد أنّ هذا الأمر هو غير التأويل» (14).
3- العمل بالقرآن لم يختص بعصر النبي دون غيره من العصور ، بل هو للعصور كافة (15).
على ضوء هذه المقدمات لا بدّ أن يكون القرآن مفهوما على المستوى العام ، أو لا بدّ أن تكون الآيات العلمية هكذا على أقل تقدير. لهذا فإنّ : «ما توفر عليه القرآن من قوانين عملية- وكذلك الحديث- جاء بها من أجل عامة الناس ، كان قد بيّنها بطريقة بحيث يفهمها الناس» (16).
____________________________
(1)- الاصول العامة للفقه المقارن : 102- 103.
(2)- البيان في تفسير القرآن : 281.
(3)- القرآن في الإسلام : 35- 36.
(4)- نفس المصدر : 85.
(5)- نفس المصدر : 37.
(6)- تهذيب الاصول 2 : 162 ، دروس في علم الاصول ، الحقلة الاولى : 126- 143.
(7)- تهذيب الاصول 2 : 163.
(8)- أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية 1 : 241.
(9)- أبو القاسم بن محمد حسن الجيلاني المعروف بالميرزا القمي ، ولد في رشت سنة 1151 ه ، درس فيها مقدمات العلوم ، ثمّ هاجر إلى خونسار ومنها إلى العراق لمواصلة تحصيل العلم ، تتلمذ في العراق على يد الوحيد البهبهاني ، ثمّ قفل راجعا إلى إيران فاستقر في مدينة قم حتّى وافاه الأجل فيها ، من أبرز مؤلفاته كتاب «القوانين في الاصول».
(10)- القوانين في الاصول : 164 ، على أنّ ما يجدر الانتباه إليه أنّ الإمام ناقش رأي القمي في نطاق الأخبار الواصلة إلينا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام ، وقد صرفنا رأي سماحته إلى القرآن حيث لا فرق بينه وبين السنّة من هذه الزاوية.
(11)- الاصول العامة للفقه المقارن : 107 ، حيث ناقش القمي في إطار إثبات حجّية ظواهر القرآن الكريم.
(12)- ممّا يستند إليه الأخباريون في عدم حجّية ظواهر الكتاب هو العلم الإجمالي بطرو مخصصات لعمومات القرآن ومقيدات لمطلقاته من السنة. وقد أجاب الاصوليون على ذلك بأنّ أحدا لا يدعي جواز الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب بلا مراجعة الأخبار الواردة عن النبي والأئمة. وإذا ما انحصرت الشبهة في هذا البعد ولم يرد المحدثون أكثر من هذا ، فستكون النتيجة كما انتهى إليها أحد الباحثين المتضلعين ، هي : «خلاف شكلي ، فهم لا يمنعون من العمل بظواهر الكتاب مطلقا ، وإنّما يمنعون عنه إذا لم يقترن بالفحص عن مخصصه أو ناسخه أو مقيّده». ينظر هذا الرأي للسيد محمد تقي الحكيم ، في : الاصول العامة للفقه المقارن : 105.
كما انتهى إلى النتيجة ذاتها باحث آخر وهو يسجّل : «و العمدة أنّ نظر القوم [الأخباريين] في مسألة حجّية الكتاب ، إنّما يعود إلى جانب آيات الأحكام التي اكتنفها لفيف في حجم ضخم ، من الأحاديث المأثورة بوفرة ، حيث جاءت اصول الأحكام في الكتاب وفروعها في الأحاديث ، فلا تخلو آية من تلكم الآيات إلّا وحولها روايات عدة».
و في ذلك بالذات يقول الأخباريون كسائر الفقهاء الاصوليين : «لا يجوز إفراد آيات الكتاب بالاستنباط بعيدا عن ملاحظة الروايات الواردة بشأنها». ينظر : التفسير والمفسّرون 1 : 96.
(13)- يشير الشيخ معرفة بعد استعراضه لآراء عدد من أقطاب الاتجاه الأخباري ، إلى خلوّ - كلامهم من كثير ممّا نسب إليهم «و لا سيّما مسألة التحريف لا تجدها في كلامهم البتة ، وإنّما أوردها صاحب «الكفاية» تبعا للشيخ في «الرسائل» احتمالا في المقام ، من غير نسبته إلى الأخبارية أو غيرهم».
كما ينبّه في مواضع متعدّدة من دراسته إلى أنّ علماء هذا الاتجاه يقولون بجواز مراجعة جميع الآيات مراجعة ذاتية لفهم معارف الدين والحكم والآداب ، إلّا إذا وجدت رواية صحيحة صريحة المفاد فينبغي ملاحظتها أيضا ، كما ذهب لذلك الحر العاملي (الفوائد الطوسية : 194) ، بل إنّ فقيها أخباريا بارزا كالشيخ يوسف البحراني (الحدائق الناضرة 1 :32) تبنى رأي الشيخ الطوسي في معاني القرآن وفهمه.
ينظر : التفسير والمفسّرون 1 : 94- 96.
(14)- كشف الأسرار : 321.
(15)- اعتمدنا في صوغ هذه المقدمات ، على كشف الأسرار : 134- 135 و321- 324. على أنّ هذا الكتاب لم ينل بعد العناية المطلوبة من قبل الباحثين لا سيّما باللغة العربية ، مع أنّه يتضمن بذور الأفكار ، ويشير إلى البواكير الأولى في فكر الإمام ومنطلقاته في الحركة.
(16)- كشف الأسرار : 322.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|